الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أول وأعظم معركة بحرية تدور في البحر الأبيض المتوسط بين الأسطولين الإسلامى والرومانى بالقرب من المياه التونسية.
كان عبد الله بن سعد والى مصر، وكان معاوية بن أبي سفيان والى الشام، وبلغ المسلمين أن الرومان بقيادة قسطنطين بن هرقل قد جهزوا من القسطنطينية "اسطمبول" أسطولًا يضم حوالي ألف سفينة. فأمر الخليفة عثمان في المدينة كلًّا من معاوية في الشام وابن أبي سرح في مصر أن يسارعوا لملاقاة الأسطول الروماني. فركب معاوية البحر بأسطوله في أهل الشام.
وخرج ابن أبي سرح بأسطوله من الإِسكندرية. فالتقوا بالأسطول الروماني في عرض البحر. وكان قائد أسطول الإِسلام عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقاتل المسلمون بقيادته الرومان أشد قتال حتى هزموهم شر هزيمة ودمروا أسطولهم، ولم ينج من الرومان في هذه المعركة البحرية الحاسمة إلا الشريد ومنهم قائدهم قسطنطين الذي فرَّ جريحًا على ظهر سفينة القيادة الخاصة ولقى حتفه في جزيرة صقلية "سيشيليا".
وقد دلت تصرفات عبد الله بن سعد على أنه من زهاد الصحابة. فقد اعتزل الفتنة عقب مقتل الخليفة عثمان، رغم أن عثمان أخوه من الرضاعة، وقد اعتكف في مدينة عسقلان بفلسطين، وظل هناك حتى توفى وهو ساجد في صلاة الفجر. وكان قد دعا الله تعالى أن تكون خاتمة أعماله صلاة الصبح فأجاب الله دعاءه (1).
فرار صفوان بن أمية ثم إسلامه
أما صفوان بن أمية بن خَلفَ (2) فقد كان من أكبر سادات المشركين وأثريائهم. وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي وضع خطة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة بعد معركة بدر (3) وكلف عمير بن وهب الجمحي بتنفيذها (4). وكان أبوه أمية بن خلف قد قتله المسلمون
(1) انظر قادة فتح المغرب العربي.
(2)
انظر ترجمته في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(3)
انظر تفاصيل محاولة الاغتيال هذه في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(4)
انظر ترجمة عمير بن وهب في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
يوم بدر، كما قتلوا أيضًا أبيّ بن خَلَف في أحد: طعنه الرسول صلى الله عليه وسلم بحربة - وكان الخبيث يطارد الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء انسحابه - إلى الجبل - فمات أي متأثرًا نجراحه بسَرَف قريبًا من مكة.
ولم يكن الزعيم صفوان بن أمية من المطلوبين العشرة الذين أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمهم. إلا أنه لشعوره بعظيم ما كان يرتكب من آثام في الجاهلية في حَق النبي صلى الله عليه وسلم لم يطمئن على حياته، فخافَ القتل، فهرب من مكَّة يوم الفتح في اتجاه البحر الأحمر ناحية "جدةَ" يريد ركوب البحر. وكان يصحبه غلام له يقال له يسار، ليس معه غيره.
وقد وصل بصفوان بن أمية الهرب إلى ميناء على البحر الأحمر يقال له "الشُعيَبة"(1) بالقرب من جدة، وكان يهم وغلامه بركوب البحر. وبيما هو كذلك إذا بصديقه عمير بن وهب الجمحى قد لحق به حيث هو في ميناء الشعيبة. فخاف صفوان من عمير، وظن أنه إنما جاء ليقتله بينما عمير لم يأت إلا ليعيد صفوان إلى أهله في مكة آمنا بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عمير بن وهب الجمحى من السابقين في الإِسلام، ومن أصحاب الرسول المقربين. وكان حريصا على سلامة صفوان بن أمية وطامعًا في إسلامه.
فكلم عُمير النبي صلى الله عليه وسلم في صفوان وطلب له الأمان. فأعطاه الرسول الأمان لصفوان، لذلك لحق عمير بصفوان في الشعيبة، وأخبره أنه حصل له على الأمان من الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه بإمكانه العودة إلى مكة حُرًّا آمنا، ولكن صفوان لم يطمئن وأبلغ عمير بن وهب بأنه لن يعود إلى مكة ولن يطمئن إلا إذا أتاه بعلامة من الرسول يعرفها.
فاضطر عمير بن وهب إلى أن يعود إلى مكة مرة أخرى ليأتى لصفوان بعلامة الأمان وهي عمامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي عاد بها عمير إلى صفوان في الشعيبة، وهنا اطمأن صفوان وعاد إلى مكة. وترك الرسول صلى الله عليه وسلم الحرية
(1) الشعبية (بضم الشين) قال ياقوت .. مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز وهو كان مرفأ مكة ومرمى سفنها قبل جدة.
لصفوان. فبقى على شركه عدة أسابيع. ثم أسلم فحسن إسلامه وصار من خيرة المسلمين.
ولنترك الواقدي يحدثنا كامل قصة سيد بني جمح صفوان بن أمية هذا، قال: وأما صفوان بن أمية، فهرب إلى الشعيبة معه يسار وليس معه غيره. فقال ويحك، انظر من ترى. قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ والله ما جاء إلا يريد قتلى، قد ظاهر محمدًا عليّ فلحقه، فقال: يا عمير، ما كفاك ما صنعت بي؟ حملتنى دينك وعيالك (1)، ثم جئت تريد قتلى، قال: أبا وهب، جعلت فداك، جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس. وقد كان عمير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، سيد قومى خرج هاربًا ليقذف نفسه في البحر، وخاف أن لا تؤمنه، فأمنه فداك أبي وأمى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أمنته. فخرج في أثره، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنك. فقال صفوان: لا والله، لا أرجع معك حتى تأتينى بعلامة أعرفها فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جئتُ صفوان هاربًا يريد أن يقتل نفسه فأخبرته بما أمنته: فقال: لا أرجع حتى تأتى بعلامة أعرفها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ عمامتى. قال: فرجع عمير إليه بها وهو الرد الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ معتجرًا به، برد حبرة، فخرج عمير في طلبه الثانية جاء بالبرد فقال: أبا وهب، جئتك من - عند خير الناس وأوصل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك، ابن أمك وأبيك، أذكرك الله في نفسك. قال له: أخاف أن أقتل: قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن رضيت وإلا سيرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الذي دخل به معتجرًا، تعرفه؟ قال: نعم فأخرجه، فقال: نعم، هو هو فرجع صفوان حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى بالمسلمين العصر بالمسجد، فوقفا، فقال
(1) يشير بذلك إلى أنه تحمل دين عمير والصرف على بناته السبع مقابل أن يقوم باغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يفعل (انظر تفاصيل محاولة الاغتيال هذه في كتابنا غزوة بدر الكبرى).