الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واتجه على خطٍ مستقيمٍ وبين يديه أبو عبيدة حتى وصل ناحية الحجون. ومن هناك انحدر جنوبًا نحو المسجد. بعد أن استراح ناحية الحجون في قُبَّة ضُربت له هناك (1).
وبالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قسم الجيش إلى خمس فرق عند دخول مكة، فقد ظل الجيش على تعبئته الأساسية. حيث دخلت القبائل مكة على راياتها وتحت قيادات ضباطها حسب التنظيمات والتعبئات التي أجراها الرسول صلى الله عليه وسلم في قُدَيد. وعلى النحو الذي فصّلناه فيما مضى من هذا الكتاب.
وبعد أن قسَّم الرسول صلى الله عليه وسلم جيشه في ذي طوى وعرف كلُّ قائد من القادة الأربعة المكلفة فرقهم بالسيطرة على مكة. الجهة التي عليه أن يدخل مكة منها، وقف مختلف فرق الجيش على أهبة الاستعداد في ذي طوى لاقتحام مكة.
الأوامر المشددة بعدم استخدام السلاح في مكة عند دخولها
وقد أصدر الرسول القائد صلى الله عليه وسلم إلى قادة جيشه الأوامر المشددة بأن لا يستخدموا السلاح في مكة ولا يقاتلوا إلا من اعترض سبيلهم وقاتلهم. فقال: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم (2).
وقد نفَّذ قادة القطعات في الجيش أوامر الرسول القائد فلم يحدث منها أي قتال عند دخولها مكة، ما عدا القطعات التي يقودها خالد بن الوليد وهي أهم القطعات من الناحية الحربية حيث كان كلُّها من الفرسان وسلاح الفرسان هو من أهم ما تعتمد عليه الجيوش في ذلك العصر.
ففي المنطقة التي كلف سلاح الفرسان بقيادة خالد بن الواليد باحتلالها حديث (فقط) القتال حيث قاوم قلة من القرشيين بمساندة البكريين جيرانهم، والذين كانوا سببًا في نقض صلح الحديبية، ثم في قيام الرسول صلى الله عليه وسلم الله بهذا الغزو الشامل.
العرض العسكري في ذي طوى
بعد أن أعطى الرسول القائد صلى الله عليه وسلم الأوامر إلى قادة الفرق الأربع
(1) سيرة ابن هشام ج 4 ص 49.
(2)
السيرة الحلبية ج 2 ص 207.
المكلفة باحتلال مكة، وتحريرها قامت قطعات الجيش النبوي باستعراض في المنطقة التي فيها تجمَّع الجيش وهي سهل يقع في الناحية الشمالية الغربية خارج أبنية مكة إزاء الحجون والخندمة.
فقد ذكر المؤرخون أن الرسول لما أكمل جيشه. الاستعداد لدخول مكة اغتسل ثم دعا براحلته القَصوى فأدنِيت له إلى باب قُبته، ودعا للبس السلاح والمغفر على رأسه وقد صف له الناس والخيل تمعج (1) بين الحجون والخندمة.
وقد شهد أهل مكة بأم أعينهم تجمُّع الجيش النبوي وهو يتهيأ للانطلاق، كل فرقة نحو المنطقة التي حُددت لها من مكة. وقد رأى أهل مكة هذا الحشد والاستعراض والاستعداد والتنظيم من رؤوس الجبال.
فقد ذكر ابن هشام هذا المشهد الرائع للجيش النبوي (كما وصفه شاهد عيان من قمة جبل أبي قبيس) فقال: (لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذى طوى) قال أبو قحافة (والد أبي بكر الصديق لابنة من أصغر بناته (2). أي بنيَّة، اظهرى بي على أبي قبيس، قالت وقد (كُفَّ بصره) قالت فأشرفت به عليه، فقال: أي بنيَّة ماذا ترين؟
قالت: أرى سوادًا مجتمعا قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك مقبلًا ومدبرًا. قال: أي بنية، ذلك الوازع (3) يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها، ثم قالت: قد والله انتشر السواد، قالت: فقال، قد والله دفعت الخيل، فأسرعى بي إلى بيتي، فأسرعت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته (4).
وذكر الواقدي أن الفتاة قريبة بنت أبي قحافة كانت ترعب من الخوف، فقال لها أبوها - حين رأى ما بها من الخوف -: يا بُنية لا تخافى، فو الله إن أخاك عتيقًا (يعني أبي بكر) لآثر أصحاب محمد عند محمد (5).
(1) معج، أي أسرع.
(2)
قال الواقدي: واسمها قريبة (بضم القاف).
(3)
الوازع هنا: هو الذي ينظم الجيش ويضبط صفوفه فكأنه يكفه عن التفرق والانتشار الفوضوى استعدادا للانطلاق بعد الأمر من القائد.
(4)
سيرة ابن هشام ج 4 ص 48.
(5)
مغازي الواقدي ج 2 ص 824.