الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم
كلمة إجمالية عن الخوارج
بعد مقتل عثمان رضى الله عنه، نشط أنصار علىّ رضي الله عنه فى الدعوة له، حتى أخذوا له البَيْعة من المسلمين، ليكون خليفة لهم
…
ولكن لم تكد تتم له البَيْعة حتى قام ثلاثة من كبار الصحابة ينازعونه الأمر، لاعتقادهم أن الحق فى غير جانبه.. وهؤلاء الصحابة هم: معاوية ابن ابي سفيان، وطلحة بن عبد الله، والزبير بن العوام.
وكان لعلىّ - رضى الله عنه - شيعة وأنصار، وكان لمعاوية رضي الله عنه شيعة وأنصار كذلك. وكانت حروب طاحنة بين الفريقين!!. كان الغلب فيها لعلىّ وحزبه، إلى ان جاءت موقعة صفين، فكاد الفشل يحيق بجيش معاوية، وأوشكت الهزيمة أن تُحدق به، لولا أن لجأ إلى حيلة رفع المصاحف على أسِّنَة الرماح، طلباً للهدنة، ورغبة في التحكيم بين الحزبين. وبعد أخذ ورد بين جيش علىّ فى قبول التحكيم وعدمه. رأى علىّ رضى الله اعنه قبول التحكيم، رغبة منه فى حقن الدماء. واختار معاوية: عمرو ابن العاص ليمثله، واختار أصحاب علىّ: أبا موسى الأشعرى.
وكان قبول علىّ - رضى الله عنه - لمبدأ التحكيم أول عامل من عوامل التصدع فى جيشه وحزبه، إذ أن بعض شيعته رأوا أن التحكيم خطأ، لأن الحق ظاهر فى جانب علىّ، ولا يعتوره شك فى نظرهم، وقبول التحكيم دليل الشك من علىّ فى أحقيته بالخلافة، وهم إنما قاموا معه فى حروبه لاعتقادهم بأن الحق فى جانبه، فكيف يشك هو فيه؟
لم يرض هؤلاء بفكرة التحيكم. فخرجوا على علىّ، ولم يقبلوا أن يرجعوا إليه إلا إذا أقرّ على نفسه بالكفر، لقبوله التحكيم، وإلا إذا نقض ما أبرم من الشروط بينه وبين معاوية، ولكن علياً رضى الله عنه لم يستجب لرغبتهم هذه، فأخذوا كلما خطب علىّ أو ضمَّه وإياهم مكان جامع رفعوا أصواتهم بقوله:"لا حكم إلا لله".
وكان التحكيم، وفيه خدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعرى، فلم يكن إلا تحكيماً فاشلاً، أمال قلوب كثير من الناس إلى ناحية الخوراج، وأخيراً وبعد يأس الخوارج من رجوع علىّ إليهم اجتمعوا فى منزل أحدهم، وخطب فيهم خطبة حثَّهم على التمسك بمبدئهم والدفاع عنه، وطلب منهم الخروج من الكوفة إلى قرية بالقرب منها يقال لها "حروراء"، فخرجوا إليها وأمَّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبى،
ووقعت بينهم وبين علىّ حروب طاحنة هزمهم فيها، ولكن لم يقض عليه. وأخيراً دبروا له مكيدة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم.
وجاءت دولة الأُمويين، فكان الخوارج شوكة فى جنبها يهدودنها ويحاربونها، حتى كادوا يقضون عليها. ثم جاءت الدولة العباسية، فكان بينهم وبينها حروب كذلك، ولكن لم يكونوا فى قوتهم الأولى، لتفرق كلمتهم وتشتت وحدتهم، وضعف سلطانهم، وخور قواهم.
دبَّت فى وحدة الخوارج جرثومة التفرق، وأُصيبوا بداء التحزب، فبلغ عدد أحزابهم عشرين حزباً، كل حزب يفارق الآخر فى المبدأ والعقيدة
…
ولكن يجمع الكل على مبدأين اثنين:
أحدهما: إكفار علىّ، وعثمان، والحَكَمين، وأصحاب الجمل، وكل مَن رضى بتحكيم الحَكَمين.
وثانيهما: وجوب الخروج على السلطان الجائر.
وهناك مبدأ ثالث يقول به أكثر الخوارج، وهو: الإكفار بارتكاب الكبائر.
هذا.. وقد وضع الخوارج مبدأ للخلافة فقالوا: "إن الخلافة يجب أن تكون باختيار حر من المسلمين، وإذا اختير الخليفة فليس يصح أن يتنازل أو يُحَكِّم، وليس بضرورى أن يكون الخليفة قرشياً، بل يصح أن يكون من قريش ومن غيرهم، ولو كان عبداً حبشياً، وإذا تم الاختيار كان رئيس المسلمين ويجب أن يخضع خضوعاً تاماً لما أمر الله، وإلا وجب عزله، ولهذا أمَّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبى، ولم يكن قرشياً".
وعلى هذا حكموا بصحة خلافة أبى بكر وعمر، وبصحة خلافة عثمان فى سنيه الأولى، فلما غيَّر وبدَّل ولم يسر سيرة الشيخين - كما زعموا - وجب عزله، وأقروا بصحة خلافة علىّ أولاً، ثم خرجوا عليه بعد أن أخطأ فى التحكيم، وكفر به كما يزعمون!!
ولا يسعنا فى تلك العُجالة إلا أن نطوى الحديث عن التعرض لكل فرقة من فرق الخوارج، ولكن نكتفى بالكلام عن أشهرها، وهى ما يأتى:
أولا - الأزارقة: وهم أتباع نافع بن الأزرق، وهم يُكَفِّرُون من عداهم من المسلمين، ويُحَرِّمُون أكل ذبائحهم ومناكحتهم، ولا يُجيزون التوارث بينهم، ويعاملونهم معاملة الكفار من المشركين
…
إما الإسلام، وإما السيف، ودارهم دار حرب، ويحل قتل نسائهم وأطفالهم، ولا يقولون برجم الزانى المحصن، ولا يقولون بحد مَن
يقذف المحصنين من الرجال
…
أما قاذف المحصنات فعليه الحد قطعاً. ولا يرون جواز التقية.
ثانياً - النجدات: وهم أتباع نجدة بن عامر، وهم يرون أنه لا حاجة للناس إلى إمام قط، بل عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا أن الحاجة تدعو إلى إمام أقاموه، وإلا فلا. كما أنهم يُكَفِّرون من يقول بإمامة نافع ابن الأزرق، ويُكَفِّرون مَن يُكَفِّر القاعدين عن الهجرة لنافع وحزبه ويقولون: إن الدين أمران:
أحدهما: معرفة الله تعالى، ومعرفة الرسول، والإقرار بما جاء به جملة، فهذا واجب معرفته على كل مُكلَّف.
وثانيهما: ما عدا ما تقدم، فالناس معذورون بجهالته إلى أن تقوم عليهم الحُجَّة.
فمَن استحل شيئاً حراماً باجتهاد فله عذره، وهم يعظمون جريمة الكذب، ويجعلونها أكبر جُرْماً من شرب الخمر والزنا.
ومن بدع "نجدة" أنه تولى أصحاب الحدود من موافقيه، وقال: لعل الله يعذبهم بذنوبهم فى غير نار جهنم، ثم يُدخلهم الجنة، وزعم أن النار يدخلها مَن خالفه فى دينه.
ثالثاً - الصفرية: وهم أتباع زياد بن الأصفر، وهم يقولون بأن أصحاب الذنوب مشركون، غير أنهم لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم كما ترى الأزارقة ذلك. ومن الصفرية مَن يخالف فى ذلك فيقول: كل ذنب له حد فى الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركاً، ولا كافراً، بل يُدعى باسمه المشتق من جريمته يقال: سارق، وقاتل، وقاذف
…
وكل ذنب ليس فيه حد معلوم فى الشريعة مثل الإعراض عن الصلاة فمرتكبه كافر
…
ولا يُسمى مرتكب واحد من هذين النوعين جميعاً مؤمناً، ومنهم مَن يقول: إن صاحب الذنب لا يُحكم عليه بالكفر حتى يُرفع إلى الوالى فيحده ويحكم بكفره.
رابعاً - الإباضية: وهم أتباع عبد الله بن إباض، وهم أعدل فِرَق الخوارج، وأقربها إلى تعاليم أهل السُّنَّة، وهم يُجمعون على أن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين، ولا مؤمنين، ولكنهم كفار. ويُروى عنهم أنهم يريدون: كفر النعمة، وأجازوا شهادة مخالفيهم من المسلمين، ومناكحتهم، والتوارث معهم، وحرَّموا دماءهم فى السر دون العلانية. لأنهم محاربون لله ولرسوله، ولا يدينون دين الحق، ودارهم دار توحيد إلا معكسر السلطان، واستحلوا من غنائمهم: الخيل والسلاح، وكل ما فيه قوة حربية لهم. ولم يستحلوا غنائم الذهب والفضة، بل يردونها لأهلها.