الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنورة.
ولا شك أن وقوع العاصمة المقدَّسة تحت سيطرة المسلمين كان بداية النهاية للوجود الوثنى لا في مكة وحدها بل في جميع الأقاليم التي بقى فيها سلطان للشرك والوثنية. لأن مكة كانت عاصمة للشرك والوثنية. لا بالنسبة لقريش وحدها بل للعرب أجمعين على اختلافهم في تنويع الآلهة، حيث يوجد لكل فئة من العرب صنمهم الخاص بهم حول الكعبة.
ولهذا كان وقوع العاصمة المقدسة مكة في أيدى المسلمين ذا أثر شديد على نفوس من تبقى على الشرك والوثنية الأمر الذي حدا بالأقوياء (عسكريًا منهم) مثل قبائل هوازن أن تخشد الجيوش لانتزاع مكة من أيدى المسلمين وإعادتها إلى سلطان الشرك والوثنية، الأمر الذي بسببه نشبت معركة حنين الحاسمة كما سيأتي تفصيله (إن شاء الله) في كتابنا التاسع من هذه السلسلة وهو التالي لهذا الكتاب، والذي سيصدر (بإذن الله) تحت اسم (غَزْوة حنين)؟
محمد أشرف فاتح وأكرم محارب:
لقد كان القرشيون - وهم يلقون السلاح ويعتصمون بمنازلهم أو المسجد ويخلون الشوارع ليروا جيش محمد المنتصر يسيطر على العاصمة المقدسة - يظنون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من ذلك الطراز المتوحش المتعطش إلى الدماء من الفاتحين، الذين تعبث بهم نشوة الانتصار، فتدفع بهم إلى إحداث المجازر الرهيبة بين خصومهم المهزومين. فلا تهدأ نفوسهم ولا تقر إلا بعد أن يروا الجثث مبعثرة في الشوارع ومدلاة على أعواد المشانق.
ولدى القرشيين ما يجعل هذا الظن قويًّا في نفوسهم، لا سيما وأنهم ما زالوا يقيسون الأمور بمقياسهم المبنى على التفكير الجاهلى العصبى الوثني حيث الثأر والانتقام للنفس هما دائمًا السبب والمحرك الوحيد لأى حرب يخوضون غمارها.
وعندما تراجع قريش صفحات الماضي، تجدها (وعبر عشرين سنة)
مثقلة بالأوزار والآثام التي ارتكبها في حق هذا الرجل الذي سيطرت قواته عى مكة، وأصبح مصير كل أهلها بيده، وأعظم جريمة منكرة ارتكبتها قريش في حق الرسول صلى الله عليه وسلم هي محاولتها اغتياله على فراشه وهو بين ظهرانيها قبل ثمان سنوات.
لهذا كان سادات مكة يتوقعون أن الحساب سيكون من الرسول الفاتح المنتصر حسابًا عسيرًا والانتقام انتقامًا شديدًا ولهذا فر الكثير من ساداتهم وهربوا من مكة، حتى الذين لم يصدر الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم وبصفة استثنائية - بإعدامهم قصاصًا.
غير أن تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت "وقبل أن يدخل مكة فاتحًا" تدل على أنه أبعد ما يكون عن الرغبة في الانتقام والإنتصار للنفس، وأنه أشد ما يكون حرصًا على أن لا تراق قطرة دم واحدة في مكة من أي إنسان كان مسلمًا كان أم كافرًا. اللهم إلا الذين يقضى قانون الإِسلام بإعدامهم. لذلك رحب صلى الله عليه وسلم بمساعى عمه العباس بن عبد المطلب والتي انتهت بإصدار الرسول القائد "وهو الظافر المنتصر" عفوًا عامًا عن جميع مشركى مكة قبل أن يدخلها إن هم ألقوا السلاح وكفوا عن المقاومة. فأثبت بذلك للقرشيين - وقبل أن يدخل مدينتهم - أن الانتقام لنفسه منهم لم يكن له وجود في تفكيره، رغم الأهوال التي عاناها على أيديهم ظلمًا وبغيًا وعدوانًا طوال ثمان سنوات عندما كان بين ظهرانيهم ضعيف الركن قليل الأنصار.
فبرهن على أنه أشرف محارب وأكرم منتصر عرفه التاريخ.
لقد كان الأمان الذي حمله مفاوض قريش أبو سفيان بن حرب من الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم لأهل مكة جميعًا والذي تبلغه كافة أهل مكة قبل أن يدخلها الجيش النبوي، كان هذا الأمان كافيًا لأن يطمئن النفوس القلقة في مكة، وكل نفوس أهل مكة قلقة، مما يتصورون أنه سيحل بهم على يد الجيش الإِسلامي عندما يسيطر على مكة.
ولكن الخوف ظل يساور نفوس أهل مكة رغم إعلان أبي سفيان أن الجيش النبوي بأمر من الرسول القائد صلى الله عليه وسلم قد أمر جيشه بأن لا يتعرض لأحد من أهل مكة، وأنهم جميعًا آمنون إلَّا من حمل السلاح وقاتل