المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تصدير عبارة "الدين أفيون الشعوب - من قضايا التربية الدينية في المجتمع الإسلامي

[كمال الدين عبد الغني المرسي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مفهوم التربية الدينية في الإسلام

- ‌معنى التربية:

- ‌تربية الله لعباده

- ‌علم التربية والتعليم علم بدأه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌علم التربية والتعليم في المدرسة المحمدية

- ‌الفصل الثاني: مصادر التربية الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌أولًا: التربية في القرآن الكريم

- ‌ثانيا: السنة النبوية

- ‌مدخل

- ‌الرسول نعمةٌ أنعم الله بها على المؤمنين وعلى العالمين:

- ‌سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة في القرآن:

- ‌المثل الأعلى في التربية:

- ‌للرسول حقوق على كل من آمن به

- ‌ثالثا: هدى الصحابة

- ‌مدخل

- ‌تربية الله للصحابة:

- ‌تربية الرسول للصحابة:

- ‌الصحابي إنسان عالمي:

- ‌رابعا: هدى التابعين

- ‌مدخل

- ‌التابعون في القرآن

- ‌التابعون في السنة:

- ‌طبقات التابعين:

- ‌الفصل الثالث: منهج الإسلام في التربية

- ‌مدخل

- ‌المرحلة الأولى: الزواج وتكوين الأسرة

- ‌العقيدة وحسن اختيار الزوج

- ‌آداب المعاشرة:

- ‌التعاون بين الزوجين

- ‌المرحلة الثانية: الاستعداد لإستقبال المولود

- ‌إعداد البنية الصالحة لنشأة الطفل قبل الميلاد

- ‌المرحلة الثالثة: مرحلة الطفولة والصبا

- ‌آداب استقبال المولود:

- ‌ختان المولود:

- ‌العناية بالرضاع:

- ‌تأديب الولدان

- ‌التلطف بالصبيان:

- ‌مداعبة الأطفال واللعب معهم:

- ‌الإحسان إلى اليتيم:

- ‌المرحلة الرابعة: مرحلة الشباب الباكر إلى الرجولة

- ‌الارتقاء في أسلوب التربية:

- ‌تعليمه حقوق الأخوة الإسلامية:

- ‌تعليمه حقوق الجوار:

- ‌كما جاء في حقوق الأقارب والرحم عند الغزالى

- ‌الفصل الرابع: وسائل تطبيق المنهج الإسلامي في التربية

- ‌مدخل

- ‌التربية بالتلقين والتعويد

- ‌مدخل

- ‌رفاعة بك رافع الطهطاوي:

- ‌عبد الله باشا فكري:

- ‌علي مبارك باشا:

- ‌الشيخ محمد عبده:

- ‌ التربية بالقدوة:

- ‌التربية بشغل أوقات الفراغ وتنظيم الأوراد

- ‌مدخل

- ‌رياضة الباطن:

- ‌رياضة البدن:

- ‌التربية بالقصة والعظة

- ‌مدخل

- ‌قصة جريج العابد:

- ‌قصة التائب قاتل المائة:

- ‌شجاعة غلام:

- ‌التربية بالعقوبة

- ‌مراعاة طبيعة الطفل المخطئ في استعمال العقوبة

- ‌التدرج في المعالجة من الأخف إلى الأشد

- ‌شبهة "حقوق الإنسان" التي تنادي بها منظمة اليونسكو:

- ‌خصائص منهج التربية الدينية الإسلامية تقود إلى السيادة

- ‌مدخل

- ‌ الأصالة:

- ‌ الشمولية والتكامل:

- ‌ الأخلاقية:

- ‌ الواقعية وقابلية التطبيق:

- ‌ الثبات والخلود:

- ‌الفصل الخامس: الجهات المسئولة عن التربية

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأسرة

- ‌تعويد الطفل على الخصال الحميدة

- ‌تجنيب الطفل العادات السيئة:

- ‌حال الأسرة المسلمة في عصرنا الحاضر:

- ‌ثانيا: المدرسة

- ‌مدخل

- ‌المدرسة هي البيت الثاني للولد:

- ‌ضعف المناهج:

- ‌مشكلة التعليم المعاصر:

- ‌معنى العلم في الإسلام:

- ‌حل مشكلة التعليم:

- ‌ثالثا: المسجد

- ‌مدخل

- ‌رسالة المسجد في التعليم والتربية:

- ‌رابعا: المجتمع

- ‌عناية الإسلام بالتشريع الإجتماعي

- ‌المجتمع المسلم ضرورة لازمة للتربية الإسلامية:

- ‌الفاقد في حياتنا الاجتماعية:

- ‌خاتمة البحث:

- ‌ملحق مضاف إلى البحث

- ‌فصل في الأخطار التى تتهدد المجتمع الإسلامي في الأخلاق والعادات والتقاليد

- ‌تصدير المنكرات إلى بلاد المسلمين

- ‌مدخل

- ‌ تصدير العقائد الزائغة وتأليه الدولة:

- ‌ تصدير التغريب والترويج لكلمة الرجعية

- ‌ تصدير العلمانية:

- ‌ تصدير عبارة "الدين أفيون الشعوب

- ‌ تصدير السفور واختلاط الجنسين:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌ تصدير عبارة "الدين أفيون الشعوب

4-

‌ تصدير عبارة "الدين أفيون الشعوب

" وحجب نور الإسلام عن أهل الغرب:

قائل هذه العبارة هو كارل ماركس؛ فإن السبب الذي قال من أجله: "إن الدين أفيون الشعوب" يرجع إلى الظلم الذي كان يعانيه الفلاحون في روسيا وأوربة من الإقطاعيين حيث كان الألوف من الفلاحين يموتون جوعا كل عام ويموت الملايين من النساء بالسل وغيره من الأمراض بينما يعيش الإقطاعيون في ترف ويتمتعون بكل ألوان المتاع، وكانت روسيا في هذا الوقت مسيحية، وكان رجال الدين ينصحون الناس بالتذرع بالصبر ويقولون:"لا تقاوموا الشر.. بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا، ومن أخذك رداءك فاترك له الثوب أيضا"1. وراحوا من ثم يصرفونهم عن إحساسهم بالألم ويمنونهم بنعيم الآخرة الذي أُعد للصابرين على الظلم والراضين عن الشقاء مرغبين ومرهبين فمن عصى سيده الإقطاعي فقد عصى الله والكنيسة، ولقد كانت الكنيسة لونا من ألوان الإقطاع ذاته؛ إذ كان لها ملايين الرقيق الذين تستعبدهم في أرضها لحسابها الخاص، ولهذا كان وقوف الكنيسة إلى جانب القيصر والأشراف ضد الشعب المكافح أمرا طبيعيا، فإن لم يفلح الترغيب ولا الترهيب كانت العقوبات توقع على المتمردين على نفوذ الكنيسة باسم الخروج عن الدين والإلحاد بآيات الله..

ولهذا قال كارل ماركس آنذاك بسبب هذه الملابسات الخاصة: "إن الدين أفيون الشعوب"؛ لأن الدين هناك كان عدوًّا حقيقيًّا للشعب ولحقوقه، وكانت قولته تلك صادقة في موضعها، ولكن ضفادع الشيوعية في الشرق الإسلامي تنق بها هنا وراءه أيضا ويسحبونها على الإسلام، وليس في هذا شيء من الصدق أو الحق، وحجتهم في سحب هذه المقولة على الإسلام أن

1 إنجيل متى: الآيات من 38-41.

ص: 217

"رجال الدين" الإسلامي المحترفين كانوا يقومون بمثل هذا الدور في استرضاء ذوي السلطان على حساب الكادحين من الشعب وكانوا يمنونهم بالجنة التي أعدت للصابرين؛ ليرضوا عما هم فيه من ظلم وهوان ويدعونهم إلى طاعة أولي الأمر منهم مؤولين آيات القرآن الكريم؛ لتتفق وغايتهم.

ثم يخلطون بهذه الحقيقة شبهة مؤادها أن الإسلام نفسه يأمر بهذا الفحش؛ إذ يقول: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} 1، أو حينما يقول:{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 2. ومن ثم فالإسلام عندهم شأنه شأن غيره من الأديان التي تدعم الأمة الإقطاعية والرأسمالية أفيون يخدر الكادحين3 بل وتعاليمه نفسها تأمر بهذا الغبن والاستغلال! {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} .

ونحن لا ندافع هنا عن سلوك رجال الدين الذين أساءوا إلى الإسلام وإنما نفرق فحسب بين أن يكون سلوكهم هذا بإيحاء من الدين أو أنه فسوق منهم عن أمر الدين. فالذي لا شك فيه أنه فسوق منهم عن أوامر الدين متاجرة به، وهم لا يختلفون في ذلك عن كثير من الشعراء والكتاب والإعلاميين الذين عفروا جباههم بالتراب، ومرغوا الثقافة الفنون في الوحل من أجل متاع حرام، وإن كان "رجال الدين" أفدح جرما؛ لأن كتاب الله بين أيديهم وهم يشترون به وبآياته ثمنًا قليلًا. والذي نريد أن نؤكده أن ليس في الإسلام رجال دين ولا كهنوت، وأن ما يقوله من يسمون أنفسهم برجال

1 سورة النساء: آية 32.

2 سورة طه: آية 131.

3 د/ النعمان عبد المجيد القاضي، الإسلام عقيدة حياة ص71.

ص: 218

الدين ليس بحجة على الإسلام وأن ما يرتكبه من فسوق لا يحسب عليه، أما عن أن الدين يأمر بمثل هذا التفاوت الذي يثبتونه من الآيتين السابقتين فهو نتيجة لسوء الفهم والقول في القرآن بغير علم، فإن المفسرين يقولون أن قوله تعالى:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} إنما نزل في امرأة قالت: لماذا يختص الرجال بالجهاد في سبيل الله وتحرم من ذلك النساء؟ فضلا عن أن المعنى المطلق للآية نهي عن التمني الفارغ مع القعود عن العمل، ويجدر أن نلتفت إلى استعمال الفعل "يتمنى" فهو يقال ويراد به ما لا سبيل إلى تحقيقه من الأمور المستحيلة أو العسيرة، وليس أكثر عسرًا من الاكتفاء بالحلم دون عمل، فهو إحساس منحرف يؤدي إلى الحسد والبغضاء، فالآية إذن دعوة عامة إلى الناس أن يعملوا ما ينالون به الفضل في إنتاج عملي يفيد منه المجموع، بدلا من التمني مع القعود.

أما قوله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} فهو نهي للناس عن أن تستبد بهم شهوات الأرض فتشغلهم عن مهمتهم في الجهاد في سبيل الله وإحقاق الحق ورفع الظلم وحماية المستضعفين وكل أنواع الجهاد هذه تَحْرِم من ينهض بأعبائها من كثير من المتاع الدنيوي، ولكن الله يجزيهم عنه في الآخرة ما هو أبقى وأفضل، وهي تفاسير قديمة من قبل الشيوعية وضفادعها بألف عام، ولم تستحدث من أجلهم.

ومع ذلك فحتى لو افترضنا جدلا أن هذه الآيات وأشباهها تدعو المسلمين إلى الرضى بالواقع وعدم التطلع إلى ما بأيدي الآخرين فليس في هذه الدعوة بأس طالما كان الإسلام نفسه الذي يدعو إلى هذا يدعو في نفس الوقت الأغنياء ألا يستأثروا بأموالهم دون إنفاقها في سبيل الله، ويهددهم بما ينالهم من العقاب في الآخرة على هذه الأثرة البغيضة؛ لتتعادل كفتا الميزان؛ إنفاق من جانب لحق معلوم في أموال الأغنياء، واحتفاظ بالكرمة عن ذل

ص: 219

التطلع وبنظافة النفس من الحقد الأسود في جانب آخر؛ ليعيش المجتمع في سلام يتفق وتعاليم الإسلام، أما حين ينكل الأغنياء عن واجبهم في تحمل تكاليف فريضة المجموع فإن الإسلام يأمر بالكثير الذي يمكن عمله.. يأمر بعدم الرضوخ للظلم بل يرى الرضى به جريمة فظيعة سيئة المصير في الدنيا والآخرة {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} 1. ومما يأمر به الإسلام في هذا المقام ألا يكن المال "دولة بين الأغنياء"، كما يأمر بأن تكفل الدولة رعاياها بكل الطرق الممكنة كما مر بنا عن طريق إيجاد عمل يكفل له حياة كريمة أو ضمانات إعاشته إذا عجز عن العمل، فلو صح أن غاية الآيتين الكريمتين أن يقعد الناس عن مكافحة الظلم الاجتماعي لكانت النتيجة أن تتكدس الأموال في يد فئة خاصة من الناس يتداولونها حكرًا فيما بينهم يَحرمون منها المجموع كما يحدث في الإقطاع والرأسمالية، وذلك ينكره الإسلام؛ لأنه مخالف لقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ} 2. ولو تأملنا نظرة الإسلام لهؤلاء الذين يكدسون الأموال ويحبسونها عن المحتاجين أو يغرقون أنفسهم في الترف لرأيناها نظرة احتقار وتوعد؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 3.

1 سورة النساء: آية 97-99.

2 سورة الحشر: آية 7.

3 سورة التوبة: آية 34.

ص: 220

وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} 1.

وقال: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} 2.

وقال {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} 3.

فالسكوت عن محاربة الظلم الاجتماعي يؤدي إلى منكر، والإسلام لا يدعو إلى منكر والله يقول عن بني إسرائيل إنهم ملعنون؛ لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.

والرسول يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره".

وقد أمر الإسلام بتغيير المنكر باليد واللسان والقلب فمن حق الحاكم أن يصادر من الأموال ما يراه لازما لحاجة المجموع، وهو يرى الحاكم الذي يسكت عن مغالبة الظلم الاجتماعي وقهره أو ينتسبب في استمراره واستشرائه حاكما جائرا تجب مقاومته جهادا في سبيل الله، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند إمام جائر"4.

لقد قدم الإسلام للبشرية منهاجا متكاملا للفكر والحياة والمجتمع والحضارة وهو منهج تطبيقي عملي وليس منهاجا نظريا أو مثاليا، وهذا المنهج هو السنة، والسنة مستمدة من القرآن، وقد سئلت السيدة عائشة عن خلق النبي

1 سورة سبأ: آية 34.

2 سورة الإسراء: آية 16.

3 سورة الواقعة: آية 41- 45.

4 د/ النعمان عبد المجيد القاضي: الإسلام عقيدة وحياة صـ74.

ص: 221

صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان خلقه القرآن".

والقرآن فيه كل ما يحتاجه البشر من الهداية؛ لأنه لم يختص بأمة العرب فحسب وإنما هو يشمل كل أمور الحياة للناس جميعا؛ لقوله عز من قائل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} فليس الإسلام دين أمة العرب، ولا دين طبقة خاصة بذاتها ولكنه دين الإنسانية كلها.

وعلى هذا فإن القرآن دعوة عالمية تعمل على جمع الناس على منهج واحد يتمثل في توحيد الله عز وجل وتنفيذ ما أمره به والكف عما نهى عنه، ولكن أعداء الله في كل مجتمع يحجبون هذه الحقيقة عن الناس ويشغلونهم عنها بالترويج لمعتقداتهم الفاسدة الصارفة عن التوحيد وعن معرفة الحلال والحرام في العلاقات الإنسانية والتصرفات الدينوية.

ونستدل على حجب نور الإسلام عن الأوربيين من كلام المفكر الفرنسي موريس بوكاي الذي يقول فيه1:

"ولا مفر من الاعتراف بأن هذه التعاليم الإسلامية مجهولة على العموم في بلادنا الغربية، وقد يعجب البعض من هذا، ولكن سرعان ما يزول ذلك إذا ذكرنا الطريقة التي لقن بها العديد من الأجيال قضايا الإنسانية الدينية، والجهالة التي تُركوا فيها تجاه كل ما يخص الإسلام. أليس هدف إطلاق التسميات "الدين المحمدي" و"المحمديين" حتى في أيامنا هذه غرس الاعتقاد الخاطئ في الأذهان بأنها تتعلق بعقائد منتشرة بفعل الإنسان، وليس لله فيها "في مفهوم المسيحيين" أي مكان. وأن كثيرا من مثقفينا المعاصرين يعنون بمقومات الإسلام الفلسفية والاجتماعية والسياسية ولا يتساءولون كما

1 موريس بوكاي: التوارة والإنجيل والقرآن والعلم، ترجمة نخبة من الدعاة. دار الكندي. بيروت. الطبعة الأولى 1398هـ - 1987م "من المقدمة".

ص: 222

هو واحب عن ماهية الوحي الإسلامي؛ لأنهم يطرحون -كقاعدة ثابتة- استناد محمد علي ما سبقه؛ ليبعدوا بهذه الطريقة عن الذهن كل اتصال له بمسألة الوحي بالذات.

وإلى جانب هذا، أي ازدراء لم يجابه به المسلمون في بعض الأوساط المسيحية؟ لقد لمست ذلك عندما حاولت عقد حوار للمقابلة بين نصوص توراتية ونصوص قرآنية تتناول موضوعا واحدًا، ولاحظت الرفض المبدئي لمجرد اعتبار ما يتضمنه القرآن في الموضوع المطروح، كما لو كان الاستشهاد بالقرآن بمثابة انتماء إلى الشيطان!.

كما نستدل على تشويه صورة الإسلام في الغرب من الحوار الذي أجراه بعض الصحفيين مع الدكتور الألماني مراد هوفمان حين سأله عن هذا المعنى، وعن المضايقات التي يتعرض لها المسلمون اليوم في أوربا، قال هوفمان"1:

"هناك بالفعل مضايقات تجاه المسلمين في أوروبا، وتشويه للإسلام؟؛ لأسباب بعضها تاريخية تمتد على فترة الحروب الصليبية وتبعاتها، والعلاقات بين الدولة العثمانية

1 المفكر والسفير الألماني السابق د. مراد فوفمان: كرمته مصر خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في الأسبوع الماضي حيث منحه الرئيس حسني مبارك وساما؛ لجهوده المتميزة في خدمة الفكر الإسلامي الصحيح.

وللدبلوماسي الألماني الذي عكف على دراسة الإسلام عدة سنوات رؤية ثاقبة حول حال الأمة الإسلامية اليوم والقضايا التي تواجهها.. وفي هذا الحور معه تتطرق إلى عدد من هذه القضايا، وبخاصة تشويه صورة الإسلام في الغرب، والمضايقات التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا وآفاق الحوار والتعاون بين الأديان، خاصة أن أحدث دراسة صدرت له باللغة العربية كانت بعنوان "الإسلام عام 2000".

والدكتور هوفمان ولد في ألمانيا عام 1931، حصل على الدكتوراه من جامعة ميونخ عام 1957، كما حصل على الماجستير في القانون من جامعة هارفارد عام 1960، والتحق

ص: 223

أوروبا وما سمي بالاستعمار التركي لبعض المناطق الأوربية.

كما أن جزءا من أسباب المشكلة يرجع إلى المسلمين أنفسهم؛ فبعض الأئمة الذين ترسلهم الحكومات للعمل في المراكز الإسلامية بالغرب ليسوا على المستوى اللائق، وبعضهم يتحدث عن الإسلام بطريقة منفردة، فمثلا ذكر أحد هؤلاء الأئمة أن الإسلام والديقراطية لا يجتمعان!

ولكن هذه المضايقات تتم أيضا تجاه الأجانب بصفة عامة، فالتيار ليس ضد الإسلام، وإنما ضد العناصر الأجنبية، والألمان على سبيل المثال لا يرضون بوجود أكثر من 15% من الأجانب وبعض الأوروبيين يخشون على ثقافتهم من تأثير الوجود الأجنبي، ففي فرنسا يشير البعض إلى أن أكثر اسم يطلق على الأطفال المولودين هو اسم "محمد" أي أن هناك قلقًا من جزء غير قليل من الناس ينتمون إلى هوية أخرى.

ويؤكد أن ما يتعرض له الإسلام إنما يأتي في أحيان كثيرة من بعض الاتجاهات السياسية التي تتحدث بشكل غير عادل عن الإسلام، فعلى سبيل المثال تعرضت كاتبة ألمانية كبيرة هي الدكتورة شميل لهجوم عنيف في وسائل الإعلام الألمانية بسبب موقفها الرافض لرواية آيات شيطانية، وهذا الاضطهاد الذي تعرضت له كان لأسباب سياسية وليس لأسباب دينية.

ويرى محدثنا أن العبء الأساسي في الدعوة إلى التسامح يقع على عاتق كل مسجد والكنيسة؛ لأن الاتجاهات العامة لدى بعض الناس قد تكون أميل إلى رفض الآخر، في حين أن التدين الحقيقي هو الذي يؤكد على قيمة التسامح، ويضيف: لقد وجدت في القرآن شيئا غير عادي لم أره في أي ديانة أخرى؛ وهو الإشارة إلى التعددية الدينية، والتعددية الحضارية:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} فالقرآن الكريم يعطي للديانات الأخرى ضمانا دستوريا، ومن ثم فليس الهدف هو تحويل العالم إلى عالم إسلامي وإنما إلى عام مؤمن بالله وحده لا شريك له.

وحول رؤيته لمستقبل الإسلام يقول: إن كل المؤشرات تؤكد أن الإسلام في تقدم مستمر ولا يتوقع أحد أن يختفي الإسلام في المستقبل، وإنما يمتد بل وينفجر، فيضع جنرالات الناتو في حسبانهم أن أكثر الموجهات العسكرية المحتمل حدوثها في

ص: 224

المستقبل ستكون بين الشمال والجنوب على أساس أن الإسلام هو العدو المرتقب.

ويؤكد أن الصراع في المستقبل لن يكون بين المسلمين والمسيحيين أو بين المسيحيين واليهود، إنما بين الأقلية التي تؤمن بالله، المسلمين لله بالمعنى الأصلي للكلمة، والأكثرية التي أصبحت لا تستريح لفكرة الله، أي الناس الذين تنحصر عندهم الحقيقة في حواسهم الخمسة، والذين يرون أن الدين خرافات أو خداع للنفس.

وينبه إلى أن العالم الإسلامي إذا لم يرد أن يعيش في مثل هذه الثقافة الواحدة فعليه أن يبذل جهدا هائلا؛ ليحقق "إسلام القرن الـ21"؛ حيث تصبح كلمة الله قانونا وتزدهر ثانيا حضارة الإسلام لإيجاد عالم يستخدم في المسلمون التكنولوجيا بعد تهذيبها من اللإنسانية، عالم يصعد فيه المدح والثناء للواحد الأحد ولا يستبد فيه الاقتصاد والحصول على أقصى ربح. وإنما تتحكم فيه متطلبات البشرية المادية والعاطفية والروحية.

هذا يتطلب إعادة تأسيس الفكرة الإسلامية لكي عود المسلمون بالميلاد مسلمين بالإيمان والفعل.

وينبه إلى ضرورة تحقيق الإصلاح في العالم الإسلامي في عدة مجالات من أبرزها التعليم والتكنولوجيا على أساس أن مستقبل الأمة الإسلامية يصنع في هذين المجالين، وإزالة سوء الفهم عن وضع المرأة في الإسلام، وأيضا منحها الحقوق التي قررها لها الإسلام، وتوضيح حقوق الإنسان في الإسلام بأسلوب يفهمه الآخرون وتنقية العقيدة من الخرافات"1.

1 الأهرام -ملحق الجمعة ص11 حوار أجراء محمد يونس- بتاريخ 16/8/1996م.

ص: 225