الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفسرو أهل السُّنَّة من الظواهر فليس فى زعمه من المعانى التى يرمى إليها القرآن، وفى هذا يقول ما نصه:
"
…
لو كان معانى آيات القرآن ما هو ظاهر يعرفه كل مَن يعرف اللُّغة العربية، ويتلذذ منه كل مَن له إلمام بالعلوم الأدبية، كيف يتم هذا القول - يريد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شأن القرآن:"إنه لا تنقضى عجائبه" - وكيف يصدق قول الله فى الآية [7] من سورة آل عمران: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ الله والراسخون فِي العلم} .
* *
إنتاج البابية والبهائية فى التفسير، ومثل من تأويلاتهم الفاسدة
ولكن هل وصل إلى أيدينا شىء من كتب هذه الطائفة فى تفسير القرآن؟ لم نسمع ولم نقرأ أنهم ألَّفوا تفسيراً متناولاً للقرآن آية آية، وإنما قرأنا أن رئيسهم الأول فسَّر سورة البقرة، وسورة الكوثر، ولكن لم يصل إلى أيدينا شىء من ذلك، وكل ما وصل إلينا هو نبذ من تفسيره، وتفسير بعض أشياعه ودعاته، قرأناها فى كتبهم أنفسهم، وفى الكتب والمقالات التى كتبت عنهم، وهذه النبذ مع قِلَّتها تصور لنا مقدار تهجمهم على تحريف القرآن الكريم، والميل بنصوصه إلى ما يُرضى أهواءهم، ويُشبع أطماعهم. وإليك بعض التأويلات، لتقف بنفسك على مقدار هذيان القوم، وتلاعبهم بالقرآن وبالعقول!!
*من تأويلات الباب:
فسَّر الباب سورة يوسف، فمشى فيها على طريقة التأويل الذى لا يقره الشرع ولا يقبله العقل، ولا يمكن أن يفهمه إلا مَن يفهم لغة المبرسمين كما قيل.
وإليك بعض ما قاله الباب في تفسيره لسورة يوسف، لتقف على مقدار هذيانه، وتلاعبه بالنصوص القرآنية:
عند قوله تعالى فى الآية: [4] : {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}
…
يقول ما نصه: "وقد قصد الرحمن من ذكر يوسف نفس الرسول، وثمرة البتول، حسين ابن عليّ بن أبى طالب مشهوداً.. إذا قال حسين لأبيه يوماً: إنى رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم بالإحاطة على الحق لله القديم سُجَّاداً
…
وإن الله قد أراد بالشمس فاطمة، وبالقمر محمداً، وبالنجوم أئمة الحق فى أُمِّ الكتاب معروفاً، فهم الذين يبكون على يوسف بإذن الله سُجَّداً وقياماً".
وفى قوله تعالى فى الآية: [5] : {قَالَ يابني لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ
لَكَ كَيْداً إِنَّ الشيطان لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .. يقول ما نصه: "إذ قال علىّ: يا بُنَيَّ لا تُخبر مما أراك الله من أمرك إخوتك ترحماً على إلفهم، وصبراً لله تعالى، وهو الله كان عزيزاً حميداً. إن كنت تخبر من أمرك فى بعض مما قضى الله فيك، فيكيدوا لك كيداً، بأن يقتلوا أنفسهم فى محبة الله من دون نفسك الحق شهيداً، وإن الله لوجهك بدمك محمراً على الأرض بالحق على الحق صبيغاً، وإن الله قد شاء كما شاء أن يراك مخضباً شعرك من دمك ونفسك على الأرض على غير الحق لدى الحق قتيلاً. وجسمك على الأرض عرياً. وإن الله شاء كما شاء بأن يرى بناتك وحريمك فى أيدى الكافرين أسيراً.
وعند قوله تعالى فى الآية [8] : {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} .. يقول ما نصه: ".. إذ قالوا حروف لا إله إلا الله. وأن يوسف أحب إلى أبينا منا بما قد سبق من علم الله حرفاً مستسراً بالسر مُقنَّعاً على السر محتجباً في سطر، غايباً في سر السر مرتفعاً عما فى الدنيا وأيدى العالَمين جميعاً. وإنَّا نحن عصبة فيما أراد الله فى شأن يوسف النبى محمد العربى حول السطر مسطوراً. وإن الله قد فضَّل أبانا بفضل نفسه وقدر الله سر المستسر من سر أمره بما فى أيدى العالمين بالكشف المبين على أهل النار من سر "الباء" ضلالاً
…
إلخ.
**
*من تأويلات بهاء الله:
ويروى بهاء الله أن ما ورد فى القرآن عن الصراط، والزكاة، والصيام، والحج، والكعبة، والبلد الحرام، وما إلى ذلك، كله لا يراد به ظاهره وإنما يراد به الأئمة. وفى هذا يقول فى "الكتاب":"قال أبو جعفر الطوسى: قلت لأبى عبد الله: أنتم الصراط فى كتاب الله، وأنتم الزكاة، وأنتم الحج؟ قال: يا فلان؛ نحن الصراط فى كتاب الله عز وجل، ونحن الزكاة، ونحن الصيام، ونحن الحج، ونحن الشهر الحرام، ونحن البلد الحرام، ونحن كعبة الله، ونحن قِبْلة الله، ونحن وجه الله".
وفى كتاب بهاء الله والعصر الجديد، ما يدل على أن البهائيين لا يعترفون بالبعث، ولا بالجنة والنار، حيث يفسِّرون يوم الجزاء ويوم القيامة بمجىء ميرزا حسين الملقب ببهاء الله، قال فى كتاب بهاء الله والعصر الجديد:"وطبقاً للتفاسير البهائية، يكون مجيء كل مظهر إلهى عبارة عن يوم الجزاء، إلا أن مجىء المظهر الأعظم بهاء الله: هو يوم الجزاء الأعظم للدورة الدنيوية التى نعيش فيها"، وقال:"ليس يوم القيامة أحد الأيام العادية، بل هو يوم يبتدئ بظهور المظهر، ويبقى ببقاء الدورة العالمية".
ويُفسِّر البهائية الجنة بالحياة الروحانية، والنار بالموت الروحانى، فقد جاء فى
كتاب بهاء الله والعصر الجديد: "إن الجنة والنار فى الكتب المقدسة حقائق مرموزة" فالجنة ترمز إلى حياة الكمال، والنار ترمز إلى حياة النقص، ولما كانت الحياة الروحية في نظر البهاء هي الإيمان به، والموت الروحى هو تكذيب دعوته. فإنَّا نراه يقرر ذلك فيقول: "
…
منهم مَن قال: هل الآيات نزلت؟ قل: إى ورب السموات. قال: أين الجنة والنار؟ قل: الأولى لقائى، والأخرى نفسك يا أيها المشرك المرتاب".
*من تأويلات عبد البهاء عباس:
كذلك نجد عبد البهاء، يتكلم عن النبوة والوحى بما يوافق كلام قدماء الباطنية الذين قلَّدوا الفلاسفة فيقول:"الأنبياء مرايا تنبئ عن الفيض الإلهى، والتجلى الروحانى، وانطبعت فيها أشعة ساطعة من شمس الحقيقة، وارتسمت فيها الصور العالية ممثلة لها تجليات أسماء الله الحُسنى. ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فهم معادن الرحمة، ومهابط الوحى، ومشارق الأنوار، ومصادر الإرسال. وما أرسلناك إلا رحمة للعالَمين".
ونجد قُرَّة العيون - إحدى أتباع الباب - تدَّعى أنها الصُور الذي يُنفخ فيه يوم القيامة، وتقول:"إن الصُور الذى ينتظرون فى اليوم الأخير هو أنا".
وبين أيدينا رسائل أبى الفضائل، محمد بن رضا الجرفادقانى، المعروف بفضل الله الإيرانى، أحد دعاة البابية المتعصبين، وكتاب الحجج البهية له أيضاً، وفيهما تفسير لبعض الآيات القرآنية، بما يتفق ومذهبه الباطل.
فمن ذلك مثلاً أنه يُفسِّر الروح الأمين الذى ورد فى القرآن بأنه الحقيقة المقدسة، ثم يُعَرِّفها فيقول:"هى غيب فى ذاتها، مجردة بحقيقتها عن الجسم أو الجسمانيات، فلا تُوصف بأوصاف الماديات، ولا تُذكر بخصائصها، ولا يُطلق عليها الخروج والدخول، ولا تُوصف بالتحيز والحلول، وإنما هى حقيقة تنجلى فى مظاهر أمر الله تعالى، عرشها قلوب الأصفياء، ومرآة تجليها صدور الأولياء، وإنما مثل طلوعها وإشراقها فى النفوس القدسية كمثل انطباع الشمس فى المرايا، فلا يقال: إن الشمس حلَّت فى المرآة، ولا إنها دخلت فيها، بل ولا يقال: إنها عُرِضت عليها، بل يقال: إن الشمس تجلَّت في المرآة، وظهرت منها وأشرقت، وانطبعت بها"
…
وهذا بعينه مذهب قدماء الباطنية والفلاسفة.
ومن ذلك أيضاً أنه فسَّر قوله تعالى فى الآيتين [142-143] من سورة الأعراف: {وَوَاعَدْنَا موسى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}
…
الآيتين،
تفسيراً باطنياً فقال: "المراد بالليل - كما سمعته منى مراراً - هو عبارة عن أيام غيبة شمس الحقيقة، واليوم حسب ما نزل فى التوراة المقدِّس يُحسب كل يوم واحد بسنة واحدة، وكان موسى عليه السلام لما فارق أرض مصر، وفرَّ من فرعون وملئه إلى مدين، كان ابن ثلاثين، وأقام فى مدين عشر سنوات يشتغل فيها برعى أغنام شعيب النبى عليه السلام، وكان فى طى هذه المدة التى كانت كالليالى المظلمة، والدياجى الكالحة من ظلم الفراعنة، وأوهام الصابئة، مشتغلاً بتهذيب أخلاقه، وتطييب أعراقه، وتنقية فؤاده، والمناجاة مع ربه فى وحدته وانفراده، فلما طاب خلُقُه، وتم خَلْقه، بعثه الله نبياً لهداية بنى إسرائيل، وإنقاذهم من ذلك الوبيل. فالمراد بأربعين ليلة هو أربعون سنة. أقام موسى عليه السلام فى أثنائها فى مصر ومدين، ولا تنافى كلمة "واعدنا" هذا التفسير، حيث ظاهرها يقتضى تكلم الرب مع موسى قبل بعثته، فإن أمثال هذه الكلمة كثيراً ما أُطلقت على ما أُلقى فى الروع، وأُلهم فى القلب، حتى على الحيوانات، كما يدل عليه قوله تعالى:{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً} ، {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين}
…
ظاهر الآية المباركة يدل على أن موسى عليه السلام أخلف أخاه هارون حينما كان مع الشعب فى البرية، كما هو مذكور فى التواريخ، إلا أن التواريخ القديمة مظلمة جداً، حيث إن المؤرخين اعتمدوا فى هذه المسائل على ما جاء فى التوراة وسائر الكتب العتيقة، ولكنا أثبتنا فى كتاب الدرر البهية ضعف هذا المستند من حيث العلم، فيجوز أن يكون هارون مستخلفاً عن موسى عليهما السلام، لحفظ الشعب أيام غياب موسى فى مدين، وقد كان بنو إسرائيل يحافظون على التوحيد من لدن جدهم إبراهيم عليه السلام، فلما غاب موسى وضع بنو إسرائيل رسم عجل إبيس أحد معبودات المصريين تزلفاً إلى فرعون وقومه،
فكأنهم تجنسوا بالجنسية المصرية، واعتنقنوا الديانة الوثنية، فلما رجع موسى عليه السلام ورآهم على تلك الحال السيئة والعبادة الباطلة، أنكر ذلك على هارون، كما ذكره المؤرخون، إذ لا يعقل أن بنى إسرائيل على ما عُرفوا بصلابة الرأى يتركون ديانتهم الموروثة بسبب تأخير موسى عن الرجوع إليهم عشر ليال.
ثم قال تعالى: {وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي ولاكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسى صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} [الأعراف: 143] .. اعلم - حفظك الله - أن علماءنا - سامحهم الله - اختلفوا فى رؤية الله تعالى وعدم جواز رؤيته، فالشيعة والمعتزلة أنكروا جواز رؤيته، حيث تقتضى الجهة والمقابلة، وهى من مقتضيات الجسد والتحين والتحدد وأمثال ذلك، وهو منزَّه
عن تلك الأوصاف، إذ لم يفهموا من لفظة "الله" سوى الذات، ولا شك أن الذات منزَّهة عن تلك الصفات. وأهل السُّنَّة والجماعة جوَّزوا رؤية الله تعالى اعتماداً على صريح الآيات، واستناداً على صريح الأحاديث والروايات، وكانوا على هذه العقيدة الصالحة إلى أواسط القرون الهجرية، فمزجوها بالعقائد الوهمية، حيث شاعت فى تلك القرون بينهم المسائل الكلامية، والمعارف الناقصة العقلية، فإنهم قالوا: إن رؤية الله تعالى جائزة وواقعة فى القيامة، إلا أنها ليست من قبيل الإحاطة بالنظر، فترى ذات الله تعالى من غير مواجهة ومقابلة، وكيفية وإحاطة، مما يرجع إلى الوهم الصريح، وإنكار الرؤية حقيقة، وأهل البهاء المستظلين بظلال الفرع الكريم المتشعب من الدوحة المباركة العليا، لما عرفوا - على حسب ما يعلمون من القلم الأعلى - أن ذات الله بسبب تجردها وتقديسها الذاتى لا تُدرك، ولا تُوصف، ولا تُسمى باسم، ولا تُشار بإشارة، ولا تتعين بإرجاع ضمير. والأسماء والأوصاف وكل ما يُسند ويُضاف إليها راجعة فى الحقيقة إلى مظاهرها ومطالعها، ولذلك سهل عليهم فهم معنى أمثال تلك الألفاظ التى نزلت فى الكتب المقدسة والصحف المطهّرة، من قبيل رؤية الله تعالى، ولقاء الله وظهور الله ومجىء الله وغيرها مما ليس بخاف على أهل التحقيق. ثم اعلم أيها الحبيب اللبيب أن أهل البيان كثيراً ما أطلقوا فى عباراتهم لفظ "جَلَّ" على أكابر الرجال استعارة، سواء أكانوا من صناديد الدولة والملك، أو من
قروم أهل العلم والفضل، كما أطلق أمير المؤمنين عليه السلام على مالك بن الحارث النخعى المعروف بالأشتر، لما اشتهر ذكر وفاته، وأخبر بمماته، ومقامه عليه السلام معلوم لديك فى الفصاحة والبراعة، ورسائله وخطبه مستغنية عن المدح والإطراء بالطلاوة والصناعة، وعبارته هذه مذكورة فى نهج البلاغة. وهذه استعارة فى غاية المناسبة واللَّطافة حيث إن أكابر الرجال هم بمنزلة الأوتاد، لاستقرار أرض المعارف والديانة، أو الأُمة والدولة، وكثيراً ما أطلقه داود عليه السلام فى مزاميره، وسائر الأنبياء من بنى إسرائيل فى كتبهم على الرب تعالى، كما جاء فى مزمور [42] :"أقول لله صخرتى لماذا نسيتنى"، وجاء فى مزمور [71] :"كن لى صخرة وملجأ أدخله دائماً. أمرت بخلاصى لأنك صخرتى وحصنى"
…
إلى كثير من أمثالها، فإذا عرفت هذا، فاعلم أن موسى عليه السلام إنما طلب رؤيا الله تعالى بسبب اقتراح الشعب عليه أن يريهم الله، كما يدلك عليه قوله تعالى:{أَرِنَا الله جَهْرَةً} إلا أن الله تعالى أخبره بأن رؤيته موقوفة باستقرار جبال العلم والإيمان فى مكانهم من الإذعان واليقين، ولكنهم بسبب عدم بلوغهم إلى المقام الثابت الراسخ المكين من العلم والمعرفة واليقين فلا بد وأن تندك جبال وجودهم، ويتزعزع بنيان إذعانهم لمعبودهم حين لقائه فيتبدل إيمانهم بالكفر، ويقينهم بالشك، وإقبالهم بالإعراض، حيث لم تكمل بعد مراتب
عرفانهم، ولم يبلغ إلى الدرجة العليا بنيان إيمانهم، فلم يبلغوا بعد إلى رتبة استحقاق الرؤية واللقاء، ولم يصعدوا إلى درجة الاستقرار والبقاء، فلا بد من ظهور الأنبياء، وقيام الأصفياء، لتربية أشجار الوجودات البشرية، وتكمل معارفهم بالإيمان على ممر الدهور وطى العصور. حتى يبلغوا إلى درجة التمكن والاستقرار، حينئذ يتجلى عليهم رب الأرض والسماء، ويتشرف البالغون منهم إلى درجة المشاهدة واللقاء. فخلاصة تفسير الآية الكريمة: أن موسى عليه السلام قال: ربِّ أرنى أنظر إليك، حيث إن الشعب طلبوا منه رؤية الله تعالى فأجابه الله تعالى: بأنك لن ترانى، لأن بنى إسرائيل لم يبلغوا بعد درجة كمال وجودهم، ولم يستعدوا للقاء معبودهم، فانظر إلى جبال الوجودات، ومقادير
استقرار الإيقان، فإن استقر جبل الوجود فى مقام إيمانه وإيقانه حين تجلَّى المعبود ولم يتزلزل ولم يتزعزع من مقامه حين الشهود، حينئذ استعد للقاء الله، واستحق للوقوف بين يدى الله، والتشرف برؤية الله. ثم تجلَّى الرب لأحد من تلك الأُمة ممن كان من رؤساء الشعب، ومن جبال الإيمان والإيقان، فاندك وجوده، وتضعضع إيمانه، واضطرب إيقانه فانصعق موسى من ذلك الامتحان، وعرف مقدار صعوبة مقام الافتتان، فندم على ما سأل الرؤية للطالبين ورجع فى الحين. وقال:{سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} .
فانظر إليه كيف أوَّل الأربعين ليلة بأنها أربعين سنة، وهى التى يُبعث الأنبياء على رأسها، وكيف علَّل التعبير بلفظ "ليلة" بأن مدى الأربعين سنة كانت مظلمة كالليالي بظلم فرعون وملئه، وكيف تخلَّص من منافاة لفظ "واعدنا" للمعنى الذى يهذى به. وكيف اتهم التوراة وسائر الكتب العتيقة - بما فيها القرآن طبعاً كما سيأتى بعد - بأنها لا يُعَوَّل عليها فى الروايات التاريخية، وكيف رمى المعتزلة وأهل السُّنَّة بعدم إصابة المعنى الحقيقى للرؤية الواردة فى الآية، وكيف ادَّعى أنه ومَن على شاكلته من البهائيين هم الذين أصابوا المعنى الحقيقى للآية؛ وكيف صرف لفظ "الجبل" عن معناه المراد إلى معنى لا يُفهم من لفظ القرآن وسياق الآية!!
…
ولستُ فى حاجة إلى أن أبين ما فى هذا التفسير من خطأ وضلال، فإن الحق بَيِّن واضح.
وفي كتاب الدرر البهية، صرَّح أبو الفضائل بأن قصص القرآن غير واقعة، وأنها فى الحقيقة رموز إلى معان خفية فقال:"لا يمكن للمؤرخ أن يستمد معارفه التاريخية من آيات القرآن"، وقال: "إن الأنبياء عليهم السلام تساهلوا مع الأُمم فى معارفهم
التاريخية، وأقاصيصهم القومية، ومبادئهم العلمية، فتكلموا بما عندهم، وستروا الحقائق تحت أستار الإشارات، وسدلوا عليها ستائر بليغ الاستعارات".
ولا شك أن هذه دعوى كاذبة يُراد بها إدخال الشك فى قلوب المؤمنين، وإيهامهم بأن القرآن لا يُعتمَد على ظاهره، وإنما يُعتمد على باطنه الذى عندهم علمه دون مَن عداهم من الناس. وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، لم ولن يقوم دليل تاريخيى أو عقلى على عدم صحة قصة من قصص القرآن، وهو الذى {لَاّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} . [فصلت: 42] .
كذلك نجد أبا الفضائل يعرض فى كتابه المسمى "الدرر البهية" لقوله تعالى فى الآية [39] من سورة يونس: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} ، ولقوله تعالى فى الآية [53] من سورة الأعراف:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق}
…
فيقول:
"ليس المراد من تأويل آيات القرآن معانيها الظاهرية ومفاهيمها اللُّغوية، بل المراد المعانى الخفية التى أطلق عليها الألفاظ على سبيل الاستعارة والتشبيه والكناية"
…
ثم قال بعد هذا: "قرر الله تنزيل تلك الآيات على ألسنة الأنبياء وبيان معانيها وكشف السر عن مقاصدها إلى روح الله حينما ينزل من السماء"، وقال:"إنما بُعثوا عليهم السلام لسوق الخلق إلى النقطة المقصودة، واكتفوا منهم بالإيمان الإجمالى حتى يبلغ الكتاب أجله، وينتهى سير الأفئدة إلى رتبة البلوغ فيظهر روح الله الموعود ويكشف لهم الحقائق المكنونة فى اليوم المشهود"، وقال:"وفى نفس الكتب السماوية تصريحات بأن تأويل آياتها إلى معانيها الأصلية المقصودة لا تظهر إلا فى اليوم الآخر، يعنى يوم القيامة، ومجىء مظهر أمر الله وإشراق آفاق الأرض ببهاء وجه الله". ثم قال: "ولذلك جاءت من لدن نزول التوراة إلى نزول البيان تافهة باردة عقيمة جامدة، بل مضلة مبعدة محرَّفة مفسدة".
ومعلوم أن لفظ التأويل في الآيتين عبارة عن وقوع المخبَر به ولكن يأبى هذا المنحرف المنحرف إلا أن يحمل التأويل على تأويل الآيات إلى المعانى الخفية، وعجيب بعد هذا أن يتهم الرسل بأنهم لا يعرفون تأويل الآيات، لأن وظيفتهم البلاغ فحسب، وأما كشف الستر عن المعانى الخفية فإلى روح الله حين نزوله. وروح الله فى نظره ونظر أشياعه: هو البهاء الذى يُعَبِّر عنه بالنقطة، ويدَّعى أن الرسل أُرسلوا لسوق الخلق إليه، ويدَّعى أيضاً أن ظهوره يكون يوم القيامة، ولا شك أن هذا تفسير بارد عقيم، وجامد مضل، ولكنه لا يريد أن يعترف بهذا، بل نجده يتعسف فيرمى كل التفاسير من
لدن نزول التوراة إلى نزول البيان بأنها تافهة باردة، عقيمة جامدة، مضلة مبعدة، محرَّفة مفسدة، لأن أصحابها خاضوا فيما لا علم لهم به، والعلم فى نظره عند البهاء وحده.
كذلك نجد أبا الفضائل يُفسِّر قوله تعالى فى الآية [31] من سورة المدثر: {وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلَاّ مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} بما لا يقره شرع، أو يرضى به عقل فيقول: "إن لفظ المَلَك واحد الملائكة، والملائكة في اللُّغة العربية توافق لفظاَ ومعنى ما في اللُّغة العبرانية، حيث إنها مأخوذة من الأصل السامى، الذى اشتُقَّت منه اللُّغات: السريانية، والعبرانية، والعربية، والآشورية، والكلدانية، وهو يفيد معنى المالكية والاستيلاء على شىء، فكما أنه أطلق لفظ المَلَك والملائكة في الكلمات النبوية المحفوظة في الكتب السماوية على النفوس القدسية، والأئمة الهداة، لخلعهم ثياب البشرية وتخلقهم بالأخلاق الروحانية الملكوتية، فملكوا زمام الهداية وصاروا ملوك ممالك الولاية، كأنهم أُعطوا سلطة مطلقة فى سعادة الناس وشقاوتهم، وهدايتهم وضلالهم، وهذا هو معنى الولاية المطلقة التى جاءت فى الأخبار، ولذا سمى سيد الأبرار وأمير الأبرار، بقسيم الجنة والنار. كذلك أطلق هذا اللفظ فى الكلمات النبوية على رؤساء الأشرار، وأئمة الضلال، حيث إنهم قادة الفُجَّار يقودونهم إلى النار ولذا أطلق عليهم لفظ الملائكة، كما أنه أطلق عليهم لفظ الأئمة فى قوله:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار} [القصص: 41] . ثم استدل أبو الفضائل بعبارات من الكتب القديمة على جواز إطلاق الملائكة على أئمة الجور والضلال، ثم تكلم عن سر تخصيص العدد بتسعة عشر، فذكر أن الديانات أبواب لدخول جنة الله ورضوانه، كما أنها أبواب للدخول فى جهنم بسخط الله حين تغييرها مثلاً
…
ثم استطرد من هذا إلى أن الباب كما يُطلق أيضاً على الديانات، يُطلق أيضاً على الأنبياء وكبار الأولياء، واستدل على هذا بعبارة نقلها عن الجامعة وردت فى شأن الأئمة وهى:"أنتم باب الموتى والمأخوذ عنه" قال: وإليه أشير فى الآية الكريمة: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب} [الحديد: 13] ، بعد أن قرر هذا، ادَّعى "أن أبواب الجنة كانت عند ظهور النقطة الأولى تسعة عشر، وهى
ثمانية عشر حروف "الحى" والنقطة الفردانية، وبهم صعد المخلصون إلى الذروة العليا، ودخلوا الجنة
…
. ثم عارض الدجال الرب سبحانه فعيَّن تسعة عشر إنساناً من رؤساء أصحابه ودهاة أحبابه، لإضلال أهل الإيمان، ومعارضة جمال الرحمن"، ثم قال: "فالمراد بملائكة النار فى الآية المباركة هو هذه الرجال من أصحاب الدجال وأئمة
الضلال".. ثم ذكر بعد ذلك أن عدد أبواب النار صار فى هذا الدور الحميد، والكون المجيد ثلاثة فقط وهى أيضاً ملائكة الجحيم، وقادة أصحاب الشمال إلى العذاب الأليم".
واستدل على ذلك بقوله تعالى: {انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَاّ ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللهب}
…
ثم قال: "وفى كل دور وزمان تجد لكلمات الله تعالى مصاديق يعرفها أهل الإيمان، وحملة القرآن، ومخازن الحكمة، ومطالع البيان".
وفى الحجج البهية يقرر أبو الفضائل: أن جميع الديانات السماوية. وغير السماوية واحدة من ناحية الاتفاق على العقائد الأصلية، وإن اختلفت فى الأحكام الفرعية، وذلك حيث يقول فى تفسيره لقوله تعالى فى الآية [13] من سورة الشورى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً والذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وموسى وعيسى أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} : "فانظروا - وفقكم الله - كيف اعتبر فى الآية الكريمة ديانات الصابئة والزردشتية والموسوية والنصرانية والإسلامية ديناً واحداً، كما اعتبر مؤسسها وشارعها إلهاً واحداً، على اختلافها فى الأحكام والحدود والآداب" وهذا منه كفر صريح، لأن الآية لا تدل على أكثر من اتحاد جميع الشرائع السماوية فى أُصول العقائد، أما الديانة الصابئية، والديانة الزردشتية، فلم يقل أحد إنها شرائع الله، حتى يُسوِّى بينها وبين سائر الشرائع السماوية.
كذلك نجد أبا الفضائل يقول بالرجعة، ويريد بها: رجوع الحقيقة المقدسة التى هى الوحى، على معنى أن الوحى بعد انقطاعه بموت محمد صلى الله عليه وسلم يرجع فينزل مرة ثانية على زعيمهم الباب ثم البهاء، ويُفسِّر القيامة: بأنها قيام مظهر الحقيقة المقدَّسة، والساعة: بساعة طلوعها وإشراقها بعد الغيبة ويقول: "وأما الرجعة والقيامة بالمعنى الذى تعتقد وتنتظره الأُمم فهى أمر غير معقول، إذ هو مخالف للنواميس الطبيعية، ومباين للسنن الإلهية".
ويقول: "إن جميع ما نزل فى الكتب المقدسة من بشارات يوم الله، ويوم القيامة، وظهور الرب، وورود الساعة وأشراطها
…
لا بد أن تكون لتلك الألفاظ مقاصد معقولة، ومفاهيم ممكنة ومعان غير المعانى الظاهرية، ومدلولات غير المدلولات الأوَّلية".
وكأنى بأبى الفضائل - وقد قال بنبوة الباب والبهاء - نظر فى كتاب البيان وكتاب بهاء الله، فلم يجدهما فى رصانة القرآن وفصاحته، فأراد أن ينزل بالقرآن عن مستواه فى البلاغة، ويسلب عنه إعجازه حتى يكون فى درجة البيان والكتاب فقال:"ولا يُعرف ولا يمتاز كلام الله عن كلام البشر بفصاحته، وبلاغته، ورصف كلماته، وتسجيع عباراته، وترصيع جمله، ولطيف استعاراته، كما يدَّعيه قوم".
كما أعتقد أنه - وقد ادَّعى نبوة الباب والبهاء - راح يفتش لهما عن معجزة تُصدِّق دعواهما النبوة، فلم يعثر ولا على جزء معجزة، فجرَّه ذلك أن ينكر معجزات الرسل، ويتأوَّل ما ورد فى القرآن منها بأنها من قبيل الاستعارات عن الأمور المعقولة، والحقائق الممكنة، مما يُجوِّزه العقل السليم، كما جَرَّه إلى القول بأنه لا صلة بين دعوى الرسالة، وبين القُدْرة على الإتيان بالخوارق فقال:"لا نسبة بين القُدْرة على إتيان المعجزات والعجائب، وبين ادعاء النبوة والرسالة، فإن الرسالة والنبوة ليست إلا بعث إنسان من قِبَلِ الله تعالى لهداية الخلق، فما هو ارتباط هذا المعنى بالقُدْرة على شق البحار، وجفاف الأنهار، وإنطاق الأحجار والأشجار مثلاً".
ولا يشك عاقل فى أن هذا الزنديق يريد من وراء هذا أن يفتح باب شر عظيم، ليدخل منه كل مَن يدَّعى النبوة والرسالة، كما دخل منه أنبياء البابية والبهائية من قبل.
وكما تأوَّل متعصبو الشيعة الشجر المباركة، والشجرة الملعونة، فحملوا الأُولى على آل البيت، والثانية على أعدائهم من بني أمية، كذلك تأوَّلهما أبو الفضائل، فقال فى شرحه لقوله تعالى فى الآية [35] من سورة النور:{الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَاّ شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ}
…
. الآية: "أطلق لفظ "شجرة مباركة زيتونة" على مظهر أمر الله، ومطلع الشمس حقيقته وذاته. ومشرق أنوار أسمائه وصفاته، فإن من هذا السدرة المباركة وحدها تتألف وتضىء الأنوار الإلهية، وتشرق وتلمع أشعة العلم والقوة، والقُدْرة الملكوتية السماوية، وهذه استعارة فى غاية الرقة واللَّطافة، وتجوّز فى نهاية اللطافة والبراعة، لم يُوجد مثلها إلا فى الكلمات النبوية، ولم يُسمع شبيهها إلا من نغمات طيور القدس فى الحدائق القدسية". قال: "وكذلك فى الآية [60] من سورة بنى إسرائيل، أطلق لفظ الشجرة الملعونة: استعارة على أعداء الله، ومحاربى رسول الله، من السلالة الأُموية، والسلطة العضوضية
السفيانية، حيث قال جَلَّ وعَلا:{وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلَاّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ والشجرة الملعونة فِي القرآن} . [الإسراء: 60]
هذه نُبذ من تأويلات البابية للقرآن الكريم، تعطينا دليلاً قوياً، وبرهاناً صادقاً على أن المذهب البابى، أو البهائى، يقوم على أطلال الباطنية، ويحمل فى سريرته القصد إلى هدم شريعة الإسلام بمعول التأويل فى آيات القرآن، ودعوى النبوة والرسالة، بعد أن ختمها الله برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وإذا كان لنا كلمة بعد ذلك فهى: إن البابية وأسلافهم من الباطنية، لم يكونوا أول من ابتدأ التأويل لنصوص الشريعة على هذه الصورة التى تأتى على بنيان الدين من قواعده، وإنما هو صنيع قلَّدوا فيه طائفة من فلاسفة اليهود الذين سبقوهم، فهذا هو "فيلون" الفيلسوف اليهودى المولود ما بين عشرين وثلاثين سنة قبل الميلاد، نجده ألَّف كتاباً فى تأويل التوراة، ذاهباً إلى أن كثيراً مما فيها رموز إلى أشياء غير ظاهرة، ويقول الكاتبون فى تاريخ الفلسفة: إن هذا التأويل الرمزى كان موجوداً ومعروفاً عند أدباء اليهود بالإسكندرية قبل زمن "فيلون"، ويذكرون أمثلة من تأويلهم: أنهم فسَّروا آدم بالعقل، والجنة برياسة النفس، وإبراهيم بالفضيلة الناتجة من العلم، وإسحاق عندهم هو الفضيلة الغريزية، ويعقوب الفضيلة الحاصلة من التمرين، إلى أمثال هذا من التأويل الذى لا يحوم عليه إلا الجاحدون المراءون، ولا يقبله منهم إلا قوم هم عن مواقع الحكمة ودلائل الحق غافلون".
وبعد أن انتهينا من موقف الباطنية - قديمهم وحديثهم - من القرآن الكريم، نتكلم عن موقف الزيدية منه
…
. فنقول وبالله التوفيق:
* *