الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحكى عن عمر بن الخطاب كراهية الكتابة، وإنما ترخص الناس في ذلك عندما حدث النسيان، وخيف على الشريعة الاندراس " (1).
قلت: أما الوجه الثاني فلعله: أنَّ المشافهة تفيد التلاقي بين طالب العلم والعالم، وفيها استفادة المتعلم من سمت المعلم، وهديه ودله وحاله، وهذا أهم ما في قضية التعلم، وذلك كما قيل: ينفعك لحظه قبل لفظه.
الطريق الثاني:
مطالعة كتب المصنفين، ومدوني الدواوين، وهو ـ أيضًا ـ نافع في بابه بشرطين:
الأول: أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب، ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتم له به النظر في الكتب؛ وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء، أو مما هو راجع إليه، وهو معنى قول من قال:" كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال ".
والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئًا دون فتح العلماء، وهو مشاهد معتاد.
…
والشرط الثاني: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين.
وأصل ذلك التجربة والخبر: أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان؛ فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما بلغه المتقدم، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي
(1) سكت المصنف رحمه الله عن بيان الوجه الثاني، ولعله ما أثبتناه لاحقًا، ولعل فيما بين أيدينا من نسخ الموافقات سقط يرشدنا له أحد المحققين عن نسخة أخرى غير التي اعتمد عليها محقق الكتاب والله أعلم.
أو نظري، فأعمال المتقدمين ـ في إصلاح دنياهم ودينهم ـ على خلاف أعمال المتأخرين؛ وعلومهم في التحقيق أقعد.
فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم، وهكذا إلى الآن، ومن طالع سيرهم وأقوالهم وحكاياتهم أبصر العجب في هذا المعنى.
وأما الخبر ففي الحديث: " خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم "(1).
وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع ما بعده كذلك.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية، ثم ملك عضوض "(2) ولا يكون هذا إلا مع قلة الخير، وتكاثر الشر شيئًا بعد شيء.
أخي الحبيب ..
هكذا فاطلب العلم من أهله المتحققين به، واصبر على ذلك، ولا تتعجل، ابحث عن العلماء، واجلس بين أيديهم، وخذ من هديهم وسمتهم وأدبهم، والزمهم السنين الطوال، فطول الملازمة مهم ونافع،
(1) أخرجه البخاري (2651)(2625) ك الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور بلفظ " خيركم قرني "، والرواية الثانية بلفظ " خير الناس "، ومسلم (2533) ك فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
(2)
أخرجه إبراهيم الحربي عن أبي ثعلبة، وقد ذكره الشاطبي في الاعتصام ولم يذكر منزلته من الصحة، وبنحوه أخرجه الدارمي في سننه (2101) ك الأشربة، باب ما قيل في السكر.
وارحل إلى العلماء، ولا تقنع بسماع شريط، أو قراءة كتاب، وخذ هذه الآثار تستثيرك إن كنت من الرجال.
أولئك الناس إنْ عُدّوا وإنْ ذُكِروا
…
ومن سواهم فلغو غير معدود
أيها المتفقه:
الطريق وعرة، والمسافة طويلة، والوحدة موحشة، وقطاع الطريق كثير، فلابد لك في طريقك إلى الله من دليل وصاحب، فإنَّ " الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب "(1).
ولكن ـ إياك أن تصحب في طريقك الجهال، فتضيع أو الذئاب فتأكلك.
قال بعض السلف: لا تأمنن فاسقًا، فإنَّه خان أول منعم عليه.
قال الإمام الشاطبي: " من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام
…
... "
(1) أخرجه الترمذي (1674) ك الجهاد، باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، وقال: حسن صحيح، وأبو داود (2607) ك الجهاد، باب في الرجل يسافر وحده.، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3524)
ومعني الحديث: أن الشيطان يطمع في الواحد والاثنين كما يطمع فيه اللص والسبع، فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص، فكأنه شيطان، فضلاً عن مخالفته النهي عن التوحد في السفر لما فيه من التعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة، وفوات الجماعة، وعسر التعيش، ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب.