الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم يسلم أبا بصير لقريش:
وبعد أن تسلم النبي صلى الله عليه وسلم خطاب سيد بني زهرة. وعرف مضمونه. لم يسعه (وهو سيد من أبر وأوفى بالعهد) إلَّا أن يُسلم (أبا بصير) إلى رسولي قريش. وفاءًا بالعهد الذي أعطاه لها في الحديبية ..
فقد استدعى النبي صلى الله عليه وسلم أبا بصير. فأخبره أنه لا بد له من أن يُسلمه لرسولى قريش ليعودا به إلى مكة. فقال أبو بصير (في حرقة وألم): يا رسول الله. أتردُّنى إلى المشركين يفتنوننى في دينى؟ ! .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر. وإن الله جاعل لك ولن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا. فانطلق إلى قومك (1).
كيف يصنع الإيمان الراسخ:
ولم يسمح إيمان الشاب أبي بصير الراسخ له بأن يناقش أو يجادل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل صدع به وألقى بيديه إلى مندوبى قومه من المشركين ليوثقاه كتافًا رغم علمه أن ذلك قد يعني إعدامه في سجون مكة.
فغادر أبو بصير المدينة في حراسة العامريين المشركين. وقد حز ذلك في نفسه ونفوس المسلمين (ما في ذلك شك). ولكنه الوفاء بالعهد. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخرج عليه.
أبو بصير يقتل حارسيه ويعود إلى المدينة:
لقد كان أبو بصير شابًّا قويًّا وشجاعًا. مع ذكاء وفطنة. وإذا اجتمعت الشجاعة والقوة والفطنة والذكاء إلى الإِيمان الراسخ. كان لذلك أروع النتائج.
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 333.
لا شك أن أبا بصير - منذ أن أطاع أمر نبيه صلى الله عليه وسلم فسلم نفسه إلى رسولي قومه المشركين - وهو يفكر في اتباع طريقة يتخلص بها من أسر حارسيه المشركين. بعد أن أبرأ ذمة نبيه صلى الله عليه وسلم وجعله بعيدًا عن تهمة الإِخلال بالعهد. بانصياعه لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسلم نفسه لمبعوثى قومه المشركين تمشيًا مع بنود صلح الحديبية .. وقد نفذ البطل أبو بصير فكرة التخلص هذه فتمكن من قتل أحد حارسيه. وانطلق يطارد الآخر الذي فر هاربا إلى المدينة.
وتفصيل ذلك أن هذا الشاب القرشي المؤمن عزّ عليه وثقل على نفسه أن يعود إلى بيئة الشرك وجوّ الوثنية العربيد الخانق. ليقذَفَ به من جديد في غياهب سجون الشرك في مكة. بعد أن نجاه الله منها حين أفلت من مكة. ولكن لا بد من مغادرة المدينة. كما هي أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ورغبته المنبثقة من حرصه على الوفاء بالعهد الذي أعطاه مشركى مكة في اتفاقية الحديبية.
فغادر أبو بصير المدينة مع حارسيه المسلحين العامريين اللذين انطلقا به مكتوف اليدين نحو مكة. وفي مكان يقال له ذو الحليفة (أبيار على اليوم) وعلى بعد حوالي سبعة أميال من المدينة جلس الحارسان المشركان وأسيرهما المسلم (أبو بصير) ليأخذا قسطًا من الراحة.
وهناك أخذ أبو بصير يلاطف أحد حارسيه وكان الحارس مسلحًا بسيفه. وبعد أن تباسط في الحديث مع حارسه قال له (في ذكاء ولطف). أصارم سيفك هذا يا أخا عامر؟ .
قال العامري: نعم هو كذلك ثم هزه وقال (في زهو وغرور): لأضربن بسيفى هذا في الأوس والخزرج يومًا إلى الليل.
فاستأذنه أبو بصير ليفحص السيف قائلًا: أأنظر إليه؟ .
قال الحارس: إن شئت.
وهنا حل وثاق أبي بصير. وما كادت يده تقع على مقبض السيف حتى ضرب به حارسه العامري فأرداه قتيلًا. ثم شد على الحارس الثاني ليلحقه
بصاحبه. ولكنه فر هاربًا مذعورًا إلى المدينة طالبًا النجاة. ودخل المسجد على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوه. قال صلى الله عليه وسلم إن هذا الرجل قد رأى فزعًا. ثم قال له: ويحك ما لك؟
فقال: قتل صاحبكم صاحبى وأفلتُّ منه ولم أكد. وإني لمقتول. ثم طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحميه من أبي بصير الذي كان في أثره فأمنه النبي صلى الله عليه وسلم على حياته.
ولم يكد العامري المشرك يكمل حديثه في المسجد حتى طلع أبو بصير البطل متوشحًا سيف حارسه المشرك القتيل. ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أناخ البعير على باب المسجد. وأبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم تفاصيل ما حدث. ثم قال: يا رسول الله وفت ذمتك وأدَّى الله عنك. أسلمتنى بيد القوم وقد امتنعت بدينى أن أفتن فيه أو يعبث بي.
وكان الشاب أبو بصير (على ما يظهر) يحاول بهذا القول إقناع النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسمح له بالإِقامة في المدينة. ولا يجبره مرة أخرى على العودة إلى مكة.
وقد اقتنع النبي صلى الله عليه وسلم بوجاهة رغبة أبي بصير. فلم يجبره على العودة إلى مكة ولكنه في الوقت نفسه لم يسمح له بالإقامة في المدينة لأن ذلك يناقض اتفاقية الحديبية. ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن شرح وجهة نظر أبي بصير - قال له: اذهب حيث شئت (1).
وقد طلب أبو بصير من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتبر سلب العامري المشرك المقتول وبعيره غنيمة حرب فيخمسها كما تُخمَّس الغنائم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل لئلا تفسر قريش ذلك نقضا للعهد الذي أعطاه النبي في الحديبية. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بصير: إذا خَمسته (2) رأونى (أي
(1) السيرة الحلبية ج 2 ص 151.
(2)
خمسه: أي أخذ خمسه عملا بآية الغنيمة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41].