الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم!! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة.
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أنَّ قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج " (1).
إنَّ هذا الحديث يمثل درساً تربوياً واقعياً، وهو ـ أيضاً ـ مقصود لنصل إلى بيت القصيد.
كيف نطلب علم الفقه
؟
يقول الشيخ عبد العزيز القارئ ـ حفظه الله ـ في كتابه " برنامج عملي للمتفقهين ": وقد وجدنا لمن يطلب الفقه بالجلوس في حلقات أهل العلم أنَّ أحكم طريقة وأسرع وأحسن وسيلة توصله إلى غايته أن يتخذ واحداً من المذاهب الأربعة وسيلة للتفقه في الشريعة أي أن يتمذهب.
ولماذا أخص هذه المذاهب الفقهية الأربعة بالذكر؟
(1) أخرجه الدارمي (204) في المقدمة، باب في كراهية الأخذ بالرأي.
لأن باقي المذهب الفقهية إما قد اندرس أكثرها، مثل: الأوزاعية، السفيانية، وإما هو غير معتبر كالظاهرية، فلذلك أحسن وسيلة للتفقه في الشريعة أن تتمذهب بواحد من المذاهب الأربعة، تختار أحدهم فكلها طرق للتفقه في الشريعة.
وهذه المذاهب الأربعة نقلتها الأمة بعناية فائقة، وتضافرت على ذلك، حتى وصلتنا مخدومة متبوعة، لها أتباع كثيرون، وتسابق العلماء على خدمتها بالشرح والتأليف، والتأصيل والتفريغ، والاستدلال والاستنباط، وتخريج الأدلة والنصوص، والترجمة لفقهاء المذاهب، وبيان أحوالهم، فشكلت هذه المذاهب مدارس فقهية زاخرة، غنية بالثروة الفقهية اليافعة المرموقة.، ولذلك ـ يا متفقه ـ إذا اخترت مذهباً منها فاتخذته وسيلة للتفقه في أحكام الشريعة، فإنك ترتع في دوحات تلك المدرسة، وتروى غليلك وظمأك من أنهارها وثمارها، فكل مذهب منها مدرسة فقهية قائمة، تضافر العلماء على خدمتها، فتجد في ظلال هذه المدارس الأربعة الفقهية من وسائل الفقه ما لا تجده في غيرها من المذاهب. لماذا أقول هذا؟
رداً على بعض العلماء المتأخرين، وهو ـ الشوكاني رحمه الله فإنه دعا المتفقهين إلى التفقه بعيداً عن هذه المذاهب الأربعة، ولما درست كلام الشوكاني من خلال ما كتب في كتابيه " أدب الطلب "
…
و" القول المفيد في الاجتهاد والتقليد "، وجدت أنَّ دعوته هذه كانت رد فعل وقتي
للجمود الذي سيطر، والتعصب الذي استفحل في عصره
…
رحمه الله وهو من أهل القرن الثالث عشر، خاصة في بلده اليمن، فأراد الشوكاني أن يكسر من حدة هذين الداءين بهذه الدعوة، ولكنه لا يعنى هذا أن هذا المنهج الذي يدعو إليه قابل للتطبيق، أو أنه عند التطبيق نتائجه محمودة، إنه ليس حلاً معقولاً، ولا حلاً عملياً أن يتفقه المتفقهون بعيداً عن هذه المدارس الفقهية الكبرى الزاخرة الغنية، ولذلك فإن الذين حاولوا من المتفقهين أن ينفذوا رأى الشوكاني رحمه الله فروا من كتب المذاهب الأربعة إلى كتب الشوكاني نفسه، فاقتربوا من التمذهب، ولكن بمذهب الشوكاني.
وأما الذين حاولوا أن يتفقهوا في الشريعة بواسطة كتب المحدثين رحمهم الله فالغالب أنهم يتشتتون، ويضيعون.
فعليك ـ يا متفقه ـ أن تتخذ التمذهب وسيلة إلى التفقه في أحكام الشريعة، وسيلة وليس غاية، أما إذا وقعت في داء التعصب والجمود، انقلب التمذهب حينئذ غاية، وحينئذ لا تصل إلى الغاية التي هي معرفة حكم الله، تحجبها سحب الجمود، ويحجبها غبار التعصب؛ لذلك ليس معنى اقتراحنا عليك ـ أيها المتفقه ـ أن تتخذ التمذهب بأحد المذاهب الفقهية الأربعة المشهورة وسيلة للتفقه، أننا نبيح لك التعصب "
ثم قال: " فالمبتدئ في أول طريق التفقه لا يستغني أبداً عن تلقى الفقه بواسطة هذه المتون الفقهية، حتى إذا درب بالفقه واعتاده، وبدأت
ملكته تنشأ عنده، وبدأت لغته تطبعها بطابعها، وتكتسب الدربة أيضاً على فهم ما في النصوص من أحكام ظاهرة أو خفية، وأدرك أنواع الدلالات وطرق الاستنباط، حينئذٍ يرتقى درجات السلم شيئاً فشيئاً، حتى يقدر على الترجيح، ثم الاجتهاد في حدود المذهب، فالمجتهدون درجات: مجتهد مسألة، ومجتهد مذهب، ومجتهد مقارن بين المذاهب، ومجتهد إمام مطلق.
فأمور الفقه وشئونه مضبوطة مرتبة، وسلم التلقي فيه منتظم، فلا يُعقل ـ مع هذا ـ أن نقول للمتفقه المبتدئ لا تعبأ بكل ذلك، وأزح عن طريقك ذلك السلم، واختصر المسافة بالقفز إلى الاجتهاد.، كن حراً في تفكيرك، مستقلاً في فقهك؛ فإذا كنا نريد بهذه النصيحة معالجة داء الجمود والتعصب، فقد داوينا الداء بداء آخر هو الفوضى" انتهى كلامه ـ رحمه الله تعالى ونفع به ـ
أيا طالب العلم:
أولاً: أقول وقل معي: اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنَّك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، اللهم إنَّا نعوذ بك أن نضلَّ أو نُضل، اللهم آمين.
أظن ـ والله أعلم ـ أن هذه القضية خصوصاً في هذا العصر قد تثير زوبعة، ولكن نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن لا يخاف في الله لومة لائم.
أقول ـ وبالله التوفيق ومنه الإعانة ـ: أننا إذا أردنا أن نستخرج جيلاً من العلماء، ونعيد ابتعاث أحد من الفقهاء، فلا سبيل إلى ذلك إلا بسلوك طريق السلف، واقتفاء آثارهم في الطلب، فها نحن ننظر في علماء سلفنا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فلا نرى إلا أتباع المذاهب، فنقرأ مثلاً في العقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي
…
الحنفي، وللبيهقي الشافعي، ولابن عبد البر المالكي، ولابن قدامة الحنبلي.
هل تعرف النسفي والزيلعى والعيني الأحناف؟ وابن العربي وعبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم والقرطبي وابن رشد المالكيين؟ والنووي والذهبي والسبكي وابن كثير الشافعية؟ وابن الجوزى وابن رجب وابن تيمية وابن القيم الحنابلة؟
هؤلاء علماؤنا وأئمتنا الذين رضينا علمهم، وتتلمذنا على كتبهم، فلِم لا نرضى طريقتهم وسيرتهم في الطلب؟!!
كان أحدهم يبدأ في أحد هذه المذاهب بدراسة متن مختصر أولاً، ثم يتدرج في المذهب كتاباً كتاباً، وشيخاً شيخاً حتى يصل إلى درجة الاجتهاد على التفصيل الذي ذكره الشيخ القارئ ـ حفظه الله. ـ إنك لا تجد ما يحدث اليوم في طريقة التلقي عن السلف، إنك تجد اليوم الشاب يبدأ بالفقه المقارن فيتشتت وينقطع ولا يتعلم.
سنجد اليوم من يقول: إنَّك تقضى بذلك على جهاد السلفيين في القضاء على التمذهب، تريد أن نعود إلى الوراء، وإلى التعصب وإلى الظلام و
…
و
…
الخ.
وهذه ـ لعمر الله ـ اتهامات جائرة وادعاءات باطلة، إنَّ كلامنا واضح ومحدد وصريح، نريد أن نعود بالتعلم إلى طريقة السلف، فهي التي أنتجت الأئمة، وأفرزت القادة، وأفرزت الدعاة، وجعلتهم قادة وسادة، حكماء وفقهاء، علماء وأمراء، عاملون زهاد، فلا نقول: التمذهب الممقوت المصحوب بالتعصب والجمود، لا. .. لا، إننا نقول: تعلم في البداية عن طريق المذهب الذي ترتضى أصوله وشيوخه بشروط ثلاثة:
1) أن هذا التمذهب والترقي في طلبه ليس فرضاً ولا شرطاً.
2) عدم التعصب للمذهب.
3) إذا ظهر الدليل الصحيح الصريح خلاف المذهب وجب الأخذ به.
فأنا أطالب صراحة بالتمذهب للتعلم، أمَّا عند العمل فعلى الدليل، وليست هذه طريقة جديدة، بل هي دعوة الأئمة أنفسهم " إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي" كلمة تواترت على ألسنتهم جميعاً باتفاق، وعمل الأئمة عليها من بعدهم، ولكن للأسف صارت المذاهب سوءة، وصار الانتساب إليها عورة، وصارت الدعوة المقبولة اليوم عند أكثر الشباب التحرر من كل شيء، والتخلص من كل قيد، فنشأ الشاب الزئبقي
المطاط، الذي لا تجد له منهجاً يضبطه، ولا شيخاً يربطه، ولا مذهباً يحكمه، ولا شيء بل هو حر في عصر الحرية، يفعل ما يشاء، ويأتي ما يريد، فكان الضياع الذي تراه اليوم.
ماذا أخرجت لنا الصحوة على مدار السنين الطويلة الماضية؟
كم فقيهاً ترى؟ كم مجتهداً تجد؟ كم عالماً جهبذاً تشهد؟
أبداً، إنما وجدنا فقط ادعاءات ومزايدات، دعاوى العلم والاجتهاد أكثر من الوجود الحقيقي للعلم النافع.، شاهدنا ـ وللأسف الشديد ـ
1) الجرأة على العلماء بالتخطئة والرد والقذف.
2) التسرع في الفتوى بغير علم ..
3) الظاهرية المتفشية حتى صارت هي المذهب المحبوب.
4) الانقطاع وعدم التمام أبداً.
5) شباب صغير مبتدئ لا يُحسن التهجي في الفقه يحكم بين أقوال أهل العلم الفحول ويصوِّب ويخطئ ويرجح.
فلا تجد ـ ولا تكاد تجد أبداً ـ أحداً منهم أتم كتاباً من كتب الفقه أو العقيدة، وإنما هو باب الطهارة، وإن زاد فالصلاة، والصيام كل رمضان، والزكاة نادراً، والأقل من انتهى من المجلد الأول من فقه السنة، أما أكثر من ذلك فلا.
5) أصبح المشهور فقط فقه المسائل المشهورة ..
6) وأيضاً ـ ويا للأسف ـ التعصب الممقوت للمشايخ، وللآراء الموافقة للأهواء، والموالاة والمعادة عليها.
إن الذين نبذوا المذاهب فراراً من التعصب، وقعوا في التعصب ضد المذاهب، ولذلك لا تكاد تذكر المذاهب إلا بالعيب والنقص ..
وما سبق أن ذكرناه من الاحترازات عند التمذهب للتعلم ليس غريب على سلفنا.
خذ مثالاً واحداً فقط: في مسألة الوضوء من لحوم الإبل
أنقل قول أحد علماء المالكية وأحد علماء الشافعية ومذهبيهما بخلاف الحديث:
قال الإمام النووي: وهذا المذهب أقوى دليلاً، (يعني وجوب الوضوء من لحوم الإبل) وإن كان الجمهور على خلافه.، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر:" كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء ممَّا مست النار"(1) ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام. (2)
(1) أخرجه النسائي (185) ك الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيرت النار، وأبو داود (192) ك الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (177).
(2)
شرح صحيح مسلم (4/ 49) ط دار إحياء التراث العربي.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وحديث لحم الإبل صحيح مشهور، وليس يقوى عندي ترك الوضوء منه، وحاول بعضهم أن يتلمس حكمة لوجوب الوضوء من لحوم الإبل، ولسنا نذهب هذا المذهب، ولكن نقول كما قال الشافعي في الأم " إنما الوضوء والغسل تعبد". (1)
هكذا كان العلماء يدورون مع الدليل حيث دار، وليس بحسن أن تُزَهَّد الأمة في المذاهب، وتشوه صورتها عند الخاصة والعامة، ويتعمد نشر أخطاء المذاهب، ونقل صورة المتأخرين من متعصبي المذاهب، فلا تكاد تسمع إلا أنه كان يصلى في المسجد الواحد أربع جماعات، كل مذهب يصلى أصحابه وحدهم مرة، أو مسائل الزواج بين الشافعية والحنفية، أو افتراضات المسائل التي لم تقع والجواب عنها.
كل هذه الأخطاء ـ وإن وقعت ـ لا تعني أن نهدم تراث هذه الأمة بجرة
…
قلم، وإنما الإنصاف واجب وإن كان عزيزًا، فالتعصب نمقته ونجاهده ولا نقر به، ومعاذ الله أن نقول عن الخطأ صواباً، ولا عن الصواب خطأ.، فالتعصب حرام، ولكن سواء كان للمذهب أو للأشخاص.
وأما في افتراض المسائل التي لم تقع فهذه رياضات عقلية نافعة لمن تفرغ من العلماء، ولا عليك أن تشغل نفسك بهاـ إن شئت ـ وإن شئت فتعلمها فهي مما يفخر به الفقهاء، ولكن بعد الانتهاء من فروض
(1) شرح الترمذي (1/ 112)
الأعيان والاكتفاء من فروض الكفايات، وهذه المسائل نافعة في عصور ركود الفقه، وغياب الفقهاء من عصرنا.
فمثلاً: افترض فقهاء الحنفية مسائل كـ:
من صلى وعلى ظهره قربة فساء، هل تصح صلاته.؟ قد يضحك بعضنا ويقول: ولا يتصور أن تملأ قربة فساء. .
قلنا: وجدنا الصورة في عصرنا طبيب يحمل في جيبه عينة بول أو براز، ثمَّ ينسى ويصلى، وزجاجة العينة في جيبه هل تصح صلاته.؟ ورد الافتراض.
وكذلك مسألة الصلاة على الأرجوحة. من المسائل المفترضة قديماً، وهي أيضاً مضحكة للصغار فهل يتخيل مجنون يصلى على الأرجوحة.؟
وكان الافتراض منشؤه عدم السجود على الأرض، وكان جواب المسألة جواب من يسأل عن الصلاة في الطائرة في عصرنا.
أرأيت سعة أفق الفقهاء كيف نفع المتأخرين من أمثالنا!!، فهذا شيء لا يعاب، ولا يستحيا منه، إلا إذا تشوغل به عن مهمات هي أولى، وأقيمت عليه معارك.
ولذلك نقول: إنه لا داعي لتجريح أصحاب المذاهب، فإن شئت فتعلم عن طريق أحد المذاهب، وهو الأولى والأحرى والأصح، والطريق الموصل للعلم النافع الصحيح، والسبيل لتخريج الفقهاء والعلماء، وإلا فالسبيل واسعة ولا عليك ولكن احفظ لسانك، وكن كيفما شئت، وانتفع معي بهذه الضوابط الآتية ولا تتعجل في الحكم ولا في الرد: