الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي يأمر بحفظ القضية ويعفو عن حاطب
وكان عمر بن الخطاب حاضرًا التحقيق. فاغتاظ على حاطب وطالب بإعدامه قائلًا: يا رسول الله دعنى فلأضرب عنقه فإن الرجل قد نافق (1).
إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوافق على اقتراح عمر، بل اتّبع سبيل الصفح والعفو عن حاطب لما له من مواقف مشرفة في السبق إلى الإسلام والذود عنه، لذلك أمر بحفظ القضية.
فقد أنهى النبي التحقيق مع حاطب بالعفو عنه قائلًا: إنه قد صدقكم ولا تقولوا له إلا خيرًا (2).
ثم وجه الرسول صلى الله عليه وسلم حديثه إلى ابن الخطاب مؤكدًا العفو عن حاطب لأنه ممن حضروا بدرًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم (وما يدريك يا عمر، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم! ! ! (3).
وقد أنزل الله تعالى في حادثة حاطب بن أبي بلتعة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآية (4).
وفي هذه الآية تأكيد وشهادة بإيمان حاطب بن أبي بَلتعَة لأن هذا التنبيه موجه إليه خصوصًا وإلى المؤمنين عامة.
لأنّ حاطبًا هو الذي ألقى إليهم بالمودة حينما كتب إليهم ذلك الكتاب.
استمرار خطة كتمان الزحف على مكة
وبإحباط محاولة حاطب بن أبي بَلتعَة وباستعادة خطاب التحذير الذي كتبه لقريش من الجاسوسة سارة. ظلت خطة الكتمان معمولًا بها. وعمِيت أنباء تحركات الرسول الحربية الواسعة عن قريش .. حتى وصل بجيوشه إلى وادي مَرِّ الظهران القريب من مكة.
(1) سيرة هشام ج 4 ص 41.
(2)
صحيح البخاري ج 5.
(3)
تاريخ الطبري ج 3 ص 49.
(4)
الممتحنة آية 1.
وكذلك عامة الصحابة وسواد الجيش الذي يقوده والذي بلغ عشرة آلاف محارب لم يعلموا على وجه التحديد إلى أين يريد التوجه بهم وعلى من يريد بهم أن يغير. وطريق الكتمان والتعمية والتورية في العمليات العسكرية هي دائمًا (إلا في النادر) طريقة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم. وهي خطة من أهم وسائل تحقيق الظفر بالعدو.
وقد كان بعض قادة القبائل (وخاصة الأعراب) يحاولون التعرُّف على الجهة التي يريد الرسول صلى الله عليه وسلم فيسألون فلا يجدون جوابًا شافيًا لهم.
فهذا عيينة بن حصن الفَزَارى (وقد أسلم) عندما وصل الجيش قديدًا (1) سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رآه يعبئ الجيش ويوزع الرايات على قادة الكتائب: فأين وجهك يا رسول الله؟ فلم يزد الرسول في إجابته على أن قال: حيث يشاء الله (2).
وهذا كعب بن مالك فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاعر الإِسلام المفلق حاول أن يستكشف للصحابة ويحصل من الرسول على علم بالجهة التي يريدها بهذا الجيش الكبير فلم يفلح.
فقد جاء في كتب السير والمغازى ما يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل ملتزمًا الصمت لا يدرى أصحابه إلى أين يتحرك بهم حتى بعد أن وصل قرب حدود الحرم.
يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل بالجيش في وادي العرج (3) وهو من وديان الطائف. قال كعب بن مالك لمجموعة من سادات المهاجرين والأنصار -وكانوا تواقين إلى معرفة الجهة التي يريد الرسول الزحف عليها أيقصدُ ثقيفًا أم هوازن أم قريشًا-: آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم لكم على وجهه فجاء كعب فبرك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، ثم قال:
(1) قديد (بضم أوله وفتح ثانيه) قال ياقوت: موضع قرب مكة.
(2)
مغازي الواقدي ج 2 ص 803.
(3)
العرج (بفتح أوله وسكون ثانيه) قال في معجم البلدان. قرية جامعة في واد من نواحى. الطائف وهي لبنى نصر بن معاوية قوم قائد هوازن في حنين مالك بن عوف.