الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان الرسول القائد صلى الله عليه وسلم يسير على ناقته تحيطه هيئة أركان حربه. وهو بين سيد الأنصار أسيد بن حُضير ووزيره الأول أبي بكر الصديق، يتحدث إليهما حديث القائد لكبار ضباط جيشه.
وكانت كتيبته الخضراء الخاصة قد انتظمت كل قوات الأنصار وعددهم أربعة آلاف مقاتل وكذلك انتظمت بعض المهاجرين، وبعض سادات وزعماء القبائل العربية، في الأنصار الرايات والألوية، مع كل بطن من الأنصار راية، وكانوا كلهم غائصين في الحديد، لا يرى منهم إلا الحدق، وكان في الكتيبة عمر بن الخكتاب له زجل، وعليه الحديد، وقد لفت ارتفاع صوت ابن الخكتاب في الكتيبة نظر أبي سفيان فقال للعباس: من هذا المتكلم؟ فقال: عمر بن الخطاب. قال أبو سفيان: لقد أمرَ أمرُ بني عدى بعد - والله - قلة وذلة. فقال العباس: يا أبا سفيان، إن الله يرفع من يشاء بما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإِسلام.
سعد بن عبادة عدد قريشًا باستباحة حرمتها فيشتكيه أبو سفيان
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء المرحلة الأخيرة من الاستعراض العسكري قد أعطى رايته الخاصة سيد الأنصار سعد بن عُبادة فصار يتحرك بها أمام كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعندما مر بأبي سفيان صرخ في وجهه: يا أبا سفيان، اليوم يوم اللحمة، اليوم تُستَحَلُّ الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا.
ففزع أبو سفيان لذلك فزعًا شديدًا، إذ أن تهديد سعد هذا فيه تصريح بأن الجيش النبوي سيستبيح مكة وسيقتل أهلها، وهذا خلاف ما اتفق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان أثناء مفاوضات التسليم التي انتهت بالاتفاق على أن يلقى القرشيون السلاح وأن تكون مدينتهم مفتوحة يأمن فيها أهلها على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم وذراريهم.
ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما مر (في هيئة أركان حربه من خاصة أصحابه) ناداه أبو سفيان (محتجًا على تهديدات سعد بن عبادة): يا
رسول الله، أمرت بقتل قومك؟ زعم سعد ومن معه حين مر بنا قال:"يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستَحَل الحُرمة، اليوم أذل الله قريشًا" وإني أنشدك الله في قومك، فأنت أبرَ الناس، وأرحم الناس، وأوصل الناس.
وقد ضم كبار المهاجرين القرشيين مثل عبد الرحمن بن عوف وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، ضمُّوا أصواتهم إلى صوت أبي سفيان مستنكرين قولة سعد بن عبادة، ومعلنين تخوفهم على قريش من سعد وجنوده الأنصار، حيث قالوا: يا رسول الله ما نأمن سعدًا أن يكون منه في قريش صولة. فاستنكر الرسول صلى الله عليه وسلم مقالة سعد. وطمأن الجميع قائلًا: اليوم يوم المرحمَة، اليوم يعظم الله فيه الكعبة، اليوم أعز الله فيه قريشًا، ولم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا القول بل - ليزيل المخاوف التي علقت بنفس أبي سفيان والمهاجرين من قريش - أمر بعزل سعد بن عبادة من منصبه، وعيَّن مكانه في القيادة ابنه قيس بن سعد وقيل علي بن أبي طالب، وقد أبي سعد أن يعتزل منصبه ويسلم عَلَم الجيش لخلفه إلا بأمارة (أي علامة) من الرسول صلى الله عليه وسلم. فأرسل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بعمامته (أمارة) فعرفها فدفع علم الجيش إلى ابنه سعد واعتزل القيادة.
وبعد أن أكملت آخر مجموعة من القوات الإِسلامية استعراضها أمام أبي سفيان. وانتهى ذلك العرض العسكري الرائع الذي تعمد الرسول القائد الحكيم أن تقوم به قواته أمام سيد قريش وزعيمها أبي سفيان بن حرب، قبل أن يعود إلى قومه في مكة - قال أبو سفيان للعباس الذي كان واقفًا إلى جانبه طوال المدة التي أجرت فيها القوات الإِسلامية المسلحة استعراضها -: سبحان الله، ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا. فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان، ليس بملك ولكنها نبوة. قال: فنعم إذن (1) ..
(1) انظر البداية والنهاية ج 4 ص 290 وما بعدها، ومغازي الواقدي ج 2 ص 818 وما بعدها، والسيرة الحلبية ج 2 ص 205 وما بعدها وسيرة ابن هشام ج 4 ص 46 وما بعدها. وطبقات ابن سعد ج 2 وتاريخ الطبري ج 3 ص 54 وزاد المعاد ج 4 وتاريخ ابن عساكر ترجمة أبي سفيان.