الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُفسِّر الوحى بقوله: "والوحى لوح من مراد المَلَك للروح الإنسانية بلا واسطة، وذلك هو الكلام الحقيقى، فإن الكلام إنما يُراد به تصوير ما يتضمنه باطن المخاطِب فى باطن المخاطَب ليصير مثله، فإذا عجز المخاطِب عن مس باطن المخاطَب بباطنه مس الخاتم الشمع فيجعله مثل نفسه، اتخذ فيما بين الباطنين سفيراً من الظاهرين، فتكلم بالصوت أو كتب أو أشار. وإذا كان المخاطَب لا حجاب بينه وبين الروح اطلع عليه اطلاع الشمس على الماء الصافى فانتقش منه، لكن المنتقش فى الروح من شأنه أن يسيح إلى الحسن الباطن إذا كان قوياً، فينطبع فى القوة المذكورة فيُشاهَد، فيكون الموحى إليه يتصل بالمَلَك باطنه، ويتلقى وحيه الكلى بباطنه".
كما يشرح الملائكة بأنها "صورة علمية، جواهرها علوم إبداعية قائمة بذواتها، لتحظ الأمر الأعلى فينطبع فى هويتها ما تلحظ، وهى مطلقة، لكن الروح القدسية تخاطبها فى اليقظة، والروح البَشرية تعاشرها فى النوم".
* *
من تفسير إخوان الصفا
ومن الشروح الفلسفية للقرآن أيضاً ما نجده فى رسائل إخوان الصفا، الذين لا زلنا نجهل الكثير عن تاريخ نشأتهم وتكوينهم، والذين كانوا يمتون فى أغلب الظن بصلة إلى الباطنية الإسماعيلية.
فمن ذلك أنهم يشرحون الجنَّة والنار، بما يُفهم منه أن الجنَّة هى عالَم الأفلاك، وأن النار هى عالَم ما تحت فلك القمر، وهو عالَم الدنيا، ففى حديثهم عن تجرد النفس واشتياقها إلى عالَم الأفلاك، يقررون أنه لا يمكن الصعود إلى ما هناك بهذا الجسد الثقيل الكثيف، ويقولون: "إن النفس إذا فارقت هذه الجنَّة، ولم يعقها شىء من سوء أفعالها، أو فساد آرائها، وتراكم جهالاتها أو رداءة أخلاقها، فهى هناك فى عالَم الفلك فى أقل من طرفة عين بلا زمان، لأن كونها حيث همتها أو محبوبها كما تكون نفس العاشق حيث معشوقه، فإذا كان عشقها هو الكون مع هذا الجسد، ومعشوقها هو الملذات المحسوسة المموهة الجرمانية، وشهواتها هذه الزينات الجسمانية، فهى لا تبرح من ههنا ولا تشتاق الصعود إلى عالَم الأفلاك، ولا تُفتح لها أبواب السماء ولا تدل الجنَّة مع زمرة الملائكة، بل تبقى تحت فلك القمر، سائحة فى قعر هذه الأجسام المستحيلة المتضادة، تارة من الكون إلى الفساد، وتارة من الفساد إلى الكون:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب} فى الآية [56] من سورة النساء، {لَاّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} - الآية [23] من سورة النبأ - ما دامت السموات والأرض، لا يذوقون فيها برد عالَم الأرواح الذى هو الروح والريحان، ولا يجدون لذة
شراب الجنان المذكور فى القرآن: {ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} - الآية [50] من سورة الأعراف - الظالمين لأنفسهم.. ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجنَّة فى السماء، والنار فى الأرض".
ومن ذلك أنهم يُفسِّرون الملائكة بأنها كواكب الأفلاك فيقولون: "إن كواكب الفلك هم ملائكة الله وملوك سمواته.. خلقهم الله تعالى لعمارة عالمه، وتدبير خلائقه، وسياسة بريته، وهم خلفاء الله فى أفلاكه، كما أن ملوك الأرض هم خلفاء الله فى أرضه".
كذلك يرى إخوان الصفا "أن نفس المؤمن بعد مفارقة جسدها تصعد إلى ملكوت السماء وتدخل فى زمرة الملائكة، وتحيا بروح القدس، وتسبح فى فضاء الأفلاك. فى فسحة السموات، فرحة، مسرورة، منعمة، متلذذة، مكرَّمة، مغتبطة"، ويقولون إن ذلك هو معنى قول الله عز وجل فى الآية العاشرة من سورة فاطر:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ} .
كذلك يشرح إخوان الصفا الشياطين شرحاً فلسفياً بحتاً لا يتفق مع ما جاء به الدين فيقولون: "إن الله أشار إلى النفوس ووساوسها بقوله - فى الآية [112] من سورة الأنعام: {شَيَاطِينَ الإنس والجن يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً} فشياطين الجن هى النفوس المفارقة الشريرة التى قد استجنت عن إدراك الحواس. وشياطين الإنس هى النفوس المتجسدة المستأنسة بالأجساد".
ثم يقولون: "أمثال هذه النفوس التى ذكرناها - يعنون النفوس الخبيثة - هى شياطين بالقوة، فإذا فارقت أجسادها كانت شياطين بالفعل".
كما يفهمون أن تسمية الله الشهداء فى قوله فى الآية [69] من سورة النساء: {فأولائك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وَحَسُنَ أولائك رَفِيقاً} بهذا الاسم إنما هو لشهادتهم تلك الأمور الروحانية المفارقة للهيولى، ويعنون بها جنَّة الدنيا ونعيمها.
ثم إن إخوان الصفا يعتقدون أن القرآن ما هو إلا رموز للحقائق البعيدة عن أذهان