المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى) - التفسير والمفسرون - جـ ٢

[محمد حسين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌الشيعة وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الشيعة وعقائدهم

- ‌ الزيدية

- ‌قوام مذهب الزيدية

- ‌الإمامية

- ‌ الإمامية الإثنا عشرية

- ‌أشهر تعاليم الإمامية الإثنا عشرية

- ‌الإمامية الاسماعيلية

- ‌موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم

- ‌1- موقف الإمامية الإثنا عشرية من تفسير القرآن الكريم

- ‌2- موقف القرآن من الأئمة وأوليائهم وأعدائهم

- ‌3- تحريف القرآن وتبديله

- ‌4- موقفهم من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة

- ‌أهم الكتب التى يعتمدون عليها فى رواية الأحاديث والأخبار

- ‌أهم كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية

- ‌1- مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (للمولى عبد اللطيف الكازرانى

- ‌2- تفسير الحسن العسكرى

- ‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

- ‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

- ‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

- ‌6- بيان السعادة فى مقامات العبادة (لسلطان محمد الخراسانى)

- ‌الإمامية الإسماعيلية "الباطنية" وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الإسماعيلية وعقائدهم وأغراضهم

- ‌مؤسسو هذه الطائفة

- ‌احتيالهم على الوصول إلى أغراضهم

- ‌مراتب الدعوة عند الباطنية

- ‌إنتاج الباطنية فى تفسير القرآن الكريم

- ‌موقف متقدمى الباطنية من تفسير القرآن الكريم

- ‌البابية والبهائية

- ‌كلمة إجمالية عن نشأة البابية والبهائية

- ‌ بهاء الله

- ‌الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى

- ‌موقف البابية والبهائية من تفسير القرآن الكريم

- ‌أبو الفضائل الإيرانى يعيب تفاسير أهل السُّنَّة

- ‌إنتاج البابية والبهائية فى التفسير، ومثل من تأويلاتهم الفاسدة

- ‌الزيدية وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌أهم كتب التفسير عند الزيدية

- ‌فتح القدير للشوكاني

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌طريقة الشوكانى فى تفسيره

- ‌نقله للروايات الموضوعة والضعيفة

- ‌ذمه للتقليد والمقِّدين

- ‌حياة الشهداء

- ‌التوسل

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من آراء المعتزلة

- ‌موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن

- ‌الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الخوارج

- ‌مواقف الخوارج من تفسير القرآن الكريم

- ‌سلطان المذهب يغلب على الخوارج فى فهم القرآن

- ‌مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن

- ‌موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك فى تفسيرهم للقرآن

- ‌الإنتاج التفسيرى للخوارج

- ‌أسباب قِلَّة إنتاج الخوارج فى التفسير

- ‌هميان الزاد إلى دار المعاد

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌حقيقة الإيمان

- ‌موقفه من أصحاب الكبائر

- ‌حملته على أهل السُّنَّة

- ‌مغفرة الذنوب

- ‌رأيه فى الشفاعة

- ‌رؤية الله تعالى

- ‌أفعال العباد

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من تفسير الصوفية

- ‌موقفه من الشيعة

- ‌رأيه فى التحيكم

- ‌إشادته بالخوارج وحطه من قدر عثمان وعلىّ ومَن والاهما

- ‌اعتداده بنفسه وحملته على جمهور المسلمين

- ‌تفسير الصوفية

- ‌أصل كلمة تصوف

- ‌معنى التصوف

- ‌نشأة التصوف وتطوره

- ‌أقسام التصوف

- ‌أولاً: التفسير الصوفى النظرى

- ‌ابن عربى شيخ هذه الطريقة

- ‌تأثر ابن عربى بالنظريات الفلسفية

- ‌تأثره فى تفسيره بنظرية وحدة الوجود

- ‌قياسه الغائب على الشاهد

- ‌إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية

- ‌التفسير الصوفى النظرى فى الميزان

- ‌رأينا فى التفسير الصوفى النظرى

- ‌ثانياً: التفسير الصوفى الفيضي او الإشارى

- ‌حقيقته

- ‌الفرق بينه وبين التفسير الصوفى النظرى

- ‌هل للتفسير الإشارى أصل شرعى

- ‌التفاوت فى إدراك المعانى الباطنة وإصابتها

- ‌التفسير الإشارى فى الميزان

- ‌مقالة الشاطبى فى التفسير الإشارى

- ‌مقالات بعض العلماء فى التفسير الإشارى

- ‌رأينا فى مقالة ابن عربى

- ‌شروط قبول التفسير الإشارى

- ‌أهم كتب التفسير الإشارى

- ‌1- تفسير القرآن العظيم (للتسترى)

- ‌2- حقائق التفسير (للسلمى)

- ‌3- عرائس البيان فى حقائق القرأن (لأبى محمد الشيرازى)

- ‌4- التأويلات النجمية (لنجم الدين داية، وعلاء الدولة السمنانى)

- ‌5- التفسير المنسوب لابن عربى

- ‌ابن عربى ومذهبه فى تفسير القرآن الكريم

- ‌ترجمة ابن عربى

- ‌ابن عربى بين أعدائه ومريديه

- ‌مكانته العلمية

- ‌مذهب ابن عربى فى وحدة الوجود

- ‌مذهب ابن عربى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌نماذج من التفسير الصوفى النظرى له

- ‌نماذج من التفسير الإشارى له

- ‌نماذج من التفسير الظاهر لابن عربى

- ‌تفسير الفلاسفة

- ‌كيف وُجِدت الصلة بين التفسير والفلسفة

- ‌كيف كان التوفيق بين الدين والفلسفة

- ‌الأثر الفلسفى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌من تفسير الفارابى

- ‌من تفسير إخوان الصفا

- ‌ترجمة ابن سينا

- ‌مسلك ابن سينا فى التفسير

- ‌رأينا فى تفسير الفلاسفة

- ‌تفسير الفقهاء

- ‌كلمة إجمالية عن تطور التفسير الفقهى

- ‌التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية

- ‌التفسير الفقهى بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبى

- ‌تنوع التفسير الفقهى تبعاً لتنوع الفرق الإسلامية

- ‌الإنتاج التفسيرى للفقهاء

- ‌1- أحكام القرآن - للجصَّاص (الحنفى)

- ‌2- أحكام القرآن - لكيا الهراسى (الشافعى)

- ‌3- أحكام القرآن - لابن العربى (المالكى)

- ‌4- الجامع لأحكام القرآن - لأبى عبد الله القرطبى (المالكى)

- ‌5- كنز العرفان فى فقه القرآن لمقداد السيورى (من الإمامية الإثنا عشرية)

- ‌6- الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة ليوسف الثلائى (الزيدى)

- ‌التفسير العلمى

- ‌معنى التفسير العلمى

- ‌التوسع فى هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به

- ‌الإمام الغزالى والتفسير العلمى

- ‌الجلال السيوطى والتفسير العلمى

- ‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

- ‌إنكار التفسير العلمى

- ‌إنكار الشاطبى للتفسير العلمى

- ‌اختيارنا فى هذا الموضوع

- ‌الخاتمة.. كلمة عامة عن التفسير وألوانه فى العصر الحديث

- ‌التفسير بين ماضيه وحاضره

- ‌مميزات التفسير فى العصر الحديث

- ‌ألوان التفسير فى العصر الحديث

- ‌اللَّون العلمى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌الجواهر فى تفسير القرآن الكريم (للشيخ طنطاوى جوهرى)

- ‌اللون المذهبى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الإلحادى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الأدبى الاجتماعى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌1- الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌2- السيد محمد رشيد رضا

- ‌3- الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى

- ‌رجاء واعتذار

الفصل: ‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

* التعريف بمؤلف هذا التفسير:

مؤلف هذا التفسير هو السيد عبد الله بن محمد رضا، العلوى، الحسينى، الشهير بشبَّر، وُلِد بأرض النجف سنة 1188 هـ (ثمان وثمانين ومائة بعد الألف من الهجرة النبوية) .. ثم ارتحل مع والده إلى الكاظمية ومكث بها إلى أن مات سنة 1242 هـ (اثنتين وأربعين ومائتين بعد الألف من الهجرة) . كان فى نظر أصحابه من أعيان الشيعة وفضلائهم، فقيهاً، محدِّثاً، مفسِّراً متبحراً، جامعاً لعلوم كثيرة، آية فى الأخلاق. تلقى العلم على والده، وعلى الإمام الكبير السيد محسن الأعرجى، وقد تتلمذ عليه خلق كثير، لأنهم كانوا يعتبرونه عَلَماً من أعلام الشيعة، وشخصية علمية بارزة لها مكانها ومقدارها. ولقد عكف مدة حياته العلمية على التأليف والتصنيف حتى أخرج للناس مع سنه الذى لم يتجاوز الأربع والخمسين سنة كتباً كثيرة ومصنفات عديدة نذكر منها:

1 -

الدرر المنثورة فى المواعظ المأثورة عن الله تعالى والنبى والأئمة الطاهرين عليهم السلام والحكماء.

2 -

رسالة فى حِجَّية خبر واحد.

3 -

إعمال السُّنَّة. كتاب على نمط زاد المعاد للمجلسى.

4 -

رسالة فى حِجِّية العقل والحسن والقبح العقليين.

5 -

مصباح الظلام فى شرح مفاتيح شرائع الإسلام.

6 -

قصص الأنبياء.

7 -

البرهان المبين فى فتح أبواب علوم الأئمة المعصومين.

8 -

كتاب شرح نهج البلاغة.

9 -

صفوة التفاسير فى ستين ألف بيت.

10 -

الجوهر الثمين فى تفسير القرآن المبين.. فى مجلدين فى ثلاثين ألف بيت.

11 -

التفسير الوجيز، مجلد واحد فى ثمانية عشر ألف بيت. ولعل هذا التفسير هو الذى فى أيدينا.

وهناك مؤلفات أخرى كثيرة مذكورة فى ترجمته لا نطيل بذكرها.

* *

* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

هذا التفسير يجرى على مذهب الإمامية الإثنا عشرية، من حمل ألفاظ القرآن

ص: 138

الكريم على معان تتفق وأصول المذهب وتعاليمه، مع شئ من التعصب والغلو فى التنويه بشأن أهل البيت والحط من قدر الصحابة الذين يعتبرهم غير موالين لعلىّ وذُرِّيته. والكتاب مختصر فى ألفاظه، موجز فى عباراته، مع تضمنه للمعانى الكثيرة الدقيقة، فهو أشبه ما يكون بتفسير الجلالين من جهة إفادة المعانى كثيرة، والنكات الخفية الدقيقة، بعبارة سهلة موجزة.

ولقد حرص المؤلف فيه على أن يكون جُلّ اعتماده على ما ورد من التفسير عن أهل البيت، وإن كان لا يعزو كل قول إلى قائله فى الغالب، كما حرص على أن ينصر مذهبه ويدافع عنه سواء فى ذلك ما يتعلق بأُصول المذهب أو بفروعه، وهو بعد ذلك يشرح الآيات التى لها صلة بمسائل علم الكلام شرحاً يتفق أحياناً كثيرة مع مذهب المعتزلة، وأحياناً مع مذهب أهل السُّنَّة. وذلك راجع إلى أنه يأخذ بمذهب المعتزلة فى بعض المسائل، وبمذهب أهل السُّنَّة فى بعض آخر منها، شأن الكثير الغالب من علماء الإمامية الإثنا عشرية. ثم لا يفوت المؤلف فى تفسيره هذا أن يشير إلى بعض مشكلات القرآن التى ترد على ظاهر النظم الكريم. ثم يجيب عنها. كما لا يفوته أن يكشف لنا عن كثير من النكات اللَّفظية والبيانية والمعنوية، مع الخوض أحياناً فى المعانى اللُّغوية والمسائل النحوية، كل هذا - كما قلت - فى أسلوب ممتع لا يمل قارئه من تعقيد ولا يسأم من طول.

ولقد وصف المؤلف تفسيره هذا، وبيَّن مسلكه فيه فقال فى مقدمته:

"هذه كلمات شريفة، وتحقيقات منيفة، وبيانات شافية، وإشارات وافية، تتعلق ببعض مشكلات الآيات القرآنية، وغرائب الفقرات الفرقانية. وتتحرى غالباً ما ورد عن خُزَّان أسرار الوحى والتنزيل، ومعادن جواهر العلم والتأويل، والذين نزل فى بيوتهم جبرائيل، بأوجز إشارة، وألطف عبارة، وفيما يتعلق بالألفاظ والأغراض والنكات البيانية تفسير وجيز، فإنه ألطف التفاسير بياناً وأحسنها تبياناً مع وجازة اللَّفظ وكثرة المعنى".

هذا.. وقد أتم المؤلف تفسيره هذا - كما قال فى خاتمته - فى جمادى الأولى سنة 1239 هت (تسع وثلاثين ومائتين بعد الألف من الهجرة) والكتاب مطبوع فى مجلد واحد كبير الحجم، وموجود بدار الكتب المصرية، وإليك بعض ما يكشف عن منهج هذا التفسير:

* تعصب المؤلف لأصول مذهبه وأثر ذلك فى تفسيره:

هذا.. وإن المؤلف بحكم عقيدته وهواه يتأثر فى تفسيره بتعاليم الإمامية

ص: 139

الإثنا عشرية وأُصول مذهبهم، فلا يكاد يمر بآية يلمح منها حُجَّة لمذهبه أو دفعاً لمذهب مخالفيه إلا فسَّرها كما يحب ويهوى.

* الإمامة:

فمثلاً نراه يتأثر بعقيدته فى الإمامة عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [55] من سورة المائدة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} .. فيذكر أنها "نزلت فى علىّ عليه السلام حين سأل سائل وهو راكع فى صلاته فأومأ إليه بخنصره فأخذ خاتمه منها".. ويدَّعى إطباق أكثر المفسِّرين على ذلك واستفاضة الروايات فيه من الجانبين - جانب الموافقين وجانب المخالفين - ثم يقول بعد ذلك: "وتدل - يعنى الآية - على إمامته دون مَن سواه، للحصر وعدم اتصاف غيره بهذه الصفات، وعَبَّر عنه بصيغة الجمع تعظيماً، أو لدخول أولاده الطاهرين".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [67] من سورة المائدة أيضاً: {ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}

الآية، يروى عن أهل البيت وابن عباس وجابر:"أن الله أوحى إلى نبيه أن يستخلف علياً، فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه فنزلت، فأخذ بيده فقال: ألستُ أولى بكم من أنفسكم"؟ قالوا: بلى.. قال: "مَن كنت مولاه فعلىّ مولاه".

* كل إمام يوصى لمن بعده:

ويدين المؤلف بأن الأمر الإمامة ليس موكولاً لأحد من الناس، بل كل إمام يوصى لمن بعده، ولهذا نراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [58] من سورة النساء:{إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا} .. الآية، يعترف بأن الأمر يعم كل مكلَّف وكل أمانة.. ثم يقول:"وعنهم عليهم السلام أنه أمر لكل واحد من الأئمة أن يسلم الأمر لمن بعده".

وفى سورة الأحزاب عند قوله تعالى فى الآية [36] : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ}

الآية، يقول:"وفيه رد على من جعل الإمامة بالاختيار".

* *

* وجود الأئمة فى كل زمان وعصمتهم، ووجوب الرجوع إليهم عند الاختلاف دون غيرهم:

ولما كان المؤلف يرى أنه لا يخلو كل زمان من إمام، وأن الأئمة لهم من الله العصمة

ص: 140

كالأنبياء وليس هذا لغيرهم، فإنه يوجب الرجوع إليهم عند الاختلاف وعدم وجود نص من الكتاب أو السُّنَّة، وأما مَن عداهم من الناس فلا يصح الرجوع إليه بحال من الأحوال، لأن غير المعصوم لا يُرجع إليه، ولا يُؤخذ برأيه فى مسائل الخلاف.

يقول المؤلف هذا ويدين به فنجده يتأثر به فى تفسيره، فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [59] من سورة النساء:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} .. الآية، يقول:"دَلَّ على وجود أُولى الأمر فى كل زمان، بحيث يجب طاعتهم لعلمهم وفضلهم، وعصمتهم، ولا ينطبق إلا على مذهب الإمامية.. وعنهم عليهم السلام: إيانا عنى خاصة، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا. {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} أيها المأمورون، {فِي شَيْءٍ} من أُمور الدين،. {فَرُدُّوهُ} فراجعوا فيه، {إِلَى الله} إلى محكم كتابه، {والرسول} بالأخذ لسُنَّته، والمراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه، فإنها رد إليه. وقرئ: "فإن خفتم تنازعاً فى شئ فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أُولى الأمر منكم".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [83] من سورة النساء أيضاً: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .. يقول: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ} هم آل محمد عليهم السلام، {لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} يستخرجون تدبيره بأفكارهم وهم آل محمد عليهم السلام.

* *

* الرجعة:

والمؤلف يدين بالرجعة ويتأثر بها، فمثلاً فى تفسيره لقوله تعالى فى الآية [2، 3] من سورة البقرة: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} .. نجده يُفسِّر الغيب: "بما غاب عن حواسهم من معرفة الصانع، وصفاته، والنبوة، وقيام القائم، والرجعة، والبعث، والحساب، والجنَّة والنار".

ومثلاً فى تفسيره لقوله تعالى فى الآية [56] من سورة البقرة أيضاً: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .. يقول: "وفيه حُجَة على صحة البعث والرجعة".

* *

* التقيَّة:

ولتأثر المؤلف بعقيدته فى التقيَّة نجده عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [28] من سورة آل عمران: {لَاّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ

ص: 141

ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}

الآية، يقول: "رخَّص لهم إظهار موالاتهم إذا خافوهم مع إبطال عداوتهم وهى التقيَّة التى تدين بها الإمامية، ودلت عليها الأخبار المتواترة وقوله:{إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106] .

* *

* تحريف القرآن:

كذلك نجد شبَّراً يعتقد بأن القرآن بُدِّل وحُرِّف، ولما اصطدم بقوله تعالى فى الآية [9] من سورة الحِجْر:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، نجحده يتفادى هذا الاصطدام بالتأويل فيقول:{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} عند أهل الذكر واحداً بعد واحد إلى القائم، أو فى اللَّوح.. وقيل: الضمير للنبى".

* *

*آيات العتاب:

والمؤلف يكبر عليه معاتبة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من الأُمور، فيحاول بكل ما يستطيع أن يُحوِّل العتاب إلى غير النبى صلى الله عليه وسلم.

فمثلاً عتاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فى شأن ابن أُم مكتوم يشق على شبَّر أن يكون مقصوداً به النبى، فنراه يقتصر على ما روى عن أهل البيت من أن آيات العتاب "نزلت فى رجل من بنى أُميَّة، كان عند النبى صلى الله عليه وسلم فجاء ابن أُم مكتوم فلما رآه تقذَّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه".

* *

* طعنه على الصحابة:

وإنَّا لنلاحظ على المؤلف أنه يطعن على الصحابة ويرميهم بالكفر أو ما يقرب منه، ويجردهم من كل فضل نُسب إليهم فى القرآن تنقيصاً لهم، وحطاً من قدرهم.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [40] من سورة التوبة: {ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِي الغار إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}

الآية، نجده يعرض عن تعيين هذا الذى صحب النبى صلى الله عليه وسلم فى هجرته، وهو أبو بكر، ثم يُصرِّح أو يُلمِّح بما ينقص من قدره، أو يذهب بفضله المنسوب إليه والمنوَّه به فى القرآن الكريم فيقول:{ثَانِيَ اثنين} حال أى معه واحد لا غير، {إِذْ هُمَا فِي الغار} نقب فى ثور، وهو جبل بقرب مكة، {إِذْ} بدل ثان، {يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} - ولا مدح فيه إذ قد يصحب المؤمن الكافر كما قال:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف: 37]- {لَا تَحْزَنْ} فإنه خاف على نفسه وقُبض واضطرب حتى كاد أن يدل عليهما فنهاه عن ذلك، {إِنَّ الله مَعَنَا} عالم بنا. {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثَلَاثَةٍ إِلَاّ

ص: 142

هُوَ رَابِعُهُمْ

}

. إلى قوله. {إِلَاّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة: 7] : أى عالِم بهم. {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} طمأنينته، {عَلَيْهِ} على الرسول. وفى إقرانه صلى الله عليه وسلم ههنا مع اشتراك المؤمنين معه حيث ذكرت ما لا يخفى، وجعل "الهاء" لصاحبه ينفيه كونها للرسول قبل وبعد.. إلخ".

* *

* تعصبه لآل البيت:

ولقد مَرَّ بنا عند قراءتنا فى هذا التفسير، الكثير مما يدل على تعصب المؤلف لآل البيت تعصباً ممقوتاً مرذولاً، فتارة نجده يصرف اللفظ العام إلى علىّ رضى الله عنه، كما فعل فى الآية [4] من سورة التحريم عند قوله تعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} ، فإنه صرف لفظ "صالح المؤمنين" عن عمومه وادَّعى أنه خاص بأمير المؤمنين علىّ عليه السلام، كما ادَّعى رواية العامة والخاصة لذلك.

كما نجده يحاول أن يأخذ من القرآن ما يدل على أن آل البيت كانوا معروفين لدى الأُمم السابقة وأنبيائهم يتوسلون بهم إلى الله، فيكشف عنهم الغُمَّة، ويزحزح عنهم الكُرْبة.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [34] وما بعدها من سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ}

إلى آخر القصة، نجده يدَّعى أن السجود لآدم إنما كان "لما فى صلبه من نور محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته"، ويدَّعى أن الكلمات التى تلقاها آدم من ربه ليتوب عليه هو "التوسل فى دعائه بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله الطيبين".

ومثل هذا التعصب كثير فى مواضع من هذا التفسير.

* *

* علم القرآن كله عند آل البيت:

والمؤلف يدَّعى - كغيره من الإمامية الإثنا عشرية - أن علم القرآن كله عند أهل البيت دون غيرهم، وأنَّا لنجد أثر هذا واضحاً فى تفسيره لقوله تعالى فى الآية [7] من سورة آل عمران:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ الله والراسخون فِي العلم}

الآية، وذلك حيث يقول:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} تأويل القرآن كله الذى يجب أن يُحمل عليه {إِلَاّ الله والراسخون فِي العلم} الثابتون فيه ومَن لا يُختلف فى علمه.. عن الصادق عليه السلام: نحن الراسخون فى العلم، ونحن نعلم تأويله. ومَن وقف مِن الجمهور على "الله"، فسَّر المتشابه بما استأثر الله تعالى بعلمه كوقت قيام الساعة

ص: 143

نحوه". * *

* تأثر المؤلف فى تفسيره بفروع الإمامية الفقهية:

ثم إن المؤلف يجرى فى تفسيره لآيات الأحكام على وفق ما يأخذ به ويميل إليه من اجتهادات فقهاء الإمامية.

* نكاح المتعة:

فمثلاً نجده يتأثر برأيه الذى يقول بجواز نكاح المتعة وعدم نسخه. فنراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [24] من سورة النساء: {

وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}

الآية، يقول:"والمراد به نكاح المتعة بإجماع أهل البيت، ويدل عليه قراءة أُبَىّ وابن عباس وابن مسعود: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى"، {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} مهورهن، {فَرِيضَةً} من الله {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة} من استئناف عقد آخر بعد انقضاء المدة بزيادة فى الأجر والمدة".

* *

* فرض الرِجْلين فى الوضوء:

ولما كان المؤلف يرى أن فرض الرِجْلين فى الوضوء هو المسح لا الغسل، فإنَّا نراه يشير إلى ذلك عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [6] من سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين}

الآية، فيقول:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} .. بالجر كما عن حمزة وابن كثير وأبى عمرو.. ونصبه الباقون عطفاً على "رُءُوسِكُمْ" محلاً".

* *

* الغنائم:

كذلك يقول المؤلف بما يقول به علماء مذهبه فى تفسير خُمس الغنائم، ويجرى على مذهبه فى تفسيره لقوله تعالى فى الآية [41] من سورة الأنفال:{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ}

الآية، فيقول:{فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} خبر محذوف، أو مبتدأ، أى فالحكم أو فواجب أن الله خُمُسه، {وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى} الإمام، {واليتامى} يتامى الرسول، {والمساكين} منهم، {وابن السبيل} منهم".

وفى تفسيره لقوله تعالى فى الآية [7] من سورة الحشر: {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}

ص: 144

الآية. يقول مثل ما قاله فى الآية السابقة وينبه على أنه مَرَّ فى الأنفال نحوه.

* *

* ميراث الأنبياء:

ونجد شبَّراً يقول بأن الأنبياء يُوَرِّثون المال كسائر الناس، ولهذا عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [5، 6] من سورة مريم: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ واجعله رَبِّ رَضِيّاً} .. يقول ما نصه: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي} الذين يلونى فى النسب، وهم بنو عمه، {مِن وَرَآئِي} بعد موتى أن يرثوا مالى فيصرفوه فيما لا ينبغى، إذ كانوا أشراراً {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً} لا تلد {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} ابناً، {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}

إلخ".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [16] من سورة النمل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}

الآية، يقول ما نصه:"وورث سليمان داود ماله ومُلْكه، وقيل: نبوته وعلمه، بأن قام مقامه فى ذلك بدون سائر بنيه وهم تسعة عشر، والأول مروى".

* *

* نكاح الكتابيات:

ولكن نرى المؤلف فى مسألة نكاح الكتابيات يميل إلى القول بالحلِّ وعدم الحُرْمة، ففى قوله تعالى فى الآية [5] من سورة المائدة:{اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ}

الآية، يقول:{والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} ظاهره حل نكاح كل كتابية ذمِيَّة أو حربية، دائماً، أو منقطعاً، أو ملكاً.. فيخص آية:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} إن شملت الكتابية.. وعن الباقر عليه السلام أنه منسوخ بتلك".

وعند قوله تعالى فى الآية [10] من سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} .. نراه يمر عليها بدون أن يتعرَّض لهذا الموضوع أصلاً". * *

* تأثره بمذهب المعتزلة فى تفسيره:

والمؤلف كغيره من علماء الإمامية الإثنا عشرية ينظر إلى بعض المسائل الكلامية نظرة المعتزلة إليها، ويقول بما يقولون به فى كثير من أُمور العقائد، كما يخالف أهل الاعتزال فى بعض منها ويقول بما يقول به أهل السُّنَّة، وإننا لنلمس أثر ذلك واضحاً جلياً فى تفسيره لكتاب الله تعالى.

ص: 145

* حرية الإرادة وخلق الأفعال:

فمثلاً نجد المؤلف يوافق المعتزلة فى أن العبد حُرٌ فى إرادته. خالق لأفعاله كلها، ولهذا نراه كلما اصطدم بآية من الآيات التى تدل على أن الله هو الذى يخلق أفعال العباد، لجأ إلى التأويل الذى يتفق مع عقيدته هذه.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [7] من سورة البقرة: {

خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} .. نراه يفر من نسبة الختم إلى الله تعالى ويقول: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ} وسمها بسمة يعرفها مَن يشاء من ملائكته وأوليائه، إذا نظروا إليها علموا بأنهم لا يؤمنون. وعن الرضا عليه السلام: الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم - كما قال تعالى: {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: 155]- {وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} غطاء.. (أقول) : ويمكن أن يكون تهكماً حكاية لقولهم: {قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5] أى فى الآخرة. والتعبير بالماضى لتحققه، ويشهد له قوله:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء: 97] .

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [108] من سورة الأنعام: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} .. الآية، نراه يفر من نسبة التزيين إلى الله فيقول:{كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} .. أى لم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم، أو أمهلنا الشيطان حتى زينَّه لهم".

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [112] من السور نفسها: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنس والجن}

الآية، يتخلص من نسبة الجعل هنا إلى الله تعالى بتأويله بالتخلية فيقول:"أسند الجعل إليه تعالى لأنه بمعنى التخلية، أى لم يمنعهم من العداوة".

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [125] من السور نفسها: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}

الآية، نراه يخرج من هذه الورطة بإرادة معنى اللطف والخذلان فيقول:{فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ} أى يلطف به {يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ} بأن يفسح فيه ويُنوِّر قلبه، {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} أى يمنعه آلطافه حتى ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان".

ص: 146