الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وإلغاء عقوبة إعدامه
أمَّا عبد الله بن سعد بن أبي سرح (1) فقد كان من زعماء قريش، وكان أحد المطلوبين الذين أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دماءهم وأمر جنده بقتلهم حتى وإن تعلقوا بأستار الكعبة.
وجرمه أنه كان قد أسلم وهاجر، وكان يكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عبث به الشيطان فارتد عن الإِسلام ورجع إلى مكة فحكم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإِعدام لأنه مرتد، وحكم المرتد في الإِسلام القتل، وهذا بإجماع المسلمين.
ولهذا فإن ابن أبي سرح لما تمت السيطرة لجيش الإِسلام على مكة أيقن أنه مقتول إن لم يحصل على عفو خاص من الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، لذلك لجأ إلى أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان في بيته وطلب منه أن يسعى لدى الرسول صلى الله عليه وسلم ليعطى له الأمان. وقد فعل عثمان ونجح في مسعاه حيث ذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما زال به حتى عفى عنه وبايعه على الإِسلام.
قال الواقدي: فلما كان يوم الفتح جاء ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة، فقال: يا أخي، إني والله اخترتك فاحتبسنى هاهنا، واذهب إلى محمد فكلمه فيَّ، فإن محمدًا إن رآني ضرب الذي فيه عيناى، إن جُرمي أعظم الجُرم، وقد جئت تائبًا. فقال: بل اذهب معي.
قال عبد الله: والله لئن رآني ليضربن عنقى ولا يناظرنى، قد أهدر دمى، وأصحابه يطلبوننى في كل موضع. فقال عثمان انطلق معى، فلا يقتلك إن شاء الله.
فلم يرع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعثمان آخذ بيد عبد الله بن سعد بن أبي سرح واقفين بين يديه، فأقبل عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله،
(1) انظر ترجمة عبد الله بن سعد بن أبي سرح (فيما مضى من هذا الكتاب).
إن أمه "أي عبد الله بن سعد" كانت تحملنى وتمشيه، وترضعنى وتقطعه، وكانت تلطفنى وتتركه. فهبه لي. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل عثمان كلما أعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجهه استقبله فيعيد عليه هذا الكلام، فإنما أعرض النبي صلى الله عليه وسلم عنه إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه، لأنه لم يؤمنه، فلما رأى أن لا يقدم أحد وعثمان قد أكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه وهو يقول: يا رسول الله، تبايعه فداك أبي وأمى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، ثم التفت إلى أصحابه فقال: ما منعكم أن يقوم رجل منكم إلى هذا الكلب فيقتله؟ أو قال: (الفاسق) فقال عباد بن بشر: ألا أومأت إلى يا رسول الله؟ فوالذي بعثك بالحق إني لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إليَّ فأضرب عنقه، ويقال: قال: هذا أبو اليسر، ويقال عمر بن الخطاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أقتل بالإِشارة وقائل يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: إن النبي لا تكون له خائنة الأعين (1).
فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يفر من رسول الله كلما رآه خجلا، فقال عثمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ببلى أنت وأمى لو ترى ابن أم عبد الله يفر منك كلما رآك، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أو لم أبايعه وأؤمنه؟ قال: بلى أي رسول الله. ولكنه يتذكر عظيم جُرمه في الإِسلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الإِسلام يجبُّ ما كان قبله، فرجع عثمان إلى ابن أبي سرح فأخبره، فكان يأتي فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس (2).
وقد ذكر المؤرخون أن عبد الله بن سعد بن سرح حسن إسلامه، ولم يحفظ عليه أو يظهر منه ما يعيبه في دينه وينكر عليه (3).
بل لقد كانت آثاره عظيمة في حقول الجهاد ورفع راية الإِسلام وإعزاز
(1) أي يضمر في نفسه غير ما يظهره. فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان. وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين سميت خائنة الأعين كذا قال في النهاية في غريب الحديث ج 2 ص 6.
(2)
مغازي الواقدي ج 2 ص 856.
(3)
انظر أسد الغابة ج 3 ص 364 والاستيعاب ج 3 ص 118 وتهذيب الأسماء واللغات ج 1 ص 270 وجوامع السيرة (لابن حزم) ص 232.