المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة ‌ ‌نظرة وتحليل - 1 - بعد هزيمة الأحزاب أمام الخندق في السنة - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٨

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 8 -فَتْحُ مَكَّة

- ‌تقديم الكتاب

- ‌كلمة المؤلف

- ‌الفصل الأول

- ‌ثوار المستضعفين في العيص

- ‌امتحان آخر يواجهه الرسول صلى الله عليه وسلم عقب صلح الحديبية

- ‌الثائر الأول على مشركى مكة

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يسلم أبا بصير لقريش:

- ‌كيف يصنع الإيمان الراسخ:

- ‌أبو بصير يقتل حارسيه ويعود إلى المدينة:

- ‌معقل الثوار ضد قريش:

- ‌التحاق المستضعفين المسلمين بالثائر الأول في العيص:

- ‌ارتفاع عدد ثوار العيص إلى ثلاثمائة:

- ‌أبو بصير قائد الثوار:

- ‌سيطرة الثوار على طريق القوافل:

- ‌موقف المدينة من ثوار العيص:

- ‌استقلال الثوار في العيص:

- ‌حكومة العيص المستقلة:

- ‌شرط .. هم اشترطوه فعاد عليهم بالوبال:

- ‌برلمان قريش يبحث أمر الثورة في العيص

- ‌قريش تلتمس من الرسول إلغاء الشرط الذي أصرت عليه

- ‌أبو سفيان رسول قريش في المدينة

- ‌انتهاء الثورة وعودة الثوار إلى المدينة

- ‌قائد الثوار يموت وهو يقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌انكشاف الغطاء أكثر فأكثر:

- ‌شأن المستضعفات من النساء المسلمات المهاجرات

- ‌هجرة النساء بعد الحديبية

- ‌كيف يكون أثر الإِيمان عندما يتمكن من النفوس

- ‌أول مسلمة تهاجر بعد صلح الحديبية

- ‌مطالبة المشركين بإعادة أم كلثوم

- ‌تسوية أمر النساء بالتراضى مع قريش

- ‌كيف رضيت قريش بعدم إرجاع النساء

- ‌تطليق النساء المشركات

- ‌التزوج من الكتابيات

- ‌الكرم الأنصاري

- ‌قصة الحوت العظيم في هذه الغزوة

- ‌سرية أبي قتادة إلى خضرة بنجد…شعبان سنة ثمان للهجرة

- ‌مدى قوة الإِسلام وانحسار قوة أعدائه

- ‌الفصل الثاني

- ‌انحياز خزاعة إلى المسلمين. وبنى بكر إلى قريش:

- ‌وفاء المسلمين بالعهد:

- ‌كيف نقضت قريش العهد فغزاهم المسلمون:

- ‌اشتراك القرشيين في جريمة الغدر والنكث:

- ‌المشتركون من سادات مكة في نقض العهد

- ‌تاريخ نقض صلح الحديبية:

- ‌قريش تندم على ما ارتكبت ولكن:

- ‌قريش تقرر إرسال مبعوث خاص إلى المدينة لإصلاح ما أفسدت:

- ‌ينصح قريشًا بتحمل ديات القتلى

- ‌قريش تقرر مبعوثًا خاصًّا إلى المدينة لإِصلاح ما أفسدت

- ‌أبو سفيان مبعوث قريش في المدينة

- ‌خزاعة تستنجد بحليفها الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وفد خزاعة الموسع

- ‌عودة وفد خزاعة إلى ديارهم

- ‌النبي: يطلب من قريش دفع ديات قتلى خزاعة فترفض

- ‌كيف عاد نقض العهد بالخير على قريش

- ‌أبو سفيان في المدينة يطلب تجديد الصلح

- ‌التقاء أبي سفيان بوفد خزاعة

- ‌أبو سفيان في المدينة:

- ‌ابنة أبي سفيان تطرد أباها:

- ‌اتصالات أبي سفيان الثنائية بكبار الصحابة للتوسط عند الرسول

- ‌أبو سفيان يستعين بسعد بن معاذ

- ‌أبو سفيان يستشير علي بن أبي طالب ليجد له حلًا

- ‌عودة أبي سفيان خائبًا إلى مكة

- ‌أول إشارة صريحة لغزو مكة

- ‌قريش تتهم أبا سفيان بالإسلام

- ‌هند تحقق مع زوجها أبي سفيان

- ‌أبو سفيان يبلغ قريشًا نتائج رحلته

- ‌الفصل الثالث

- ‌النبي يستشير خاصة أصحابه بشأن غزو مكة

- ‌رسل النبي إلى القبائل لاستنفارها

- ‌في مجلس استشارى: أبو بكر يطلب الرفق بقريش وعمر يطلب الشدة

- ‌التزام خطة الكتمان الشديدة

- ‌النبي يجرد سرية للتعمية والتمويه

- ‌حراسة الطرق ومنع السفر إلى مكة واحتجاز المشتبه بهم:

- ‌البوليس الحربي يشدد الحراسة على الطرق

- ‌الصحابي الذي حاول إبلاغ قريش نبأ الغزو ففشل

- ‌النبي يحقق مع حاطب بن أبي بلتعة

- ‌النبي يأمر بحفظ القضية ويعفو عن حاطب

- ‌استمرار خطة كتمان الزحف على مكة

- ‌عدد قوات الجيش النبوى المتحركة من المدينة

- ‌نسبة عدد الأنصار والمهاجرين في الجيش المتحرك من المدينة

- ‌المنضمون إلى الجيش النبوى أثناء التحرك

- ‌سلاح الفرسان في الجيش النبوى

- ‌سلاح النقليات في الجيش

- ‌حاكم المدينة بالنيابة

- ‌تاريخ تحرك الجيش من المدينة

- ‌خروج الجيش على غير تعبئة

- ‌الترخيص للجيش بالإِفطار في رمضان

- ‌طليعة الجيش النبوى

- ‌سيد غطفان يلتحق بالرسول بعد خروجه من المدينة

- ‌والأقرع بن حابس أيضًا ينضم للجيش

- ‌قصة أبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي وعدوه

- ‌كيف دخل الإسلام قلب أبي سفيان بن الحارث

- ‌الرسول ينهى عن قتل أبي سفيان بن حرب

- ‌القبائل المنضمة إلى الجيش النبوى في الطريق إلى مكة

- ‌قوات غفار في الجيش

- ‌عدد قوات قبيلة أشجع في الجيش النبوى

- ‌قوات بني سعد وضمرة بن بكر في الجيش

- ‌المنضمون من بني ليث إلى الجيش الزاحف

- ‌المنخرطون في سلك جيش النبي من بني كعب

- ‌بنو سليم أقوى قوة قبلية تنضم إلى الجيش النبوى

- ‌النبي يستعرض الجيش في قديد

- ‌أسف عيينة بن حصن لعدم اشتراك غطفان في الغزو

- ‌الشجار بين سيدى سليم وغطفان

- ‌فرسان بني سليم مقدمة الجيش

- ‌تعبئة الجيش وتوزيع الرايات والألوية

- ‌قديد معسكر تجمع الجيش كله

- ‌تعبئة الجيش وتعيين القواد في قديد:

- ‌التعبئة كانت على أساس قبلي

- ‌كتائب الأنصار وضابطهم

- ‌عدد ضباط الأوس وكتائبهم

- ‌عدد الضباط من الخزرج وعدد كتائبهم

- ‌عدد كتائب المهاجرين وأسماء ضباطهم

- ‌كتائب قبيلة مزينة وأسماء ضباطها

- ‌كتائب سُليم وأسماء ضباطها

- ‌كتائب خزاعة وأسماء ضباطها

- ‌كتائب أسلم وعدد ضباطها

- ‌كتائب غفار وأسماء ضباطها

- ‌كتائب ضمرة وسعد

- ‌كتائب بني ليث

- ‌كتائب أشجع وضباطها

- ‌استمرار الكتمان في التحرك

- ‌الجيش النبوى يتحرك من قديد

- ‌الطلائع ومقدمة الجيش

- ‌خالد بن الوليد قائد مقدمة الجيش النبوى

- ‌الرسول يسلك ناحية الطائف ثم يعرج على مكة لتضليل العدو

- ‌هوازن تستعد لمصادمة المسلمين

- ‌لماذا لم تتحالف قريش وهوازن على حرب المسلمين

- ‌جاسوس هوازن الذي وقع في أيدى استخبارات الجيش النبوى

- ‌الرسول يستجوب الجاسوس الهوازنى

- ‌الاستفادة من الاستخبارات

- ‌الرسول يفطر ويأمر الجيش بالفطر في رمضان

- ‌قريش تقرر عدم المقاومة وتفوض أبا سفيان لطلب الأمان من الرسول

- ‌لقد أراد الله خيرًا بقريش

- ‌العباس بن عبد المطلب يتخوف على قريش فينذر سادتها وينصحهم بالاستسلام

- ‌العباس يسعى لإِيجاد مخرج لقريش من الهلاك

- ‌التقاء العباس بصديقه أبي سفيان عند الأراك

- ‌أبو سفيان يطلب المشورة من العباس

- ‌أبو سفيان يتخوف القتل فيطمئنه العباس ويردفه خلفه على بغلة الرسول

- ‌عمر بن الخطاب يحاول قتل أبي سفيان وهو في حماية العباس

- ‌العباس ينجح في استصدار العفو عن أبي سفيان

- ‌أحرج ساعة في حياة أبي سفيان

- ‌المشادة بين الفاروق والعباس في خيمة الرسول

- ‌كيف حصل أبو سفيان على الأمان من الرسول

- ‌أبو سفيان يبيت في خيمة العباس تحت الحراسة

- ‌القلق والشائعات في مكة

- ‌عودة إلى المنطلق

- ‌القلق والشائعات في مكة

- ‌حنق قريش على أبي سفيان

- ‌التفكير النبوي الراحم

- ‌محاولات إقناع أبي سفيان باعتناق الإِسلام طوعًا

- ‌التوتر في مكة يزداد

- ‌النبي يدعو أبا سفيان إلى الإِسلام فيتردد

- ‌كيف كان إسلام أبي سفيان عاملا في إحلال السلام بدل الحرب

- ‌اتفاقية تسليم مكة للجيش النبوي

- ‌دبلوماسية العباس بن عبد المطلب

- ‌الرسول يصدر أمره إلى الجيش بعدم استخدام السلاح في مكة إلا حالة الدفاع عن النفس

- ‌مكة مدينة مفتوحة

- ‌أبو سفيان يشير على الرسول أن يؤجل احتلال مكة ويتحول لمحاربة هوازن

- ‌الرسول يزجر أبا سفيان لمقالة قالها في أصحابه

- ‌العرض العسكري أمام أبي سفيان

- ‌احتجاز أبي سفيان لفترة محدودة ليشهد العرض العسكري

- ‌تأثير الاستعراض العسكري في نفس أبي سفيان

- ‌بدء الاستعراض العسكري

- ‌فرسان خالد أول من بدأ العرض العسكري

- ‌الرسول يختتم العرض العسكري

- ‌سعد بن عبادة عدد قريشًا باستباحة حرمتها فيشتكيه أبو سفيان

- ‌تأثير العرض العسكري في نفس أبي سفيان

- ‌عودة أبي سفيان إلى مكة

- ‌المتطرفون يحاولون المقاومة

- ‌أبو سفيان في مكة يدعو قومه لإِلقاء السلاح

- ‌استجابة أهل مكة لنداء أبي سفيان بإلقائهم السلاح

- ‌أبو سفيان يدعو أهل مكة إلى الإِسلام

- ‌المعارضون لأبي سفيان من قريش

- ‌هند تدعو جماهير قريش إلى قتل زوجها أبي سفيان

- ‌أهل مكة يلقون السلاح ويستعدون للإسلام

- ‌الشاذون الذين قاوموا فهزموا

- ‌توزيع القيادات استعدادًا لدخول مكة

- ‌الجهات التي دخلت منها فرق الجيش مكة

- ‌من أين دخل الرسول مكة

- ‌الأوامر المشددة بعدم استخدام السلاح في مكة عند دخولها

- ‌العرض العسكري في ذي طوى

- ‌اعتدال ميزان التاريخ

- ‌هكذا تكون ثمار الثبات على العقيدة

- ‌اليوم الذي فتحت فيه مكة

- ‌كيف دخل الجيش النبوي مكة

- ‌نظام منع التجول في مكة

- ‌الساعة الحاسمة في تاريخ مكة

- ‌منطقة القتال الوحيدة بمكة

- ‌خالد ينذر المقاومين ثم يسحقهم

- ‌الرسول يستنكر القتال ويأمر بإيقافه

- ‌هل كان قتلى معركة الخندمة سبعين

- ‌النبي يستجوب خالد بن الوليد

- ‌قصة ابن حماس الديلى الطريفة

- ‌النفر الذين أهدر الرسول دمهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة

- ‌الذين أعدمهم الجيش بمكة

- ‌مقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة

- ‌مقتل مقيس بن صبابة

- ‌العفو عن بقية المهدور دمهم

- ‌الرسول القائد يعسكر عند الحجون

- ‌التقاء الرسول بقائد الفرقة الثانية

- ‌تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم لله يوم الفتح

- ‌الرسول يتلو سورة الفتح وهو يدخل مكة

- ‌الرسول يدخل مكة غير محرم

- ‌إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد

- ‌الرسول يدخل مكة من البطحاء

- ‌الحجون ملتقى فرق الجيش الفاتح

- ‌ماذا قال الرسول عندما أشرف على مكة

- ‌المشركان اللذان أجارتهما أم هانئ

- ‌فهل ترك لنا عقيل منزلًا

- ‌التحرك الأخير نحو المسجد الحرام

- ‌المشركون في رؤوس الجبال

- ‌الرسول يدخل وجيشه المسجد

- ‌الرسول يطوف بالبيت على ناقته القصواء:

- ‌الرجل الذي حاول اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في الطواف فأسلم:

- ‌تحطيم الأصنام وإنهاء الوجود الوثني بعد إنهاء الوجود السياسي والعسكري

- ‌محو الصور في الكعبة

- ‌الرسول يصلي في الكعبة:

- ‌أعلام نبوة تتحقق:

- ‌قصة الامتناع عن تسليم الرسول مفتاح الكعبة:

- ‌العباس يطلب إسناد حجابة البيت إلى بني هاشم فيأبى الرسول

- ‌رفع نظام منع التجول في مكة

- ‌شعار التوحيد في مكة إلى الأبد:

- ‌إذن يخزيك الله

- ‌المسلمون يحيون ليلة الفتح بالطواف والتكبير:

- ‌خبر استياء إبليس لفتح مكة:

- ‌خطبة الرسول التاريخية يوم الفتح:

- ‌ماذا ترون أني فاعل بكم:

- ‌العفو العام عن أهل مكة:

- ‌المراسيم التشريعية الجديدة:

- ‌تحريم الرِّبا:

- ‌تحديد دية القتيل خطأ:

- ‌إعلان وحدة الجنس البشرى والتساوى في الحقوق:

- ‌إعلان حرمة مكة أبد الآبدين:

- ‌وحدة المسلمين وتكافؤهم:

- ‌تحريم الاصطياد وعضد الشجر في الحرم:

- ‌طيّ بساط الشرك والوثنية:

- ‌محمد أشرف فاتح وأكرم محارب:

- ‌الطمأنينة بعد القلق

- ‌تخوف الأنصار أن يقيم الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة ويترك المدينة:

- ‌مبايعة أهل مكة على الإِسلام:

- ‌بيعة النساء وقصة إسلام هند بنت عتبة

- ‌النبي يعفو عن هند بنت عتبة

- ‌صيغة مبايعة النساء بمكة

- ‌الإِسلام يجب ما قبله

- ‌هند بنت عتبة تحطم صنما في بيتها

- ‌الرسول يقبل الفدية من هند ويدعو لها:

- ‌المختفون في مكة يوم الفتح:

- ‌الفارون من مكة يوم الفتح:

- ‌قصة اختفاء سهيل بن عمرو وإسلامه:

- ‌قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح وإلغاء عقوبة إعدامه

- ‌معركة ذات الصوارى البحرية

- ‌فرار صفوان بن أمية ثم إسلامه

- ‌كيف أسلم عكرمة بن أبي جهل

- ‌فرار عكرمة إلى اليمن

- ‌أم حكيم تحصل لزوجها عكرمة على الأمان من رسول الله

- ‌قيام الرسول صلى الله عليه وسلم لعكرمة فرحًا بإسلامه

- ‌عكرمة المهاجر المجاهد

- ‌قصة الهارب هبار بن الأسود

- ‌إسلام ابن الزبعرى

- ‌هروب حويطب بن عبد العزى وإسلامه

- ‌هل جدد الرسول نكاح الذين أسلموا وزوجاتهم

- ‌النبي صلى الله عليه وسلم يعفو عن وحشي قاتل عمه حمزة:

- ‌النبي يستلف من أغنياء مكة ليخفف من ضائقة أصحابه المالية

- ‌غضب الرسول لقتل رجل مشرك من هذيل بمكة يوم الفتح

- ‌الخاتمة

- ‌نظرة وتحليل

الفصل: ‌ ‌الخاتمة ‌ ‌نظرة وتحليل - 1 - بعد هزيمة الأحزاب أمام الخندق في السنة

‌الخاتمة

‌نظرة وتحليل

- 1 -

بعد هزيمة الأحزاب أمام الخندق في السنة الرابعة من الهجرة، وبعد ضرب الجيش الإِسلامي لأقوى العناصر العربية المحاربة: عناصر غطفان في نجد وخضد شوكتها في عمليات عسكرية متلاحقة .. وبعد تصفية اليهود "وهم أقوى قوة ضاربة تجاور المدينة في خيبر" بعد هذا الذي كسبه العسكر الإِسلامي بعد أعمال عسكرية شاقة - رسخت جذور هذا الدين وضربت في الأعماق بعيدًا .. وأخذ بناء الدولة الوليدة السياسي والعسكري يتصاعد عالمًا.

حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نتيجة الشعور بالاستقرار الكامل اتصل بملوك وأمراء الشرق الأوسط خارج الجزيرة العربية يدعوهم إلى الإِسلام، بل ونقل المعركة إلى داخل أراضى الإِمبراطورية الرومانية في الشام حيث خاض ثلاثة آلاف مقاتل من أصحابه معركة - مؤتة التاريخية - (1). وذلك أثناء صلح الحديبية قبل أن تقدم قريش وحلفاؤها من بني بكر على نقضه.

- 2 -

نعما بعد الاستقرار الذي نعمت به المدينة عقب خضد شوكة الخصوم المجاورين اليهود وغطفان في نجد، لم تعد هناك من قوة معادية محاربة يخشاها المسلمون في جزيرة العرب كلها سوى قبيلتين عظيمتين لهما وزنهما المعنوى والحربى والسياسى أيضًا وهما:

1 -

قبيلة قريش.

2 -

قبيلة هوازن.

(1) انظر تفاصيل هذه المعركة في كتابنا السابع من هذه السلسلة (غزوة مؤتة).

ص: 239

أما قريش أعظم قبائل الحجاز وأرفعها شأنًا في نظر العرب الوثنيين وعاصمتها مكة المكرمة وتستطيع أن تحشد من رجالها ومن حلفائها البكريين وبقية كنانة ستة آلاف مقاتل.

أما هوازن فهي من الناحية الحربية أعظم من قريش إذ تستطيع أن تحشد أكثر من ثلاثين ألف مقاتل وهي قبيلة حجازية نجدية، إذ تمتد منازلها من حدود الحرم في الحجاز حتى حدود غطفان في نجد .. مما يدل على كثرة بطونها وأفخاذها.

وهي في أصلها قبيلة عدنانية، فهي وقريش من أصل واحد. ولكن هوازن لا تلتقى بقريش إلا في (مضر).

- 3 -

كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عقد صلحا مع قريش وحلفائها وجيرانها الكنانيين من بني بكر وهو صلح الحديبية التاريخي فأمن جانب قريش - فترة ما - ولكن قريشًا نقضت هذا الصلح بعد مضى ثلاثة وعشرين شهرًا فقط على عقده، مع أن مدته عشر سنوات.

وبهذا عادت الأحوال إلى ما كانت عليه من حيث قيام حالة الحرب بين المسلمين وقريش، وعودة القلق إلى صفوف المسلمين من أن تقدم قريش من جديد على أعمال عدوانية ضد المسلمين.

الأمر الذي جعل المعسكر الإِسلامي يعيد النظر في تقييم حساباته العسكرية من جديد، فيوجه اهتمامه - (بجدية وحذر) ناحية الجنوب حيث تقع مناطق العدو الرئيسى (قريش وهوازن).

- 4 -

لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى كونه نبيًّا مرسلًا ملهما ومؤيدًا بتأييد الله تعالى .. كان قمة في السياسة العسكرية وبعد النظر وحسبان -

ص: 240

النتائج قبل الإِقدام على العمل.

لقد كان أخشى ما يخشاه المسلمون - بعد أن نقضت قريش صبح الحديبية - أن تعقد الأخيرة مع (هوازن) حلفا عسكريا تواجهان به القبيلتان مجتمعتين الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في معركة حاسمة .. ولو حدث ذلك للقى المسلمون متاعب وأخطار .. الله وحده يعلم بنتائجها. لأن القبيلتين تستطيعان حشد أكثر من ثلاثين ألف مقاتل. بينما المسلمون لم يستطعوا (رغم التجنيد الإِجبارى) حشد أكثر من عشرة آلاف محارب.

إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كقائد عسكرى مسئول قد قدر قوة كل من قريش وهوازن العسكرية وحسب حسابهما، وإن الصدام معهما مجتمعتين. أو كل واحدة على انفراد ليس بالأمر الهين.

وكان من أسس أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي أخلاق الإِسلام في الحرب، أن يحسم أي نزاع مسلح بأقل خسارة ممكنة إلّا أنه لا يتردد في استخدام أقصى أساليب الفتك بالعدو في ساحة القتال إذا ما اضطر إلى ذلك كما حدث في بدر وحنين.

- 5 -

ولعل من أنجح سياساته الحربية، وهو يضع خطة الغزو للسيطرة على مكة، أنه انتهج خطة الكتمان الشديد، فرغم أنه قد أعلن النفير العام وحشد عشرة آلاف من أصحابه فإنه كتم - حتى عن قادة الفرق فيهم - حقيقة الوجهة التي يقصد التحرك بهم نحوها، فلم يعرف جيشه (قادة وجنودًا) الجهة التي يقصدونها إلَّا بعد أن وصلوا على أربعة أميال من مكة المكرمة. كما أقفل الطرق المؤدية من المدينة إلى مكة والجنوب كله ومنع السفر كليا فأقام حراسًا يمنعون الناس من السفر ويعتقلون من يشكون في أمره. وكانت خطة الكتمان وعدم الإفصاح عن الجهة التي يريدها صلى الله عليه وسلم تستهدف (والله أعلم) أمرين اثنين.

ص: 241

1 -

في الدرجة الأولى مباغتة أهل مكة، فلا يدرون إلا والجيش النبوي اللجب يحيط بهم على غير أهبة أو استعداد، فيسقط في أيديهم فينهارون، فتتم السيطرة لجيش الإسلام على العدو دونما أية خسارة تذكر في الأرواح بين الفريقين.

2 -

إدخال البلبلة على كل من العدوين الرئيسيين هوازن وغطفان (فيما إذا اكتشف أحدهما أو كلاهما التحرك بالجيش من المدينة) بحيث لا يدرون، أيهم، ولا أي من العرب مقصود بالغزو.

وهذا هو الذي حدث بالفعل فإن كلا من قريش وهوازن لم تعلم أن قريشًا المقصودة بالغزو إلا عندما أصبح الرسول صلى الله عليه وسلم في ضواحي مكة. أما هوازن فلم تعلم إلا بعد أن وقعت مكة المكرمة تحت سيطرة الجيش الإِسلامي لأن جاسوس هوازن الذي بعثت به يرصد لها تحرك الجيش النبوي، وقع في قبضة طلائع استكشاف هذا الجيش وظل في قبضتهم حتى دخلوا مكة فعميت الأخبار عن هوازن إلى أن فتحت مكة المكرمة.

- 6 -

وأخيرًا وقعت مكة في قبضة المسلحين وسيطر عليها الجيش الإِسلامي دونما أية خسارة في المعسكرين، اللهم إلا حوالي بضعة وعشرين رجلا قتلوا بدون رضا قادة الفريقين، وذلك عندما قام بعض المتطرفين من شباب قريش باعتراض قطعات خالد بن الوليد وشهروا السلاح في وجهها جنوبي مكة. ثم قضى خالد على تلك المقاومة في لحظة وجيزة. واستتب الأمر لجيش الإِسلام في مكة. فكان فتحها حدث اهتزت له جزيرة العرب ودهش له سكانها. لأنهم ما كانوا متوقعون أن مكة أعظم المعاقل الروحية للوثنية والشرك ستقع بمثل تلك السهولة في قبضة قوات التوحيد.

فما هي العوامل في هذا النصر الخاطف الذي حققه جيش الإِسلام. والذي ما كان (حتى المسلمون) يتوقعون حدوثه بذلك الشمول وتلك السرعة الخاطفة؟ .

ص: 242

- 7 -

يمكن إيجاز العوامل الرئيسية في هذا النصر بصورة مختصرة فيما يلي:

1 -

العقيدة

2 -

المباغتة والتضليل.

3 -

تهاون قريش في الاستعداد والتنظيم للمقاومة.

4 -

تخلخل العقيدة الوثنية في نفوس الأكثرية من أهل مكة وعدم تحسسهم لبذل الأرواح في سبيلها.

5 -

بقاء قريش وحدها في ميدان معاداة المسلمين باستثناء قبائل هوازن التي رغم بقائها على الشرك لم تكن على وئام مع قريش.

"أ" أما بالنسبة للعقيدة، فإن قريشا لها عقيدتها، ولكنها عقيدة ضحلة فاسدة تقوم على أساس المصلحة الشخصية والزعامة الفردية. فسادات قريش. رغم تعصبهم لعقيدة الشرك يعرفون في قرارة أنفسهم أنها خرافة تافهة، ولكنها عقيدة موروثة مرتبط ببقائها بقاء زعاماتهم الشخصية. وعقيدة هذا شأنها، يكون المتشبثون بها أزهد الناس فيها عندما لم تعد قادرة على الحفاظ على مصالحهم الشخصية.

أما العقيدة عند المسلمين فهي التزام لا علاقة له بالمصلحة الشخصية حتى يكون التمسك بهذه العقيدة أو التراخى عنها تبعًا لبقاء أو زوال هذه المصلحة، بل أنها التزام يقوم عليه كيان المسلم المبنى على اعتقاد لا جدل فيه .. اعتقاد يقول "بجزم": إن سعادة المسلم في الدنيا وفلاحه في العالم الآخر لا سبيل إلى الظفر بهما إلا بالوفاء لهذه العقيدة وبذل أغلى ما لدى المسلم للوفاء لها والدفاع عنها. كما يقول: إن التهاون في نصر هذه العقيدة يعني تعاسة في الدنيا وشقاء في الآخرة.

لهذا شهد الصدر الأول في الإِسلام من التضحية والفداء والضراوة في القتال دفاعًا عن عقيدة الإِسلام، نماذج لم يسجل التاريخ مثلها منذ فجره.

في سبيل نصرة العقيدة قتل الابن أباه، وأبدى الأب استعداده لقتل

ص: 243

ابنه (1)، وأبدت القلة المؤمنة من الثبات أمام الكثرة الكافرة الغامرة الساحقة ما أنزل بالأخيرة الهزائم الفاضحة المدمرة كما في -بدر وأحد وخيبر-، أو الاندحارات المخزية والفشل الذريع كما حدث في غزوة الأحزاب.

وكانت قريش أكثر العرب عرضة لتجربة معطيات العقيدة الإِسلامية في كل مجالات الصراع المسلح، لهذا كان من البدهى أن يسيطر الرعب المزلزل عليها في مكة بعد أن علمت أنها مطوقة بعشرة آلاف من المسلمين يرابطون على مشارف مكة فكان استسلامها أمرًا إلا مفر منه بسبب الأمور التي ذكرنا. إنها العقيدة العامل الرئيسى في إزالة فكرة المقاومة من أذهان أهل مكة. إنهم لا يزالون يذكرون - عندما كانوا أكثر عددًا وأقوى عدة يوم بدر - لا يزالون يذكرون تقرير رجل استخباراتهم "عمير بن وهب الجمحى" حين استكشف لهم قوات المسلمين في ذلك اليوم التاريخي. حين قال لهم: إن المسلمين ثلاث مائة وأنتم ألف، ولكننى رأيت نواضح يثرب تحمل الموت الناقع فلن يطال الموت أحدًا منهم حتى يقتل رجلًا منكم على أقل تقدير، أو كما قال (2).

"ب" أما بالنسبة لخطة الكتمان والمباغتة - وهي من أهم عوامل الانتصارات منذ فجر التاريخ حتى اليوم - فقد نجح الرسول فيها نجاحا باهرا - وإلى أبعد الحدود.

فقريش - بسبب إحكام خطة الكتمان - لم تعلم شيئًا عن تحركات الجيش النبوي حتى بات على مرمى الحجر من مكة المكرمة، فكان ذلك من أهم عوامل التعجيل باستسلام قريش وقبولها بالاقتراح القائل: أن تكون مكة مدينة مفتوحة، يسيطر عليها جيش الإسلام دونما أي قتال أو مقاومة، وقد كان ذلك ونفذ بكل دقة من كلا الجانبين، ما عدا جهة قطعات الفرسان التي يقودها خالد بن الوليد، والتي لقيت من المشركين

(1) ثبت يوم بدر الكبرى أن أبا بكر الصديق طلب من ابنة عبد الرحمن مبارزته (وكان مشركًا مع قريش ولكنه امتنع عن مبارزته.

(2)

انظر تصريحات عمير بن وهب لقيادة قريش يوم بدر في كتابنا "غزوة بدر الكبرى" في موطنها.

ص: 244

البكريين والقرشيين بعض المقاومة وقضى عليها في لمح البصر.

"ج" أما تهاون قريش في الإِعداد والتهيؤ لمواجهة المسلمين، فهو سر حير كثيرًا من خبراء الحرب والمهتمين بتتبع تاريخ الصراع بين الإِسلام والوثنية في العهد النبوي.

فقريش رغم فشلها في الحصول على معرفة ميعاد تحرك الجيش النبوي من المدينة لغزوها، فإنها على يقين بأن غزوها أمر لا بد منه كما صارحها بذلك قائد جيشها العام أبو سفيان بن حرب، وذلك تأديبًا لها على نقض الصلح الذي نقضته بغدرها بخزاعة حليف النبي صلى الله عليه وسلم ولكنها لأسباب لا يدرى أحد معرفتها بالتحديد. لم تقم بأي حشد أو أي استعداد لمواجهة الغزو المحتمل بل الذي لم تشك لحظة في أنها ستتعرض له. بل ظل زعماؤها وقادتها يدورون في حلقة مفرغة حتى داهم الجيش النبوي ضواحي مكة بغته.

ولعل أكبر خطأ ارتكبته قريش في سياستها العسكرية - من الناحية التعبوية - وهي تواجه التعرض لغزو إسلامي، هو أنها لم تتصل بهوازن العدو القوى الجبارذى العدد والعدة، والذي يشاركها الرغبة الملحة العارمة في القضاء على المسلمين، والذي هو جار لها لا تفصله عن حدودها مرمى سهم.

فلم يذكر أحد من المؤرخين أن قريشا أجرت أيّ نوع من أنواع الإيصال بقبائل هوازن لإِقامة تحالف عسكرى تواجه به الجيش النبوي الذي تعرف قريش أن الصدام بينه وبينها ثم بينه وبين هوازن أمر محتم.

ولو أن قريشا فعك ذلك لتغير مجرى الصراع بين الفريقين .. ولكن قريشا لم تفعل شيئًا من ذلك، راجع إلى أن بين قريش وهوازن عداوات قبلية مستحكمة منذ حرب (الفجار الشهير) التي نشبت بين كنانة (ومنها قريش) وبين قيس عيلان ومنها (هوازن)

وعلى العموم فقد كفى الله المؤمنين شر القتال، وتمت على مكة للمسلمين دونما قتال يذكر، وذلك لخير أراده الله بالمسلمين وقريش على

ص: 245

السواء.

إذ لم تمض عدة أشهر على فتح مكة حتى أصبح كل أهلها مسلمين مغتبطين سعداء باعتناقهم الدين الجديد. حتى ألد أعداء النبي صلى الله عليه وسلم عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية وأبو سفيان بن حرب وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، واغتبطوا بدخولهم في الإسلام وصاروا سادة وقادة من سادة وقادة المسلمين. وتلك من أميز مميزات سماحة الإِسلام الذي (كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم) يَجُبُّ ما قبله.

أما هوازن الخصم الأعظم قوة والأشد شراسة في القتال والوحيد العنيد المتبقى على عدائه السافر العارم للإِسلام فلم تسلك مسلك قريش في التراخى في المواجهة، بل سارع قائدها مالك بن عوف وحشد عشرين ألف مقاتل. وقرر أن ينقل المعركة إلى مكة الإِخراج المسلمين منها والحلول في منصب قيادة العرب فيها محل قريش التي استسلمت للمسلمين دونما حرب، فتحركت فخائذ هوازن من أطراف نجد ومناطق الحجاز بجيش لجب في اتجاه مكة فسارع الرسول القائد صلى الله عليه وسلم وخرج بجيشه من مكة لملاقاتها فاصطدم بها في وادي حنين، حيث دارت تلك المعركة التاريخية الطاحنة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، والتي ستكون موضوع كتابنا التالي إن شاء الله وهو الكتاب التاسع من (معارك الإِسلام الفاصلة).

"د" أما تخلخل عقيدة الوثنية في نفوس القرشيين فذاك أمر قد بدا واضحًا منذ يوم صلح الحديبية الذي كان فيه أول المتأثرين بعقيدة الإِسلام ومعجبًا بفعاليتها في احتواء المسلمين وضبط سلوكهم وطيب سمعتهم وتحقيق وحدتهم الصحيحة المتكاملة والتعريض بالقرشيين وعقيدتهم الوثنية .. كان أول المتأثرين حليف قريش ورسوله إلى المسلمين عروة بن مسعود الثقفى (1) الذي قال لزعماء قريش في تقريره الذي قدمه لهم عن واقع المسلمين يوم أن زارهم (مندوبًا في الحديبية) .. "يا معشر قريش إني قد وفدت على الملوك، على كسرى وهرقل والنجاشى وإني والله ما رأيت ملكًا قط أطوع

(1) أسلم هذا السيد المفضال، انظر ترجمته في كتابنا (صلح الحديبية).

ص: 246

فيمن هو بين ظهرانيه من محمد في أصحابه، والله ما يشدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلّا أن يشير إلى أمر فيفعل، وقد حزرت القوم واعلموا: إن أردتم السيف بذلوه لكم، وقد رأيت قوما ما يبالون ما يصنع بهم إذا ما منعوا صاحبهم، والله لقد رأيت (نُسيات) معه إن كن ليسلمنه أبدا على حال، فروا رأيكم (1) ".

وكذلك حويطب بن عبد العزى أحد أعضاء وفد قريش في مفاوضات صلح الحديبية التاريخي أدلى بتصريح يدل على التأثر البالغ بواقع المسلمين والتخلخل في ثقة المشركين بأنفسهم وعقيدتهم واقتناعهم بأن الغلبة في أي صراع قادم إنما ستكون "ولابد للعقيدة الإِسلامية".

فقد قال حويطب بن عبد العزى - وهو ينظر إلى المسلمين في الحديبية من خلال واقعهم المشرف - قال لزميله في وفد قريش، مكرز بن حفص .. "ما رأيت قومًا قط أشد حبًّا لمن دخل معهم من أصحاب محمد لمحمد وبعضهم لبعض، أما أني أقول لك .. لا تأخذ من محمد نصفا أبدا بعد هذا اليوم، حتى يدخلها "يعني مكة" عنوة (2). فقال مكرز: أنا أرى ذلك"(3).

بل لقد تطور هذا التأثر بواقع المسلمين والإِعجاب بعقيدتهم "عقيدة التوحيد" إلى أن يحدث الانشقاق بين سادات مكة أنفسهم والصلح قائم قبل فتح مكة، فيدخل بعضهم طوعًا واختيارًا في الإِسلام ويذهب إلى المدينة ويلتحق بمعسكر الدين الجديد .. فيحدث بذلك خسفًا شديدًا في الأرضية المتداعية التي يقف عليه بنيان الوثنية في نفوس زعماء مكة قبل دهمائها.

هذا خالد بن الوليد قائد سلاح الفرسان القرشي، وعمرو بن العاص رجل قريش السياسي الذي لا يبارى، وعثمان بن طلحة قائد لواء قريش، كلهم يذهبون بأنفسهم إلى المدينة "قبل أن تقع مكة في قبضة الإِسلام"

(1) صلح الحديبية ص 194 - 195.

(2)

العنوة .. أخذ الشيء قوة اقتدارا.

(3)

صلح الحديبية للمؤلف ص 265.

ص: 247

فيعلنون إسلامهم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم.

ولا أدل على تخلخل العقيدة الوثنية وشعور سادات مكة أنفسهم بقرب اضمحلال هذه العقيدة من التصريحات التي أدلى بها بعضهم عند الصفا، على أثر المشادة التي حدثت بين أبي سفيان بن حرب وبين خالد بن الوليد - عندما وقف خالد على الصفا يصارح قريشا بأن دين الإِسلام هو الحق.

فقد وقف خالد - بعد عمرة القضاء وقبل فتح مكة - وقف على الصفا ونادى "بشجاعة خالد المعروفة" .. "يا معشر قريش لقد استبان لكل ذي لب أن محمدًا ليس بساحر، ولا كذاب وأن كلامه من كلام رب العالمين فحق على كل ذي لب أن يتبعه" فغضب لذلك أبو سفيان وهجم على خالد مستنكرًا قوله فحجز بينهما عكرمة بن أبي جهل وخاطب أبا سفيان في لهجة تدل على الشعور بقرب نهاية الوثنية في مكة .. "دعه يا بن حرب فإني أخشى أن لا يأتي العام القادم إلا وقد فعلنا كلنا مثل فعل خالد أو كما قال"(1).

"هـ" أما بقاء قريش وحدها في ميدان مواجهة المسلمين، فهذا أمر كان قائمًا عندما تحرك النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه من المدينة، فكل قبائل الحجاز قد دخلت في الإِسلام تقريبًا، ولم يبق قبيلة لها وزنها الحربى (بعد قريش) سوى قبيلة هوازن ومنها ثقيف، ولكن قريشًا لم تستفد من موقف هوازن، حيث لم تجر معها أي اتصال لإجراء أيِّ تنسيق معها لمواجهة المسلمين. ولهذا تمكنت قوات الإِسلام، من إخضاع الواحدة بعد الأخرى على انفراد، حيث لم يمض على سيطرة المسلمين على مكة نصف شهر حتى اصطدمت قواتهم خارج مكة بعشرين ألفا من قوات هوازن في أحد وحنين، فنزلت بهوازن تلك الهزيمة الساحقة، ودخل سيد هوازن مالك بن عوف نفسه في الإِسلام، ثم دخلت ثقيف، وبذلك انتهت المقاومة الوثنية في جميع مناطق الحجاز.

(1) انظر هذه القصة مطولة في كتابنا السابع من هذه السلسلة (غزوة مؤتة) قصة إسلام خالد وعمرو بن العاص.

ص: 248

[خريطة]

ص: 249