الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من علاماتهم كذلك:
2 - أنَّهم يُعرفون بنُسُكهم وخشيتهم لله تعالى
.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
قال الإمامُ ابنُ رجبٍ -رحمه الله تعالى- في بيانِ أن العلمَ النافعَ طريقُ خشيةِ اللهِ تعالى:
"وسببُ ذلك أنَّ هذا العلمَ النافعَ يَدُلُّ على أمرين:
أَحدِهما: على معرفة اللهِ وما يستحقه من الأسماءِ الحسنى والصفاتِ العُلّى، والأفعالِ الباهرةِ، وذلك يستلزمُ إجلاله، وإعظامَه، وخشيتَه، ومهابتَه، ومحبته، ورجاءه والتوكلَ عليه، والرضا بقضائِه، والصبرَ على بلائِه.
والأمر الثاني: المعرفةِ بما يحبُّه ويرضاه، وما يكرهُه وَيسْخَطُه من الاعتقاداتِ والأعمال الظاهرةِ والباطنة والأقوال، فيوجب ذلك لمن عَلِمَه المسارعةَ إلى ما فيه محبةُ اللهِ ورضاه، والتباعدَ عمْا يكرهُه وَيسْخَطُه، فإذا أثمر العلمُ لصاحبِ هذا فهو علمٌ نافعٌ" (1).
فهم أكثرُ النَّاسِ خوفًا من اللهِ، ولذلك تراهم لا يتجرؤون على الفتوى دونَ عِلمٍ، إذ هم الموقِّعون عن اللهِ تعالى، قد عَلِموا عن اللهِ ما زادهم وَجَلًا وخشيةً، فلا يشترون بعلمِهم ثمنًا قليلًا من حُطَامِ الدنيا الفاني.
(1) أوصيك -طالب العلم- بقراءة هذا الكتاب المهم "فضل علم السلف على علم الخلف" لابن رجب رحمه الله.
والخشية أخصُّ من الخوف، فهي خوفٌ مقرونٌ بمعرفةٍ، ولذلك تواترت أخبارُ علماءِ سلف هذه الأمه في شدةِ خشيتهم لله ورقة قلوبِهم.
قال سويد بن سعيد: كنتُ عندَ سفيانَ، فجاء الشافعيُّ فسَلَّم وجَلَس، فروى ابن عيينةَ حديثًا رقيقًا، فغُشيَ على الشافعيِّ، فقيل: يا أبا محمد، مات محمدُ بن إدريس. فقال ابن عيينةَ: إن كان مات فقد مات أفضلُ أهلِ زمانِه.
وهذا الأوزاعيُّ كانت أمُّه تتفقدُ موضع مصلاه فتجدُه رطبًا من دموعِه طوالَ الليلِ.
وهذا إمامُ أهلِ السنة الإمامُ أحمدُ كان إذا ذكر الموت خنقته العَبْرَةُ، وكان يقول: الخوفُ يمنعني أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموتَ هان عَلَيَّ كلُّ أمرِ الدنيا، إنما هو طعامٌ دون طعامٍ، ولباسٌ دون لباسٍ، وإنها أيامٌ قلائلُ ..
فانظرْ لحالِ هؤلاءِ الأكابرِ، وقارنه بحالِ المتعالمين من عصرنا، ممَّن جَعَلوا العلمَ هو شحن الذهنِ بكمٍّ من المعارفِ والمعلوماتِ، لا أثرَ لها في القلب، وإنما يُعرفُ العلمُ بثمرته، لذا قال السَّلَف: إنَّما العلم الخشية، أمَّا نحن فصار الألحن بالقولِ المجادلُ بالكلامياتِ هو مَن يُشارُ إليه بالبنان، وصار هذا هو العالم فينا، والعلم إن لم يَظهرُ أثره على عَمل المرءِ فليس بذاك الذي تأمل، فتدبر هذه المسألةَ ملِيًّا، فقد تعثرت أقدامُ كثيرٍ من الإخوةِ في هذا الزمانِ بسبب ذلك.