الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [9-10] من سورة الحجرات: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا}
…
إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .. يقول: والإصلاح بالنصح والدعاء إلى حكم الله
…
ثم يقول: وسمع علىّ رجلاً يقول فى ناحية المسجد: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفىء ما دامت أيديكم فى أيدينا، ولا نبدأكم بقتال. قلت: الحق أنه إذا حكم الله بحكم فى مسألة فلا حكم لأحد فيها سواه، فالحق مع الرجل، ولو كان علىّ أعلم عالِم. ثم قال: قيل: وفى الآية دليل على أن البغى لا يزيل اسم مؤمن، لأن الله سماهم مؤمنين مع كونهم باغين
…
وسماهم إخوة مؤمنين، قلت: لا دليل، أما:{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين} فتسميتهم فيه مؤمنين: باعتبار ما يظهر لنا قبل ظهور البغى، أما:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} فتسميتهم فيه مؤمنين إخوة: باعتبار ما ظهر لنا قبل البغى، فقوله:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} فى معنى اهدوهم إلى الحال التى كانوا عليها قبل. أو المراد بالمؤمن: الموحد لا الموفى، بدليل:"لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". وأما لفظ: آمن وإيمان، فلا يختصان بالموفى".
* *
إشادته بالخوارج وحطه من قدر عثمان وعلىّ ومَن والاهما
ثم إنه لا تكاد تأتى لذكر الخوارج إلا رفع من شأنهم، ولا لذكر علىّ، أو عثمان، أو مَن يلوذ بهما إلا وغضَّ من شأنهم، ورماهم بكل نقيصة.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [105-106] من سورة آل عمران: {وَلَا تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ البينات وأولائك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}
…
إلخ، نراه يعيب على مَن يقول من المفسِّرين: إن الذين تفرَّقوا واختلفوا هم مَن خرج علَى علىّ عند قبوله التحكيم، ويقول: إن أمر الحَكَمين لم يكن حين نزلت الآية، بل فى إمارة علىّ، و {تَفَرَّقُواْ واختلفوا} صيغتان ماضويتان، ولا دليل على صرفها للاستقبال، ولا على التعيين لمن ذكر، بل دلَّت الآية على خلوصهم من ذلك، وعلى أنهم المحقون الذين تَبْيَضُ وجوههم، فمَن خالفهم فهو داخل فى قوله تعالى:{فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} .. وهو يعم كل مَن كفر بعد إيمانه. واعلم أنه قد خرج على علىّ حين أذعن للحكومة صحابة كثيرون - رضى الله عنهم - وتابعون كثيرون، فترى المخالفين يذمون ويشتمون مَن خرج عنه، ويلعنونه، غير الصحابة الذين خرجوا عنه، والخروج واحد: إما حق فى حق الجميع، وإما باطل فى حق الجميع.. فإذا كان حقاً في جنب الكل، فكيف يشتمون مَن خرج عليه غير الصحابة، وإن كان باطلاً فى جنب الكل، فقد استحق الصحابة الشتم أيضاً
…
عافاهم الله. ونرى المخالفين يروون أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يصح
الحديث ويزيدون فيه. وقد يصح ويؤولونه فينا وليس فينا".
ثم سرد المؤلف بعض الأحاديث التى حملت عليهم، وردها بعدم صحتها، أو بحملها على غلاة الخوارج كالصفرية، أو بحملها على مَن قبل التحكيم. ثم قال:"والدليل الأقوى على أن تلك الأحاديث ليست فينا ولا فيمن اقتدينا بهم، وأن الراضين بالتحكيم هم المبطلون، ما رواه أبو عمر، وعثمان بن خليفة: أن رجلاً من تلاميذ أبى موسى الأشعرى - عبد الله بن قيس - لقيه بعد ما وقع فيما وقع من أمر التحكيم، فقال له: قف يا عبد الله بن قيس أستفتك، فوقف.. وكان التلميذ قد حفظ عنه أنه حكى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيكون فى هذه الأمة حَكَمان ضالان مُضلان يضلان ويضل مَن اتبعهما" قال: فلا تتبعهما وإن كنت أحدهما. ثم قال له التلميذ: إن صدقت فعليك لعنة الله، وإن كذبت فعليك لعنة الله.
ومعنى ذلك: إن كانت الرواية التى رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ثم وقع فيها، فعليه لعنة الله، وإن كان كاذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعليه، لعنة الله، لنقله الكذب عن رسول الله، لا محيص عن الأمرين جميعاً".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [39] من سورة التوبة {إِلَاّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ}
…
الآية، نراه يحاول الغض من شأن عثمان الذى بذل ماله فى غزوة تبوك دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونُصْرة لدين الله فيقول: "
…
وعن عمران بن حصين أن نصارى العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذى يَدَّعى النبوة هلك وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم، فبعث رجلاً من عظمائهم، وجهَّز معه أربعين ألفاً، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن للناس قوة، وكان عثمان قد جهَّز عيراً إلى الشام، فقال: يا رسول الله؛ هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أُوقية. قال صاحب المواهب: قال عمران بن حصين: فسمعته يقول: "لا يضر عثمان ما عمل بعدها" - والعُهْدة على القسطلانى وعمران - فإن صح ذلك فمعنى ذلك: الدعاء له بالخير، لا القطع بأنه من أهل الجنة. وعن عبد الرحمن بن سمرة: جاء عثمان بن عفان بألف دينار فى كمه حين جهَّز جيش العُسرة، فنثرها فى حجره صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها فى حجره ويقول:"ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم"، فإن صح هذا فذلك أيضاً دعاء، وإنما قلت لك لأخبار سوء وردت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [103] وما بعدها من سورة الكهف: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بالأخسرين أَعْمَالاً}
…
الآيات إلى قوله: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا
كَفَرُواْ واتخذوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً}
…
يقول:
…
وزعم علىّ أنهم أهل حروراء، وهم المسلمون الذين خرجوا عنه، لعدم رضاهم بالتحكيم فيما كان لله فيه حكم. وسأله ابن الكواء فقال: منهم حروراء. وسُئل: أهم مشركون؟ فقال: لا، فقال: أمنافقون؟ فقال: لا، بل إخواننا بغوا علينا
…
وذلك خطأ تشهد به عبارته، لأنه ليس الإنسان إلا مؤمناً أو مشركاً أو منافقاً، فإذا انتفى الشرك والنفاق عن أهل حروراء فهم مؤمنون. والمؤمن لا يُوصف بالبغى وهو مؤمن، ومَن بغى دخل فى حدود النفاق. وأيضاً الباغى مَن يرى التحكيم فيما كان لله فيه حكم، والسافك دماء مَن لم يتبعه على هذه الزلَّة. وأيضاً أهل حروراء لم يكفروا بآيات الله، ولا بلقائه، بل مؤمنون بآيات الله وبالبعث. والأخسرون أعمالاً قد وصفهم الله سبحانه وتعالى بكفر الآيات واللقاء، ولست أقول ذلك معجباً بنفسى، ولا متعجباً ممن عصى، بل حق ظهر لى فصرَّحتُ به".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [55] من سورة النور: {وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض}
…
الآية، يقول: "قال المخالفون عن الضحاك: إن الذين آمنوا هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلىّ. وإن استخلافهم: إمامتهم العظمى، وسيأتى ما يدل على بطلان دخول عثمان وعلىّ فى ذلك
…
ثم قال: وفى أيام أبى بكر، وعمر، وعثمان، وعلىّ. وبعدهم، كانت الفتوح العظيمة، وتمكين الدين لأهله، لكن لا دليل فى ذلك على إصابة عثمان وعلىّ. فإنهما وإن كانت خلافتهما برضا الصحابة، لكن ما ماتا إلا وقد بدَّلا وغيَّرا فسحقاً
…
كما فى أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم أنهما مفتونان".
وعند تفسيره لقوله تعالى فى آخر الآية السابقة: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .. يقول: "أقول - والله أعلم بغيبه - إن أول مَن كفر بتلك النعمة وجحد حقها: عثمان بن عفان؛ جعله المسلمون على أنفسهم، وأموالهم، فخانهم فى كل ذلك. زاد فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووسَّعه، وابتاع من قوم وأبى آخرون فغصبهم، فصاحوا به فسيَّرهم للحبس، وقال: قد فعل بكم عمر هذا فلم تصيحوا به، فكلَّمه فيهم عبد الله ابن خالد بن أسيد فأطلقهم من السجن، وقد جمع فى ذلك: عصب المال، وقذف عمر رضى الله عنه. واستعمل أخاه لأُمه وهو الوليد بن عُقبة. ونزل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} [الأنفال: 25] بحضرة أبي بكر، وعمر - رضى الله عنهما - وعثمان، وعلىّ، فقال لعثمان: "بك تُفتح وبك تُشَب"، وقال لعلىّ: "أنت إمامها وزمامها