الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل النبي صلى الله عليه وسلم بقواته الرئيسية من المدينة في اتجاه مكة. فالتقت به السرية في الطريق في مكان يقال له: السقيا (1). "طبقات ابن سعد الكبرى ج 2 ص 133".
حراسة الطرق ومنع السفر إلى مكة واحتجاز المشتبه بهم:
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم لكى يحجب أنباء تحركاته بجيشه عن المشركين في مكة أمر بمراقبة الطرق المؤدية إلى مكة واحتجاز كل من يشتبه في أمره. وكان الذي أوكلت إليه مهمة حراسة الطرق ومراقبتها عمر بن الخطاب.
فقد ذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب - بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على الأنقاب (الطرق) قيِّمًا بهم فيقول للحرس: لا تدعوا أحدًا يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه - وكانت الأنقاب مسلمة - إلا من سلك إلى مكة فإنه يُحتفظ به ويسأل عنه (2).
البوليس الحربي يشدد الحراسة على الطرق
.
وبالحراسة المشددة على المسالك والطرق نجحت خطة الكتمان إلى أبعد الحدود حيث منع الحرس الإسلامي (وهو ما يعبر عنه اليوم بالبوليس الحربي) منع السفر إلى مكة لأى إنسان يشتبه في أمره. فعميت لذلك الأنباء تمامًا على المشركين بمكة. الذين لم يشعروا إلا والجيش النبوى معسكرًا بالقرب من مكة، فأسقط في أيديهم وبث الله الرعب في نفوسهم فقرروا الاستسلام ودخل النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه مكة فاتحًا دون أن يلقى أية مقاومة تذكر.
الصحابي الذي حاول إبلاغ قريش نبأ الغزو ففشل
.
غير أن أحد الصحابة من المهاجرين ارتكب خطأ كاد يفسد على النبي خطة الكتمان التي اتبعها في تحركاته العسكرية.
(1) انظر تحديد مكان السقيا في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(2)
مغازي الواقدي ج 2 ص 796 والسيرة الحلبية ج 2 ص 199.
فقد حاول هذا الصحابي (وهو حاطب بن أبي بلتعة (1). كان من البدريين ومن السابقين الأولين في الإسلام. والفرسان المشهورين الذين ثبتوا يوم أحد إلى جانب الرسول صلى الله عليه وسلم (ساعة الانتكاسة) حاول هذا الصحابي أن ينقل إلى قريش (وبطريقة سرية) أنباء اعتزام الرسول صلى الله عليه وسلم غزوهم. فعندما علم بطريقه الخاص أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد بتحركاته المشركين في مكة قاده الضعف البشرى -الذي مصدره العطف على أهله وأقاربه في مكة- إلى ارتكاب الخطيئة الكبرى التي لولا سابقته في الإِسلام وكونه من أهل بدر لأنزل به عقاب شديد هو عقاب الجاسوس الذي قد يصل إلى حد الإعدام -عقوبة الخيانة العظمى-.
فقد ذكر أصحاب الحديث والمغازى والسير، أن حاطب بن أبي بَلتَعة كتب إلى ثلاثة من زعماء المشركين في مكة: صفوان بن أميَّة، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، يخبرهم فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحشد الجيوش لغزو قريش. وكتب إلى هؤلاء الزعماء المشركين كتابًا جاء فيه:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد بكتابي إليكم" واستأجر -لإيصال كتابه إلى قريش- امرأة يقال لها سارة (2)، وجعل لها دينارًا على أن تبلغ الكتاب إلى سادات مكة، وقال لها: اخفيه ما استطعت، ولا تمرِّي على الطريق فإن عليها محرسًا. فسلكت مسالك مهجورة ليس عليها حرس، عن يسار المحجة في فُلوُق (3) الحر، حتى خرجت إلى الطريق الرئيسى بالعقيق (4). وبذلك لم يفطن لها أحد من حرس الطرق حتى وصلت ذا الحليفة "أبيار
(1) انظر ترجمة حاطب بن أبي بلتعة في كتابنا (غزوة أحد).
(2)
سارة هذه. مولاة لبعض بني عبد المطلب بن عبد مناف. وكانت مغنية بمكة. قال في السيرة الحلبية. قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلمت. وطلبت منه الميرة وشكت الحاجة: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان في غنائك ما يغنيك؟ فقالت: إن قريشًا منذ قتل منهم من قتل ببدر تركوا الغناء، فوصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوفر لها بعيرًا طعامًا. فرجعت إلى قريش وارتدت عن الإسلام. ولهذا كانت ضمن من أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح.
(3)
الفلوق: جمع فلق: وهو الشق في الأرض:
(4)
العقيق هو الوادي الشهير الذي يقع غربي المدينة.
على" على بعد سبعة أميال من المدينة.
وقد بدأت المرأة سارة في تنفيذ المهمة التي كلفها بها حاطب، فلجأت لإخفاء كتابه إلى قريش إلى أسلوب غاية في التعمية، فقبل أن تغادر المدينة نَفَشَت شعر رأسها ثم دست الكتاب فيه ثم فتلت عليه إحدى جديلتيها، ثم أرسلتهما بعد أن اختفى فيهما الكتاب تمامًا، ثم انطلقت في اتجاه مكة لإكمال المهمة.
وقد نجحت في مغادرة المدينة دون أن يراها أحد من الحراس (البوليس الحربي) المكلفين بحراسة الطرق ومراقبة من يمر بها.
غير أن هذه الجاسوسة لم تكد تصل إلى ذي الحليفة حتى اكتشف الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها وأمر مرسلها حاطب. وذلك عندما جاءه الوحى ينذره بذلك، فسارع الرسول صلى الله عليه وسلم فاستدعى علي بن أبي طالب والزبير بن العوّام بأن يلحقا بالمرأة الجاسوسة ويأخذا منها الكتاب الذي كان حاطب قد دفعه إليها لتسلمه زعماء قريش حيث قال صلى الله عليه وسلم: أدركا امرأة قد بعث معها حاطب بن أبي بَلتعةَ بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم (1).
فأسرع على والزبير يتبعان الجاسوسة (سارة)، ولم يطل بهما البحث فقد وجداها راكبة جملًا لها في مكان قريب من المدينة يقال له: الخليفة (بضم الخاء)، خليفة بني أبي حمد (2). فاستوقفاها ثم طلبا منها النزول، فنزلت. وهنا قاما بتفتيش رحلها تفتيشًا دقيقًا فلم يجدا أي أثر للكتاب الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاها عن الكتاب المذكور فأنكرت أن يكون لها أيّ علم به، فشدّدا عليها وحلفا بالله: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كُذبنا. ثم أنذراها بأنهما إذا لم تعطهما الكتاب الذي معها سيضطران إلى تفتيشها حتى ولو أدَّى الأمر إلى تكشيفها قائلين: لتخرجنّ هذا الكتاب أو لنكشفنَّك. فلما رأت منهما الجد انهارت فاعترفت. ثم
(1) سيرة ابن هشام ج 4 ص 41.
(2)
البداية والنهاية ج 4 ص 283.