الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينتظرون من غزو يقوم به المسلمون. هو التفاوض مع الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ليظفروا منه بتجديد الصلح الذي كانوا نقضوه فبعثوا من أجل هذه الغاية أبا سفيان بن حرب إلى المدينة. ولما فشل أبو سفيان في مهمته .. قررت قريش بالأغلبية في برلمانها، تفويض أبا سفيان بن حرب (أيضًا) أن يخرج ويتحسس أخبار المسلمين. فإذا ما وجد أن جيشهم يزحف على مكة، عليه أن يفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم ليحصل على الأمان منه لجميع أهل مكة كما سيأتي تفصيله في السياق إن شاء الله.
أما هوازن (ويظهر أن ذلك راجع إلى كونها قوة ضاربة شرسة) فقد قررت عكس القرار الذي اتخذه سادات مكة وهو الاستعداد لمواجهة المسلمين. سواء كانت هذه المواجهة - من هوازن - هجومًا أو دفاعا. فقد أخذت هوازن تستعد لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتحرك من المدينة، جاء ذلك في معلومات خطيرة أفضى بها جاسوس كان يعمل لحساب قبائل هوازن ألقت عليه القبض دورية من استخبارات الجيش النبوى بالقرب جمن الطائف.
جاسوس هوازن الذي وقع في أيدى استخبارات الجيش النبوى
ففي ما بين العَرج والطلوب (1) وعلى بعد حوالي ثلاثين ميلا من مكة ألقت وحدة عسكرية من طلائع استكشاف الجيش النبوى القبض على جاسوس كان يتجسس على العسكر الإِسلامي لحساب هوازن الوثنية. وقد أتى به رجال الطليعة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولدى استجوابه - وبعد أن أعطى الأمان إن هو صدقهم الحديث وكشف عن حقيقته - اعترف، بأنه جاسوس بعثت به هوازن يجمع لها المعلومات عن تحركات الجيش النبوى. وهل يريد هوازن أم قريشًا.
وأثناء استجوابه أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن هوازن تستعد لحربه. بقيادة مالك بن عوف النضرى، وأنهم قد بعثوا بخبراء منهم إلى جُرَش في الأردن لشراء معدات حربية ثقيلة مثل الدبابات والمنحنيق. وقد أخذ الرسول
(1) الطلوب (بفتح أوله) قال في معجم ما استعجم، ماء بين مكة والمدينة.
- صلى الله عليه وسلم بأقوال هذا الجاسوس وصدقه فيما يقول: إلا أنه زيادة في الاحتياط أمر القائد خالد بن الوليد بالتحفظ عليه، لئلا يكشف للعدو أمر تحرك المسلمين. فاعتقله خالد حتى دخل الجيش النبوى مكة. وهناك أسلم هذا الجاسوس باختياره، وقتل شهيدًا في معركة حنين.
قال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد. عن عبد الله بن سعد، قال: لما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرج تقدمت جريدة (1) من خيل (طليعة)، تكون أمام المسلمين، فلما كانت بين العرج والطلوب أتوا بعين (2) من هوازن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله رأيناه حين طلعنا عليه وهو على راحلته، فتغيب عنا في وَهْدة (3) ثم جاء فأوفى على نشز (4) فقعد عليه، فركضنا إليه فأراد يهرب منا، وإذا بعيره قد عقله أسفل من النشز وهو يغيبه فقلنا: ممن أنت؟ قال: رجل من بني غفار، فقلنا: هم أهل هذا البلد، فقلنا من أي بني غفار أنت؟ فعيى (5) ولم ينفذ لنا نسبًا، فازددنا به ريبة، وأسأنا به الظن. فقلنا: فأين أهلك؟ . فقال: قريبًا وأومأ بيده إلى ناحية. قلنا: على أيّ ماء، ومن معك هناك؟ فلم ينفذ لنا شيئًا، فلما رأينا ما خلط، قلنا: لتصدقنا أو لنضربن عنقك. قال: فإن صدقتكم ينفعنى ذاك عندكم قلنا: نعم.
قال: فإني رجل من هوازن من بني نَصْر، بعثتنى هوازن عينًا. وقالوا: ائت المدينة حتى تلقى محمدًا فتستخبر لنا ما يريد في أمر حلفائه، أيبعث إلى قريش بعثا أو يغزوهم بنفسه؟ ولا نراه إلا يستغورهم. فإن خرج سائرًا وبدث بعثًا فسِرْ معه حتى تنتهي إلى بطن سرف (6)، فإن كان يريدنا أولًا فيسلك في بطن سَرف حتى يخرج إلينا، وإن كان يريد قريشًا فسيلزم الطريق.
(1) قال في أساس البلاغة: الجريدة من الخيل، وهي التي جردت من معظم الخيل لوجه.
(2)
العين هنا هو الجاسوس.
(3)
الوهد (بفتح أوله وسكون ثانيه) المنخفض من الأرض.
(4)
النشز (بفتح أوله وثانيه) المرتفع من الأرض.
(5)
عيى في كلامه لم يفصح والعى (بكسر العين) ضد البيان.
(6)
سرف (بفتح أوله كسر ثانيه) موضع على ستة أميال من مكة من طريق مرو.