الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1- مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (للمولى عبد اللطيف الكازرانى
*التعريف بمؤلف هذا التفسير:
مؤلف هذا التفسير هو المولى عبد اللطيف الكازرانى مولداً، النجفى مسكناً.
* *
* التعريف بمرآة الأنوار ومشكاة الأسرار وطريقة مؤلفه فيه:
هذا التفسير يُعَد فى الحقيقة مرجعاً مهماً من مراجع التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية، وأصلاً لا بد من قراءته لمن يريد أن يقف على مدى تأثير عقيدة صاحبه ومَن على شاكلته فى فهمه لكتاب الله، وتنزيله لنصوصه على وفق ميوله المذهبية وهواه الشيعى
…
ولكن كيف نحكم بأهمية هذا التفسير كمرجع من مراجع التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية، ونحن لم نعثر عليه فى مكتبة من مكاتبنا المصرية؟ أليس هذا يُعَد من قبيل الحكم على ما نجهله، والقول فيما ليس لنا به علم؟؟
…
لا، فالكتاب وإن لم نظفر به ولم نطلع عليه، قد وجدنا ما هو عوض عنه إلى حد كبير، ذلك هو مقدمته التى قدَّم بها مؤلفه لتفسيره هذا.
وجدت هذه المقدمة فى دار الكتب المصرية، فقرأتها، فرأيتها تكشف لنا عن منهج صاحبها فى تفسيره، وتوضح لنا كثيراً من آرائه فى فهم كتاب الله وتبين فى صراحة تامة كيف تأثر المولى الكازرانى بعقيدته الزائفة، فحمَّل كتاب الله ما لا يحتمله بأى حال من الأحوال. وها أنا ذا أُلخص لك أهم المباحث التى تشتمل عليها هذه المقدمة، وبذلك نُلقى ضوءاً على هذا التفسير المفقود ونُعطى القارئ فكرة واضحة إلى حد كبير عن طريقة المؤلف ومنهجه فى تفسيره.
* *
المؤلف يتكلم عن الباعث له على تأليف تفسيره وعلى منهجه الذى سلكه فيه:
يجد القارئ أول ما يقرأ فى هذه المقدمة، بياناً مسهباً من المؤلف، يكشف لنا فيه عن الباعث الذى حمله على تأليفه لهذا التفسير، وعن المنهج الذى نهجه لنفسه فيه وسار عليه، كما يكشف لنا فى أثناء بيانه هذا، عن نظرته لكتاب الله وموقفه من تفسيره. تلك النظرة التى لا نشك أنها نظرة رجل ينظر إلى القرآن من خلال عقيدته، وذلك الموقف الذى لا نرتاب فى أنه موقف من أغراه مذهبه وخدعه هواه.
يقول المؤلف فى المقدمة (ص 2-3) ما نصه: "
…
إن من أبين الأشياء وأظهرها، وأوضح الأُمور وأشهرها، أن لكل آية من كلام الله المجيد
…
وكل فقرة من
كتاب الله الحميد، ظهراً وبطناً، وتفسيراً وتأويلا، بل لكل واحدة منها - كما يظهر من الأخبار المستفيضة - سبعة بطون وسبعون بطناً، وقد دلَّت أحاديث متكاثرة، كادت أن تكون متواترة، على أن بطونها وتأويلها، بل كثيراً من تنزيلها وتفسيرها، فى فضل شأن السادة الأطهار، وإظهار جلالة حال القادة الأخيار، أعنى النبى المختار، وآلة الأئمة الأبرار، عليهم صلوات الله الملك الغفَّار. بل الحق المتين، والصدق المبين، كما لا يخفى على البصير الخبير بأسرار كلام العليم القديم، المرتوى من عيون علوم أمناء الحكيم الكبير، أن أكثر آيات الفضل والإنعام، والمدح والإكرام، بل كلها فيهم وفى أوليائهم نزلت، وأن جُلَّ فقرات التوبيخ والتشنيع، والتهديد والتفضيح، بل جملتها فى مخالفيهم وأعدائهم وردت.
بل التحقيق الحقيق - كما سيظهر عن قريب - أن تمام القرآن إنما أُنزل للإرشاد إليهم، والإعلام بهم، وبيان العلوم والأحكام لهم، والأمر بإطاعتهم وترك مخالفتهم، وأن الله عز وجل جعل جملة بطن القرآن فى دعوة الإمامة والولاية، كما جعل جُلّ ظهره فى دعوة التوحيد والنبوة والرسالة".
وهذه الدعاوى من المولى الكازرانى لا نكاد نُسلِّمها له، إذ أنها لا تقوم على دليل صحيح، وما ادّعاه من دلالة الأخبار المستفيضة والأحاديث المتكاثرة على ما ذهب إليه، أمر لا يُلتفَت إليه ولا يُعوَّل عليه، لأن ما يعنيه من الأخبار والأحاديث لا يعدو أن يكون موضوعاً لا أصل له. ومن هذا يتضح لنا أن هذا الشيعى مبالغ فى تشيعه إلى حد جعله يُحَمِّل كتاب الله تعالى ما لا يحتمله، ويجعله موزعاً بين دعوة الحق ودعوة الباطل، تلك بظاهرالقرآن وهذه بباطنه!!
ثم ذكر المؤلف بعد ذلك ما كان من تسامح مفسِّرى الشيعة الذين سبقوه، وسكوتهم عن ذكر ما ثبت عن الأئمة فى تفاسيرهم، وبيَّن عذرهم فى ذلك.
ثم ذكر أنه كان يجيش بصدره، ويدور بخاطره وخلده، أن يجمع ما تفرَّق من الأخبار المأثورة عن آل البيت ويشرح مضامينها، ثم يُلحق نصوص كل آية بسورتها، وذلك كله فى كتاب مستقل، ولكن حال بينه وبين ما تطمح إليه نفسه - حقبة من الزمن - تفرُّق باله، وتشتُّت حاله، وكثرة أشغاله، ثم ظفر بعد ذلك بجملة من الآثار التى كان حريصاً على جمعها، فرأى أن الذى تطمح إليه نفسه لا يصح التغافل والتسامح فيه، فاستخار الله واستعان بحَوْله وقوته على تحقيق مرامه، فشرع فى جمع الروايات وتحريرها، وتفسير الآيات وتقريرها.
ثم بيّن لنا هدفه الذى يرمى إليه من وراء هذا التفسير، وهو أنه أراد أن يُفسِّر آيات القرآن ويقرر معانيها على وجه منيف، وبيان لطيف، وطور رشيق، وطرز أنيق، بطريق
الإيجاز والاختصار، مع ذكر لب المقصود من الآيات والأخبار، بحيث يوضح غوامض أسرارها، ويكشف عن خبايا أستارها، ويتبين طريق الوصول إلى ذخائر كنوزها، ويرفع النقاب عن وجوه رموزها، من غير تطويل ممل، ولا اختصار زائد مخل.
ثم بيَّن لنا منهجه الذى سلكه فى تأليفه لهذا التفسير، وهو يتلخص فيما يأتى:
1 -
يختصر الأخبار فلا يذكرها بتمامها، بل يقتصر على موضع الحاجة ويحذف الأسانيد رغبة منه فى الاختصار.
2 -
أنه لا يتعرض لبيان جميع ما يتعلق بظاهر الآيات إلا إذا وجد أن التصريح بالمعنى الظاهر أمر لازم محترم، وقد جعل مدار هذا التفسير على بيان ما يتعلق بالبطون لخلو أكثر التفاسير منها أو من جُلِّها.
3 -
أنه إذا لم يعثر على نص يفسِّر به الآية اجتهد فى تفسيرها على وفق الأخبار العامة المطلقة التى يمكن استخلاص معنى الآية منها.
4 -
أنه يحرص كل الحرص على ذكر ما يعرفه من قراءة أهل البيت عند كل آية من القرآن.
ثم ذكرأنه وفق لما وفق إليه من كتابة التفسير "ببركات أول مَن آمن بالله بعين الإيقان، وثانى أول ما خلق الله قبل الكون والمكان، قاسم درجات الجنان ودركات النيران
…
إمام المشارق والمغارب، أمير المؤمنين أبى الحسنين علىّ بن أبى طالب".
ثم قال: "وكنت لا أرجو من الإقدام على هذا الأمر إلا أن يدخلنى فى شيعته الخاصين. وأوليائه الخالصين. وأن تدركنى شفاعته المقبولة، وحمايته المأمولة، وجعلته خدمة لسدته السنية، وثوابه هدية إلى حضرته العلية، وسميته "مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار".
وبالجملة.. فهذا التفسير أشبه ما يكون بالتفسير المأثور، لالتزام صاحبه فيه بيان المعنى بما ورد من الأخبار عن علماء أهل البيت إما صريحاً أو استخلاصاً من عموم الأخبار، غاية الأمر أن هذه الأخبار أخبار لا يُوثق بصحتها، ولا يُعوَّل على صدق نسبتها إلى مَن تُنسب إليه من علماء آل البيت رضى الله عنهم.
بعد هذا البيان قال المولى عبد اللطيف الكازرانى: "ولنذكر قبل الشروع فى المقصود ثلاث مقدمات نافعة لابد من بيانها ههنا".
ونستعرض هذه المقدمات الثلاث فنراه قد جعل المقدمة الأولى فى بيان ما يوضح حقيقة ورود بطن القرآن فيما يتعلق بدعوة الولاية والإمامة، كما أن ورود ظهره فيما يتعلق بدعوة التوحيد والنبوة والرسالة، وأن الأصل فى تنزيل آيات القرآن بتأويلها، إنما هو الإرشاد إلى ولاية النبى والأئمة صلوات الله عليهم وإعلام عز شأنهم وذل حال
شانئهم، بحيث لا خير أخبر به إلا وهو فيهم وفى أتباعهم وعارفيهم، ولا سوء ذُكِر فيه إلا وهو صادق على أعدائهم وفى مخالفيهم. قال: "ويستبين ذلك فى ثلاث مقالات:
المقالة الأولى: فى بيان ما يوضح المقصود بحسب الأخبار الواردة فى خصوص هذه المقدمة، وهى تتم بفصول. ثم ذكر ثلاثة فصول.
جعل الفصل الأول منها فى بيان نبذ مما يدل على أن للقرآن بطوناً ولآياته تأويلات. وأن مفاد فقرات القرآن غير مقصور على أهل زمان واحد، بل لكل منها تأويل يجرى فى كل أوان وعلى أهل كل زمان
…
ثم ساق الروايات الدالة على ذلك وكلها مسندة إلى آل البيت، فمن هذه الروايات ما رواه العياشى وغيره عن جابر قال:"سألت أبا جعفر عليه السلام عن شئ من تفسير القرآن فأجابنى، ثم سألته ثانية فأجابنى بجواب آخر، فقلت: جُعِلتُ فداك، كيف أجبتَ فى هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟ فقال لى: يا جابر؛ إن للقرآن بطناً، وللبطن بطناً وظهراً. يا جابر؛ وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن.. إن الآية ليكون أولها فى شئ وآخرها فى شئ وهو كلام متصل يتصرف على وجوه".
ثم عقب المولى عبد اللطيف على هذا الخبر فقال: "دلالة مبدأ هذا الخبر على وجود تأويل له باطن وظاهر، وعلى تعدد تأويل آية واحدة، وعلى عدم تنافى تأويل أول آية فى شئ وآخرها فى آخر، بل عدم تنافى التفسير بالظاهر فى أولها والباطن فى آخرها أو بالعكس ظاهرة، فإذا سمعت شيئاً من ذلك فلا تنكره، لأنهم عليهم السلام أعلم بالتنزيل والتأويل، وبما فيه إصلاح السائل والسامع، ولهذا ورد: "إن القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه". ويؤيده ما فى الكافى عن الصادق عليه السلام أنه قال لعمر بن يزيد لما سأله عن قوله تعالى: {والذين يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} [الرعد: 21] : هذه نزلت فى رحم آل محمد صلى الله عليه وسلم وقد يكون فى قرابتك، فلا تكونن ممن يقول للشئ إنه فى شئ واحد".
ومن هذه الروايات ما نقله عن كتاب العلل بإسناده إلى أبى حكيم الزاهد قال: حدثنى أبو عبد الله بمكة قال: "بينما أمير المؤمنين عليه السلام مار بفناء الكعبة إذ نظر إلى رجل يصلى فاستحسن صلاته، فقال: يا هذا الرجل؛ إن الله تبارك وتعالى ما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بأمر من الأمور إلا وله متشابه وتأويل وتنزيل، وكل ذلك على التعبد، فمَن لم يعرف تأويل صلاته فصلاته كلها خداج ناقصة غير تامة".
ثم عقب المولى على هذا فقال: "الظاهر أن المراد المتشابه الشبيه، وبالتأويل الباطن، وبالتنزيل الظاهر، وبالتعبد سبيل الإطاعة، والمعنى: أن كل ما جاء به النبى
صلى الله عليه وسلم وأمر به الظاهر فله شبيه ونظير مأمور به فى الباطن، ويلزم الإيمان بهما جميعاً، فمَن لم يعرف شبيه الصلاة وباطنها الذى هو الإمام وإطاعته - كما سيأتى - فصلاته الظاهرية ناقصة" (ص 3-4) .
وعند الفصل الثانى فى ذكر الأخبار الصريحة فى أن بطن القرآن وتأويله، إنما - هو بالنسبة إلى الأئمة - وولايتهم وأتباعهم وما يتعلق بذلك، فكان من جملة الأخبار التى ساقها: ما رواه الكلينى بإسناده إلى أبى بصير قال: "قال الصادق عليه السلام: يا أبا محمد؛ ما من آية تقود إلى الجنة ويُذكر أهلها بخير إلا وهى فينا وفى شعيتنا، وما من آية نزلت يُذكر أهلها بشر وتسوق إلى النار إلا وهى فى عدونا ومَن خالفنا".
وما نقله عن الكافى وتفسير العياشى وغيرهما، عن محمد بن ميمون، عن الكاظم عليه السلام فى قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] .. قال: القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرَّم الله فى الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحَلَّ الله فى الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أمئة الحق.
وما رواه عن الباقر عليه السلام قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم فى خطبته يوم الغدير: "معاشر الناس؛ هذا علىّ أحقكم بى، وأقربكم إلىّ، والله أنا عنه راضيان، وما نزلت آية رضا إلا فيه، وما خاطب الذين آمنوا إلا بدأ به، وما نزلت آية مدح فى القرآن إلا فيه. معاشر الناس؛ إن فضائل علىّ عند الله عز وجل، وقد أنزلها علىّ فى القرآن أكثر من أن أحصيها فى مكان واحد، فمن نبأكم بها وعرفها فصدِّقوه".
وما رواه عن عبد الله بن سنان أنه قال: قال ذريح المحاربى: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] . فقال: المراد لقاء الإمام، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام وقلت له: جُعِلتُ فداك، قوله عز وجل:{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} .. قال: أخذ الشارب، وقص الأظافر، وما أشبه ذلك. فحكيت له كلام ذريح فقال: صدق ذريح وصدقت، إن للقرآن ظاهراً وباطناً ومَن يحتمل ما يحتمل ذريح؟ ثم عقَّب المولى على هذا فقال:"الكلام من الإمام عليه السلام صريح فى أنهم عليهم السلام كانوا يكتمون أمثال هذه التأويلات عن أكثر الناس، حتى عن ابن سنان الذى كان من فضلاء أصحابه"(ص 5) .
وعقد الفصل الثالث فى بيان نبذ مما يدل على وجوه تناسب الظواهر مع البطون، وجهات تشابه أهل التأويل مع أهل التنزيل فقال: "اعلم أن ما دلَّت عليه الأخبار الماضية، وما تدل عليه الأخبار التى ستأتى من المعانى الباطنة والتأويلات. ليست جملتها مما استعمل فيها اللفظ على سبيل الحقيقة، بل أكثرها ومعظمها على طريق
التجوًُّز، ونهج الاستعارة، وسبيل الكناية ومن قبيل المجازات اللُّغوية والعقلية، إذ أبواب التجوُّز فى كلام العرب واسعة وموارده فى عبارات الفصحاء سائغة، فلا استبعاد إن أراد الله عز وجل بحسب الاستعمال الذى يدل عليه ظاهر اللفظ معنى، وبحسب التجوُّز الذى تدل عليه القرائن ويجتمع مع الظاهر بنوع من التناسب معنى آخر، وسنشير إلى كثير من وجوه التناسب فى المقدمة الثالثة وغيرها، ولكن نذكر فى هذا المقام من كليات تلك الوجوه بعض ما يُستفاد من أخبار الأئمة الأطياب، ونرفع عن وجوه الآيات لطالب تأويلها الحجاب، ونكشف عنها النقاب، تبصرة لمن أراد التبصر من أُولى الألباب. وأما إحاطة العلم بالجميع، فهى للراسخين فى العلم ومَن عنده علم الكتاب
…
كما سيظهر فى الفصل الآخير.
فاعلم أنه يمكن تبيين المرام فى هذا المقام من وجوه وإن أمكن إرجاع بعضها إلى بعض، ثم ساق وجوهاً خمسة يرجع بعضها إلى بعض كما قال، فكان مما ذكره فى الوجه الرابع ما جاء فى البصائر عن نصر بن قابوس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عز وجل: {وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَاّ مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 30-33] قال: يا نصر؛ إنه ليس حيث يذهب الناس، وإنما هو العالِم وما يخرج منه.
ثم قال المولى: "قال شيخنا العلامة رحمه الله: "لعل المعنى ليس حيث يذهب الناس من انحصار جنَّة المؤمنين فى الجنَّة الصورية الأخروية، بل لهم فى الدنيا أيضاً ببركة أئمتهم عليهم السلام جنَّات روحانية من ظل حمايتهم ولطفهم الممدود فى الدنيا والآخرة. وماء مسكوب من علومهم الممتعة التى بها تحيا النفوس والأرواح، وفواكه كثيرة من أنواع معارفهم التى لا تنقطع عن شيعتهم ولا يُمنعون منها، وفُرُشٌ مرفوعة مما يتلذذون به من حكمهم وآدابهم، بل لا يتلذذ المقرَّبون فى الآخرة أيضاً فى الجنان الصورية إلا بتلك الملاذ المعنوية التى كانوا يتنعمون بها فى الدنيا كما تشهد به الأخبار" - انتهى كلامه أعلى الله مقامه - فتأمل ولا تغفل عن جريان مثله فى ساير نِعَم الجنَّة، مثل أنهار الخمر وأمثالها، كما يشهد له ما سيأتى فى الأنهار واللبن من تأويل اللبن والخمر بعلوم الأئمة عليهم السلام. وسيأتى فى الجنَّة والنار وما بمعناهما من تأويل الأولى بولاية الأئمة، والثانية بعداوتهم، وأمثال هذه التأويلات كثيرة ينادى بها كثير من الأخبار فى الترجمات الجائية المناسبة لها فافهم، وكذا كل ما ورد ظاهره فى العذاب، والمسخ والهلاك، والموت البدنى، ونحو ذلك، فباطنه فى الهلاك المعنوى بضلالاتهم وحرمانهم عن العلم والكمالات، وموت قلوبهم ومسخها وعميها عن إدراك الحق، فهم إن كانوا فى صور البَشر لكنهم كالأنعام بل هم أضل، وإن كانوا
ظاهراً بين الأحياء، فهم أموات، ولكن لا يشعرون، إذ لا يسمعون الحق، ولا يبصرونه، ولا يعقلونه، ولا ينطقون به، ولا يأتى منهم أمر ينفعهم فى أُخراهم، فهم شر من الأموات، وكذا كل ما كان فى القرآن مما ظاهره فى النهى عن القبائح الصورية، وتحريم الخبائث الظاهرية، كالزنا، والسرقة، والإيذاء، ونحوها مما هو علامة رذالة حال فاعله، ودليل خباثة طبع مرتكبه، كالخمر، والميتة، والدم، ونحوها مما تستقذر منه الطبائع السليمة، وتنفر منه القرائح المستقيمة، فبطنه فى النهى عن القبائح الباطنة التى هى معاداة الأئمة عليهم السلام، والزجر عن الخبائث المعنوية التى هى أعاديهم ومنكرو ولايتهم والفضائل التى هى فيهم، فإنها أيضاً - فى استقذار الأرواح،
وتخبث القلوب، واستنفار العقول
…
ونحو ذلك مثل الخبائث الظاهرة والقبائح الصورية. بل أشد كما لا يخفى، وهكذا حال بطون ما ظاهره فى الترغيب بالمبرات والأمر بالخيرات بالنسبة إلى الأئمة وولايتهم ومعرفتهم، وبالجملة المدار على تشبيه الأمور المعنوية بالصورية، كالحياة والموت والانتفاعات والتصورات الروحانية بالجسمية
…
وهكذا فى البواقى. على أن فى هذا الأخير تناسباً آخر أيضاً، وهو أنه لا خفاء فى كون النبى والأئمة صلوات الله عليهم وسائط معرفة العبادات والمأمورات، وأنهم الأصل فى قبولها فلا بُعْد إن أريدوا بها فى بطن القرآن. وكذا لا بُعْد فى كون أعدائهم من حيث مضادتهم لهم من المراد بالخبائث والمنهيات" (ص 8) .
وفى الوجه الخامس من العلل، علَّل ما ورد من تأويل معرفة الله، وعبادته، ومخالفته، وأسفه، وظلمه، ورضاه، وسخطه، وأمثالها بمعرفة الإمام وإطاعته ومخالفته وأسفه وظلمه ورضاه وسخطه، وكذا تأويل الإمام يد الله، وعينه، وجنبه، وقلبه، وسائر ما هو من هذا القبيل مما نسبه الله إلى نفسه وخصَّه به، بالإمام عليه السلام، وما ورد من الأخبار فى تأويل روح الله ونفسه، ولفظ الجلالة والإله والرب الإمام عليه السلام.. علَّل هذه التأويلات وما شاكلها بأن الذى جرى من عادة الأعاظم والملوك والأكبر أن ينسبوا ما وقع من خدمهم بأمرهم إلى نفسهم تجوُّزاً، وكذا قد ينسبون مجازاً ما يصيب خدمهم ومقربيهم من الإطاعة والخير والشر إلى أنفسهم، إظهاراً لجلالة حال أُولئك الخدم عندهم، وإشعاراً بأنهم فى لزوم المراعاة والإطاعة ودفع الضر عنهم وجلب النفع إليهم بمنزلة مخاديمهم وفى حكمهم، بحيث أن كل ما يصل إليهم فهو كالواصل إلى المخاديم.
قال الصادق عليه السلام كما سيأتى عن الكافى وغيره - إن الله تعالى - لا يأسف كأسفنا، ولكن خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه، وسخطهم سخط نفسه، لأنهم جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه
…
(الخبر) .
وفى رواية أخرى: ولكن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، ثم أنزل بذلك قرآناً على نبيه
…
(الخبر) .
قال المولى: وسيأتى بقية الأخبار مفصَّلة. وهكذا كثيراً ما يُطلق تجوُّزاً على مُقرِّبى الرجل وأعوانه أسامى جوارحه وأعضائه وسائر ما يختص به فى النفع كما يقال للوزير الكامل المقرَّب عند السلطان النافع له جداً: إنه يده وسيفه وعينه.. وهكذا بناء على أنه فى الدفع والنفع والقُرب والعِزَّة مثل ذلك، حتى إنه قد يقال: إنه روحه ونفسه، بل ربما يقال إنه السلطان تجوُّزاً بمعنى أنه جعل إطاعته إطاعته، ومخالفته مخالفته، بحيث لا يرضى بغير ذلك (ص 9) .
ثم عقد الفصل الرابع فى بيان ما يدل على أن الواجب على الإنسان أن يؤمن بظاهر القرآن وباطنه، وتنزيله وتأويله معاً، كما أن الواجب الإيمان بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه، وبسائر ما يتعلق بذلك جميعاً مفصَّلاً أو على سبيل الإجمال إن لم يعلم التفصيل من طريق أهل البيت الذين هم أدرى بما فى البيت. وأن مَن أنكر الظاهر كافر وإن أقر بالباطن، كما هو مذهب الباطنية من ملاحدة الخطابية والإسماعيلية وغيرهم القائلين بسقوط العبادات كما سيظهر، وكذا بالعكس: أى إنكار الباطن وإن أقر بالظاهر، على كل مؤمن أن لا يجترئ بإنكار ما نُقِل عن الأئمة عليهم السلام فى ذلك تفسيراً وتأويلاً وإن لم يفهم معناه ولم يدرك مغزاه.
ثم ساق من الروايات ما يدل على ذلك، وكلها منسوبة إلى أهل البيت، فمن ذلك ما روى عن الباقر عليه السلام أنه قال:"إن الله عز وجل قد أرسل رسله بالكتاب وبتأويله، فمن كذَّب بالكتاب أو كذَّب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشترك"(ص 9) .
ومنها ما روى عن الهيثم التميمى، قال:"قال أبو عبد الله عليه السلام: يا هيثم؛ إن قوماً آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم ذلك شيئاً، وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئاً.. لا إيمان بظاهر إلا بباطن، ولا بباطن إلا بظاهر"(ص 9) .
وعقد الفصل الخامس فى بيان ما يدل على أن علم تأويل القرآن كله عند الأئمة عليهم السلام، وما ذكر فى الأخبار الواردة فى المنع من تفسير القرآن بالرأى وبغير سماع من الأئمة، وفى الجمع بينها وبين ما يعارضها من الآيات والروايات وتوجيه ما هو الحق فى ذلك، فقال: اعلم أنه لا ريب فى اطلاع النبى والأئمة على جميع وجوه آيات القرآن ومعانيها كلها، ظواهرها وبواطنها، تنزيلها وتأويلها، وأنهم الذين عندهم علم الكتاب كله، كما أنزله الله فى بيتهم، فإن أهل البيت أدرى بما فى البيت، وقد
دلَّت على هذا أخبار متواترة
…
فمنها: ما فى البصائر بسند صحيح عن أبى الصباح قال: واللهِ لقد قال لى جعفر بن محمد عليه السلام: إن الله علَّم نبيه صلى الله عليه وسلم التنزيل والتأويل. قال: فعلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عليه السلام، قال: وعلَّمنا
…
. (الخبر) .
وما فيه أيضاً بإسناده عن يعقوب بن جعفر قال: كنت مع أبى الحسن عليه السلام بمكة، فقال له رجل: إنك لتفسِّر من كتاب الله ما لم نسمع به، فقال أبو الحسن: فنحن نعرف حلاله وحرامه، وناسخه ومنسوخه، وسفريه وحضريه، وفى أى ليلة نزلت من آية، فيمن نزلت، وفيم أنزلت
…
(الخبر) .
واستدل أيضاً بما فى الكافى عن أبى جعفر عليه السلام أنه قال: ما يستطيع أحد يدَّعى أن عنده علم جميع القرآن كله ظاهره وباطنه إلا الأولياء.
ثم قال المولى عبد اللطيف بعد سياقه لهذه الروايات وغيرها: "وأما غيرهم عليهم السلام فلا شبهة فى قصور علومهم وعجز أفهامهم عن الوصول إلى ساحة إدراك كثير من تفسير الظواهر والتنزيل، فضلاً عن البواطن والتأويل، بلا إسناد من الأئمة العاملين، وعناية من الله رب العالمين".
ثم بعد أن استدل على ذلك بما ذكره من روايات سابقة ولاحقة قال: "ولهذا ورد المنع من التفسير بغير الأخذ منهم عليهم السلام". ثم استدل على عدم جواز تفسير القرآن بالرأى وضرورة الرجوع إلى الأئمة فى فهم معانيه، فكان مما استدل به، ما رواه عن العياشى عن الصادق عليه السلام قال:"مَن فَسَّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء"، وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم:"مَن فسَّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعدة من النار"، وما ورد فى تفسير الإمام عليه السلام من قوله:"أتدرون من المتمسك بالقرآن الذى له الشرف العظيم؟ هو الذى يأخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت، أو عن وسائط السفراء عنا إلى شيعتنا، لا عن آراء المجادلين، وقياسا الفاسقين، فأما مَن قال فى القرآن برأيه فإن اتفق له مصادفة صواب فقد جهل فى أخذه عن غير أهله، وإن أخطأ القائل فى القرآن برأيه فقد تبوأ مقعده من النار"(ص 11-12) .
ثم بعد ذلك وفَّق بين الأخبار الدالة بظواهرها على حُرْمة التفسير بالرأة وبين ما ورد من قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد: 24]، وقوله:{لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]
…
وقوله عليه السلام: "القرآن ذلولَ ذو وجوه، فاحملوه على أحسن الوجوه"، وغير ذلك من الآيات والأخبار الدالة على أن فى معانى القرآن لأرباب الفهم متسعاً بالغاً ومجالاً رحباً فقال: لنا فى هذا المقام توجيهات عديدة نشير ههنا إلى ما هو الأكمل منها، وهو ما ذكره بعض محققى علمائنا، وقال: "الصواب أن يقال: إن مَن أخلص الانقياد لله ورسوله ولأهل البيت،
وأخذ علمه منهم، وتتبع آثارهم، واطلع على جمله من أسرارهم، بحيث يحصل له المراس فى العلم والطمأنينة فى المعرفة، وانفتح عينا قلبه، وهجم به العلم على حقائق الأُمور، وباشر روح اليقين، وأنس بما استوحش منه الجاهلون، فله أن يستفيد من القرآن غرائبه، ويستنبط منه نُبذاً من عجائبه، وليس ذلك من كرم الله بغريب، ولا من جوده بعجيب، وليست السعادة وقفاً على قوم دون آخرين، وقد عدُّوا عليهم السلام جماعة من أصحابهم المتصفين بهذه الصفات من أنفسهم، كما قالوا: سلمان منا أهل البيت، فمَن هذه صفته لا يبعد دخوله فى الراسخين فى العلم، العالمين بالتأويل" (ص 12-13) .
ثم قال: وأما التفسير المنهى عنه، فقد نزَّله المحقق أيضاً على وجهين:
أحدهما: أن يكون للمفسِّر فى الشئ رأى وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأوَّل القرآن على وفق رأيه وهواه، ليحتج به على تصحيح غرضه ومدَّعاه، فيكون قد فسَّر القرآن برأيه، أى رأيه هو الذى حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه. وهذا كما أنه مع الجهل كأكثر تفاسير المخالفين مثلاً كذلك قد يكون مع العلم، كالذى يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أنه ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يُلبِّس على خصمه، ومن هذا ما مرَّ من تأويلات الباطنية، وقد يصدر مثله عمن له غرض صحيح، لكن يطلب له دليلاً من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به ذلك، كالذى يدعو مثلاً إلى مجاهدة القلب القاسى فيقول: قال الله تعالى: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى} [طه: 24]، ويشير إلى قلبه ويومئ إليه أنه المراد بفرعون. قال ذلك المحقق: وهذا قد يستغله بعض الوعَّاظ فى المقاصد الصحيحة تحسيناً للكلام وترغيباً للمستمع وهو ممنوع.
ثانيهما: أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل عن الأئمة فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيها من الألفاظ المبهمة والمبدَّلة، وما فيها من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير، وفيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ والخاص والعام والرخص والعزائم والمحكم والمتشابه
…
إلى غير ذلك من وجوه الآيات المفتقرة إلى السماع إذ مَن بادر إلى استنباط المعانى فيها بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل فى زمرة مَن يفسِّر بالرأى، فلا بد له أولاً من السماع وظاهر التفسير ليتقى مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط، فإن ظاهر التفسير يجرى مجرى تعليم اللُّغة التى لا بد منها للفهم، ومن هذا القبيل قوله تعالى:{وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} [الإسراء: 59] .. فإن معناه: آبة مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، والناظر إلى ظاهرة العربية يظن أن المراد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن
عمياء. ولا يدرى أنهم بماذا ظلموا، وأنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم. ومن ذلك الآيات التى سنشير إلى كونها واردة على سبيل الكناية والرموز بحيث لا يطلع على ما فيها إلا مَن تجرَّع كؤوس علوم آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، كما سيأتى فى الفصل السادس من المقالة الأولى من المقدمة الثالثة فى قوله تعالى:{وَمَا ظَلَمُونَا ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57] من أن المراد ظلم محمد وآله. ومنها ما سيأتى أيضاً فى الفصل الثالث من المقالة المذكورة فى قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء: 74] من أنه تعالى عنى بذلك غير النبى صلى الله عليه وسلم كما قال الصادق عليه السلام: "ما خاطب الله به نبيه فهو يعنى به مَن قد مضى" وقد روى الكلينى وغيره عنه عليه السلام أنه قال: "نزل القرآن بـ "إياكِ أعنى واسمعى يا جارة". وعن الباقر عليه السلام: "إذا علم الله شيئاً هو كائن أخبر عنه ما قد كان"، وقد مرَّ فى حديث جابر قوله عليه السلام: "وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن أن الآية ليكون أولها فى شئ وآخرها فى شئ"
…
(الخبر) .
وسنذكر عن قريب فى فصول المقالة المذكورة وغيرها، ما يوضح حال تفسير الآيات التى كذا شأنها، ليتبصر به الناظر فيما نذكره من تفسير تلك الآيات إن شاء الله تعالى (ص 13) .
ونحن لا نرى أدنى خلل فيما ذكره من الوجهين السابقين بصرف النظر عما ذكره من تفسير، ولكن نأخذ عليه أنه لم يأخذ بما قال، بل جعل القرآن تبعاً لرأيه. ونزَّله على معان تتفق وهواه، ورمى غيره بالداء الذى هو فيه.
ثم ذكر المقالة الثانية، فجعلها فى بيان ما يوضح اشتمال كلام الله تعالى، الوارد فيما يتعلق بالتوحيد والنبوة صريحاً وتنزيلاً، على ما يتعلق بالولاية والإمامة بطناً وكناية وتأويلاً، بحسب الأخبار الواردة فى أن الولاية - أى الإقرار بنبوة النبى وإمامة الأئمة والتزام حبهم وإطاعتهم وبغض أعدائهم ومخالفيهم - أصل الإيمان، مع توحيد الله عز وجل، بحيث لا يصح الدين إلا بذلك كله، بل إنها بسبب إيجاد العالَم، وبناء حكم التكليف، وشرط قبول الأعمال والخروج عن حد الكفر والشرك، وأنها التى عُرِضت كالتوحيد على الخلق جميعاً، وأُخِذ عليهم الميثاق، وبُعِث بها الأنبياء، وأُنزِلت فى الكتب، وكُلِّف بها جميع الأُمم ولو ضمناً، وأن نسبة النبوة إلى الإمامة كنسبتها إلى التوحيد فى تلازم الإقرار بها وبقرينها، بحيث إن الكفر بكلٍّ فى حكم الكفر بالآخر. ولا يفيد الإيمان ببعض دون بعض، وأن الأئمة مثل النبى فى فرض الطاعة والأفضلية بعده على الخلائق أجمعين، وكونهم وسائط ووسائل لسائر عباد الله المكرَّمين، من الأنبياء والأوصياء والملائكة المقرَّبين
…
عقد هذه المقالة الثانية لهذا
الغرض فقال: "اعلم أن الأحاديث الغير المحصورة، تدل على هذه الأُمور المذكورة، بل أكثرها مما هو مُجمعَ عليه عند علمائنا الإماميين، وقد نص على حقيقتها بل كون جُلّها من ضروريات هذا المذهب أعاظم أصحابنا المحدثين، وكفى فى بيان ذلك ما ذكروه من مباحث الإمامة وكتب فضائل الأئمة، وسنذكر فى هذا الكتاب لها شواهد كثيرة، فلنكتف ههنا بنقل شئ من تصريحات محققى أصحابنا فى هذا الباب، وذكر أقل قليل من نصوص الأئمة الأطياب إذ ليس هنا موضع البسط والإطناب، ويكفى ما سنذكره فى تبصرة مَن هو مِن أُولى الألباب "فههنا فصول خمسة"
…
ثم ساق الفصول الخمسة:
فجعل الفصل الأول منها فى بيان نُبَذ من تصريحات علماء الشيعة الإمامية من عِظَم شأن الأئمة وولايتهم وكفر منكريهم.
وجعل الفصل الثانى فى بيان نُبَذ من الأخبار التى وردت فى خصوص فرض ولاية أهل البيت وحبهم وطاعتهم، وأن ذلك مناط صحة الإيمان، وشرط قبول الأعمال والخروج عن حد الكفر والشرك، وأورد فيه ما جاء من ذم إنكار الولاية والشك فيهم، وكفر مبغضيهم ومخالفيهم.
وجعل الفصل الثالث فى بيان بعض الأخبار التى وردت فى أن الإقرار بإبمامة الأئمة وحبهم وولايتهم يتلو الإقرار بنبوة النبى صلى الله عليه وسلم وآله وسلم فى مدخلية صحة الدين وصدق الإيمان، كما أن الإقرار بالنبوة يتلو التوحيد فى ذلك، وأن نسبة النبوة إلى الإمامة، كنسبتها إلى التوحيد فى تلازم الإقرار بها وبقرينها، بحيث إن الكفر بكلٍّ فى حكم الكفر بالآخر ولا يفيد الإيمان ببعض دون الآخر.
وجعل الفصل الرابع فى بيان بعض الأخبار التى وردت فى خصوص أن الولاية عُرضت مع التوحيد على الخلق جميعاً، وأُخِذ عليهم الميثاق، وبُعِث بها الأنبياء، وأُنزِلت فى الكتب، وكُلِّفَ بها جميع الأُمم، وأورد فيه ما يدل على أنها سبب إيجاد الخلق أيضاً.
وجعل الفصل الخامس فى بيان بعض الأخبار التى وردت فى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام أول المخلوقين، وأفضلهم وأكملهم، وأكرمهم بحيث كانت الملائكة والأنبياء تتوسل بهم وبولايتهم، وتفخر الملائكة بخدمتهم، وتعلَّموا التسبيح والتمجيد منهم، وأنهم وولايتهم العِلَّة فى الإيجاد، والأصل فى الطاعة والمعرفة.
ثم ذكر المقالة الثالثة وجعلها فى بيان ما يوضح ورود بطون القرآن فيما يتعلق بالولاية والإمامة، بحسب الأخبار التى تدل على أن هذه الآية تقتفى سنن الأُمم السابقة، وسيرة مَن كان قبلهم من كل أفعالهم وجميع أطوارهم وأعمالهم، كما أنه
كان كذلك فى سائر الأُمم، قال:"فإنها بجملتها - يعنى بطون القرآن - تقتضى بحسب لطف الله تعالى أن لا يترك الإنذار والتبشير فيهم، كما لم يترك بالنسبة إلى سابقهم، وأن يشير إلى الزين والشين فى كل أوان بالنسبة إلى أهل كل زمان. وحيث لم يكن وقت نزول القرآن بعض ما علم الله صدوره من هذه الأمة صار أبعد منهم، فلا بد من ألطافه الكاملة أن يجعل ذلك تأويل كلامه البليغ، بحيث يُستفاد من التنزيل والتبليغ، ولا شك أن هذا أبلغ فى الإعجاز وأجمل للإيجاز.. ".
وقد أورد فى جملة ما أورد من الأخبار فى ذلك، ما رواه الطبرسى فى الاحتجاج عن علىّ عليه السلام أنه قال فى قوله تعالى:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} [الانشقاق: 19] : أى لتسلكن سبيل مَن كان قبلكم من الأمم فى الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء. وما رواه الكلينى فى الصحيح عن زرارة عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} .. قال: "يا زرارة؛ أى لتركبن هذه الأمة بعد نبيها طبقاً عن طبق فى أمر فلان، وفلان، وفلان".. قال المولى الكازرانى: "أقول: أى كانت ضلالتهم بعد نبيهم مطابقة إلى صور من الأمم السابقة فى ترك الخليفة واتباع العجل والسامرى وأشباه ذلك.. قال: ويحتمل أن يكون المعنى تطابق أحوال خلفاء الجور فى الشدة والفساد"(ص 23-24) .
ثم ذكر المقدمة الثانية فتكلم فى بيان ما يوضح وقوع بعض تغيير فى القرآن وأنه السر فى جعل الإرشاد إلى أمر الولاية والإمامة والإشارة إلى فضائل أهل البيت وفرض طاعة الأئمة بحسب بطن القرآن وتأويله، والإشعار بذلك على سبيل التجوُّز والرموز والتعريض فى ظاهر القرآن وتنزيله فقال: "اعلم أن الحق الذى لا محيص عنه بحسب الأخبار الواردة المتواترة الآتية وغيرها، أن هذا القرآن الذى فى أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شئ من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر، الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علىّ عليه السلام وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن عليه السلام
…
وهكذا إلى أن ينتهى إلى القائم عليه السلام، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه. ولهذا - كما قد ورد صريحاً حديث سنذكره - لما أنَّ الله عز وجل قد سبق فى علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين فى الدين، وأنهم بحيث كلما اطلعوا على تصريح بما يضرهم ويزيد فى شأن علىّ عليه السلام وذُرِّيته الطاهرين، حاولوا إسقاط ذلك رأساً أو تغييره محرِّفين، وكان فى مشيئته الكاملة ومن ألطافه الشاملة محافظة أوامر الإمامة والولاية، ومحارسة مظاهر فضائل النبى صلى الله عليه وآله الأئمة، بحيث تسلم عن تغيير أهل التضييع والتحريف ويبقى لأهل مفادها مع بقاء
التكليف، لم يكتف بما كان مصرحاً به منها فى كتابه الشريف، بل جعل جُلّ بيانها بحسب البطون وعلى نهج التأويل، وفى ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل، وأشار إلى جمل من برهانها بطريق التجوُّز والتعريض، والتعبير عنها بالرموز والتورية وسائر ما هو من هذا القبيل، حتى تتم حُجَّته على الخلائق جميعاً ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليه صريحاً بأحسن وجه وأجمل سبيل" قال: ويستبين صدق هذا المقال بملاحظة جميع ما نذكره فى هذه الفصول الأربعة المشتملة على كل هذه الأحوال.
ثم عقد الفصل الأول فى بيان نُبَذ مما ورد فى جمع القرآن ونقصه وتغييره، من الروايات التى نقلها أصحابه من الإمامية فى كتبهم.
وعقد الفصل الثانى فى بيان نُبَذ مما ورد فى جمع القرآن ونقصه وتغييره، والاختلاف فيه من الروايات التى نقلها المخالفون فى كتبهم.
وعقد الفصل الثالث فى بيان ما وعد به سابقاً، من الخبر المشتمل على التصريح بتغيير القرآن، وأنه هو السر فى الإشارة إلى ما يتعلق بالولاية والإمامة على سبيل الرمز والتعريض.
وعقد الفصل الرابع فى بيان خلاصة أقوال علمائهم فى تغيير القرآن وعدمه وتزييف استدلال مَن أنكر التغيير.
ثم ذكر المقدمة الثالثة وقد عقدها لبيان ما يوضح نُبَذاً من التأويلات المأثورة عن الأئمة السادات والمفهومة من بعض الروايات، المرشدة إلى تأويل ما لم يظفر من تأويله على نص خاص من الكلمات القرآنية والآيات.
قال: ويُستبان بها أيضاً ما بينته من صحة ورود بطن القرآن فيما يتعلق بالولاية والإمامة، وأن فى هذا الأمر تأويل ما ورد تنزيله فيما يتعلق بالتوحيد والنبوة.. عقد هذه المقدمة لبيان ما تقدم فقال:
"اعلم أن التأويلات التى ظفرنا عليها من أخبار الأئمة الأطهار على ثلاثة أقسام:
الأول: ما ورد مختصاً بكلمة أو آية مذكورة فى موضع واحد بحيث لا يجرى فى غيرها، ومحل ذكر مورده.
الثانى: ما ورد فى آية أو كلمة قرآنية لكنه بحيث يجرى فى غيرها. بل ربما يكون الورود على سبيل العموم أيضاً، ونحن نذكر هذا القسم فى هذه المقدمة مع نصه أو الإشارة إلى موضع ذكر النص.
الثالث: ما لم يرد فى تأويل آية إلا أنه مما يجرى فيها، كقوله عليه السلام:"نحن يد الله"
…
ونحوه، وهذا أيضاً مما نذكره فى هذه المقدمة مع ذكر نصه أو الإشارة إليه، وفى هذين الأخيرين إذا وصلنا فى كتابنا هذا إلى موضع يجرى فيه أحدهما
أولناه على وفقه بعد الإشارة إلى ورود التأويل وموضعه، بل مع إعادة ذكر أكثر النصوص فى مواردها. ثم من هذه التأويلات ما هو على نهج الكناية والتعريض والمجازات العقلية. ومنها ما هو من قبيل المجاز اللُّغوى، وها نحن نرتب هذه المقدمة على مقالتين، نذكر فى إحداهما مظاهره على النهج الأول مما لا بد من إفراد ذكره، وفى الأخرى سائر التأويلات العامة مع نصوصها. ثم نلحقها بخاتمة نختم بها المقدمات" (ص 36) .
ثم ذكر المقالة الأولى: فجعلها فى بيان بعض التأويلات التى لا بد من إفراد ذكرها من حيث عِظَم فوائدها، وجُلّها من قبيل المجازات العقلية، والتجوُّز فى الإسناد، والكناية، والتعريض وإن أمكن التكلف فى إدخال بعضها تحت المجاز اللُّغوى، وقد جعل هذه المقالة مشتملة على سبعة فصول:
جعل الفصل الأول منها: فى بيان ما يظهر من الأخبار من أن الله عز وجل كثيراً ما أراد فى كتابه بحسب الباطن بالألفاظ والخطابات الواردة ظاهراً على سبيل العموم خصوص بعض أفراد ما صدقت عليه، كالأئمة أو شيعتهم أو أعدائهم أو نحو ذلك. قال: ويدل على هذا أحاديث كثيرة، منها ما سيأتى فى تأويل الكافرين: بمن كفر بالولاية، والمنافقين: بمن نافق فيها، والمشركين: بمن أشرك مع الإمام مَن ليس بإمام، وأشباه ذلك.. ثم قال: والحق أنه إذا تأمل بصيرٌ فى أكثر ما ورد من تفسير البطن علن أن معظم ذلك من هذا القبيل، وهو مجاز شائع ذائع استعماله فى كثير من الألفاظ العامة والمطلقة ونحوها
…
إلخ (ص 36) .
وجعل الفصل الثانى: فى بيان ما يظهر من الأخبار أن الله تعالى كثيراً ما يخاطب بخطاب أو وصف صادق على الماضين من أهل أزمان النبى صلى الله عليه وسلم والأُمم السالفة بحسب الظاهر، ومراده بحسب التأويل والباطن مَن صدق ذلك الخطاب أو الوصف عليه من هذه الأُمة بالنظر إلى حال الإمامة والولاية وإن لم يكن فى ذلك الزمان.. ثم ذكر فى ضمن ما رواه من الأخبار الدالة على ذلك ما جاء فى تفسير العياشى عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله فى قوله عز وجل:{وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] .. قال: قوم موسى: هم أهل الإسلام. قال المولى: "والظاهر أن مراده عليه السلام: أن نظيره جار فيهم، وإنما ذكر فى الآية تمثيلاً لحال هذه الأُمة، ويؤيده ما سيأتى فى الأئمة، فلا ينافى هذا ما هو الظاهر من الآية من وجود جماعة فى قوم موسى هادين إلى الحق صريحاً كما يظهر من بعض الأخبار"(ص 37) .
وجعل الفصل الثالث: فى بيان ما يظهر من الأخبار من أن الله سبحانه قد يريد بخطابه فى كتابه بحسب التأويل والبطن مخاطباً غير مَن يَفهم من الظاهر كون الخطاب متوجهاً إليه، وكان ذلك فى أثناء الخطاب وبين الخطاب مع المخاطب المفهوم من الظاهر وفى آية واحدة، وذلك كما ورد فى خبر جابر من قوله عليه السلام:"إن الآية لتكون أولها فى شئ وآخرها فى شئ"، وما ورد فى الكافى وفى تفسير العياشى عن عبد الله بن بكير عن أبى عبد الله قال: نزل القرآن بـ إياكِ أعنى واسمعى يا جارة"، وفيهما أيضاً عن أبى عمير عمن حدَّثه عن أبى عبد الله قال: "ما خاطب الله به فهو يعنى به مَن قد مضى ذكره فى القرآن مثل قوله: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء: 74] عَنِىَ بذلك غيره. قال بعض المحدثين: لعل المراد مَن مضى ذكره فى القرآن من الذين أسقط أسماءهم الملحدون فى آيات
…
قال: وفى كنز الفوائد عن الأعمش قال: سمعت عطاء بن أبى رباح يقول: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وعلىّ نُلْقِى فى جهنم كل من عادانا"
…
. (الخبر)(ص 37) .
وجعل الفصل الرابع: فى بيان ما يظهر من الأخبار من أن الضمير فى القرآن قد يكون بحسب التأويل راجعاً إلى شئ ليس بمذكور صريحاً، بل مقصود بحسب الباطن ومعهود تأويلاً، كالضمائر التى ورد رجوعها إلى الولاية أو إلى أمير المؤمنين عليه السلام أو نحو ذلك، بلا سبق ذكر ظاهراً. ثم ذكر ما ورد من الأخبار فى ذلك، منها: ما رواه الكلينى عن المفضل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: {قَالَ الذين لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15] .. قال: قالوا: أو بَدِّل علياً.. وما ورد فى كنز الفوائد للكراكجى من تأويل أهل البيت فى حديث أحمد بن إبراهيم عنهم عليهم السلام قالوا: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة: 82] : أى أن شكر النعمة التى رزقكم وما مَنَّ عليكم بمحمد وآله {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أى بوصيه {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} إلى وصيه علىّ عليه السلام يبشر وليه بالجنَّة: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ} : يعنى أقرب إلى أمير المؤمنين علىّ منكم {ولاكن لَاّ تُبْصِرُونَ} .. أى لا تعرفون.
ومنها ما ورد فى تفسير القُمِّى عن أبى الشمال عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى فى سورة المدثر: {إِنَّهَا لإِحْدَى الكبر * نَذِيراً لِّلْبَشَرِ} [المدثر: 35-36] قال: يعنى فاطمة، وكذا قال فى سائر الضمائر التى فى السورة (ص 38) .
وجعل الفصل الخامس: فى بيان ما يدل على أنه لا استبعاد فى أن يحمل ما عبر
عنه بالماضى على ما هو المستقبل الآتى كما يقتضيه كثير من التأويلات فقال: روى الكلينى فى الكافى بإسناده عن أبى جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: إذا علم الله شيئاً هو كائن أخبر خبر ما قد كان. يعنى: إذا كان فى علم الله تعالى الكامل وقوع الشئ لا محالة وأنه سيكون قطعاً، أخبر عنه على سبيل ما قد مضى وكان، سواء أكان ذلك مما يدل عليه ظاهر القرآن وتنزيله، أو باطنه وتأويله، كما هو مقتضى التطابق كأحوال يوم القيامة مثلاً، والثواب والعقاب وسائر ما هو من هذا القبيل كالرجعة وما يكون فيها، وما يصدر من الأُمة بالنسبة إلى الإمامة وأمثال ذلك.. قال: ولا يخفى أنه بناءً على هذا يرتفع الاستبعاد المذكور (ص 38) .
وجعل الفصل السادس: فى بيان ما يظهر من الأخبار من أن إيراد أكثر الأشياء التى نسبها الله عز وجل إلى نفسه على صيغة الجمع وضميره كقوله سبحانه وتعالى: {فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55]، وقوله عز وجل:{إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 25-26] ، وأمثالها من الكلمات القرآنية فإن السر فيه إدخال النبى صلى الله عليه وسلم والأئمة فيها، بل إنهم هم المقصودون فى كثير منها. وعَدَّ هذا من قبيل المجازات الشائعة فى كلام الملوك والأعاظم
…
ثم قال: فلنكتف ههنا بنقل بعض الأخبار الدالة عليه، وذكر أخباراً، منها: ما رواه الكلينى فى الصحيح عن حمزة بن بزيغ عن أبى عبد الله عليه السلام فى قول الله عز وجل: {فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ} .. فقال: إن الله تعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه، وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه
…
إلخ، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال:"مَن أهان لى ولياً فقد بارزنى بالمحاربة ودعانى إليها"، وقال:{مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80]، وقال:{إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] .. قال: وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك الخبر ولا يخفى صراحة فى المقصود ههنا.. قال: وفى الكافى وغيره عن زرارة عن أبى جعفر قال: سألته عن قول الله عز وجل: {وَمَا ظَلَمُونَا ولاكن كانوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 160] فقال: إن الله أعظم وأعَزّ وأجَلّ من أن يُظلم، ولكن خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته حيث يقول:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} [المائدة: 55] .. يعنى الأئمة منا (ص 39) .
وجعل الفصل السابع: فى بيان ما يظهر من الأخبار من إطلاق لفظ الجلالة والإله والرب بحسب بطن القرآن وتأويله على الإمام فى مواضع عديدة، بل هكذا حال بعض الضمائر الراجعة بحسب التنزيل إليه سبحانه، وأن تأويل ما نسبه الله إلى نفسه
بإضافته إلى هذه الألفاظ من العبادة، والإطاعة، والمعرفة، والرضا، والسخط، والمخالفة، والفقر، والغنى
…
إلى غير ذلك هو ما يتعلق بالإمام كمتابعته، وإقامته، وإطاعته، ورضاه، وسخطه، وسبه، وأذاه، ومخالفته، وغناه، وفقره
…
ونحو ذلك. وعَدَّ ذلك من قبيل المجازات العقلية والتجوُّز فى الإسناد، قال: لكن يظهر من بعض ما سنذكره من الأخبار أن فى ذلك ما هو من قبيل المجاز اللُّغوى أو التشبيه بالمعنى العُرْفى. ثم ذكر بعض ما هو نص فى بيان المقصود، فذكر من ذلك ما رواه الطبرسى فى الاحتجاج عن علىّ عليه السلام أنه قال فى حديث له طويل: إن قوله تعالى: {وَهُوَ الذي فِي السمآء إلاه وَفِي الأرض إلاه} [الزخرف: 84]، وقوله:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4]، وقوله:{مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلَاثَةٍ إِلَاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] .. فإنما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التى ركبها فيهم على جميع خلقه، وأن فعلهم فعله
…
(الخبر)، وما رواه العياشى فى تفسيره عن أبى بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: {وَقَالَ الله لَا تَتَّخِذُواْ إلاهين اثنين إِنَّمَا هُوَ إلاه وَاحِدٌ} [النحل: 51] يعنى بذلك: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد، وما جاء فى كنز الفوائد للكراكجى عن علىّ بن أسباط عن إبراهيم الجعفرى عن أبى الجارود عن أبى عبد الله عليه السلام فى قوله تعالى:{أإلاه مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61] .. قال: أىءَإمام هدى مع إمام ضلال فى قرن واحد؟ وما رواه القُمِّى فى تفسير قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأرض بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69] .. أن الصادق عليه السلام قال: أى رب الأرض، يعنى إمام الأرض، وما جاء فى تفسير القُمِّى فى قوله تعالى:{مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح} [إبراهيم: 18]
…
الآية،
قال: مَن لم يقر بولاية علىّ عليه السلام بطل عمله مثل الرماد الذى تجئ الريح فتحمله، وما جاء فى كنز الفوائد من تأويل قوله تعالى:{قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً} [الكهف: 87] .. أن الإمام عليه السلام قال: هو يُرَدّ إلى أمير المؤمنين عليه السلام فيعذبه عذاباً نكراً، ثم يقول:{ياليتني كُنتُ تُرَاباً} [النبأ: 40] .. أى من شيعة أبى تراب (ص 41) .
وأما المقالة الثانية: فهى فى بيان سائر التأويلات العامة التى تجرى فى غير موضعها وتعم أكثر من موضع واحد مع نصوصها وأدلتها. وقد رتب المولى ما فى هذه المقالة على ترتيب حروف الهجاء ونهج فيها منهج كتب اللُّغة بملاحظة الحرف الأول، ثم الآخر ثم الثانى. فمن ذلك الذى ذكره ما يأتى:
"الإصر" قال: هو فى سورة البقرة، وآل عمران، والأعراف. وفى أساس البلاغة: الإصر: الثقل. وفى القاموس: الإصر - بالكسر: الذنب، وسيأتى فى الذنب تأويله. وقد روى الكلينى أيضاً عن الباقر عليه السلام فى قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ
والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] .. أنه قال: "الإصر: الذنوب التى كانوا فيها قبل معرفة فضل الإمام، فلما عرفوا فضل الإمام وضع عنهم الإصر، قال: قال عليه السلام: الإصر الذنب، وهى الآصار"
…
(الخبر)، وتأويله ظاهر. وفى تفسير القُمِّى عن الصادق عليه السلام أنه قال من قوله تعالى:{وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي} [آل عمران: 81] : أى عهدى، أى عهد الإيمان بالنبى صلى الله عليه وسلم ونُصرة علىّ عليه السلام
…
. (ص 50) .
"الباطل" قال: الباطل والمبطلون، والباطل ضد الحق وقد ورد تأويله بأعداء الأئمة، وبدولة الباطل، وبما كان عليه بنو أُمية وأشباههم من غاصبى الخلافة، كعداوة الأئمة وغيرها، ومنه يظهر المراد بالمبطلين أى مُدَّعى الباطل وأتباعهم، ففى تفسير القُمِّى عن الصادق عليه السلام فى قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل} [محمد: 3] قال: هم الذين اتبعوا أعداء علىّ وآل الرسول
…
. (الخبر)(ص 70) .
"الراجفة" قال: الراجفة، والرادفة، والرجفة، والمرجفون: أصل الرجفة الحركة والاضطراب، ومنها الأرجوفة للكذب الذى يوقع فى الاضطراب. وفى سورة الأحزاب فى الآية [60] :{والمرجفون فِي المدينة} .. قال: وسيأتى هناك عن الصادق عليه السلام: أن الراجفة الحسين عليه السلام، والرادفة أبوه علىّ عليه السلام، وأن أول من ينفض التراب عن رأسه فى الرجفة الحسين عليه السلام. وقد فسَّرها المفسِّرون بالنفخ الأول، والرادفة بالنفخ الثانى، وهو أيضاً مناسب للتأويل المذكور كما سيأتى فى الصور. وربما أمكن إجراء ما ذكرناه من التأويل فى بعض موارد الرجفة على حسب التناسب، بل يمكن التأويل أيضاً بقيام القائم ورجعة الناس فلا تغفل (ص 109) .
"الزيت والزيتون" قال: أما الزيتون فمعروف. وأما الزيت ففرد منه، ويأتى إن شاء الله فى المشكاة، وفى سورة النور عند تأويل آية النور ما يدل على تأويل الزيت بالعلم، وفى سورة "التين" ما يدل على تأويل الزيتون بالحسين، وقد أوّله القُمِّى أيضاً بعلىّ عليه السلام كما سيظهر فى السورة المذكورة، ولعله يمكن إجراء ذلك فى غير تلك السورة أيضاً. وقد قيل فى وجه هذه الاستعارة: إن الزيتون فاكهة وإدام ودواء وله دهن مبارك لطيف، وعلىّ عليه السلام وكذا الحسين عليه السلام كل واحد ثمره فؤاد المقرَّبين، وعلومه قوة قلب المؤمنين، وبنوره ونور أولاده الطاهرين اهتدى جميع المهتدين، وقد مثَّل الله نوره بأنوارهم كما شاع فى أخبارهم، ثم قد ورد تأويل الزيتون ببيت المقدس كما يأتى فى "الطور"(ص 113) .
"القِبْلة" قال فى القاموس: القِبْلة التى يُصَلَّى نحوها، والجهة، والكعبة، وكل ما يُستقبل - يقال: ما له قِبْلة ولا دِبْرة - بكسرهما - أى وجهة، هذا وقد مَرَّ فى الصلاة ما يدل على تأويل القِبْلة بالأئمة عليهم السلام، وأنهم المراد بها بحسب بطن القرآن،
واستقبالها كناية عن التمسك بهم واتباعهم ونحو هذا. وفى تفسير العياشى عن الصادق عليه السلام: "نحن قِبْلة الله، ونحن كعبة الله" وسيأتى بعض المؤيِّد فى "الكعبة" والله الهادى (ص 183) .
ثم ذكر الخاتمة، وجعلها مشتملة على فصلين:
الفصل الأول: فى بيان نُبَذ مما ورد من تأويلات الحروف المقطعة التى فى أوائل بعض السور فقال: "اعلم أن أصل تركيب مقطعات أوائل السور من غير ملاحظة ما تكرر منها أربع عشرة بعدد المعصومين الأربعة عشر: النبى وفاطمة والأئمة الإثنا عشر. والسور هى هذه: "آلم. آلمص. آلر. آلمر. كهيعص. طه. طسم. طس. يس. ص. حم. حمعسق. ق. ن".. ثم قال: وفى معانى الأخبار بإسناده إلى أبى بصير عن أبى عبد الله عليه السلام قال: "آلم: حروف من حروف اسم الله الأعظم المقطع فى القرآن، الذى يؤلفه النبى والإمام عليه السلام، فإذا دعا به أُجيب"، قال بعض الأفاضل: فى هذ الحديث دلالة على أن الحروف المقطعات أسرار بين الله ونبيه، ورموز لم يُقصد بها إفهام غيره وغير الراسخين فى العلم من ذُرِّيته. أقول: ويؤيده ما فى تفسير الإمام عليه السلام: أن معنى "آلم": أن هذا الكتاب الذى أنزلته هو الحروف المقطعة التى منها "أل م" وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين
…
ثم قال: وسنشير فيما ورد فى "ص" إلى ما يدل على أن جميع المقطعات القرآنية اسم للنبى صلى الله عليه وسلم، ولنذكر بعض ما يتعلق بتأويلها على ترتيبها. فما ورد فى: آلم، وآلمص، وآلر، وآلمر. ما قيل من أن معنى "آلم": أنا الله أعلم وأرى. و "آلمص": أنا الله أعلم وأفصل. وعلى هذا يمكن التأويل بأنه علم حيث اختار محمداً وعلياً وآلهماً الطيبين للنبوة والإمامة وأنزل لهم وفيهم كتابه المجيد، وعلى هذا القياس تأويل ما يأتى بعده
…
. إلخ" (ص 231) .
ثم قال: وأما "كهيعص" فمعناه: أنا الكافى الهادى، والوالى العالم الصادق الوعد.
أقول: تأويل هذا: ما ورد عنه عليه السلام أيضاً أنه قال: أى كاف لشيعتنا، هاد لهم، ولى لهم، وعده حق، يبلغ بهم المنزلة التى وعدهم إياها فى بطن القرآن. وما فى الاحتجاج والمناقب وإكمال الدين عن سعد بن عبد الله عن الحُجَّة القائم عليه السلام أنه سأل عن تأويل "كهيعص" فقال: إن هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا، ثم فصَّلها على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه بأسماء الخمسة، فأهبط الله عليه جبريل عليه السلام فعلَّمه إياها، فكان زكريا إذا ذكر محمداً، وعلياً، وفاطمة، والحسن سرى عنه همه وانجلى كربه، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة. فقال ذات يوم: إلهى؛ ما بالى إذا ذكرت أربعاً منهم تسليت بأسمائهم من همومى، وإذا ذكرت الحسين تدمع عينى وتثور زفرتى؟ فأنبأه
تبارك وتعالى عن قصته فقال: "كهيعص" فالكاف: اسم كربلاء، والهاء: هلاك العترة، والياء: يزيد لعنه الله - وهو ظالم الحسين - والعين: عطشه، والصاد: صبره، فلما سمع بذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه
…
. (الخبر) . قال: وسيأتى تتمته فى سورته (ص 223) .
وجعل الفصل الثانى من الخاتمة فى ذكر بعض الفوائد.
فالفائدة الأولى: بيَّن فيها أن دأبه فى هذا التفسير على شيئين:
أحدهما: تأويل ما ورد بحسب التنزيل بالنسبة إلى الأُمم السابقة وما صدر منهم بالنسبة إلى إطاعة أنبيائه وعصيانهم، بأن المراد الإطاعة وعدمها فيما بلَّغوا إليهم وأمروهم به من الإقرار بولاية النبى والأئمة، والاعتراف بحقهم، والتمسك بهم، مع التبرى من أعدائهم. بعد الإقرار بالله ورسله، وتصديقهم فيما بلَّغوا جميعاً، لا سيما الولاية.
وثانيهما: تطبيق كثير مما ورد بالنسبة إلى تلك الأُمم وإلى إطاعتهم وإلى معصيتهم وما ورد عليهم من الشر والنقم والخير والنعم وغير ذلك على طوائف هذه الأُمة فيما صدر منهم بالنسبة إلى إطاعة النبى والأئمة فى أمر الولاية وعدمها، وما ورد ويرد عليهم من الشر والخير لذلك، وذلك بتمثيل الأخيار بالأخيار، والأشرار بالأشرار، وتبيان وجه الشبه فى تنظيم أفعالهم بأفعالهم، كتنظير أصحاب السبت بقتلة ذُرِّية النبى كبنى أُمية وبنى العباس مثلاً، وأصحاب الكهف بأبى طالب ونظرائه مثلا، وأصحاب العِجْل بأهل السقيفة
…
وغير ذلك (ص 235) .
والفائدة الثانية: بيَّن فيها أن المراد فى الباطن بجميع ما حرَّم الله فى القرآن: أئمة الجور، وبما أحلّ: أئمة الحق، وأنهم أصل كل خير، ومن فروعهم كل بر، وأعداؤهم أصل كل شر، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة، وأن أعداءهم المراد بالفواحش والمناهى وما يُعبد من دون الله (ص 236) .
والفائدة الثالثة: قال فيها: "إنه تقدَّم وجوب الإيمان بظاهر القرآن وباطنه معاً، وأن كُلاً منهما مقصود البارى، ولكن لما كانت التفاسير المتداولة مشتملة على جُلِّ ما يتعلق بالظاهر، وكان مقصدنا بالذات من وضع هذا الكتاب إبراز خبايا التأويلات المستفادة من الأئمة السادة، لخلو أكثر التفاسير عنها جميعاً، ومن أكثرها، جعلنا مدار كلامنا على تبيين هذا الأمر وبيان ما يتعلق بالبطون فلا نتعرض لما يتعلق بالظواهر مفصَّلاً، حذراً من التطويل والخروج عن المقصود الأصلى (ص 236) .
والفائدة الرابعة: بيَّن فيها أن كل ما ذكره من تأويل الآيات والكلمات القرآنية فى تفسيره، فمبناه على التجوُّز فى المعنى، أو الإسناد، أو نحو ذلك من وجوه الاستعارات
وأمثالها. قال: ومع هذا لا يجوز ذلك فى موضع إلا بعد وجدان مستند له فيه وفى مثله، أو بحسب العموم والإطلاق الشامل (ص 236) .
والفائدة الخامسة: بيَّن فيها أنه اقتصر فى نقل الأخبار على موضع الحاجة منها وما يدل على المراد، مخافة التطويل.
قال: فربما فرَّقنا مضمون خبر على مواضع، وربما نقلنا خلاصة مضمون روايته، ولكن كل ذلك بحيث لا يخل بالحديث ولا يتغير منه معناه (ص 236) .
والفائدة السادسة: بيَّن فيها أن كل ما ذكره فى تفسيره من التأويلات فهو غير خال من المستند المستفاد من الأئمة عليهم السلام (ص 236) .
والفائدة السابعة: بيَّن فيها أن الرجعة من ضروريات مذهب الشيعى، وادَّعى تواتر الأحاديث المثبتة لها فى الجملة وإن كانت مختلفة فى تفصيلها وقال: لقد وقفت على أزيد من مائتى حديث فيها، ثم ذكر من الأخبار ما يدل على ذلك (ص 237-239) .
ثم قال: "وليكن هذا آخر ما أردنا إيراده فى مقدمات تفسيرنا، ونشرع بعد هذا فى أصل التفسير إن شاء الله تعالى وبحَوْله وقُوَّته وتوفيقه، حامداً ومُصَلِّياً ومُسَلِّماً، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الأئمة المعصومين، صلوات الله عليهم أجمعين، حمداً وصلاة وتسليماً كثيراً كثيراً كثيراً".
ولكن أين هذا التفسير؟؟. قلنا: لم نعثر عليه فى مكتبة من مكاتبنا المصرية. وقلنا: إنه لو وقع لنا لكان خير مرجع يُصوِّر لنا معالم التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية.. ولكن ألستَ معى فى أن هذه المقدمة التى لخصتُ لك أهم مباحثها، تكشف لنا إلى حد كبير عن مذهب صاحبها فى تفسيره، وعن مقدار تأثره بعقيدته فى فهمه لكتاب الله؟ أظن أنك معى فى هذا وإليك أسوق أهم القواعد التى سار عليها المولى عبد اللطيف فى تفسيره، وهى قواعد استخلصتها ولخصتها من مقدمة تفسيره، ولا أحسب أنه تخطاها أو شذ عنها بعد ما دافع عنها وقوَّاها بما استطاع من الأدلة. وهذه هى أهم القواعد:
أولاً: القرآن له ظهر وبطن، بل كل فقرة من كتاب الله لها سبعة وسبعون بطناً، وجملة باطن الكتاب فى الدعوة إلى الإمامة والولاية، وجملة ظاهره فى الدعوة إلى التوحيد والنبوة والرسالة، وكل ما ورد من الآيات المشتملة على المدح والإكرام ففى أئمتهم، وكل ما ورد من الآيات المشتملة على التهديد والوعيد والتوبيخ والتقريع ففى مخالفيهم وأعدائهم نزلت.
ثانياً: لا تقتصر معانى الآيات القرآنية على أهل زمان واحد، بل لكل آية تأويل يجرى فى كل أوان وعلى أهل كل زمان.
ثالثاً: معانى القرآن الظاهرة متناسبة مع معانيه الباطنة.
رابعاً: المعانى الباطنة ليست جملتها مما استعمل فيها اللَّفظ على سبيل الحقيقة بل أكثرها ومعظمها على طريق التجوُّز ونهج الاستعارة وسبيل الكناية ومن قبيل المجازات اللُّغوية والعقلية، وهذا فى تقديره أمر لا غرابة فيه ولا استبعاد، إذ أن أبواب التجوُّز فى كلام العرب واسعة، وموارده فى عبارات الفصحاء سائغة.
خامساً: يجب على الإنسان أن يؤمن بظاهر القرآن وباطنه على السواء، كما يجب عليه أن يؤمن بمحكم القرآن ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وبسائر ما يتعلق بذلك تفصيلاً أو إجمالاً إن لم يعلم التفصيل من أهل البيت، ومَن أنكر الظاهر وأقرَّ بالباطن أو العكس فهو ملحد كافر، بل ويجب على كل إنسان أن يُصدِّق بكل ما نُقِل عن الأئمة من تفسير وتأويل وإن لم يفهم معناه، ومن الجرأة أن ينكر أحد شيئاً من ذلك لخفائه عليه.
سادساً: علم تأويل القرآن جميعه عند الأئمة، وهذا أمر اختُصوا به دون مَن عداهم، فلهذا لا يجوز لأحد أن يُفسِّر القرآن برأيه وبدون سماع منهم، لأنه لا شبهة فى أن مَن عداهم تقصر علومهم وتعجز أفهامهم عن الوصول إلى كثير من ظواهر القرآن فضلاً عن بواطنه وتأويله.
سابعاً: ما علم الله صدوره من هذه الأُمة المحمدية فى الأزمنة المستقبلة - أى بعد نزول القرآن - أشار الله إليه ونَبَّه عليه فى كتابه الكريم، فكل ما جَدَّ ويَجِدّ من الحوادث بعد نزول القرآن يُستفاد من آياته عن طريق تأويلها، وهذا أبلغ فى الإعجاز وأجمل للإيجاز، فقوله تعالى:{لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ} [الانشقاق: 19] تأويله الإخبار من الله بأن هذه الأُمة ستسلك سبيل مَن كان قبلها من الأُمم فى الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء.
ثامناً: القرآن الذى جمعه علىّ عليه السلام وتوارثته الأئمة من بعده هو القرآن الصحيح، وما عداه وقع فيه التغيير والتبديل، فكل ما ورد صريحاً فى مدح أهل البيت وذم شانئيهم أُسْقِط من القرآن أو حُرِّف وبُدِّل، ولعلم الله بما سيكون من التغيير والتبديل لم يكتف الله تعالى بالإرشاد إلى أمر الإمامة والولاية وفضائل أهل البيت ومثالب أعدائهم بما صرَّح به القرآن، بل أرشد إلى ذلك أيضاً بحسب ما يدل عليه باطن اللَّفظ وتأويله، لتقوم بذلك الحُجَّة على الناس وإن حُرِّف القرآن وبُدِّل.
تاسعاً: كثيراً ما يريد الله فى كتابه بحسب الباطن بالألفاظ والخطابات الواردة ظاهراً على سبيل العموم خصوص بعض أفراد ما صدقت عليه، كالأئمة أو شيعتهم أو أعدائهم أو نحو ذلك، كما ورد فى تأويل "المشركين" بمن أشرك مع الإمام مَن ليس بإمام.