الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكة مدينة مفتوحة لا يشهر فيها أصحاب محمد سلاحًا، شريطة أن يلقى أهل مكة سلاحهم، ويمتنعوا عن إبداء أية مقاومة للجيش النبوي عندما يدخل مكة، وأن يلتزموا بقرار حظر التجول في المدينة الذي سيكون سارى المفعول منذ وصول أول جندى إسلامي حدود مكة، وذلك بأن يلزم كل إنسان داره ويغلق على نفسه بابه، أو يدخل دار أبي سفيان نفسه أو يعتصم بالمسجد، وتلك هي الوسيلة الوحيدة لنجاة أهل مكة من التعرض لسيوف المسلمين. الذين كانت التعليمات صريحة لديهم بأن يقتلوا كل من يحاول اعتراض سبيلهم، وأن يكفوا (من جهة أخرى) عن قتل أيّ إنسان من أهل مكة لا يعترض سبيلهم.
أبو سفيان يدعو أهل مكة إلى الإِسلام
وقد أخبر أبو سفيان أهل مكة أن التزامهم بهذه القرارات وتنفيذهم لهذه الأوامر، سيكون مقابله أن أرواحهم وأموالهم وكل ممتلكاتهم مضمونة لهم من قبل الجيش النبوي.
كما أن أبا سفيان (وقد رأى بأم عينيه حقيقة القوة الجبارة التي عليها الجيش الإِسلامي) صارح أهل مكة والمتطرفين منهم على وجه الخصوص، بأن أية مقاومة يبديها القرشيون في وجه الجيش الزاحف سيكون مصيرها التلاشى السريع، وأن أسلم طريقة هي عدم التفكير في المقاومة - بل إن أبا سفيان (وقد أصبح مسلمًا) دعا أهل مكة إلى الدخول في الإِسلام ذاته.
المعارضون لأبي سفيان من قريش
وقد لقى أبو سفيان بعض المعارضة عندما ألقى بيانه الصريم على الجماهير القرشية حول المسجد، وصارحها بالحقيقة، ودعاها إلى اتباع داعى العقل الراجح لا العاطفة الفوارة. التي لا يقود اتباعها إلَّا إلى الويلات والكوارث.
هند تدعو جماهير قريش إلى قتل زوجها أبي سفيان
وكان أشد المعارضين لما قاله وجاء به ودعا إليه سيد قريش أبو سفيان،
زوجه هند ابنة عتبة بن ربيعة بن عبد شمس التي ما كادت تسمع في عوة زوجها قومه إلى الاستسلام للجيش الإِسلامي الغازى حتى قبحته وهجمت عليه تجرُّه من شنبه داعية أهل مكة إلى قتله، وقد أيدها في معارضتها فئة من القرشيين مثل عكرمة بن أبي جهل.
غير أن المعارضة لأبي سفيان كانت (على عنفها) قليلة بحيث ضاع صوتها وسط أصوات الأغلبية الساحقة من أهل مكة الذين استجابوا لسيدهم أبي سفيان، بعد أن استصوبوا رأيه وعلموا إخلاصه وصدقه فيما نصحهم به، فسارعوا إلى تنفيذ كل التعليمات والأوامر التي ألقى بها إليهم، قبل أن يصل الجيش النبوي مكة.
فقد أفاد المؤرخون، أن أبا سفيان لما عاد من المعسكر النبوي (وكان على بعد أربعة أميال من مكة) صرخ في قريش بأعلى صوته: يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت برأسه، فقالت: ما وراءك؟ . قال: ما ورائى؟ هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد، جعل لي: من دخل دارى فهو آمن، فقال له بعضهم: قبَّحك الله، وما تُغنى عنا دارك؟ قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن.
فكانت زوجته هند تقول وقد أخذت بشاربه: قبحك الله رسول قوم، يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق الذي لا خير فيه، قبح من طليعة قوم، ثم حرضت قريشًا على المقاومة قائلة: هلا قاتلتم ودافعتم عن أنفسكم وبلادكم، فقال أبو سفيان: ويحك اسكتى وادخلى بيتك، ثم خاطب الجماهير القرشية قائلًا: ويلكم، لا تغرنكم هذه من أنفسكم، رأيت ما لم تروا، رأيت الرجال والكُراع والسلاح، فلا لأحد بهذا طاقة، فإنه قد جاءكم ما لا قبَل لكم به (1).
(1) سيرة ابن هشام ج 4 ص 47 تاريخ الطبري ج 3 ص 54 ومغازي الواقدي ج 2 ص 822 وما بعدها، والبداية والنهاية ج 4 ص 290 وما بعدها، والسيرة الحلبية ج 2 ص 205 وما بعدها وتاريخ ابن عساكر. ترجمة أبي سفيان بن حرب وصحيح البخاري ج 5 وزاد المعاد ج 4 وجوامع السيرة.