الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدموع، وطابت المناجاة، وغشيت السكينة، وصرت كأني في مقام المراقبة، إلا أن العلم أفضل وأقوى حجة، وأعلى مرتبة، وإن حدث منه ما شكوت منه.
والمعاملة وإن كثرت الفوائد التي أشرت إليها منها، فإنها قريبة إلى أحوال الجبان الكسلان، الذي قد اقتنع بصلاح نفسه عن هداية غيره، وانفرد بعزلته عن اجتذاب الخلق إلى ربهم.
فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات تلذيعًا لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم " (1)
وقال في موضع ثالث:
فصل العلم والعمل
لما رأيت رأي نفسي في العلم حسناً، فهي تقدمه على كل شيء، وتعتقد الدليل، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعات النوافل، وتقول: أقوى دليل لي على فضله على النوافل: أنِّي رأيت كثيراً ممن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم، عاد ذلك عليهم بالقدح في الأصول، فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السهلة والرأي الصحيح. إلا أنى رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم فصحْت بها:
فما الذي أفادك العلم؟ أين الخوف؟ أين القلق؟ أين الحذر؟ أو ما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم؟
(1) صيد الخاطر ص (170 - 171)
أما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الكل، ثم إنه قام حتى تورمت قدماه؟
أما كان أبو بكر رضي الله عنه شجي النشيج، كثير البكاء؟
أما كان في خد عمر رضي الله عنه خطان من آثار الدموع؟
أما كان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن في ركعة؟
أما كان على رضي الله عنه يبكى بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته
…
بالدموع؟ ويقول: يا دنيا غُرى غيرى!!
أما كان الحسن البصرى يحيا على قوة القلق؟
أما كان سعيد بن المسيب ملازماً المسجد فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة؟
أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر؟
أما قالت بنت الربيع بن خثيم له: ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟
فقال: إنَّ أباك يخاف عذاب البيات؟
أما كان أبو مسلم الخولاني يعلق سوطاً في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر؟
أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة وكان يقول: وا لهفاه!! سبقني العابدون، وقطع بى.
أما صام منصور بن المعتمر أربعين سنة؟
أما كان سفيان الثوري يبكى الدم من الخوف؟
أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف؟
أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم؛ أبى حنيفة، ومالك، والشافعى، وأحمد؟
فاحذرى من الإخلاد إلى صورة العلم، مع ترك العمل به، فإنها حالة الكُسالى الزَّمْنَى.
وخذْ لكَ مِنْك عَلَى مُهْلَةٍ
…
وَمقبلُ عَيْشِكَ لمْ يدبر
وَخِفْ هَجْمَةً لا تُقيلُ العَثارَ
…
تَطْوى الوُرود عَلَى المُصْدِر
ومثِّل لِنَفْسِكَ أيُّ الرَّعيل
…
يَضمُّكَ فِي حلبَةِ المحشَر (1)
بقي أمر مهم للغاية ألا وهو: كيف تزكو قلوبنا؟ (2)
وهذا ـ لعمر الله، أمر خطير، ولكنَّه يسير على من يسَّره الله عليه.
فأول ذلك:
1) الإخلاص وقد سبق الإشارة إليه في الانطلاقة الأولى.
(1) صيد الخاطر (72، 73).
(2)
سيأتي في " المنطلق العاشر " منهجًا كاملاً في التربية فانظره هنالك.
2) إصلاح الفرائض.
فما تقرَّب العبد لربه بأحبّ إليه مما افترض عليه، فأصلح الصلوات المكتوبات بالمواظبة عليها في جماعة، لا تفوتك تكبيرة الإحرام خلف الإمام، وأحضر قلبك في صلاتك، ولا تلتفت، وهكذا فأصلح ما افترض عليك.
3) مجموعة أعمال صالحة ثابتة بمنهجية في المداومة والتدرج، وشرط ذلك أنْ تكون هذه الأعمال على سنَّة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
4) الإقلاع عن المعاصي فورًا
فالمعاصي تميت القلوب، وتفسد العلم، فلابد من الإقلاع عن المعاصي ودوام التوبة وخصوصًا المعاصي القلبية من كبر وعجب وغرور، فإياك والمعاصي فإنَّها قتَّالة.
5) العمل بالعلم
فكلَّما تعلمت شيئًا اعمل به، ولا تكتب أو تسمع حديثًا إلا وعملت به، ولو لمرة واحدة، واحذر التفريط في ذلك، فكل علم لم تعمل به حجة عليك، فليكن العمل همَّك، وانظر لأثر العلم فيك.
6) الاهتمام بأحوال القلب من الانكسار لله، وصدق اللجأ إليه، وإقبال القلب عليه في طلب محبته ورضاه، وعمومًا أطلْ النظر إلى قلبك، وتدبر حالك.
كيف حال قلبك مع الله؟! كيف حال قلبك بعد الطاعة وحال الطاعة؟
كيف حال قلبك عند المعصية وبعد المعصية؟
كيف حال قلبك عند سماع القرآن؟ كيف حال قلبك في الصلاة؟
كيف حال قلبك عند سماع أخبار من هو أفضل منك في أمور الآخرة؟ وكيف حاله عند سماع أخبار من هو دونك؟
كيف حال قلبك عند رؤية العصاة؟ كيف حال قلبك عند مشاهدة أهل البلاء؟
كيف حال قلبك في الخلوة مع القدرة على المعصية؟
كيف حال قلبك عندما تعرض عليه فعل طاعة؟ تأمل دومًا حال قلبك، أصلح الله قلبي وقلبك.
7) مطالعة سير الصالحين والعلماء العاملين، فإنَّ لها فضلاً في بعث الهمَّة على تزكية النفس.
فلا تغفل عن تزكية النفس، فالنفوس تتفاوت، فلكلٍ منها ما يصلحها، فانظر إلى ما يُصلح قلبك فاعمل به، وسل الله العافية.
قال صاحب مختصر منهاج القاصدين: فأمَّا علم المعاملة، وهو علم أحوال القلب كالخوف والرجاء والرضا والصدق والإخلاص
وغير ذلك فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم كسفيان وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
وإنَّما انحطت رتبة المسمين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات لتشاغلهم يصور العلم من غير أخذ على النفس أنْ تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه " أهـ (1)
(1) مختصر منهاج القاصدين ص (27) ط دار عمَّار بتحقيق على حسن عبد الحميد.
المنطلق الخامس
كن سلفياً على الجادة
المنطلق الخامس
(السلفية)
أيها المتفقه ـ حبيبي في الله ـ:
" إذا علمت بأهمية البداية بعلم العقيدة وعلم الفقه، فلا بد بعد الإخلاص من الصواب في الطلب، فكيف تطلب العلم؟!
أما في العقيدة فلا بد من الطلب على منهج السلف الصالح ـ رضوان الله
…
عليهم ـ، وهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد زكَّى الله فهمهم، وأمرنا أن نلقاه سبحانه بإيمان كإيمانهم.
قال تعالى: " فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنَّما هم في شقاق "[البقرة /137].
فهكذا إما إيمان الصحابة الذين رضى الله عنهم وتاب عليهم، وإما التفرق والاختلاف والتشرذم " فإنَّما هم في شقاق ".
فلا بد من دراسة عقيدة السلف الصحيحة، وهي فهم نصوص الكتاب والسنة في أنواع التوحيد بفهمهم، والاستقاء من علومهم، والنهل من منابعهم، وإلا فالضلال الضلال.
قال صلى الله عليه وسلم: " إنَّه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "(1)
والعودة للفهم الأصيل " فهم السلف الصالح " أصبح اليوم ضرورة ملحة؛ وذلك لجمع شتات الأمة، فتتوحد كلمتهم بتوحد الأصول، فيقل التنازع والتشاحن الذي ابتلي به المسلمون في هذه الأيام، وكل هذا لأنا لم نعِ الوصية النبوية.
…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي ". (2)
صلى الله عليه وسلم، فقد دلنا على الفرقة الناجية، فاحرص على النجاة،
…
ـ أخي في الله ـ وانضم إلى هذه الفرقة، واحرص في بداية التعلم أن يكون التلقي على منهج السلف الصالح، فإنَّ لذلك أثرًا في استقامتك على الطريقة، فمن صحَّت بدايته صحَّت نهايته، فأصلح نيتك عسى الله أن يُصلح بك، فشتات الأمة اليوم يفجع كل قلب حي، فإن كان طلب العلم ضرورة، فطلبه على منهج السلف ضرورته أشد، وتأتى تلك الضرورة
(1) جزء من حديث أخرجه أبو داود (4607) ك السنة، باب في لزوم السنة، وصححه الألباني (3851) في صحيح أبي داود.
(2)
أخرجه الترمذي (2641) ك الإيمان عن رسول الله، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، وقال: حسن غريب، وحسنه الألباني (5343) في صحيح الجامع.