الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنطلق الثالث
ماذا نتعلم
؟
المنطلق الثالث
(ماذا نتعلم؟)
أيها المتفقه ـ حبيبي في الله ـ: ماذا تتعلم؟
هذا ـ لعمر الله ـ سؤال صحيح وارد على جميع المسلمين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم " طلب العلم فريضة على كل مسلم" ـ وفي رواية " على كل مؤمن "(1)، ولا شك أنَّ الجميع يعلم يقيناً أنَّ داء الأمة اليوم الجهل، ودواؤها العلم، ولكن: أي علم؟ وماذا نتعلم؟ وبماذا نبدأ؟
يقول ابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ: " اختلف الناس في ذلك.
…
قال الفقهاء: هوعلم الفقه؛ إذ به يعرف الحلال والحرام.
…
وقال المفسرون والمحدثون: هو علم الكتاب والسنة، إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها. وقال الصوفية: هو علم الإخلاص وآفات النفوس.
…
وقال المتكلمون: هو علم الكلام.
…
إلى غير ذلك من الأقوال التي ليس فيها قول مرضي، والصحيح أنه علم معاملة العبد لربه، والمعاملة التي كُلِّفها العبد على ثلاثة أقسام: اعتقاد، وفعل، وترك.
(1) 1 أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (10/ 240)، والصغير (1/ 16)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/ 375، 11/ 424) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3913).
فإذا بلغ الصبي، فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناها، وإن لم يحصل ذلك بالنظر والدليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى من أجلاف العرب بالتصديق من غير تعلم دليل، فذلك فرض الوقت، ثمَّ يجب عليه النظر والاستدلال.
فإذا جاء وقت الصلاة وجب عليه تعلم الطهارة والصلاة، فإذا عاش إلى رمضان وجب عليه تعلم الصوم، فإن كان مال وحال عليه الحول وجب عليه تعلم الزكاة، وإن جاء وقت الحج وهو مستطيع وجب عليه تعلم المناسك.
وأما التروك فهو بحسب ما يتجدد عليه من الأحوال، إذ لا يجب على الأعمى تعلم ما يحرم النظر إليه، ولا على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام، فإن كان في بلد يُتعَاطى فيه شرب الخمر ولبس الحرير وجب عليه أن يعرف تحريم ذلك.
وأما الاعتقادات فيجب علمها بحسب الخواطر، فإن خطر له شك في المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة، وجب عليه تعلم ما يصل به إلى إزالة الشك.
وإن كان في بلد قد كثرت فيه البدع، وجب عليه أن يتلقن الحق، كما لو كان تاجراً في بلد شاع فيه الربا وجب عليه أن يتعلم الحذر منه.
وينبغي أن يتعلم الإيمان بالبعث والجنة والنار " ا. هـ (1)
(1) مختصر منهاج القاصدين ص (15، 16)
وبناء على ما سبق، فإن من فروض الأعيان في عصرنا على الذكور والإناث سواءً تعلم أحكام النظر لكثرة الاختلاط وشيوع الفاحشة، ويجب أيضاً تعلم أحكام الاختلاط والحجاب والاستئذان ومعرفة المحارم، كذلك وجب الإلمام بمعرفة الربا وأنواعه وأحكامه، وكذلك أنواع البيوع والإجارات والوكالات؛ لأن المسلم في هذا العصر يتعامل بكافة أنواع التعاملات يوميًا لكثرة البشر وتنوع التعامل وحاجة الناس لبعضهم البعض.
وكذلك يجب من أمور الاعتقادات أشياء كثيرة تخفي على الناس، مثل: حرمة التبرك بالقبور، وحرمة التوسل بالموتى، بل وأشياء من صميم العقيدة مثل: تحكيم شرع الله، والولاء والبراء، وأحكام أهل الذمة، وغير ذلك مما يلزم شرعاً.
فهذه الأمور من فرائض الأعيان على كل مسلم بحيث إذا لم يتعلمها أثم على ذلك لاسيما والوسائل متاحة من كتب أو أشرطة، ويستطيع المرء أن يسأل أهل العلم في مشارق الأرض ومغاربها عبر الهاتف أو بالبريد، ولجان الفتوى موجودة في معظم بلاد الإسلام، ولا تزال طائفة من أهل الحق ظاهرين، والحمد لله رب العالمين.
لكن من العلوم ما يكون فرضه على الكفاية، بحيث إذا تقاعست الأمة بأسرها عن تعلم هذا العلم أثموا جميعًا، وإن قامت به جماعة منهم سقط فرضه عن باقي الأمة وأثيبوا على ذلك.
يقول ابن قدامة: " فأما فرض الكفاية: فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا، كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان على الصحة، والحساب فإنه ضروري في قسمة المواريث والوصايا وغيرها.
فهذه العلوم لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد، وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الباقين.
ولا يتعجب من قولنا: " إنَّ الطب والحساب من فروض الكفاية، فإنَّ أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفاية كالفلاحة والحياكة بل الحجامة فإنه لو خلا البلد عن حجام لأسرع الهلاك إليه، فإنَّ الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأرشد إلى استعماله، وأما التعميق في دقائق الحساب ودقائق الطب وغير ذلك فهذا يعد فضلة؛ لأنه يستغنى عنه.
وقد يكون بعض العلوم مباحًا كالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها، وتواريخ الأخبار، وقد يكون بعضها مذمومًا كعلم السحر والطلسمات والتلبيسات.
فأما العلوم الشرعية فكلها محمودة، وتنقسم إلى: أصول، وفروع، ومقدمات، ومتممات.
فالأصول: كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، وآثار الصحابة.
والفروع: ما فهم من هذه الأصول من معانٍ تنبهت لها العقول، حتى فهم من اللفظ الملفوظ وغيره، كما فهم من قوله: " لا يقضى
القاضي وهو غضبان " (1) أنَّه لا يقضي جائعًا.
والمقدمات: هي التي تجرى مجرى الآلآت، كعلم النحو واللغة، فإنهما آلة لعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والمتممات: كعلم القراءات، ومخارج الحروف، وكالعلم بأسماء رجال الحديث وعدالتهم وأحوالهم، فهذه هي العلوم الشرعية وكلها محمودة ". (2)
فاعلم ـ حبيبي في الله ـ أنَّ العلوم ليست على مرتبة واحدة، فمن العلوم ما ينبغي عليك الاستكثار منه دون حد، ومنها ما يلزمك التوقف فيه عند حد مخصوص، وأنَّه لا يشتغل بالفرض الكفائي قبل الفرض العيني، وأنَّك لا تسعى في تعلم علوم الأدوات والوسائل إلا بقدر ما تحقق به الغاية، كمن يتعلم علوم اللغة ليستقيم فهمه ويحسن تدبر النصوص الشرعية من كتاب وسنة فإذا به يجنح إلى تعلم الغرائب،
(1) أصله في الصحيحين، أخرجه البخاري (7158) ك الأحكام، باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، ومسلم (1717) ك الاقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث أنه كتب إلى ابنه وكان بسجستان بأن لا تقضي بين اثنين وأنت غضبان فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان "
(2)
مختصر منهاج القاصدين (16، 17).