الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الجدير بالذكر أن بني مُدلجِ (1) من كنانة عصمهم الله فلم يشتركوا مع قومهم في جريمة الغدر ونقض العهد.
تاريخ نقض صلح الحديبية:
قال الواقدي: فلما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهرًا من صلح الحديبية. كلّم بنو نُفاثة من بني بكر أشراف قريش -واعتزلت بنو مدلج فلم ينقضوا العهد- أن يعينوهم بالرجال والسلاح على عدوهم من خزاعة. وذكرّوهم القتلى الذين أصابت خزاعة لهم وذكرّوهم بأرحامهم، وأخبروهم بدخولهم معهم في عقدهم وعهدهم، وذهاب خزاعة إلى محمد في عقده وعهده، فوجدوا القوم إلى ذلك سراعًا إلا أبا سفيان، لم يشاور في ذلك ولم يعلم، ويقال: إنهم ذاكروه فأبى عليهم. وجعلت بنو نفاثة وبكر يقولون: إنما نحن! ! فأعانوهم بالسلاح والكُراع (الخيل) والرجال ودسّوا ذلك سرًّا لئلا تحذر خزاعة فهم آمنون غارّون بحال الموادعة وما حجز الإِسلام بينهم، ثم اتعدت قريش الوتير موضعًا بمن معها فوافى للميعاد فيهم رجال من قريش من كبارهم متنكرون متنقبون هم صفوان بن أمية ومكرز بن حفص بن الأخيف، وحويطب بن عبد العزى، وأجلبوا معهم أرقَّاءهم. قال: ورأس بني بكر نوفل بن معاوية الدؤلى، فبيَّتوا خزاعة ليلًا وهم غارون آمنون من عدوهم، ولو كانوا يخافون هذا لكانوا على حذر وعُدّة، فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهوا بهم إلى أنصاب الحرم (2).
وبالرغم من احتماء خزاعة العُزّل من السلاح بالحرم فقد أصر قائدُ بني بكر نوفل بن معاوية على قتل خزاعة داخل الحرم.
وعندما نصحه بعضُ قومه أن يتوقف عن القتل لأنه داخل الحرم الذي لا يُجيز العرب القتل فيه أصر على الإِمعان في الجريمة. ولما قال له بعض رفاقه: إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك يا نوفل (أي خف إلهك). قال كلمة كفر
(1) هم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار ن معد بن عبدنان.
(2)
مغازي الواقدي ج 2 ص 783.
عظيمة: (لا إله لي اليوم ثم أمر قومه بالاستمرار في اغتنام الفرصة قائلا: يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون الحاج في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه. ثم أصدر أوامره المشددة إلى بني بكر بمواصلة قتل خزاعة قائلًا: لا يريد أحدكم يأتي امرأته حتى يستأذنى، لا يؤخر أحد منكم اليوم بعد يومه هذا من ثأره (1).
فاستمرت بنو بكر في مطاردة خزاعة العُزل من السلاح. حتى ألجأوهم إلى مكة. فالتجأت خزاعة إلى منزلى بديل بن ورقاء الخزاعي. ورافع مولى لهم وذلك عند طلوع الفجر.
وكان المشتركون من قريش في الجريمة ضمن رجال نوفل بن معاوية يطاردون الخزاعيين حتى دخلوا منزلى بديل ورافع بمكة. وهناك انسحب القرشيون المشتركون في الهجوم ودخلوا منازلهم. وهم يظنون أن أحدًا لن يعرف اشتراكهم في القتال. وأن النبي صلى الله عليه وسلم لن يبلغه ما صنعوا من مشاركتهم بني بكر في الغدر ونقض العهد.
أما بنو بكر فقد واصلوا هجومهم على خزاعة داخل مكة بعد أن طلع الفجر. وقتلوا منهم على باب بديل بن ورقاء ورافع مولى لخزاعة- عشرين رجلًا دون أن يعترضهم أحد من قريش الأمر الذي يدل على التواطؤ القرشي مع بني بكر.
إلا أن أفرادًا من قريش تنبَّهوا للأمر، وخافوا مغبّة هذا الغدر، وأدركوا أن ما حدث من قريش وحلفائها بني يكر نقض للعهد الذي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة إلى سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل ومكرز بن حفص وحويطب بن عبد العزى. فلاموهم فيما صنعوا من عونهم بني بكر. وذكرَّوهم بأن بينهم وبين محمد مدة وعهدًا. وأن الذي صنعوا هو نقض للمدة -وكان نوفل بن معاوية وقومه البكريون مصممين على إفناء الخزاعيين الموجودين بمكة- غير أن
(1) سيرة ابن هشام ج 4 ص 32 ومغازي الواقدي ج 2 ص 783.