المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثامنة: التمس للعالم العذر: - منطلقات طالب العلم

[محمد حسين يعقوب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين

- ‌فضل العلم وبيان أهميته

- ‌ماذا نعني بالعلم؟ وكيف يطلب

- ‌حقيقة الإخلاص

- ‌زبدة الكلام وخلاصة الختام

- ‌فائدة مهمة

- ‌المنطلق الثانيعلو الهمة

- ‌علامات الهمة العالية

- ‌1) طلب المعالي من الأمور

- ‌من نوادر الرحلات

- ‌ومن أخبار الرحَّالة المشائين للطلب

- ‌كيفية علو الهمة

- ‌أسباب شتات الهمَّ

- ‌المنطلق الثالثماذا نتعلم

- ‌نصيحة غالية

- ‌ أولاً:التوحيد

- ‌ثانياً: الفقه

- ‌ثالثاً: أعمال القلوب:

- ‌المنطلق الرابعالتَّزكية

- ‌حقيقة التزكية

- ‌فصل: التلطف بالنفس

- ‌فصل العلم والعمل

- ‌ ما هي العقيدة

- ‌أبرز قضايا العقيدة السلفية

- ‌خصائص أهل السنة والجماعة وسماتهم

- ‌كيف نطلب علم الفقه

- ‌قواعد وتنبيهات على أصول الأحكام

- ‌حكم التقليد

- ‌هل يستحسن ذكر الدليل للمستفتي

- ‌دعوة سلفية محضة

- ‌خلاصة الكلام

- ‌المنطلق السابعمِمَّن نطلبُ العلم

- ‌ علامةُ أولي العلمِ ممن يَشْتَبِه بهم

- ‌1 - رسوخُ القَلَمِ فى مواطنِ الشُّبَهِ

- ‌2 - أنَّهم يُعرفون بنُسُكهم وخشيتهم لله تعالى

- ‌3 - أنهم أكثرُ النَّاس استعلاءً على الدنيا وحظوظِها

- ‌4 - ثناء جماهير النَّاسِ عليهم، وشهرتُهم في الآفاقِ

- ‌5 - أن يكون ممن تربى على أيدي الشيوخِ

- ‌أيها المتفقه:

- ‌6 - يقول الإمام الشاطبي: " وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات

- ‌7 - ظهورُ أثرِ علمِهم من خلالِ دروسِهم وفتاويهم ومؤلفاتِهم:

- ‌فصلفي التفريقِ بين العلماءِ ومَنْ دونَهم

- ‌ طرق التعلم

- ‌الطريق الثاني:

- ‌ذكر طائفة من سلفنا ممَّن كثرت شيوخه

- ‌المنطلق الثامن: الأدب

- ‌آداب طالب العلم

- ‌أولا: طهارة القلب

- ‌ثانيُا: الرضا باليسير

- ‌ثالثًا: التواضع للعلم والعلماء

- ‌رابعًا: أداء حقوق معلمك عليك

- ‌خامسًا: التحلي بآداب مجلس العلم

- ‌سادسًا: أدب سؤال العالم

- ‌سابعًا: عدم التسويف واغتنام الأوقات

- ‌قواعد في التعامل مع العلماء

- ‌القاعدةُ الأولى: موالاةُ العلماءِ ومحبتُهم:

- ‌القاعدةُ الثانيةُ: احترامُ العلماءِ وتقديرُهم:

- ‌القاعدةُ الثالثةُ: السَّعيُ إلى العلماءِ والرحلةُ إليهم طلبًا لعلمِهم:

- ‌القاعدةُ الرابعةُ: الصبرُ على العلماءِ وشدتِهم أحيانًا:

- ‌القاعدةُ الخامسةُ: رعايةُ مراتبِ العلماءِ:

- ‌ومن مراعاةِ مراتبِ العلماءِ:

- ‌القاعدةُ السَّادسةُ: حَذَارِ من القدحِ في العلماءِ:

- ‌القاعدةُ السابعة: احذرْ من تخطئةِ العلماء بدونِ علمٍ:

- ‌القاعدةُ الثامنةُ: التمس للعالمِ العُذْرَ:

- ‌القاعدةُ التَّاسعةُ: الرجوعُ إلى العلماءِ والصُّدورُ عن رأيهم خصوصًا في الفتنِ:

- ‌القاعدةُ العاشرةُ: ليس أحدٌ إلا وتُكُلِّم فيه؛ فتثبَّتْ:

- ‌القاعدةُ الحاديةَ عشر: الاعتبارُ في الحكمِ بكثرةِ الفضائلِ:

- ‌القاعدةُ الثانيةَ عشر: احذرْ من زلاتِ العلماءِ:

- ‌القاعدةُ الثالثةَ عشرَ: كلامُ الأقرانِ يُطْوَى ولا يُرْوَى:

- ‌أيها المتفقه:

- ‌القاعدةُ الرابعةَ عشرَ: العَدْلُ والإنصافُ شرطٌ لازمٌ للحُكمِ على أهلِ العلمِ والاجتهادِ:

- ‌فيا أيها المتفقه:

- ‌القاعدةُ الخامسةَ عشرَ: ثِقْ في أهلِ العِلْمِ، فإنهم أئمةُ الهُدى ومصابيحُ الدُّجَى:

- ‌فيا أيها المتفقه

- ‌المنطلق التاسعتكوين الملكة الفقهية

- ‌ الملكة الفقهية

- ‌كيف يمكن تنمية هذه الملكة

- ‌آفات الملكة الفقهية

- ‌المنطلق العاشر(من أين نبدأ

- ‌منهج للمبتدئين في التربية

- ‌أولاً: القرآن الكريم

- ‌ثانياً: الصلاة

- ‌1 - الفرائض:

- ‌2 - النوافل:

- ‌عبودية المال

- ‌المنهج في طلب العلوم الشرعية

- ‌الجدول العلمي في كل فن

- ‌أولاً: القرآن الكريم

- ‌ أحكام التلاوة والتجويد

- ‌ أصول التفسير

- ‌ كتب التفسير

- ‌ثانيًا: علوم السنة

- ‌دواوين السنة

- ‌ مصطلح الحديث

- ‌ثالثًا: علم التوحيد أو العقيدة

- ‌ بعض المباحث المهمة:

- ‌رابعًا: الفقه

- ‌خامسًا: أصول الفقه

- ‌كيف تطلب علم الأصول

- ‌سادسًا: علوم اللغة

- ‌أيها المتفقه

الفصل: ‌القاعدة الثامنة: التمس للعالم العذر:

فإياك وهذا السبيلَ -أيها المتفقه- لا تجمعُ الزَّلاتِ، ولا تقلُ إلا خيرًا، وإلا فاصمتْ فإنها الوصيةُ النبويةُ الذَّهبيةُ.

‌القاعدةُ الثامنةُ: التمس للعالمِ العُذْرَ:

الأصل في تعاملِ المسلمين بعضِهم البعض يقومُ على أساسِ حسنِ الظنِّ المتبادلِ، قال تعالى في حادثةِ الإفكِ:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]. فالواجب على أهلِ الإيمانِ أن يظنوا الخيرَ في إخوانِهم، فإنْ بَلَغَك عن أخيك خلافُ ذلك فالتمسْ له عذرًا، فإنْ لم تَجِدْ فَقُلْ: لَعَلَّ له عذرًا.

قال عُمر رضي الله عنه: لا تظن بكلمةٍ خرجتْ من أخيك المسلمِ سوءًا وأنت تَجِدُ لها في الخيرِ مَحْمَلًا (1).

فإذا كان هذا شأنَ الإخوةِ بعضِهم مع بعضٍ، فما بالُك بحالِ التلميذِ مع شيخِه.

لذلك يقول الإمامُ السُّبكيُّ:

فإذا كان الرجلُ ثقةً مشهودًا له بالإيمانِ والاستقامةِ، فلا ينبغي أن يُحملَ كلامُه وألفاظُ كتاباتِه على غيرِ ما تُعُوِّد منه ومِن أمثالِه، بل ينبغي التأويلُ الصالحُ، وحسنُ الظنِّ الواجبُ به وبأمثالِه (2).

وهذا -للأسفِ- قَلَّ وجودُه في زمانِنا، إذِ النَّفْسُ الطيبةُ لا تقعُ إلا على الطيبِ، والنَّفْسُ الخبيثةُ لا تقعُ إلا على الخبيثِ، فما إن يَزِل العالمُ،

(1)"تفسير القرآن العظيم" لابن كثير (4/ 213).

(2)

قاعدة في الجرح والتعديل (ص 93).

ص: 295

أو يُشاع عنه أمرُ سوءٍ، حتى ترى كُلًّا يطعنُ فيه، ويرميه بما ليس فيه، ولو بحث له عن عُذْر لوجد وايم الله، ولكنَّ النوايا ساءتْ، والطوايا خَبُثَتْ، فلم تَجِدْ إلا ما تَرَى وما تسمعُ.

1 -

ومِن أكثرِ ما يهمزُ به العلماءُ السُّكوتُ في وقتِ المِحَنِ خوفًا، والأخذُ بالرُّخصةِ في ذلك، فيُلامُ على تركِ العزيمةِ بإشهارِ كلمةِ الحقِّ، وهذا -ولا شك- أولى في حقِّ العلماءِ الذين يُقتدى بهم، ولكنَّ العالمَ بَشَرٌ يَخافُ ويَخْشَى، لا سيمَّا مع كبرِ السِّنِّ وضعفِ البدنِ.

فهذا عليُّ بنُ المدينيِّ رحمه الله يُجاري القومَ أثناءَ محنةِ خلقِ القرآنِ، فيُسألُ عن ذلك فيقولُ: قَوِيَ أحمدُ على السَّوطِ وأنا لا أَقْوَى.

ويلومُه بعضُهم فيقولُ: ما في قلبي مما قلتُ وأجبت إلى شيءٍ، ولكنِّي خِفْتُ أنْ أقتلَ، وتعلم ضعفي أني لو ضربتُ سوطًا واحدًا لمتُ، أو نحو ذلك.

2 -

ومن ذلك أيضًا شَغَبُ بعضِهم على العلماءِ في شأنِ أخذِ الأجرةِ على التعليمِ، أو الأخذِ من بيتِ المالِ.

ومَن يتأمل حالَ الدعاةِ والعلماءِ في عصرِنا، العصر الذي لم يَعُدْ فيه بيتُ مالٍ ينفقُ على طلبةِ العلمِ والعلماءِ، فيضطرُ العالمُ أنْ ينفقَ وقتًا طويلًا من عُمره لكسبِ ما يَتَقَوَّتُ به وعياله، ناهيك عن كثرةِ المتطلباتِ من الكتب والرحلةِ في الدعوةِ أو الطلبِ، فمن أين لطالبِ علمٍ أو عالمٍ فقيرٍ بكلِّ هذا؟!!.

ص: 296

نَعَمْ، الورعُ يقتضى ألا يمدَّ العالمُ يدَه فيأخذ أجرةً على التَعليمِ أو التصنيفِ ونحو ذلك، ولكنْ ما البديلُ يا عبادَ اللهِ؟

هل البديلُ أن نتركَ العلماءَ وطلبةَ العلمِ للتكسبِ في زمنِ الغلاءِ فتنهشهم الدُّنيا؟!

هل البديلُ أن يعيشَ هؤلاءِ على صدقاتِ أهلِ الإحسانِ، والنَّاسُ اليومَ لا يعرفون أنَّ مِن أوجبِ الصدقاتِ النفقةَ على طلبةِ العلمِ الذين عليهم حراسةُ الدينِ؟!

إنني أعرفُ طلبةَ علمٍ نابغين، كان يُظَنُّ أنهم حملةُ الرايةِ عن قريبٍ، تخطفتهم الدُّنيا لضيقِ ذاتِ اليدِ، فإنَّ طالبَ العلمِ اليومَ يجدُ نفسَه محتاجًا لمالٍ كثيرٍ، ليرحلَ أو ليشتريَ كتبًا أو أشرطةً، وهو شابٌّ يحتاجُ للزواجِ في زمانِ الفتنِ هذا، فيحتاجُ لمالٍ آخرَ ليجدَ بيتًا وأثاثًا، وقد لا يجدُ من يُعينه على كلِّ ذلك، فلا يجدُ فرصةً سوى العملِ الدؤوبِ، فتقلُّ ساعاتُ المذاكرةِ حتى تراه بعدَ فترةٍ هجَر دروسَ العِلْمِ، ثمَ انكَبَّ على الدنيا، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

وكلنا يعرفُ ذلك الأمرَ، ثمَّ تجدُ مَن يلومُ هذا العالمَ أو ذاك الداعيةَ أَنْ أَخَذ مالًا على جُهدٍ بَذَلَه في تصنيفٍ أو تعليمٍ.

قال بشرُ بنُ عبدِ الواحدِ: رأيتُ أبا نُعَيْمٍ في المنامِ، فقلتُ: ما فَعَل اللهُ بك؟ -يعني فيما كان يأخذُ على الحديثِ- فقال: نَظَر القاضي في أمري فوجدني ذا عِيَالٍ فَعَفَا عَنِّي.

ص: 297

قال الإمامُ الذهبيُّ رحمه الله معقبًا: ثَبَت أنه كان يأخذُ على الحديثِ شيئًا قليلا لفقرِه.

قال ابنُ خشرم: سمعتُ أبا نُعَيْمٍ يقول: يلومونني على الأخذِ، وفي بيتي ثلاثةَ عَشَرَ نفسًا، وما في بيتي رغيفٌ (1).

3 -

ومما يُعتذرُ للعالمِ أيضًا ما يَصدرُ عنه مِن أفعالٍ وأقوالٍ تتماشى مع طبيعتِه الذاتية.

فمثلًا: قد يكون العالمُ ذا طبيعةٍ متسامحةٍ، فيجالسُ أهلَ البدعِ -وحقُّه أن يَكْفَهِرَّ في وجوهِهم- ولكنْ يخالطُهم لما فيه من التسامحِ الزائدِ، فيظن الجاهلُ بحالِه أنَّ هذا العالمَ بخلطتِه أهلَ البدعِ صار منهم، ويقولُ لك: اعْرف الرجلَ بمن يَصْحَبُ. وتتقاذفُ التُّهمُ، وكم مَرَّ العلماءُ والدعاةُ إلى اللهِ بمثلِ ذلك، حتى يُرمى في عقيدتِه ودينهِ، وكلامُ الرَّجُلِ يشهدُ ببراءتِه، ولكن ما الصنيعُ فيمن لا يراعون اللهَ في علمائِهم ودعاتِهم.

قال الواقديُّ -في الكلامِ على ابنِ أبي ذئبٍ-: "ورُمي بالقَدَرِ، وما كان قَدَرِيًّا، لقد كان يتقي قولَهم ويَعيبُه، ولكنَّه كان رجلًا كريمًا، يجلسُ إليه كلُّ أحدٍ، ويغشاه فلا يطردُه، ولا يقولُ له شيئًا، وإن مَرِض عاده، فكانوا يتهمونه بالقدرِ لهذا وشِبْهِه".

قال الإمامُ الذهبيُّ -معقبًا-: كان حَقَّه أنْ يَكْفَهِرَّ في وجوهِهم، ولعله كان حَسَنَ الظنِّ بالنَّاسِ (2).

(1)"سير أعلام النبلاء"(10/ 152).

(2)

"السير"(7/ 141).

ص: 298