المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى) - التفسير والمفسرون - جـ ٢

[محمد حسين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌الشيعة وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الشيعة وعقائدهم

- ‌ الزيدية

- ‌قوام مذهب الزيدية

- ‌الإمامية

- ‌ الإمامية الإثنا عشرية

- ‌أشهر تعاليم الإمامية الإثنا عشرية

- ‌الإمامية الاسماعيلية

- ‌موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم

- ‌1- موقف الإمامية الإثنا عشرية من تفسير القرآن الكريم

- ‌2- موقف القرآن من الأئمة وأوليائهم وأعدائهم

- ‌3- تحريف القرآن وتبديله

- ‌4- موقفهم من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة

- ‌أهم الكتب التى يعتمدون عليها فى رواية الأحاديث والأخبار

- ‌أهم كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية

- ‌1- مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (للمولى عبد اللطيف الكازرانى

- ‌2- تفسير الحسن العسكرى

- ‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

- ‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

- ‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

- ‌6- بيان السعادة فى مقامات العبادة (لسلطان محمد الخراسانى)

- ‌الإمامية الإسماعيلية "الباطنية" وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الإسماعيلية وعقائدهم وأغراضهم

- ‌مؤسسو هذه الطائفة

- ‌احتيالهم على الوصول إلى أغراضهم

- ‌مراتب الدعوة عند الباطنية

- ‌إنتاج الباطنية فى تفسير القرآن الكريم

- ‌موقف متقدمى الباطنية من تفسير القرآن الكريم

- ‌البابية والبهائية

- ‌كلمة إجمالية عن نشأة البابية والبهائية

- ‌ بهاء الله

- ‌الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى

- ‌موقف البابية والبهائية من تفسير القرآن الكريم

- ‌أبو الفضائل الإيرانى يعيب تفاسير أهل السُّنَّة

- ‌إنتاج البابية والبهائية فى التفسير، ومثل من تأويلاتهم الفاسدة

- ‌الزيدية وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌أهم كتب التفسير عند الزيدية

- ‌فتح القدير للشوكاني

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌طريقة الشوكانى فى تفسيره

- ‌نقله للروايات الموضوعة والضعيفة

- ‌ذمه للتقليد والمقِّدين

- ‌حياة الشهداء

- ‌التوسل

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من آراء المعتزلة

- ‌موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن

- ‌الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الخوارج

- ‌مواقف الخوارج من تفسير القرآن الكريم

- ‌سلطان المذهب يغلب على الخوارج فى فهم القرآن

- ‌مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن

- ‌موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك فى تفسيرهم للقرآن

- ‌الإنتاج التفسيرى للخوارج

- ‌أسباب قِلَّة إنتاج الخوارج فى التفسير

- ‌هميان الزاد إلى دار المعاد

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌حقيقة الإيمان

- ‌موقفه من أصحاب الكبائر

- ‌حملته على أهل السُّنَّة

- ‌مغفرة الذنوب

- ‌رأيه فى الشفاعة

- ‌رؤية الله تعالى

- ‌أفعال العباد

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من تفسير الصوفية

- ‌موقفه من الشيعة

- ‌رأيه فى التحيكم

- ‌إشادته بالخوارج وحطه من قدر عثمان وعلىّ ومَن والاهما

- ‌اعتداده بنفسه وحملته على جمهور المسلمين

- ‌تفسير الصوفية

- ‌أصل كلمة تصوف

- ‌معنى التصوف

- ‌نشأة التصوف وتطوره

- ‌أقسام التصوف

- ‌أولاً: التفسير الصوفى النظرى

- ‌ابن عربى شيخ هذه الطريقة

- ‌تأثر ابن عربى بالنظريات الفلسفية

- ‌تأثره فى تفسيره بنظرية وحدة الوجود

- ‌قياسه الغائب على الشاهد

- ‌إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية

- ‌التفسير الصوفى النظرى فى الميزان

- ‌رأينا فى التفسير الصوفى النظرى

- ‌ثانياً: التفسير الصوفى الفيضي او الإشارى

- ‌حقيقته

- ‌الفرق بينه وبين التفسير الصوفى النظرى

- ‌هل للتفسير الإشارى أصل شرعى

- ‌التفاوت فى إدراك المعانى الباطنة وإصابتها

- ‌التفسير الإشارى فى الميزان

- ‌مقالة الشاطبى فى التفسير الإشارى

- ‌مقالات بعض العلماء فى التفسير الإشارى

- ‌رأينا فى مقالة ابن عربى

- ‌شروط قبول التفسير الإشارى

- ‌أهم كتب التفسير الإشارى

- ‌1- تفسير القرآن العظيم (للتسترى)

- ‌2- حقائق التفسير (للسلمى)

- ‌3- عرائس البيان فى حقائق القرأن (لأبى محمد الشيرازى)

- ‌4- التأويلات النجمية (لنجم الدين داية، وعلاء الدولة السمنانى)

- ‌5- التفسير المنسوب لابن عربى

- ‌ابن عربى ومذهبه فى تفسير القرآن الكريم

- ‌ترجمة ابن عربى

- ‌ابن عربى بين أعدائه ومريديه

- ‌مكانته العلمية

- ‌مذهب ابن عربى فى وحدة الوجود

- ‌مذهب ابن عربى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌نماذج من التفسير الصوفى النظرى له

- ‌نماذج من التفسير الإشارى له

- ‌نماذج من التفسير الظاهر لابن عربى

- ‌تفسير الفلاسفة

- ‌كيف وُجِدت الصلة بين التفسير والفلسفة

- ‌كيف كان التوفيق بين الدين والفلسفة

- ‌الأثر الفلسفى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌من تفسير الفارابى

- ‌من تفسير إخوان الصفا

- ‌ترجمة ابن سينا

- ‌مسلك ابن سينا فى التفسير

- ‌رأينا فى تفسير الفلاسفة

- ‌تفسير الفقهاء

- ‌كلمة إجمالية عن تطور التفسير الفقهى

- ‌التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية

- ‌التفسير الفقهى بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبى

- ‌تنوع التفسير الفقهى تبعاً لتنوع الفرق الإسلامية

- ‌الإنتاج التفسيرى للفقهاء

- ‌1- أحكام القرآن - للجصَّاص (الحنفى)

- ‌2- أحكام القرآن - لكيا الهراسى (الشافعى)

- ‌3- أحكام القرآن - لابن العربى (المالكى)

- ‌4- الجامع لأحكام القرآن - لأبى عبد الله القرطبى (المالكى)

- ‌5- كنز العرفان فى فقه القرآن لمقداد السيورى (من الإمامية الإثنا عشرية)

- ‌6- الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة ليوسف الثلائى (الزيدى)

- ‌التفسير العلمى

- ‌معنى التفسير العلمى

- ‌التوسع فى هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به

- ‌الإمام الغزالى والتفسير العلمى

- ‌الجلال السيوطى والتفسير العلمى

- ‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

- ‌إنكار التفسير العلمى

- ‌إنكار الشاطبى للتفسير العلمى

- ‌اختيارنا فى هذا الموضوع

- ‌الخاتمة.. كلمة عامة عن التفسير وألوانه فى العصر الحديث

- ‌التفسير بين ماضيه وحاضره

- ‌مميزات التفسير فى العصر الحديث

- ‌ألوان التفسير فى العصر الحديث

- ‌اللَّون العلمى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌الجواهر فى تفسير القرآن الكريم (للشيخ طنطاوى جوهرى)

- ‌اللون المذهبى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الإلحادى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الأدبى الاجتماعى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌1- الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌2- السيد محمد رشيد رضا

- ‌3- الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى

- ‌رجاء واعتذار

الفصل: ‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

* ترجمة المؤلف ومكانته العلمية:

مؤلف هذا التفسير فى نظر أصحابه هو أبو علىّ، الفضل بن الحسن ابن الفضل الطبرسى المشهدى، الفاضل، العالِم، المفسِّر، الفقيه، المحدِّث، الجليل، الثقة، الكامل، النبيل، وهو من بيت عُرِف أهله بالعلم، فهو وابنه رضى الدين أبو نصر حسن بن الفضل صاحب مكارم الأخلاق، وسبطه أبو الفضل علىّ بن الحسن، وسائر سلسلته وأقربائه، من أكابر العلماء. ويروى عنه جماعة من العلماء منهم: ولده المذكور، وابن شهراشوب، والشيخ منتخب الدين، والقطب الراوندى، وغيرهم. ويروى هو عن الشيخ أبى علىّ ابن الشيخ الطوسى. قال الشيخ منتخب الدين فى الفهرس:"هو ثقة، فاضل، دَيِّن، عَيْن، له تصانيف، منها: مجمع البيان فى تفسير القرآن، والوسيط فى التفسير أربع مجلدات، والوجيز مجلدة، وإعلام الورى بأعلام الهدى مجلدتين، وتاج المواليد، والآداب الدينية للخزانة المعيبة".

قال صاحب روضات الجنَّات معقباً على هذا: "وقد فرغ من تأليف المجمع فى منتصف ذى القعدة سنة 534 هـ (أربع وثلاثين وخمسمائة) ولعل مراده بالوسيط هو تفسير جوامع الجامع المشهور. وبالوجيز: الكافِ الشافِ عن الكشاف، ويحتمل المغايرة".

وقال صاحب مجالس المؤمنين ما معناه: "إن عمدة المفسِّرين، أمين الدين، ثقة الإسلام، أبو علىّ الفاضل بن الحسن بن الفضل الطبرسى، كان من نحارير علماء التفسير، وتفسيره الكبير الموسوم بمجمع البيان، بيان كاف ودليل واف لجامعيته لفنون الفضل والكمال، ثم لما وصل إليه بعد هذا التأليف كتاب الكشاف واستحسن طريقته، ألَّف تفسيراً آخر مختصراً، شاملاً لفوائد تفسيره الأول ولطائف الكشاف، وسماه الجوامع، وله تفسير ثالث أيضاً أخصر من الأولين، وتصانيف أخرى فى الفقه والكلام، ويظهر من كتاب اللمعة الدمشقية فى مبحث الرضاع أن الطبرسى هذا كان داخلاً فى زمرة مجتهدى علمائنا أيضاً، ومقالته فى الرضاع معروفة، وهى قوله بعدم اعتبار اتحاد الفحل فى نشر الحرمة، وكذا قوله بأن المعاصى كلها كبائر، وإنما يكون اتصافها بالصغيرة بالنسبة لما هو أكبر".

ومن العجيب أنهم يذكرون قصة فى غاية الطرافة والغرابة فى سبب تأليفه لتفسيره "مجمع البيان" - الذى نحن بصدده - فيقولون: "ومن عجيب أمر هذا الطبرسى بل

ص: 74

من غريب كراماته، وما اشتهر بين الخاص والعام، أنه قد أصابته السكتة فظنوا به الوفاة فغسلوه وكفنوه ودفنوه ثم رجعوا، فلما أفاق وجد نفسه فى القبر ومسدوداً عليه سبيل الخروج عنه من كل جهة، فنذر فى تلك الحالة أنه إذا نجى من تلك الداهية ألَّف كتاباً فى تفسير القرآن، فاتفق أن بعض النبَّاشين قصده لأخذ كفنه، فلما كشف عن وجه القبر أخذ الشيخ بيده، فتحيَّر النباش، ودهش مما رآه، ثم تكلم معه فأزداد به قلقاً، فقال له: لا تخف، أنا حى وقد أصابتنى السكتة ففعلوا بى هذا، ولما لم يقدر على النهوض والمشى من غاية ضعفه، حمله النبَّاش على عاتقه وجاء به إلى بيته الشريف، فأعطاه الخلعة وأولاه مالاً جزيلاً، وتاب على يده النبَّاش، ثم إنه بعد ذلك وفى بنذره الموصوف، وشرع فى تأليفه مجمع البيان".

وكانت وفاته ليلة النحر سنة 835 هـ (ثمان وثلاثين وخمسمائة من الهجرة) .

* *

* الكلام على هذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

قبل أن أخوض فى الكلام عن هذا التفسير أرى أن أسوق ما جاء فى مقدمة هذا التفسير للمؤلف رحمه الله، لما جاء فيه من بيان الحوافز التى دفعت مؤلفه إلى تأليفه، ولما أوضحه لنا من طريقته التى سلكها فى تفسيره، فهو أدرى بها وأعلم..

*

* الدواعى التى حملت الطبرسى على كتابة هذا التفسير:

ذكر الطبرسى هذه الدواعى فقال: "

وقد خاض العلماء قديماً وحديثاً فى علم تفسير القرآن، واجتهدوا فى إبراز مكنونه وإظهار مضمونه، وألَّفوا فيه كتباً جمَّة غاصوا فى كثير منها إلى أعماق لججه، وشققوا الشعر فى إيضاح حججه، وحققوا فى تفتيح أبوابه وتغلغل شعابه، إلا أن أصحابنا - رضى الله عنهم - لم يدوِّنوا فى ذلك غير مختصرات نقلوا فيها ما وصل إليهم فى ذلك من الأخبار، ولم يعنوا ببسط المعانى فيه وكشف الأسرار، إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسى من كتاب التبيان، فإنه الكتاب الذى يُقتبس من ضيائه الحق، ويلوح عيه رواء الصدق، وقد تضمن فيه من المعانى الأسرار البديعة، واختصر من الألفاظ اللغة الوسيعة، ولم يقنع بتدوينها دون تبينها، ولا بتنميقها دون تحقيقها، وهو القدوة أستضئ بأنواره، وأطأ مواقع آثاره، غير أنه خلط فى أشياء مما ذكره فى الإعراب والنحو الغث بالسمين، والخاثر بالزباد، ولم يميز الصلاح مما ذكر فيه والفساد، وأدى الألفاظ فى مواضع من متضمناته قاصرة عن المراد، وأخلَّ بحسن الترتيب وجودة التهذيب، فلم يقع له لذلك من القلوب السليمة الموقع المرضى، ولم يعل من الخواطر الكريمة المكان العلى".

ص: 75

"وقد كنت فى ريعان الشباب وحداثة السن، وريَّان العيش ونضارة الغصن، كثير النزاع شديد التشوق إلى جمع كتاب فى التفسير، ينتظم أسرار النحو اللطيفة، ولمع اللُّغة الشريفة، ويفى موارد القراءات من متوجهاتها، مع بيان حججها الواردة من جميع جهاتها، ويجمع جوامع البيان فى المعانى المستنبطة من معادنها، المستخرجة من كوامنها، إلى غير ذلك من علومه الجمَّة، مطلعة من الغلف والأكمة، فيعترض لذلك جوائح الزمان، وعوائق الحدثان، وواردات الهموم، وهفوات القدر المحتوم، وهلم جرآ إلى الآن، وقد زرف سنى على الستين واشتعل الرأس شيباً، وامتلأت العيبة عيباً، فحدانى على تصميم هذه العزيمة ما رأيت من عناية مولانا الأمير السيد الأجل العالِم، ولى النعِيم جلال الدين ركن الإسلام، فخر آل رسول الله صلى الله عليه وآله، أبَى منصور محمد بن يحيى بن هبة الله الحسين - أدام الله علاه - بهذا العلم، وصدق رغبته فى معرفة هذا الفن. وقصر همه على تحقيق حقائقه، والاحتواء على جلائله ودقائقه، والله عَزَّ اسمه المسئول أن يحرس للإسلام والمسلمين رفيع حضرته، ويفيض على الفضل والفضلاء سجال سيادته، ويمد على العلم والعلماء أمداد سعادته.. فأوجبتُ على نفسى إجابته إلى مطلوبه، وإسعافه بمحبوبه، واستخرتُ الله تعالى، ثم قصرت وهَمْى وهَمِّى على اقتناء هذه الذخيرة الخطيرة، واكتساب هذه الفضيلة النبيلة، وشمرتُ عن ساق الجد، وبذلتُ غاية الجهد والكد، وأسهرتُ الناظر، وأتعبتُ الخاطر، وأطلتُ التفكير، وأحضرتُ التفاسير، واستمددتُ من الله التوفيق والتيسير".

* *

* وصف الطبرسى لتفسيره:

ثم وصف الطبرسى تفسيره فقال: "وابتدأتُ فى تأليف كتاب هو فى غاية التلخيص والتهذيب، وحسن النظم والترتيب، يجمع أنواع هذا العلم وفنونه، ويحوى فصوصه وعيونه، من علم قراءاته وإعرابه ولغاته، وغوامضه ومشكلاته، ومعانيه وجهاته، ونزوله وأخباره، وقصصه وآثاره، وحدوده وأحكامه - وحلاله وحرامه، والكلام على مطاعن المبطلين فيه، وذكرنا ما يتفرد به أصحابنا - رضى الله عنهم - من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحة ما يعتقدونه من الأصول والفروع، والمعقول والمسموع، على وجه الاعتدال والاختصار، فوق الإيجاز دون الإكثار، فإن الخواطر فى هذا الزمان لا تحمل أعباء العلوم الكثيرة، وتضعف عن الإجراء فى الحلبات الخطيرة، إذ لم يبق من العلماء إلا الأسماء، ومن العلوم إلا الذماء". * *

*

ص: 76

منهج الطبرسى فى تفسيره:

ثم وضَّح منهجه فقال: " وقدَّمتُ فى مطلع كل سورة ذكر مكيها ومدنيها، ثم ذكر الاختلاف فى عدد آياتها، ثم ذكرت تلاوتها، ثم أُقدِّم فى كل آية الاختلاف فى القراءات، ثم أذكر العلل والاحتجاجات، ثم أذكر العربية واللُّغات، ثم أذكر الإعراب والمشكلات، ثم أذكر الأسباب والنزولات، ثم أذكر المعانى والأحكام والتأويلات، والقصص والجهات، ثم أذكر انتظام الآيات. على أنى قد جمعت فى عربيته كل غُرَّة لائحة، وفى إعرابه كل حُجَّة واضحة، وفى معانيه كل قول متين، وفى مشكلاته كل برهان مبين، فهو بحمد الله للأديب عمدة، وللنحوى عُدَّة، وللمقرئ بصيرة، وللناسك ذخيرة، وللمتكلم حُجَّة، وللمحدِّث محجة، وللفقيه دلالة، وللواعظ آلة، وسميته "مجمع البيان لعلوم القرآن".

* *

* مقدمات الكتاب:

ثم استطرد إلى ذكر مقدمات تتعلق ببعض علوم القرآن فقال: وقبل أن نشرع فى تفسير السور والآيات، فنحن نُصدِّر الكتاب بذكر مقدمات لا بد من معرفتها، لمن أراد الخوض فى علومه تجمعها فنون سبعة:

جعل الفن الأول منها: فى أعداد آى القرآن والفائدة من معرفتها.

والفن الثانى: فى ذكر أسامى القرَّاء المشهورين فى الأمصار ورواتهم.

والفن الثالث: فى ذكر التفسير والتأويل والمعنى، والتوفيق بين ما ورد من الآيات والآثار من النهى عن التفسير بالرأى وإباحته.

والفن الرابع: فى ذكر أسامى القرآن ومعانيها.

والفن الخامس: فى أشياء من علوم القرآن يحال فى شرحها وبسط الكلام فيها على المواضع المختصة بها والكتب المؤلَّفة فيها كإعجاز القرآن، والكلام عن زيادة القرآن ونقصانه.

وهنا يقول: فأما الزيادة فيه فمُجْمَع على بطلانه، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة أن فى القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذى نصره المرتضى قدَّس الله روحه

إلخ.

ثم ذكر من جمله العلوم التى يحال فى شرحها وبسط الكلام فيها على الكتب المؤلَّفة فيها الكلام فى النسخ والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من العلوم المتعلقة بالقرآن وليست داخلة فى التفسير.

والفن السادس: فى ذكر بعض ما جاء من الأخبار المشهورة فى فضل القرآن وأهله.

ص: 77

والفن السابع: فى ذكر ما يُستحَب للقارئ من تحسين اللفظ وتزيين الصوت بقراءة القرآن.

ثم شرع فى التفسير فتكلم عن الاستعاذة فالبسملة ففاتحة الكتاب وهكذا إلى آخر القرآن.

والحق أن تفسير الطبرسى - بصرف النظر عما فيه من نزعات تشيعية وآراء اعتزالية - كتاب عظيم فى بابه، يدل على تبحر صاحبه فى فنون مختلفة من العلم والمعرفة. والكتاب يجرى على الطريقة التى أوضحها لنا صاحبه، فى تناسق تام وترتيب جميل، وهو يجيد فى كل ناحية من النواحى التى يتكلم عنها، فإذا تكلم عن القراءات ووجوهها أجاد، وإذا تكلم عن المعانى اللُّغوية للمفردات أجاد، وإذا تكلم عن وجوه الإعراب أجاد، وإذا شرح المعنى والإجمالى أوضح المراد، وإذا تكلم عن أسباب النزول وشرح القصص استوفى الأقوال وأفاض، وإذا تكلم عن الأحكام تعرَّض لمذاهب الفقهاء، وجهر بمذهبه ونصره إن كانت هناك مخالفة منه للفقهاء، وإذا ربط بين الآيات آخى بين الجُمَل، وأوضح لنا عن حُسْن السبك وجمال النظم، وإذا عرض لمشكلات القرآن أذهب الإشكال وأراح البال. وهو ينقل أقوال مَن تقدَّمه من المفسِّرين معزوة لأصحابها، ويرجح ويوجه ما يختار منها، وإذا كان لنا بعض المآخذ عليه فهو تشيعه لمذهبه وانتصاره له، وحمله لكتاب الله على ما يتفق وعقيدته، وتنزيله لآيات الأحكام على ما يتناسب مع الاجتهادات التى خالف فيها هو ومَن على شاكلته، وروايته لكثير من الأحاديث الموضوعة. غير أنه - والحق يقال - ليس مغالياً فى تشيعه، ولا متطرفاً فى عقيدته، كما هو شأن كثير غيره من علماء الإمامية الإثنا عشرية.

وإليك بعض المثل من هذا التفسير، لترى كيف يميل الطبرسى بالآيات القرآنية إلى المعانى التى تتفق ومذهبه، وكيف يحاول بكل قواه الجدلية العنيفة أن يقيم مذهبه على أُسس من القرآن الكريم، وأن يرد ما يصادفه من ظواهر النصوص ويدفع بها فى وجه خصمه:

* إمامة علىّ:

لما كان الطبرسى يدين بإمامة علىّ رضى الله عنه، ويرى أنه خليفة النبى صلى الله عليه وسلم بلا فصل، فإنَّا نراه يحاول بكل جهوده أن يثبت إمامته وولايته من القرآن فنراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [55] من سورة المائدة:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} .. يبذل مجهوداً كبيراً لاستخلاص وجوب إمامة علىّ رضى الله عنه من هذه الآية، فنجده أولاً يتكلم

ص: 78

عن المعانى اللُّغوية لبعض مفردات الآية، فيفسِّر "الولى" بقوله: "الولى هو الذى يلى النُصْرة والمعونة، والولى هو الذى يلى تدبير الأمر. يقال: فلان ولى أمر المرأة إذا كان يملك تدبير نكاحها. وولى الدم مَن كان إليه المطالبة بالقَوْد. والسلطان ولى أمر الراعية. ويقال لمن يرشحه للخلافة عليهم بعده: ولى عهد المسلمين. قال الكميت يمدح علياً:

ونِعْم ولى الأمر بعد وليه

ومنتجع التقوى ونِعْم المؤدب

ويروى الفتوى: "وإنما أراد ولى الأمر والقائم بتدبيره، قال المبرد فى كتاب العبادة عن صفات الله: "أصل الولى الذى هو أولى - أى أحق - ومثله المولى".

ثم بعد ذلك فسَّر الطبرسى "الركوع" و "الحزب"، ثم ذكر الإعراب ثم ذكر سبب النزول فقال بعد سياقه لسند طويل: "

بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، إذ أقبل رجل متعمم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا قال الرجل:"قال رسول الله، فقال ابن عباس: سألتك بالله مَن أنت؟ فكِشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيها الناس؛ مَن عرفنى فقد عرفنى، ومَن لم يعرفنى فأنا جندب من جنادة البدرى أبو ذر الغفارى، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: "علىّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، ومنصورٌ مَن نصره، ومخذولٌ مَن خذله"، أما إنى صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل فى المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء فقال: اللَّهم إنى سألت فى مسجد رسول الله فلم يعطنى أحد شيئاً، وكان علىّ راكعاً فآوى بخنصره اليمنى إليه - وكان يتختم فيها - فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ النبى من صلاته رفع رأسه إلى السماء فقال: اللَّهم إن أخى موسى سألك فقال: {رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لي أَمْرِي * واحلل عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * واجعل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي* اشدد بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} [طه: 25-32] فأُنزِلت عليه قرآناً ناطقاً: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا} [القصص: 35] ، اللَّهُم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللَّهم فاشرح لى صدرى، ويَسِّر لى أمرى، واجعل لى وزيراً من أهلى، علياً أشدد به ظهرى. قال أبو ذر: فواللهِ ما استتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلمة حتى نزل عليه جبريل من عند ربه فقال: يا محمد؛ اقرأ، قال: وما أقرأ؟ قال اقرأ: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} [المائدة: 55] ..

وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبى فى تفسيره بهذا الإسناد بعينه، وروى أبو بكر الرازى فى كتاب أحكام القرآن - على ما حكاه المغربى عنه، والرمانى، والطبرى أنها نزلت فى علىّ حين تصدَّق بخاتمه وهو راكع، وهو قول مجاهد والسدى. والمروى عن أبى جعفر وأبى عبد الله وجميع علماء أهل البيت.

ص: 79

وقال الكلينى: نزلت فى عبد الله بن سلام وأصحابه لما أسلموا فقطعت اليهود موالاتهم فنزلت الآية. وفى رواية عطاء قال عبد الله بن سلام: يا رسول الله؛ أنا رأيت علياً تصدَّق بخاتمه وهو راكع فنحن نتولاه.

وقد رواه السيد أبو الحمد أبى القاسم الحسكانى بالإسناد المتصل المرفوع إلى أبى صالح أبى الصلاح عن ابن عباس قال: أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه ممن آمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله؛ إن منازلنا بعيدة، وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذه المجالس. وإن قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدَّقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ}

الآية، ثم إن النبى خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم، خاتم من فضة، فقال النبى: مَن أعطاكه؟ قال: ذلك القائم - وأومأ بيده إلى علىّ - فقال النبى صلى الله عليه وسلم: على أى حال أعطاكه؟ قال: أعطانى وهو راكع، فكبَّر النبى ثم قرأ:{وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} [المائدة: 56] .. فأنشأ حسان بن ثابت يقول فى ذلك:

أبا حسن تفديك نفسى ومُهجتى

وكل بطئ فى الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعاً

وما المدح فى جنب الإله بضائع

فأنت الذى أعطيت إذ كنت راكعاً

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وثبتها ثبت الكتاب الشرائع

وفى حديث إبراهيم بن الحكم بن ظهير: أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رهط من قومه يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا من قومهم، فبينا هم يشكون إذ نزلت هذه الآية، وأذَّن بلال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وإذا بمسكين يسأل، فقال صلى الله عليه وسلم: ماذا أُعْطِيتَ؟ قال: خاتم من فضة، قال: مَن أعطاكه؟ قال: ذلك القائم. فإذا هو علىّ. قال: على أى حال أعطاكه؟ قال: أعطانى وهو راكع، فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:{وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ..} ..

ثم شرح المعنى فقال: "ثم بيَّن تعالى مَن له الولاية على الخلق والقيام بأمرهم، ويجب طاعته عليهم، فقال:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} .. أى الذى يتولى مصالحكم ويحقق تدبيركم هو الله تعالى، ورسوله يفعله بأمره:{والذين آمَنُواْ} .. ثم وصف الذين آمنوا فقال: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} بشرائطها، {وَيُؤْتُونَ الزكاة} أى ويعطون الزكاة {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أى فى حال الركوع. وهذه الآية من أوضح الدلالة على صحة إمامة علىّ بعد النبى صلى الله عليه وسلم بلا فصل. والوجه فيه: أنه إذا ثبت أن لفظة: {وَلِيُّكُمُ} فى الآية تفيد مَن هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته عليكم،

ص: 80

وثبت أن المراد بـ {الذين آمَنُواْ} علىّ، ثبت النص عليه بالإمامة ووضح. والذى يدل على الأول هو الرجوع إلى اللُّغة. فمن تأملها علم أن القوم نَصُّوا على ذلك، وقد ذكرنا قول أهل اللُّغة فيه قبل فلا وجه لإعادته. وإن الذى يدل على أنها فى الآية تفيد ذلك دون غيره، أن لفظة {إِنَّمَا} على ما تقدم ذكره تفيد التخصيص ونفى الحكم عمن عدا المذكور، كما يقولون: إنما الفصاحة للجاهلية، ويعنون نفى الفصاحة عن غيرهم. وإذا تقرر هذا لم يجز حمل لفظة "الوالى" على الموالاة فى الدين والمحبة، لأنه لا تخصيص فى هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر، والمؤمنون كلهم مشتركون فى هذا المعنى، كما قال سبحانه:{والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] .. وإذا لم يجز حمله على ذلك لم يبقَ إلا الوجه الآخر وهو التحقيق بالأمور، وما يقتضى فرض الطاعة على الجمهور، لأنه لا محتمل للفظ إلا الوجهان، فإذا بطل أحدهما ثبت الآخر، والذى يدل على أن المعنى بـ {الذين آمَنُواْ} هو علىّ؛ الرواية الواردة من طريق العامة والخاصة بنزول الآية فيه لما تصدَّق بخاتمه فى حال الركوع، وقد تقدم ذكرها، وأيضاً فإن كل مَن قال: إن المراد بلفظة "ولى" ما يرجع إلى فرض الطاعة والإمامة، ذهب إلى أنه هو المقصود بالآية والمنفرد، ولا أحد من الأمة يذهب إلى أن هذه اللفظة تقتضى ما ذكرنا ويذهب إلى أن المعنىَّ بها سواه، وليس لأحد أن يقول: إن لفظة {الذين آمَنُواْ} لفظ جمع فلا يجوز أن يتوجه إليه

على الانفراد، وذلك أن أهل اللغة قد يُعبِّرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التفخيم والتعظيم، وذلك أشهر فى كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه. وليس لهم أن يقولوا: إن المراد بقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} ، أن هذه شيمتهم وعادتهم ولا يكون حالاً لإيتاء الزكاة، وذلك لأن قوله:{يُقِيمُونَ الصلاة} ، قد دخل فيه الركوع، فلو لم يحمل قوله:{وَهُمْ رَاكِعُونَ} على أنه حال مَن {وَيُؤْتُونَ الزكاة} ، وحملناه على مَن صفتهم الركوع، كان ذلك كالتكرار غير المفيد، والتأويل المفيد أولى من البعيد الذى لا يفيد. ووجه آخر فى الدلالة على أن الولاية فى الآية مختصة، أنه قال:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله} فخاطب جميع المؤمنين، ودخل فى الخطاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيره، ثم قال:{وَرَسُولُهُ} فأخرج النبى صلى الله عليه وسلم من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثم قال:{والذين آمَنُواْ} فوجب أن يكون الذى خوطب بالآية هو الذى جُعِلَت له الولاية وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وإلى أن يكون كل واحد من المؤمنين ولى نفسه، وذلك محال. واستيفاء الكلام فى هذا الباب يطول به الكتاب ومَن أراده فليطلبه من مظانه

".

ص: 81

ولا شك أن هذه محاولة فاشلة، فإن حديث تصدق علىّ بخاتمه فى الصلاة - وهو محور الكلام - حديث موضوع لا أصل له، وقد تكفل العلامة ابن تيمية بالرد على هذه الدعوى فى كتابه منهاج السُّنَّة (الجزء الرابع ص 3-9) .

* *

* عصمة الأئمة:

ولما كان الطبرسى يدين بعصمة الأئمة فإنَّا نراه عند تفسيره لقوله تعاتلى فى الآية [33] من سورة الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} .. يحاول محاولة جدية أن يقصر أهل البيت على النبى صلى الله عليه وسلم وعلىّ وفاطمة والحسن والحسين، ليصل من وراء ذلك إلى أن الأئمة معصومون من جميع القبائح كالأنبياء سواء بسواء، فلهذا يقول بعد ما سرد من الروايات ما يشهد له بالقصر الذى يريده: "

والروايات فى هذا كثيرة من طريق العامة والخاصة، لو تصدينا لإيرادها لطال الكلام، وفيما أوردناه كفاية.. واستدلت الشيعة على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة بأن قالوا: إن لفظة {إِنَّمَا} محققة لما أُثبت بعدها، نافية لما لم يثبت، فإن قول القائل: إنما لك عندى درهم، وإنما فى الدار زيد، يقتضى أنه ليس عندى سوى الدرهم، وليس فى الدار سوى زيد. وإذا تقرر هذا فلا تخلو الإرادة فى الآية أن تكون هى الإرادة المحضة، أو الإرادة التى يتبعها التطهير وإذهاب الرجس، ولا يجوز الوجه الأول، لأن الله تعالى قد أراد من كل مُكلَّف هذه الإرادة المطلقة، فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق، ولأن هذا القول يقتضى المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة، ولا مدح فى الإرادة المجردة، فثبت الوجه الثانى، وفى ثبوته ثبوت عصمة الأئمة بالآية من جميع القبائح. وقد علمنا أن مَن عدا مَن ذكرنا من أهل البيت غير مقطوع على عصمته، فثبت أن الآية مختصة بهم لبطلان تعلقها بغيرهم. ومتى قيل: إن صدر الآية وما بعدها فى الأزواج، فالقول فيه: إن هذا لاينكره مَن عرف عادة الفصحاء فى كلامهم، فإنهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوء وكذلك كلام العرب وأشعارهم".

فأنت ترى أن الطبرسى يحاول من وراء هذا الجدل العنيف أن يثبت عصمة الأئمة، وهى عقيدة فاسدة يؤمن بها هو ومَن على شاكلته من الإمامية الإثنا عشرية، ولا شك أن هذا تحكم فى كلام الله تعالى دفعه إليه الهوى وحمله عليه تأثير المذهب.

* *

* الرجعة:

ولما كان الطبرسى يقول بالرجعة، فإنَّا نراه عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [56] من سورة البقرة:{ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} يقول ما نصه: "..

ص: 82

واستدل قوم من أصحابنا بهذه الآية على جواز الرجعة. وقول مَن قال: إن الرجعة لا تجوز إلا فى زمن النبى لتكون معجزة له دلالة على نبوته باطل، لأن عندنا - بل عند أكثر الأمة - يجوز إظهار المعجزات على أيدى الأئمة والأولياء، والأدلة على ذلك مذكورة فى كتب الأصول

. ".

* *

* المهدى:

والطبرسى يدين بالمهدى، ويعتقد أنه اختفى وسيرجع فى آخر الزمان، وقد تأثر بهذه العقيدة، فنجده عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [3] من سورة البقرة:{الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يذكر الأقوال الواردة فى المعنى المراد بـ "الغيب"، وينقل فى جملة ما ينقل من الأقوال: أن ابن مسعود وجماعة من الصحابة فسَّروا الغيب بما غاب عن العباد علمه. ثم يقول: "وهذا أولى لعمومه، ويدخل فيه ما رواه أصحابنا من زمان غيبة المهدى ووقت خروجه".

* *

* التقيَّة:

ولما كان الطبرسى يقول بمبدأ التقيَّة، فإنَّا نجده يستطرد إلى الكلام فيها ويؤيد مذهبه عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [28] من سورة آل عمران:{لَاّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}

الآية، فيقول: "مَن اتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين فليس من الله فى شئ، أى ليس هو من أولياء الله، والله برئ منه، وقيل: ليس هو من ولاية الله تعالى فى شئ. وقيل: ليس من دين الله فى شئ. ثم استثنى فقال: {إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} .. والمعنى: إلا أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين فيخافهم المؤمن إن لم يُظهر موافقتهم ولم يُحسن العِشْرة معهم، فعند ذلك يجوز له إظهار موَدَّتهم بلسانه، ومداراتهم تَقيَّة منهم ودفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد ذلك. وفى هذه الآية دلالة على أن التقيَّة جائزة فى الدين عند الخوف

ص: 83

على النفس، وقال أصحابنا: إنها جائزة فى الأحوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح وليس تجوز من الأفعال فى قتل المؤمن، ولا فيما يُعلم أو يغلب على الظن أنه استفساد فى الدين.

قال المفيد: إنها قد تجب أحياناً وتكون فرضاً، وتجوز أحياناً من غير وجوب، وتكون فى وقت أفضل من تركها، وقد يكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذوراً أو معفواً عنه متفضلاً عليه بترك اللوم عليها.

وقال الشيخ أبو جعفر الطوسى: وظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس، وقد روى رُخْصته فى جواز الإفصاح بالحق عنده، وروى الحسن: أن مسيلمة الكذَّاب أخذ رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقال لأحدهما: أتشهد أنَّ محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: أفتشهد أنى رسول الله؟ قال: نعم، ثم دعا بالآخر فقال: أتشهد أنَّ محمداً رسول الله؟ قال: نعم. قال: أفتشهد أنى رسول الله؟ قال: إنى أصم.. قالها ثلاثاً، كل ذلك يجيبه بمثل الأول، فضرب عنقه، فبلغ ذلك رسول الله فقال: أما ذلك المقتول فمضى على صدقه ويقينه، وأخذ بفضله فهنيئاً له، وأما الآخر فقبل رُخْصة الله فلا تبعة عليه، فعلى هذا تكون التقيَّة رُخْصة والإفصاح بالحق فضيلة".

* *

* تأثر الطبرسى بفقه الشيعة فى تفسيره:

ونجد الطبرسى فى تفسيره يتأثر بفقه الإمامية الإثنا عشرية وآرائهم الاجتهادية، فنراه يستشهد بكثير من الآيات على صحة مذهبه، أو يرد استدلال مخالفيه بآيات القرآن على مذاهبهم، وهو فى استدلاله، ورده، ودفاعه، وجدله، عنيف كل العنف، قوى إلى حد بعيد، بحيث يخيل لغير المدقق الخبير أن الحق بجانبه، والباطل بجانب مَن يخالفه.

* نكاح المتعة:

فمثلاً نجد الإمامية الإثنا عشرية يقولون بجواز نكاح المتعة، ولا يعترفون بنسخه كغيرهم من المسلمين، فلهذا حاول الطبرسى - وهو واحد منهم - أن يأخذ هذا المذهب بدليله من كتاب الله تعالى؛ فعندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [24] من سورة النساء:{والمحصنات مِنَ النسآء إِلَاّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}

الآية، يقول ما نصه:{فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}

الآية، قيل: المراد بالاستمتاع هنا درك البغية والمباشرة وقضاء الوطر من اللَّذة.. عن الحسن ومجاهد وابن زيد. فمعناه على هذا: فما استمتعتم وتلذذتم من النساء بالنكاح فآتوهن مهورهن. وقيل: المراد نكاح المتعة، وهو النكاح المنعقد بمهر معيَّن إلى أجل معلوم.. عن ابن عباس والسدى وابن سعيد وجماعة من التابعين، وهو مذهب أصحابنا الإمامية، وهو الواضح، لأن أصل الاستمتاع والتمتع وإن كان فى الأصل واقعاً على الانتفاع والالتذاذ فقد صار بُعْرف الشرع مخصوصاً بهذا العقد، ولا سيما إذا أضيف إلى النساء، فعلى هذا يكون معناه: فمتى عقدتم عليهن هذا العقد المسمى مُتعة فآتوهن أُجورهن، ويدل على ذلك أن الله علَّق وجوب إعطاء المهر

ص: 84

بالاستمتاع وذلك يقتضى أن يكون معناه هذا العقد المخصوص دون الجِماع والاستلذاذ، لأن المهر لا يجب إلا به. هذا، وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم أُبَىّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود: أنهم قرأوا: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مُسمَّى فآتوهن أُجورهن".. وفى ذلك تصريح بأن المراد به عقد المتعة. وقد أورد الثعلبى فى تفسيره عن حبيب بن أبى ثابت قال: أعطانى ابن عباس مصحفاً فقال: هذا على قراءة أُبَىّ، فرأيت فى المصحف:"فما استمتعتم به منهن إلى أجل مُسمَّى". وبإسناده عن أبى نضرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة فقال: أما تقرأ سورة النساء؟ فقلت: بلى، فقال:"فما استمتعتم به منهن إلى أجل مُسمَّى"، قلت: لا أقرؤها

هكذا. قال ابن عباس: واللهِ هكذا أنزلها الله تعالى (ثلاث مرات) . وبإسناده عن سعيد بن جبير أنه قرأ: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مُسمَّى". وبإسناده عن شعبة بن الحكم بن عيينة قال: سألته عن هذه الآية: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ} أمنسوخة هى؟ قال: قال الحكم: قال علىّ بن أبى طالب: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شفى. وبإسناده عن عمران بن الحصين قال: نزلت آية المتعة فى كتال الله تعالى ولم تنزل آية بعدها تنسخها، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات ولم ينهنا عنها، فقال بعد رجل برأيه ما شاء. ومما أورده مسلم بن الحجاج فى الصحيح قال: حدثنا الحسن الحلوانى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال عطاء: قدم جابر ابن عبد الله معتمراً فجئناه فى منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: استمتعنا على عهد رسول الله وأبى بكر وعمر.

ومما يدل أيضاً على أن لفظ الاستمتاع فى الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجِماع، أنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم شئ مِن المهر مَن لا ينتفع من المرأة بشئ، وقد علمنا أن لو طلَّقها قبل الدخول لزم نصف المهر، ولو كان المراد به النكاح الدائم لوجب للمرأة بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد، لأنه قال:{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أى مهورهن، ولا خلاف فى أن ذلك غير واجب، وإنما يجب الأجر بكماله بنفس العقد فى نكاح المتعة.

ومما يمكن التعلق به فى هذه المسألة، الرواية المشهورة عن عمر بن الخطاب أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالاً، أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما، فأخبر بأن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله وأضاف النهى عنها إلى نفسه بضرب من الرأى، فلو كان النبى صلى الله عليه وسلم نسخها أو نهى عنها أو أباحها فى وقت مخصوص دون غيره

ص: 85

لأضاف التحريم إليه دون نفسه. وأيضاً فإنه قرن بين متعة الحج ومتعة النساء فى النهى، ولا خلاف فى أن متعة الحج غير منسوخة ولا محرَّمة، فوجب أن يكون حكم متعة النساء حكمها. وقوله:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة} .. من قال إن المراد بالاستمتاع الانتفاع والجِماع، قال: المراد به: ولا حرج ولا إثم عليكم فيما تراضيتم به من زيادة مهر ونقصانه، أو حط، أو إبراء، أو تأخير. وقال السدى: معناه: لا جُناح عليكم فيما تراضيتم به من استئناف عقد آخر بعد انقضاء مدة الأجل المضروب فى عقد المتعة، يزيدها الرجل فى الآخر وتزيده فى المدة، وهذا قول الإمامية وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم.. ".

* *

* فرض الرِجْلَين فى الوضوء:

كذلك يقول الطبرسى - كغيره من علماء مذهبه - بأن المسح هو فرض الرِجْلين فى الوضوء، فلهذا نراه يجادل بكل قوة، ويدافع عن مذهبه وينصره بأدلة إن دلَّت على شئ فهو قوة عقلية هذا الرجل وسعة ذهنه وكثرة اطلاعه، فعندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [6] من سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} .. يقول ما نصه: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} .. اختُلِفَ فى ذلك، فقال جمهور الفقهاء: إن فرضهما الغسل. وقالت الإمامية: فرضهما المسح دون غيره، وبه قال عِكرمة. وقد روى القول بالمسح عن جماعة من الصحابة والتابعين، كابن عباس، وأنس وأبى العالية والشعبى. وقال الحسن البصرى بالتخيير بين المسح والغسل، وإليه ذهب الطبرى والجبائى إلا أنهم قالا: يجب مسح جميع القدمين ولا يجوز الاقتصار على مسح ظاهر القدم. قال ناصر الحق من جملة أئمة الزيدية: يجب الجمع بين المسح والغسل. وروى عن ابن عباس أنه وصف وضوء رسول الله فمسح على رجليه. وروى عنه أنه قال: إن فى كتاب الله المسح، ويأبى الناس إلا الغسل. وقال: الوضوء غسلتان ومسحتان. وقال قتادة: فرض الله غسلتين ومسحتين. وروى ابن عُلية، عن حميد، عن موسى ابن أنس: أنه قال لأنس ونحن عنده: إن الحَجَّاج خطبنا بالأهواز فذكر الطهر فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم، وإنه ليس شئ من بنى آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقبهما، فقال أنس: صدق الله وكذب الحَجَّاج، قال تعالى:{وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} .. قال فكان أنس إذا مسح قدميه بَلَّهما. وقال الشعبى: نزل جبريل عليه السلام بالمسح. وقال: إن فى التيمم يمسح ما كان غسلاً، ويلغى ما كان مسحاً.

ص: 86

وقال يونس: حدثنى مَن صحب عِكرمة إلى واسط. قال: فما رأيته غسل رجليه، إنما كان يمسح عليهما - وأما ما رُوى عن سادة أهل البيت فى ذلك فأكثر من أن يُحصَى، فمن ذلك ما روى الحسين بن سعيد الأهوازى، عن فضالة، عن حماد بن عثمان، عن غالب بن هذيل قال: سألت أبا جعفر عن المسح على رجلين

فقال: هو الذى نزل به جبريل. وعنه عن أحمد ابن محمد قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضح بكفه على الأصابع ثم مسحهما إلى الكعبين، فقلت له: لو أن رجلاً قال بأصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين؟ قال: لا، إلا بكفه كلها. وأما وجه القراءتين فى {وَأَرْجُلَكُمْ} فمن قال بالغسل حمل الجر فيه على أنه عطف على {بِرُؤُوسِكُمْ} ، وقال: المراد بالمسح هو الغسل. وروى عن أبى زيد أنه قال: المسح خفيف الغسل، فقد قالوا: تمسَّحت للصلاة، وقوى ذلك بأن التحديد إنما جاء فى المغسول ولم يجئ فى الممسوح، فلما وقع التحديد فى المسح عُلِم أنه فى حكم الغسل لموافقة الغسل فى التحديد، وهذا قول ابن علىّ الفارسى.

وقال بعضهم: هو خفض على جوار، كما قالوا: جحر ضب خرب. وخرب من صفات الحجر لا الضب، وكما قال امرؤ القيس:

كأن ثبيراً فى عرانين وبله

كبير أناس بجاد مزمل

وقال الزجَّاج: إذا قرئ بالجر يكون عطفاً على الرؤوس فيقتضى كونه ممسوحاً، وذُكر عن بعض السَلَف أنه قال: نزل جبريل بالمسح، والسُّنَّة فيه الغسل. قال: والخفض على الجوار لا يجوز فى كتاب الله تعالى، ولكن المسح على هذا التحديد فى القرآن كالغسل. وقال الأخفش: هو معطوف على الرؤوس فى اللفظ، مقطوع فى المعنى، كقول الشاعر:

علفتها تبناً وماءً بارداً

أى: وسقيتها ماءً بارداً.

وأما القراءة بالنصب، فقالوا فيه: إنه معطوف على {وَأَيْدِيَكُمْ} ، لأنَّا رأينا فقهاء الأمصار عملوا على الغسل دون المسح، ولما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى قوماً توضأوا وأعقابهم تلوح. فقال:"ويل للعراقيب من النار". ذكره أبو علىّ الفارسى، وأما مَن قال بوجوب مسح الرجلين.. حمل الجر والنصب فى "أرجلكم" على ظاهره بدون تعسف، فالجر للعطف على الرؤوس، والنصب للعطف على موضع الجار والمجرور، وأمثال ذلك فى كلام العرب أكثر من أن تُحصى. قالوا: ليس فلان بقائم ولا ذاهباً، وأنشد:

معاوى إننا بشر فأسجح

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وقال تأبط شراً:

هل أنت باعث ديناراً لحاجتنا

أو عبد رب أخا عون بن مخراق

ص: 87

فعطف "عبد" على موضع "دينار"، فإنه منصوب فى المعنى، ومن ذلك قول الشاعر:

جئنى بمثل بنى بدر لقومهم

أو مثل إخوة منظور بن سيار

فإنه لما كان معنى "جئنى": هات وأحضر لى مثلهم، عطف بالنصب على المعنى، وأجابوا الأوَّلين عما ذكروه فى وجه الجر والنصب بأجوبة نوردها على وجه الإيجاز.. قالوا: ما ذكروه أولاً من أن المراد بالمسح الغسل فباطل من وجوه:

أحدها: أن فائدة اللَّفظين فى اللُّغة والشرع مختلفة، وقد فرَّق الله سبحانه بين الأعضاء المغسولة وبين الأعضاء الممسوحة، فكيف يكون معنى المسح والغسل واحداً؟

وثانيها: أن الأرجل إذا كان معطوفاً على الرؤوس، وكان الفرض فى الرؤوس المسح الذى ليس بغسل بلا خلاف، فيجب أن يكون حكم الأرجل كذلك، لأن حقيقة العطف تقتضى ذلك.

وثالثها: أن المسح لو كان بمعنى الغسل لسقط استدلالهم بما رووه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه توضأ وغسل رجليه، لأن على هذا لا ينكر أن يكون مسحهما فسمُّوا المسح غسلاً وفى هذا ما فيه.

فأما استشهاد أبى زيد بقولهم: تمسَّحْتُ للصلاة، فالمعنى فيه: أنهم لما أرادوا أن يُخبروا عن الطهور بلفظ موجز ولم يجز أن يقولوا: تغسَّلْتُ للصلاة، لأن ذلك تشبيه بالغُسل، قالوا بدلاً من ذلك تمسَّحْتُ، لأن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضاً فتجوَّزوا لذلك تعويلاً على أن المراد مفهوم، وهذا لا يقتضى أن يكونوا جعلوا المسح من أسماء الغسل.

وأما ما قالوا فى تحديد طهارة الرِجْلين فقد ذكر المرتضى فى الجواب عنه: أن ذلك لا يدل على الغسل، وذلك لأن المسح فعل قد أوجبته الشريعة كالغسل فلا يُنكر تحديده كتحديد الغسل، ولو صرَّح سبحانه وتعالى فقال: وامسحوا أرجلكم وانتهوا بالمسح إلى الكعبين لم يكن منكراً. فإن قالوا: إن تحديد اليدين لما اقتضى الغسل فكذلك تحديد الرِجْلين يقتضى الغسل، قلنا: إنَّا لم نوجب الغسل فى اليدين للتحديد بل للتصريح بغسلهما، وليس كذلك فى الرِجْلين، وإن قالوا: عطف المحدود على المحدود أولى وأشبه بترتيب الكلام. قلنا: هذا لا يصح، لأن الأيدى محدودة وهى معطوفة على الوجوه التى ليست فى الآية محدودة، فإذن جاز عطف الأرجل وهى محدودة، على الرؤوس التى ليست بمحدودة، وهذا أشبه مما ذكرتموه، لأن الآية تضمنت ذكر عضو مغسول غير محدود وهو الوجه، وعطف عضو محدود مغسول عليه، ثم استؤنف ذكر عضو ممسوح غير محدود، فيجب أن يكون "أرجل" ممسوحة محدودة

ص: 88

معطوفة على الرؤوس دون غيره. ليتقابل الجملتان فى عطف مغسول محدود على مغسول غير محدود، وعطف ممسوح محدود على ممسوح غير محدود.

وأما مَن قال: إنه عطف على الجوار، فقد ذكرنا عن الزجَّاج أنه لم يُجوِّز ذلك فى القرآن، ومَن أجاز ذلك فى الكلام فإنما يجوز مع فقد حرف العطف، وكل ما استشهد به على الإعراب بالمجاورة فلا حرف فيه حائل بين هذا وذاك. وأيضاً فإن المجاورة إنما وردت فى كلامهم عند ارتفاع اللَّبْس والأمن من الاشتباه، فإن أحداً لا يشتبه عليه أن "خرباً" لا يكون من صفة الضب، ولفظة "مزمل" لا يكون من صفة البجاد، وليس كذلك الأرجل فإنها يجوز أن تكون ممسوحة كالرؤوس. وأيضاً فإن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزاً فى كلام العرب، وقالوا فى "حجر ضب خرب": إنهم أرادوا خرب جحره، فحذفوا المضاف الذى هو "جحر" وأقيم المضاف إليه وهو الضمير المجرور مقامه، وإذا ارتفع الضمير استكن فى "خرب" وكذلك القول فى "كبير أناس فى بجاد مزمل"، فتقديره: مزمل كبيره، فبطل الإعراب بالمجاورة جملة، وهذا واضح لمن تدبره.

وأما مَن جعله مثل قول الشاعر: "علفتها تبناً وماءً بارداً"، كأنه قدَّر فى الآية: واغسلوا أرجلكم، فقوله أبعد من الجميع، لأن مثل ذلك لو جاز فى كتاب الله تعالى - على ضعفه وبُعْده فى سائر الكلام - فإنما يجوز إذا استحال حمله على ظاهر، فأما إذا كان الكلام مستقيماً ومعناه ظاهراً فكيف يجوز مثل هذا التقدير الشاذ البعيد؟

وأما ما قاله أبو علىّ فى القراءة بالنصب على أنه معطوف على الأيدى، فقد أجاب عنه المرتضى بأن قال: جعل التأثير فى الكلام للقريب أولى من جعله للبعيد، فنصب الأرجل عطفاً على الموضع أولى من عطفها على الأيدى والوجوه، على أن الجملة الأولى المأمور فيها بالغسل قد انقضت وبطل حكمها باستئناف الجملة الثانية، ولا يجوز بعد انقطاع حكم الجملة الأولى أن تعطف على ما فيها، فإن ذلك يجرى مجرى قولهم: ضربتُ زيداً وعَمْراً، وأكرمتُ خالداً وبكراً، فإن رد بكر إلى خالد فى الإكرام هو الوجه فى الكلام لا يسوغ الذى سواه، ولا يجوز رده إلى الضرب الذى قد انقطع حكمه، ولو جاز ذلك أيضاً لترجح ما ذكرناه لتطابق معنى القراءتين ولا تتنافيان.

فأما ما روى فى الحديث أنه قال: "ويل للعراقيب من النار"، وغير ذلك من الأخبار التى رووها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه توضأ وغسل رجليه، فالكلام فى ذلك أنه لا يجوز أن يُرجعْ عن ظاهر القرآن المعلوم بظاهر الأخبار الذى لا يوجب علماً وإنما يقتضى الظن، على أن هذه الأخبار معارضة بأخبار كثيرة وردت من طرقهم ووُجِدت فى كتبهم، ونُقِلت عن شيوخهم، مثل ما روى عن أوس بن أبى أوس أنه قال: رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يتوضأ ومسح على نعليه ثم قام فصلَّى، وعن حذيفة قال: أتى رسول الله سباطة قوم فبال عليها ثم

ص: 89

دعا بماء فتوضأ ومسح على قدميه، وذكره أبو عبيدة فى غريب الحديث

إلى غير ذلك مما يطول ذكره.

وقوله: "ويل للعراقيب من النار"، فقد روى فيه أن قوماً من أجلاف الأعراب كانوا يبولون وهم قيام، فيتشرشر البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها، ويدخلون المسجد للصلاة، وكان ذلك سبباً لهذا الوعيد..

وأما الكعبان فقد اختُلِف فى معناهما، فعند الإمامية هما العظمان النابتان فى ظهر القدم عند معقد الشراك، ووافقهم فى ذلك محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة، وإن كان يوجب غسل الرجلين إلى هذا الموضع. وقال جمهور المفسَرين والفقهاء: الكعبان هما عظما الساقين، قالوا: ولو كان كما قالوه لقال سبحانه: "وأرجلكم إلى الكعاب" ولم يقل: إلى الكعبين، لأن على ذلك القول يكون فى كل رِجْل كعبان".

* *

* نكاح الكتابيات:

ولما كان مذهب الطبرسى عدم جواز نكاح أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فإنَّا نجده يتأثر بهذا المذهب فيفسِّر كلام الله على مقتضاه، فنجده عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [221] من سورة البقرة:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ}

الآية، يقول بعد ما تكلم عن اللُّغة والإعراب وسبب النزول: "لما تقدم ذكر المخالطة بيَّن تعالى مَن يجوز مخالطته بالنكاح فقال: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} أى لا تزوجوا النساء الكافرات حتى يؤمنّ - أى يصدقن بالله - وهى عامة عندنا فى تحريم مناكحة جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم. وليست بمنسوخة ولا مخصوصة، فاختلفوا فيه، فقال بعضهم: لا يقع اسم المشركات على أهل الكتاب، وقد فصل الله بينهما فقال:{لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين} [البينة: 1]، و {مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلَا المشركين} [البقرة: 105] وعطف أحدهما على الآخر، فلا نسخ فى الآية ولا تخصيص.

وقال بعضهم: الآية متناولة جميع الكفار، والشرك يُطلق على الكل، ومَن جحد نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أنكر معجزته وأضافه إلى غير ذلك، وهذا هو الشرك بعينه، لأن المعجزة شهادة من الله له بالنبوة. ثم اختلف هؤلاء: منهم مَن قال: إن الآية منسوخة فى الكتاب بالآية التى فى المائدة: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} [المائدة: 5] .. عن ابن عباس والحسن ومجاهد - ومنهم من قال: إنها مخصوصة بغير الكتابيات.. عن قتادة وسعيد بن جبير - ومنهم مَن قال: إنها على ظاهرها فى تحريم نكاح كل كافرة كتابية كانت أو مشركة.. عن ابن عمر وبعض الزيدية وهو مذهبنا،

ص: 90

وسيأتى بيان آية المائدة فى موضعها إن شاء الله: {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ} : معناه: مملوكة مصدِّقة مسلمة خير من حُرَّة مشركة، {وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} : معناه: ولو أعجبتكم بمالها أو حسبها أو جمالها، فظاهر هذا يدل على أنه يجوز نكاح الأَمَة المؤمنة فى وجود الطَوْل، فأما قول الله تعالى:{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} [النساء: 25]

الآية، فإنما هى على التنزيه دون التحريم، {وَلَا تُنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ} معناه: ولا تُنكِحوا النساء المسلمات جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم حتى يؤمنوا، وهذا يؤيد قول من يقول: إن قوله: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} يتناول جميع الكافرات، وقوله:{وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} ، أى عبد مصدِّق مسلم خير من حُرٍّ مشرك ولو أعجبكم ماله أو حاله أو جماله".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [5] من سورة المائدة: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ}

الآية، نراه يقول ما نصه:{والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} وهم اليهود والنصارى، واختُلف فى معناه، فقيل: هنَّ العفائف حرائر كنَّ أو إماء، حربيات كنَّ أو ذِمِّيات.. عن مجاهد والحسن والشعبى وغيرهم - وقيل: هنَّ الحرائر ذِمِّيات كنَّ أو حربيات - وقال أصحابنا: لا يجوز عقد نكاح الدوام على الكتابية، لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، ولقوله:{وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} [الممتحنة: 10] . وأوَّلوا هذه الآية بأن المراد بـ {المحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} اللاتى أسلمن منه، والمراد بـ {والمحصنات مِنَ المؤمنات} : اللاتى كُنَّ فى الأصل مؤمنات بأن وُلِدْن على الإسلام، وذلك أن قوماً كانوا يتحرَّجون من العقد على مَن أسلمت عن كفر، فبيَّن سبحانه أنه لا حَرَج فى ذلك، ولهذا أفردهن بالذكر، حكى ذلك أبو القاسم البلخى. قالوا: ويجوز أن يكون مخصوصاً أيضاً بنكاح المتعة وملك اليمين، فإن عندنا يجوز وطؤهن بكلا الوجهين، على أنه قد روى أبو الجارود عن أبى جعفر أنه منسوخ بقوله:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} ، بقوله:{وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} .

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [10] من سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} قال ما نصه: "أى لا تمسكوا بنكاح الكافرات، وأصل العصمة المنع، وسمى النكاح عصمة، لأن المنكوحة تكون فى حبال الزوج وعصمته، وفى هذا دلالة على أنه لا يجوز العقد على الكافرة سواء أكانت حربية أو ذِميَّة، وعلى كل حال، الآية

ص: 91

عامة فى الكوافر، وليس لأحد أن يخص الآية بعابدة الوثن لنزولها بسببهن، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بالسبب".

* *

* الغنائم:

ولما كانت الإمامية الإثنا عشرية لهم فى الغنائم نظام خاص يخالفون به مَن عداهم فيوجبون الخُمس لمستحقيه فى مطلق الغنيمة، فهو غير مختص عندهم بغنائم الحرب بل يشمل أنواعاً سبعة هى: غنائم الحرب، وغنائم الغوص، والكنز الذى يُعثر عليه، والمعدن الذى يُستنبط من الأرض، وأرباح المكاسب، والحلال المختلط بالحرام، والأرض المنتقلة من المسلم إلى الذِمِّى. وليس الخُمس الهاشمى الذى يرون وجوبه - فيما عدا الغنائم الحربية - من الصدقات كما يتوهم البعض، ولكنهم يعتبرونه حقاً امتيازياً لآل محمد الذين حُرِّمت عليهم الصدقات نظير ما تمتاز به الأسر المالكة اليوم من التمتع بمخصصات خاصة، وقد تضافر الحديث عن الأئمة بأن الخُمس حق سلطانى بإرادة ملكية، وهى إرادة مليك الكائنات لمستحقيه الذين ذكرهم القرآن.

لما كان هذا، فإنَّا نجد الطبرسى يُنزل ما ورد فى الغنائم من الآيات على مذهبه، ولهذا عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [41] من سورة الأنفال:{واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ}

الآية، يقول متأثراً بمذهبه: "اختلف العلماء فى كيفية قسمة الخُمس ومَن يستحقه على أقوال:

أحدها: ما ذهب إليه أصحابنا، وهو أن الخُمس يُقسَّم على ستة أسهم، فسهم الله، وسهم للرسول، وهذان السهمان مع سهم ذى القُرَبى للإمام القائم مقام الرسول، وسهم ليتامى آل محمد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، ولا يشركهم فى ذلك غيرهم، لأن الله سبحانه حَرَّم عليهم الصدقات لكونها أوساخ الناس وعوَّضهم من ذلك الخُمس، وروى ذلك الطبرى عن علىّ بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علىّ الباقر. وروى ايضاً عن أبى العالية والربيع أنه يُقسم على ستة أسهم إلا أنهما قالا: سهم الله للكعبة، والباقى لمن ذكره الله. وهذا القسم مما يقتضيه ظاهر الكتاب ويقويه.

الثانى: أن الخُمس يُقسم على خمسة أسهم، وأن سهم الله والرسول واحد، ويُصرف هذا السهم إلى الكراع والسلاح، وهو المروى عن ابن عباس، وإبراهيم، وقتادة، وعطاء.

الثالث: أن يُقسم على أربعة أسهم: سهم لذى القُرَبى.. لقرابة النبى صلى الله عليه وسلم، والأسهم الثلاثة لمن ذُكِروا بعد ذلك من سائر المسلمين وهو مذهب الشافعى.

الرابع: أنه يُقسم على ثلاثة أسهم، لأن سهم الرسول قد سقط بوفاته، لأن الأنبياء

ص: 92

لا تورث فيما يزعمون، وسهم ذوى القُربى قد سقط، لأن أبا بكر وعمر لم يعطيا سهم ذى القُرَبى ولم ينكر ذلك، أحد من الصحابة عليهما.. وهو مذهب أبى حنيفة وأهل العراق - ومنهم مَن قال: لو أعطى فقراء ذوى القُربَى سهماً والآخرين ثلاثة أسهم جاز، ولو جعل ذوى القُرَبى أُسوة بالفقراء ولا يفرد لهم سهم جار - واختُلِف فى ذى القُرَبى: فقيل: هم بنو هاشم خاصة من ولد عبد المطلب، لأن هاشماً لم يعقب إلا منه.. عن ابن عباس ومجاهد، وإليه ذهب أصحابنا - وقيل: هم بنو هاشم بن عبد مناف، وبنو عبد المطلب بن عبد مناف

وهو مذهب الشافعى، وروى ذلك عن جبير بن مطعم عن النبى صلى الله عليه وسلم وقال أصحابنا: إن الخُمس واجب فى كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب، وأرباح التجارات، وفى الكنوز والمعادن، والغوص، وغير ذلك مما هو مذكور فى الكتب، ويمكن أن يُستدل على ذلك بهذه الآية، فإن فى عُرْف اللغة يُطلق على جميع ذلك اسم الغُنْم والغنيمة.. ".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [7] من سورة الحشر: {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}

الآية، يقول ما نصه:{مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} أى من أموال كفار أهل القرى، {فَلِلَّهِ} يأمركم فيه بما أحب، {وَلِلرَّسُولِ} بتمليك الله إياه، {وَلِذِي القربى} يعنى أهل بيت رسول الله وقرابته، وهم بنو هاشم، {واليتامى والمساكين وابن السبيل} منهم، لأن التقدير: ولذى قُرْباه، ويتامى أهل بيته ومساكينهم وابن السبيل منهم، وروى المنهال بن عمرو عن علىّ بن الحسين قال: قلت: قوله: {وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} قال: هم أقرباؤنا ومساكيننا وأبناء سبيلنا. وقال جميع الفقهاء: هم يتامى الناس عامة، وكذلك المساكين وأبناء السبيل. وقد روى أيضاً ذلك عنهم. وروى محمد بن مسلم عن أبى جعفر أنه قال:"كان أبى يقول: لنا سهم رسول الله وسهم ذوى القُرَبى، ونحن شركاء الناس فيما بقى. والظاهر يقتضى أن ذلك لهم، سواء أكانوا أغنياء أو فقراء.. وهو مذهب الشافعى - وقيل: إن مال الفئ للفقراء من قرابة رسول الله وهم بنو هاشم وبنو المطلب. وروى عن الصادق أنه قال: نحن قوم فرض الله طاعتنا، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال.. يعنى ما كان يُصطفى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من فره الدواب، وحسان الجوارى، والدُرَّة الثمينة، والشئ الذى لا نظير له".

* *

* ميراث الأنبياء:

والطبرسى يقول كغيره من علماء مذهبه بأن الأنبياء عليهم السلام يورثون كما

ص: 93

يورث سائر الناس، ولهذا نراه يتأثر بمذهبه هذا. فيحمل عليه كلام الله، فمثلاً عندما فسَّر قوله تعالى فى الآيتين [5، 6] من سورة مريم: {وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ واجعله رَبِّ رَضِيّاً} .. يقول ما نصه: ".. اختُلِف فى معناه، فقيل: معناه: يرثنى مالى ويرث من آل يعقوب النبوة.. عن أبى صالح - وقيل معناه: يرث نبوتى ونبوة آل يعقوب.. عن الحسن ومجاهد. واستدل أصحابنا بالآية على أن الأنبياء يورثون المال، وأن المراد بالإرث المذكور فيها المال دون العلم والنبوة، بأن قالوا: إن لفظ الميراث فى اللُّغة والشريعة لا يُطلق إلا على ما يُنقل من الموروث إلى الوارث كالأموال، ولا يُستعمل فى غير المال إلا على طريق المجاز والتوسع، ولا يُعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة. وأيضاً فإن زكريا قال فى دعائه:{واجعله رَبِّ رَضِيّاً} .. أى اجعل يا رب ذلك المولى الذى يرثنى رضياً عندك ممتثلاً لأمرك، ومتى حملنا الإرث على النبوة لم يكن لذلك معنى، وكان لغواً عبثاً، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد: اللَّهم ابعث لنا نبياً، واجعله عاقلاً رضياً فى أخلاقه، لأنه إذا كان نبياً فقد دخل الرضا وما هو أعظم من الرضا فى النبوة، ويقوى ما قلناه أن زكريا صرَّح بأنه يخاف بنى عمه بعده بقوله:{وَإِنِّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي} .. وإنما يطلب وارثاً لأجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة والعلم، لأنه كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبياً مَن ليس بأهل النبوة، وأن يورث علمه وحكمته مَن ليس لهما بأهل، ولأنه إنما بُعث لإذاعة العلم ونشره فى الناس، فكيف يخاف من الأمر الذى هو الغرض من بعثته. فإن قيل: إن هذا يرجع عليكم فى ورثة المال، لأن فى ذلك إضافة الضن والبخل إليه، قلنا: معاذ الله أن يستوى الأمران، فإن المال قد يروق المؤمن والكافر، والصالح والطالح، ولا يمتنع أن يأسى على بنى عمه إذا كانوا من أهل الفساد أن يظفروا بماله فيصرفوه فيما لا

ينبغى، بل فى ذلك غاية الحكمة، فإن تقوية الفُسَّاق وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة فى الدين، فمن عَدَّ ذلك بخلاً وضَنا فهو غير منصف، وقوله:{خِفْتُ الموالي مِن وَرَآئِي} يُفهم منه أن خوفه إنما كان من أخلاقهم وأفعالهم ومعان فيهم لا من أعيانهم، كما أن مَن خاف الله تعالى فإنما خاف عقابه، فالمراد به: خِفْتُ تضييع الموالى مالى وإنفاقهم إياه فى معصية الله".

وعندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [16] من سورة النمل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} .. نجده يقول ما نصه: "فى هذه دلالة على أن الأنبياء يورثون المال كتوريث غيرهم.. وهو قول الحسن - وقيل: معناه: أنه ورث علمه ونبوته ومُلكه دون سائر

ص: 94

أولاده. ومعنى الميراث هنا أنه قام مقامه فى ذلك، فأْطلق عليه اسم الإرث كما أُطلق على الجنَّة اسم الإرث.. عن الجبائى، وهذا خلاف الظاهر، والصحيح عند أهل البيت هو الأول".

* *

* الإجماع:

ولما كان الطبرسى كعلماء مذهبه لا يعتبرون حِجِّية الإجماع مهما كان نوعه إلا إذا كان كاشفاً عن رأى الإمام أو كان الإمام داخلاً فى جملة المجمعين، فإنَّا نراه يرد الأدلة القرآنية التى استدل بها الجمهور على حِجِّية الإجماع ويناقشهم فى فهم هذه الآيات.

فمثلاً عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [59] من سورة النساء: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ذلك خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .. نراه يرد استدلال الجمهور بهذه الآية على حِجِّية الإجماع فيقول ما نصه: "

واستدلّ بعضهم بقوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} على أن إجماع الأُمة حُجَّة بأن قالوا: إنما أوجب الله الرد إلى الكتاب والسُّنَّة بشرط وجود التنازع، فدل على أنه إذا لم يوجد التنازع لا يجب الرد، ولا يكون كذلك إلا والإجماع حُجَّة. وهذا الاستدلال إنما يصح لو فُرض أن فى الأُمة معصوماً حافظاً للشرع، فأما إذا لم يُفرض ذلك فلا يصح، لأن تعليق الحكم بشرط أو صفة لا يدل على أن ما عداه بخلافه عند أكثر العلماء، فكيف اعتمدوا عليه ههنا. على أن الأُمة لا تُجْمِع على شئ إلا عن كتاب أو سُنَّة. وكيف يقال إنها إذا أجمعت على شئ لا يجب عليها الرد إلى الكتاب والسُّنَّة وقد رُدَّت إليهما"؟.

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [115] من سورة النساء: {وَمَن يُشَاقِقِ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ مَا تولى}

الآية، يقول ما نصه: ".. وقد استدل بهذه الآية على أن إجماع الأُمة حُجَّة، لأنه توعَّد على مخالفة سبيل المؤمنين كما توعَّد على مشاقة الرسول. والصحيح أنه لا يدل على ذلك، لأن ظاهر الآية يقتضى إيجاب متابعة مَن هو مؤمن على الحقيقة ظاهراً وباطناً، لأن مَن أظهر الإيمان لا يوصف بأنه مؤمن إلا مجازاً، فكيف يُحمل ذلك على الإيجاب متابعة مَن أظهر الإيمان، وليس كل مَن أظهر الإيمان مؤمناً، ومتى حملوا الآية على بعض الأُمة حملها غيرهم على مَن هو مقطوع على عصمته عنده من المؤمنين وهم الأئمة من آل محمد صلى الله عليه وسلم. على أن ظاهر الآية يقتضى أن الوعيد إنما يتناول مَن جمع

ص: 95

بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، فمن أين لهم أنَّ مَن يفعل أحدهما يتناوله الوعيد؟. ونحن إنما علمنا أن الوعيد إنما يتناول بمشاقة الرسول بانفرادها بدليل غير الآية، فيجب أن يسندوا تناول الوعيد باتباع غير سبيل المؤمنين إلى دليل آخر".

* *

* تأثر الطبرسى بمذهب المعتزلة فى تفسيره:

هذا.. وإن عقيدة الطبرسى كعقيدة غيره من الشيعة لها كثير الارتباط بمبادئ المعتزلة فى علم الكلام، ولهذا نراه فى تفسيره كثيراً ما يوافق المعتزلة فى بعض آرائهم الكلامية، ويرتضى مذهبهم، ويدافع عنه، ويحاول أن يهدم ما عداه. وأحياناً نراه لا يرتضى ما يقوله المعتزلة ولا يسلمه لهم بل يقف موقف المنازع لهم، والمعارض لأدلتهم.

* الهدى والضلال:

ففى الآيات التى لها تعلق بهداية العبد وضلاله، نراه يوافق المعتزلة فى عقيدتهم، ويدافع عنها، ويهدم ما عداها.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [125] من سورة الأنعام: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}

الآية، يقول ما نصه: ".. قد ذُكِر فى تأويل الآية وجوه:

أحدها: أن معناه: مَن يرد الله أن يهديه إلى الثواب وطريق الجنَّة يشرح صدره للإسلام فى الدنيا، بأن يثبت عزمه عليه، ويقوى دواعيه على التمسك به، ويزيل عن قلبه وساوس الشيطان وما يعرض فى القلوب من الخواطر الفاسدة. وإنما يغفل ذلك لطفاً له ومَنا عليه وثواباً على اهتدائه بهدى الله وقبوله إياه. ونظيره قوله سبحانه:{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17]، {وَيَزِيدُ الله الذين اهتدوا هُدًى} [مريم: 76] ، {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} عن ثوابه وكرامته، {يَجْعَلْ صَدْرَهُ} فى كفره، {ضَيِّقاً حَرَجاً} عقوبة له على ترك الإيمان من غير أن يكون سبحانه مانعاً له عن الإيمان، وسالباً إياه القدرة عليه، بل ربما يكون ذلك سبباً داعياً له إلى الإيمان، فإن مَن ضاق صدره بالشئ كان ذلك داعياً له إلى تركه. والدليل على أن شرح الصدر قد يكون ثواباً قوله تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} .. الآيات ومعلوم أن وضع الوزْر ورفع الذِكْر يكون ثواباً على تحمل أعباء الرسالة وكلفها، وكذلك ما قُرِن به من شرح الصدر. والدليل على أن الهدى قد يكون إلى الثواب قوله:{والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: 4-5] ، ومعلوم

ص: 96

أن الهداية بعد القتل لا تكون إلا إلى الثواب، فليس بعد الموت تكليف، وقد وردت الرواية الصحيحة: أنه لما نزلت هذه الآية سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرح الصدر: ما هو؟ فقال: نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فيشرح له صدره وينفسح، قالوا: فهل لذلك من أمارة يُعرف بها؟. قال: "نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافى عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت".

وثانيها: أن معنى الآية: فمن يرد الله أن يثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذى ذكرنا جزاءً له على إيمانه واهتدائه، وقد يُطلق لفظ الهدى والمراد به الاستدامة كما قلنا فى قوله:{اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6] ، {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} .. أى يخذله ويخَلى بينه وبين ما يريده لاختياره الكفر وتركه الإيمان، {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} بأن يمنعه الألطاف التى ينشرح بها صدره لخروجه من قبولها بإقامته على كفره. فإن قيل: إنَّا نجد الكافر غير ضيق الصدر لما هو فيه، ونراه طيب القلب على كفره، فكيف يصح الخلف فى خبره سبحانه؟ قلنا: إنه سبحانه بيَّن أنه يجعل صدره ضيقاً ولم يقل فى كل حال، ومعلوم من حاله فى أحوال كثيرة أنه يضيق صدره بما هو فيه من ورود الشبه والشكوك عليه، وعندما يجازى الله المؤمنين على استعمال الأدلة الموصلة إلى الإيمان، وهذا القدر هو الذى يقتضيه الظاهر.

وثالثها: أن معنى الآية: مَن يرد الله أن يهديه زيادة الهدى التى وعدها المؤمن يشرح صدره لتلك الزيادة، لأن من حقها أن تزيد المؤمن بصيرة، {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} عن تلك الزيادة بمعنى يُذهبه عنها من حيث أخرج هو نفسه من أن يصح عليه، {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} لمكان فقد تلك الزيادة، لأنها إذا اقتضت فى المؤمن ما قلناه أوجب فى الكافر ما يضاده، ويكون الفائدة فى ذلك الترغيب فى الإيمان والزجر عن الكفر.. وهذا التأويل قريب مما تقدم. وقد روى عن ابن عباس أنه قال: إنما سمى الله قلب الكافر حَرَجاً، لأنه لا يصل الخير إلى قلبه - وفى رواية أُخرى: لا تصل الحكمة إلى قلبه - ولا يجوز أن يكون المراد بالإضلال فى الآية الدعاء إلى الضلال، ولا الأمر به، ولا الإجبار عليه، لإجماع الأمة على أن الله تعالى لا يأمر بالضلال ولا يدعو إليه، فكيف يُجبر عليه، والدعاء إليه أهون من الإجبار عليه. وقد ذم الله تعالى فرعون والسامرى على إضلالهما عن دين الهدى فى قوله:{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} [طه: 79]، وقوله:{وَأَضَلَّهُمُ السامري} [طه: 85] ، ولا خلاف فى أن إضلالهما إضلال أمر وإجبار ودعاء، وقد ذمهما الله تعالى عليه مطلقاً، وكيف يتمدح بما ذم عليه غيره".

* *

*

ص: 97

رؤية الله:

كذلك يقول الطبرسى بما يقول به المعتزلة من عدم جواز رؤية الله ووقوعها فى الآخرة، ولهذا نراه يُفسِّر قوله تعالى فى الآيتين [22، 23] من سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بما يتفق ومذهبه فيقول: {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} اختلف فيه على وجهين:

أحدهما: أن معناه نظرة العين. والثانى: أنه الانتظار.

واختلف من حمله على نظر العين على قولين:

أحدهما: أن المراد: إلى ثواب ربها ناظرة، أى هى ناظرة إلى نعيم الجنَّة حالاً بعد حال، فيزداد بذلك سرورها. وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه.. روى ذلك عن جماعة من علماء المفسِّرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما فى قوله تعالى:{وَجَآءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] : أمر ربك. وقوله: {وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار} [غافر: 42] : أى إلى إطاعة العزيز الغفار وتوحيده. وقوله: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله} [الأحزاب: 57] : أى أولياء الله.

والآخر: أن النظر بمعنى الرؤية، والمعنى: تنظر إلى الله معاينة، روى ذلك عن الكلبى ومقاتل وعطاء وغيرهم.. وهذا لا يجوز، لأن كل منظور إليه بالعين، مشار إليه بالحدقة واللحاظ، والله يتعالى عن أن يشار إليه بالعين، كما يجل سبحانه عن أن يُشار إليه بالأصابع، وأيضاً فإن الرؤية بالحاسة لا تتم إلا بالمقابلة والتوجه، والله يتعالى عن ذلك بالاتفاق. وأيضاً فإن رؤية الحاسة لا تتم إلا باتصال الشعاع بالمرئى، والله منزَّه عن اتصال الشعاع به. على أن النظر لا يفيد الرؤية فى اللُّغة، فإنه إذا علق بالعين أفاد طلب الرؤية. كما أنه إذا علق بالقلب أفاد طلب المعرفة بدلالة قولهم: نظرت إلى الهلال فلم أره، فلو أفاد النظر الرؤية لكان هذا القول ساقطاً متناقضاً، وقولهم: ما زلتُ أنظر إليه حتى رأيته، والشئ لا يُجعل غاية لنفسه، فلا يقال: ما زلتُ أراه حتى رأيته، ولأنَّا نعلم الناظر ناظراً بالضرورة، ولا نعلمه رائياً بالضرورة، بدلالة أنَّا نسأله: هل رأيتَ أم لا؟

وأما مَن حمل النظر فى الآية على الانتظار فإنهم اختلفوا فى معناه على أقوال:

أحدها: أن المعنى: منتظرة لثواب ربها.. روى ذلك عن مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، والضحاك.. وهو المروى عن علىّ. ومَن اعترض على هذا بأن قال: إن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بـ "إلى"، فلا يقال: انتظرت إليه، وإنما يقال: انتظرته، فالجواب عنه على وجوه:

منها: أنه قد جاء فى الشعر بمعنى الانتظار ومعدى بـ "إلى"، كما فى البيت الذى سبق ذكره:

ص: 98

. ناظرات

إلى الرحمن

وكقول جميل بن معمر:

وإذا نظرتُ إليك من ملك

والبحر دونك زدتنى نعماً

وقول الآخر:

إنى إليك لما وعدتَ لناظر

نظر الفقير إلى الغنى الموسر

ونظائره كثيرة..

ومنها أن تحمل "إلى" فى قوله تعالى: {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} على أنها اسم، فهو واحد الآلاء التى هى النعم، فإن فى واحدها أربع لغات:"إلا" و "ألا" مثل: معى وقفا، و "ألى"و "إلى" مثل جدى وحسى، وسقط التنوين بالإضافة. وقال الأعشى:

أبيض لا يرهب الهزال ولا

يقطع رحماً ولا يخون إلى

وليس لأحد أن يقول: إن هذا من أقوال المتأخرين وقد سبقهم الإجماع، فإنَّا لا نُسلِّم ذلك، لما ذكرناه من أن علياً ومجاهداً والحسن وغيرهم قالوا: المراد بذلك: تنتظر الثواب.

ومنها: أن لفظ النظر يجوز أن يعدى بـ "إلى" فى الانتظار على المعنى، كما أن الرؤية عديت بـ "إلى" فى قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل} [الفرقان: 45] فأجرى الكلام على المعنى، ولا يقال: رأيت إلى فلان. ومن إجراء الكلام على المعنى قول الفرزدق:

ولقد عجبت إلى هوازن أن أصبحت

منى تلوذ ببطن أم جرير

فعدى "عجبت" بـ "إلى" لأن المعنى نظرت.

وثانيها: أن معناه: مؤملة لتجديد الكرامة، كما يقال: عينى ممدودة إلى الله تعالى وإلى فلان، وأنا شاخص الطرف إلى فلان.. ولما كانت العيون بعض أجزاء الوجوه أضيف الذى يقع بالعين إليها.. عن أبى مسلم.

وثالثها: أن المعنى: أنهم قطعوا آمالهم وأطماعهم عن كل شئ سوى الله، ورجوه دون غيره، فكنى سبحانه عن الطمع بالنظر، ألا ترى أن الرعية تتوقع نظر السلطان

ص: 99

وتطمع فى إفضاله عليها وإسعافه فى حوائجها، فنظر الناس مختلف: فناظر إلى السلطان، وناظر إلى تجارة، وناظر إلى زراعة، وناظر إلى ربه يؤمله.. وهذه الأقوال متقاربة فى المعنى، وعلى هذا فإن هذا الانتظار متى يكون؟ فقيل: إنه بعد الاستقرار فى الجنَّة، وقيل: إنه قبل استقرار الخلق فى الجنة والنار، فكل فريق ينتظر ما هو له أهل.. وهذا اختيار القاضى عبد الجبار - وذكر جمهور أهل العدل أن النظر يجوز أن يُحمل على المعنيين جميعاً، ولا مانع لنا من حمله على الوجهين، فكأنه سبحانه أراد أنهم ينظرون إلى الثواب المُعَد لهم فى الحال من أنواع النعيم، وينتظرون أمثالها حالاً بعد حال ليتم لهم ما يستحقون من الإجلال، ويُسئل على هذا فيقال: إذا كان بمعنى النظر بالعين حقيقة وبمعنى الانتظار مجازاً فكيف يُحمل عليهما؟ والجواب: أن عند أكثر المتكلمين فى أصول الفقه يجوز أن يرادا بلفظ واحد إذ لا تنافى بينهما.. وهو اختيار المرتضى قدَّس الله روحه، ولَمْ يجوزِّ ذلك أبو هاشم إلا إذ تكلم به مرتين: مرة يريد النظر، ومرة يريد الانتظار. وأما قولهم: المنتظر لا يكون نعيمه خالصاً فكيف يوصف أهل الجنَّة بالانتظار؟ فالجواب عنه: أن مَن ينتظر شيئاً لا يحتاج إليه فى الحال وهو واثق بوصوله إليه عند حاجته فإنه لا يهتم بذلك ولا ينقص سروره به، بل ذلك زايد فى نعيمه، وإنما يحلق الهم المنتظر إذا كان يحتاج إلى ما ينتظره فى الحال ويلحقه بفوته مضرَّة وهو غير واثق بالوصول إليه. وقد قيل فى إضافة النظر إلى الوجوه: إن الغم والسرور إنما يظهران فى الوجوه، فبيَّن الله سبحانه أن المؤمن إذا ورد يوم القيامة تهلل وجهه، وأن الكافر يخاف مغبة أفعاله القبيحة فيكلح وجهه.. "

* *

السحر:

والطبرسى ينكر حقيقة السحر ولا يقول به، ويخالف جمهور أهل السُّنَّة فى ذلك، ويرد أدلتهم، وينكر حديث البخارى فى سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نراه فى آخر تفسيره لقوله تعالى للآية [102] من سورة البقرة:{واتبعوا مَا تَتْلُواْ الشياطين على مُلْكِ سُلَيْمَانَ}

الآية، يقول ما نصه: ".. واختُلِف فى ماهية السحر على أقوال:

فقيل: إنه ضرب من التخييل وصنعة لطيفة من الصنائع، وقد أمر الله تعالى بالتعوذ منه وجعل التحرز منه بكتابة وقاية منه، وأنزل فيه سورة الفلق.. وهو قول الشيخ المفيد أبى عبد الله من أصحابنا.

وقيل: إنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها، تخيل إلى المسحور لها حقيقة..

وقيل: إنه يمكن الساحر أن يقلب الإنسان حماراً ويقلبه من صورة إلى صورة، وينشئ الحيوان على وجه الاختراع. وهو لا يجوز، ومن صدَّق به فهو لا يعرف النبوة،

ص: 100

ولا يأمن من أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النوع، ولو أن الساحر والمعزم قدرا على نفع أو ضرر، وعلما الغيب لقدرا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز من معادنها والغلبة على البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه وضرر، فلما رأيناهم أسوأ الناس حالاً وأكثرهم مكيدة واحتيالاً. علمنا أنهم لا يقدرون على شئ من ذلك. فأما ما روى من الأخبار أن النبى صلى الله عليه وسلم سُحر فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله أو أنه لم يفعل ما فعله فأخبار مفتعلة لا يُلتفت إليها، وقد قال الله حكاية عن الكفار:{إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ رَجُلاً مَّسْحُوراً} [الفرقان: 8] . فلو كان السحر عمل فيه لكان الكفار صادقين فى مقالهم، حاشا للنبى من كل صفة نقص تنفر عن قبول قوله، فإنه حُجَّة الله على خلقه وصفوته على بريته.. ".

* *

* الشفاعة:

هذا.. ولا يلتزم الطبرسى القول بكل معتقدات المعتزلة، بل نراه يخالفهم فى كثير من الأحيان، ويرد عليهم معتقداتهم، ويجادلهم فيها جدالاً عنيفاً قوياً.

فمذهب الطبرسى فى الشفاعة - مثلاً - يخالف مذهب المعتزلة، ولهذا نراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [48] من سورة البقرة:{واتقوا يَوْماً لَاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} .. يقول ما نصه: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} قال المفسرون: حكم هذه الآية مختص باليهود، لأنهم قالوا: نحن أولاد الأنبياء وآباؤنا يشفعون لنا، فأيأسهم الله عن ذلك فخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص، ويدل على ذلك أن الأمة اجتمعت على أن للنبى شفاعة مقبولة، وإن اختلفوا فى كيفيتها، فعندنا هى مختصة بدفع المضار وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبى المؤمنين.

وقالت المعتزلة: هى فى زيادة المنافع للمطيعين والتائبين دون العاصين. وهى ثابتة عندنا للنبى، ولأصحابه المنتخبين، وللأئمة من أهل بيته الطاهرين، ولصالحى المؤمنين، وينجى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين، ويؤيده الخبر الذى تلقته الأمة بالقبول وهو قوله:"ادخرتُ شفاعتى لأهل الكبائر من أُمتى"، وما جاء فى روايات أصحابنا رضى الله عنهم مرفوعاً إلى النبى أنه قال:"إنى أُشَفَّع يوم القيامة فأشفع، ويُشفَّع علىّ فيشفع، ويُشَفَّع أهل بيتى فيشفعون، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع فى أربعين من إخوانه كل قد استوجب النار"، وقوله مخبراً عن الكفار عند حسراتهم على الفائت لهم مما حصل لأهل الإيمان من الشفاعة:{فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 100-101] .

* *

*

ص: 101

حقيقة الإيمان:

وهو أيضاً يخالف المعتزلة فى حقيقة الإيمان، فلذلك لما عرض لتفسير قوله تعالى فى الآية [3] من سورة البقرة:{الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} .. قال ما نصه: ".. وقالت المعتزلة بأجمعها: الإيمان هو فعل الطاعة، ثم اختلفوا فمنهم مَن اعتبر الفرائض والنوافل. ومنهم مَن اعتبر الفرائض فحسب. واعتبروا الاجتناب من الكبائر كلها، وقد روى العام والخاص عن علىّ بن موسى الرضا: أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالأركان، وقد روى ذلك على لفظ آخر منه أيضاً: الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول، واتباع الرسول.

وأقول أنا: أصل الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاءت به رسله. وكل عارف بشئ فهو مصدِّق به، يدل عليه هذه الآية، فإنه تعالى لما ذكر الإيمان علَّقه بالغيب، ليعلم أنه تصديق للمخبر فيما أخبر به من الغيب على معرفة وثقة، ثم أفرده بالذكر عن سائر الطاعات البدنية والمالية وعطفها عليه فقال:{وَيُقِيمُونَ الصلاة وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} ، والشئ لا يُعطف على نفسه إنما يُعطف على غيره، ويدل عليه أيضاً أنه تعالى حيث ذكر الإيمان أضافه إلى القلب فقال:{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106]، وقال:{أولائك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمان} [المجادلة: 22] .. وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "الإيمان سر - وأشار إلى صدره - والإسلام علانية" وقد يسمى الإقرار إيماناً كما يسمى تصديقاً إلا أنه متى صدر على شك أو جهل كان إيماناً لفظياً لا حقيقياً، وقد تُسمى أعمال الجوارح أيضاً إيماناً استعارة وتلويحاً كما يسمى تصديقاً كذلك، فيقال: فلان تُصدِّق أفعاله مقاله، ولا خير فى قول لا يصدقه الفعل. والفعل ليس بتصديق حقيقى باتفاق أهل اللُّغة، وإنما استعير هذا الاسم على الوجه الذى ذكرناه. فقد آل الأمر مع تسليم صحة الخبر وقبوله إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والتصديق به على نحو ما تقتضيه اللُّغة، ولا يُطلق لفظه إلا على ذلك. إلا أنه يستعمل فى الإقرار باللسان والعمل بالأركان مجازاً واتساعاً، وبالله التوفيق".

* *

* روايته للأحاديث الموضوعة:

هذا.. ولا يفوتنا أن نقول: إن الطبرسى رحمه الله لم يكن صادقاً فى وصفه لكتابه هذا بأنه محجة للمحدِّث، ذلك لأنَّا تتبعناه فوجدناه غير موفق فيما يروى من الأحاديث فى تفسيره، فقد أكثر من ذكر الموضوعات، خصوصاً ما وضعه الشيعة ونسبوه إلى النبى صلى الله عليه وسلم أو إلى أهل البيت مما يشهد لمعتقداتهم ويدل على تشيعهم.

ص: 102

وإذا نحن تتبعنا ما يرويه من الأحاديث فى فضائل السور لوجدناه قد وقع فيما وقع فيه كثير من المفسِّرين من الاغترار بما جاء من الأحاديث فى فضائل السور مسنداً إلى أُبَىّ وغيره، ومرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى أحاديث موضوعة باتفاق أهل العلم.

كذلك لو تتبعنا هذا التفسير لوجدنا صاحبه يروى فى تفسيره من الأحاديث ما يشهد لمذهبه أو يتصل به، وهى أخبار نقرؤها ولا نكاد نرى عليها صبغة الصدق ورواء الحق.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [7] من سورة الرعد: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} .. نجد أنه يذكر من الروايات ما هو موضوع على ألسنة الشيعة، ثم يمر عليها بدون تعقيب منه، مما يدل على أنه يصدقها ويقول بها. فهو بعد أن ذكر أقوالاً أربعة فى معنى هذه الآية نقل عن ابن عباس أنه قال:"لما نزلت الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا المنذر وعلىّ الهادى من بعدى، يا علىّ، بك يهتدى المهتدون". ونقل بسنده إلى أبى بردة الأسلمى أنه قال:"دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطهور، وعنده علىّ ابن أبى طالب، فأخذ رسول الله بيد علىّ بعد ما تطهر فألزمها بصدره ثم قال: {إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ} ، ثم ردها إلى صدره، ثم قال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} ، ثم قال: إنك منارة الأنام، وغاية الهدى، وأمير القرى، وأشهد علىّ ذلك أنك كذلك".

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [23] من سورة الشورى: {قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ المودة فِي القربى} .. نجده يذكر أقوالاً ثلاثة فى معنى هذه الآية:

أحدها: لا أسألكم على تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة أجراً إلا التوادد والتحاب فيما يُقَرِّب إلى الله تعالى من العمل الصالح.

وثانيها: أن معناه: إلا أن تودونى فى قرابتى منكم وتحفظونى لها.

وثالثها: إلا أن تودوا قرابتى وتحفظونى فيهم

وهنا يسوق من الروايات عن أهل البيت وغيرهم ما يصرِّح بأن الذين أمر الله بمودتهم: علىّ وفاطمة وولدهما، ويروى - فيما يروى - هذا الحديث الغريب الذى نقله من كتاب "شواهد التنزيل لقواعد التفضيل" مرفوعاً إلى أبى أُمامة الباهلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتَّى، وخُلقت أنا وعلىّ من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلىّ فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمَن تعلَّق بغصن من أغصانها نجا، ومَن زاغ عنها هوى، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالى، ثم لم يدرك محبتنا كبَّه الله على منخريه فى النار، ثم تلا:{قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَاّ المودة فِي القربى} .

* *

*

ص: 103

نموقفه من الإسرائيليات:

وكثيراً ما يروى الطبرسى فى تفسيره الروايات الإسرائيلية معزوَّة إلى قائليها، ونلاحظ عليه أنه يذكرها بدون أن يُعقِّب عليها.. اللَّهُمَ إلا إذا كانت مما يتنافى مع العقيدة، فإنه ينبه على كذب الرواية، ويبين ما فيها من مجافاتها للحق وبُعدها عن الصواب، فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [21] وما بعدها من سورة (ص) : {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الخصم إِذْ تَسَوَّرُواْ المحراب * إِذْ دَخَلُواْ على دَاوُودَ

.}

الآيات، نجده يقول:"واختلف فى استغفار داود من أى شئ كان، فقيل: إنه حصل منه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع والتذلل بالعبادة والسجود، كما أخبر سبحانه عن إبراهيم بقوله: {والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين} [الشعراء: 82] .. وأما قوله: {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} [ص: 25] فالمعنى أنَّا قبلناه منه وأثبتناه، فأخرجه على لفظ الجزاء مثل قوله: {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] ، وقوله: {الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} [البقرة: 15] . فلما كان المقصود من الاستغفار والتوبة القبول قيل فى جوابه: "غفرنا" وهذا قول من يُنَزِّه الأنبياء عن جميع الذنوب من الإمامية وغيرهم. ومَن جوَّز على الأنبياء الصغائر قال: إن استغفاره كان لذنب صغير وقع منه، ثم إنهم اختلفوا فى ذلك على وجوه:

أحدها: أن أُوريا بن حيّان خطب امرأة وكان أهلها أرادوا أن يُزوِّجوها منه، فبلغ داود جمالها فخطبها أيضاً فزوَّجوها منه، فقدَّموه على أوربا، فعوتب داود على الدنيا.. عن الجبائى.

وثانيها: أنه أخرج أُوريا إلى بعض ثغوره فقُتل فلم يجزع عليه جزعه على أمثاله من جنده إذ مالت نفسه إلى نكاح امرأته، فعوتب على ذلك بنزول المَلَكين.

وثالثها: أنه كان فى شريعته أن الرجل إذا مات وخلَّف امرأته فأولياؤه أحق بها إلا أن يرغبوا عن التزوج بها، فحينئذ يجوز لغيرهم أن يتزوج، فلما قُتل أُوريا خطب داود امرأته ومنعت هيبة داود وجلالته أولياءه يخطبوها فعوتب على ذلك.

ورابعها: أن داود كان متشاغلاً بالعبادة فأتاه رجل وامرأة متحاكمين فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها وذلك مباح، فمالت نفسه إليها ميل الطباع ففصل بينهما وعاد إلى عبادة ربه، فشغله الفكر فى أمرها عن بعض نوافله فعوتب.

وخامسها: أنه عوتب على عجلته فى الحكم قبل التثبت، وكان يجب عليه حين سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل الآخر عما عنده فيها ويحكم عليه قبل ذلك، وإنما أنساه التثبت فى الحكم فزعه من دخولهما عليه فى غير وقت العادة.

وأما ما ذُكر فى القصة أن داود كان كثيرا الصلاة فقال: يا رب فضَّلتَ علىّ إبراهيم فاتخذَتُه خليلاً، وفضَّلتَ علىّ موسى فكلَّمتَه تكليماً، فقال: يا داود إنا ابتليناهم بما

ص: 104

لم نبتلك بمثله فإن شئت ابتليتْ، فقال: نعم يا رب فابتلنى، فبينا هو فى محرابه ذات يوم وقعت حمامة، فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوَّة المحراب، فذهب ليأخذها فاطلع من الكوَّة فإذا امرأة أُوريا ابن حيَّان تغتسل فهواها وهَمَّ بتزوجها، فبعث بأُوريا إلى بعض سراياه وأمر بتقديم أمام التابوت الذى فيه السكينة ففعل ذلك وقُتِل، فلما انقضت عِدَّتها تزوجها وبنى بها فولد له منها سليمان، فبينا هو ذات يوم فى محرابه يقرأ إذ دخل عليه رجلان ففزع منهما، فقالا: {لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ

}

إلى قوله: {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} .. فنظر أحد الرجلين إلى صاحبه ثم ضحك فتنبه داود على أنهما ملكان بعثهما الله إليه فى صورة خصمين ليبكتاه على خطيئته فتاب وبكى حتى نبت الزرع من كثرة دموعه، فمما لا شبهة فى فساده، فإن ذلك مما يقدح فى العدالة فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله تعالى الذين هم أمناؤه على وحيه وسفراؤه بينه وبين خلقه بصفة مَن لا تُقبل شهادته وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه والقبول منه؟ جَلَّ أنبياء الله عن ذلك. وقد روى عن أمير المؤمنين أنه قال: لا أُوتى برجل يزعم أن داود تزوج امرأة أُوريا إلا جلدتُه حدَّين: حداً للنبوة، وحداً للإسلام".

* *

* التفسير الرمزى:

والطبرسى مع أنه فى كتابه هذا يُفسِّر القرآن تفسيراً يتمشى مع الظاهر المتبادر إلى الذهن إلا أنَّا نلاحظ عليه أحياناً أنه يذكر المعانى الباطنية، أو بعبارة أخرى يذكر التفسير الرمزى الذى يقول به الشيعة، وهو وإن كان ناقلاً لهذه الأقوال إلا أنه يرتضيها ولا يرد عليها، وكثيراً ما يؤيدها بأدلة من عنده.

مثال ذلك أنه عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [35] من سورة النور: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}

الآية، نجده يقول بعد كلام طويل:"واختلف فى هذا المشبه والمشبه به على أقوال".. ثم ذكر هذه الأقوال، فكان من جملة ما ذكره هذه الروايات التى لا تعدو أن تكون من وضع الشيعة، وهى ما روى عن الرضا أنه قال:"نحن المشكاة فيها المصباح محمد صلى الله عليه وسلم يهدى الله لولايتنا من أحب". وما نقله من كتاب التوحيد لأبى جعفر بن بابويه رحمه الله بالإسناد عن عيسى بن راشد عن أبى جعفر الباقر فى قوله: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} قال: نور العلم فى صدر النبى، {المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة} الزجاجة صدر علىّ، صار علم النبى إلى صدر علىّ، علَّم النبى علياً، {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ} نور العلم، {لَاّ شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ} لا يهودية ولا نصرانية، {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} قال:

ص: 105

يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يُسئل، {نُّورٌ على نُورٍ} أى إمام مؤيَّد بنور العلم والحكمة فى أثر إمام من آل محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك من النبى آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة. فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاء فى أرضه، وحججه على خلقه، لا تخل الأرض فى كل عصر من واحد منهم، ويدل عليه قول أبى طالب:

أنت الأمير محمد

قرم أغر مسود

لمسودين أطاهر

كرموا وطاب المولد

أنت السعيد من السعو

د تكنفتك الأسعد

من لدن آدم لم يزل

فينا وصى مرشد

ولقد عرفتك صادقاً

والقول لا يتفند

مازلت تنطق بالصوا

ب وأنت طفل أمرد

تحقيق هذه الجملة يقتضى أن الشجرة المباركة المذكورة فى الآية هى دوحة التقى والرضوان وعترة الهدى والإيمان، شجرة أصلها النبوة، وفرعها الإمامة، وأغصانها التنزيل، وأوراقها التأويل، وخدمها جبريل وميكائيل".

* *

* اعتداله فى تشيعه:

والطبرسى معتدل فى تشيعه غير مغال فيه كغيره من متطرفى الإمامية الإثنا عشرية، ولقد قرأنا فى تفسيره فلم نلمس عليه تعصباً كبيراً، ولم نأخذ عليه أنه كفَّر أحداً من الصحابة أو طعن فيهم بما يُذهب بعدالتهم ودينهم.

كما أنه لم يغال فى شأن علىّ بما يجعله فى مرتبة الإله أو مصاف الأنبياء، وإن كان يقول بالعصمة. ولقد وجدناه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فى شأن مَن وإلى علياً ومَن عاداه، وهو بصرف النظر عن درجته من الصحة يدل على أن الرجل وقف موقفاً وسطاً أو فوق الوسط إلى حد ما فيه من حبه لعلىّ رضى الله عنه، هذا الحديث هو ما رواه فى الوجه الرابع من الوجوه التى قيلت فى سبب نزول قوله تعالى فى الآية [57] من سورة الزخرف:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} ، حيث قال:".. ورابعها: ما رواه سادة أهل البيت عن علىّ عليهم أفضل الصلوات أنه قال: جئت إلى رسول الله يوماً فوجدته فى ملإٍ من قريش فنظر إلىّ ثم قال: يا علىّ؛ إنما مثلك فى هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم أحبه قوم فأفرطوا فى حبه فهلكوا، وأبغضه قوم وأفرطوا فى بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قوم فنجوا، فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا: يشبه بالأنبياء والرسل.. فنزلت الآية".

ص: 106

وكل ما لاحظناه عليه من تعصبه أنه يدافع بكل قوة عن أُصول مذهبه وعقائد أصحابه، كما أنه إذا روى أقوال المفسِّرين فى آية من الآيات ونقل أقوال المفسِّرين من أهل مذهبه فيها نجده يرتضى قول علماء مذهبه ويؤيده بما يظهر له من الدليل.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [58] من سورة النساء: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا}

الآية، يقول:"قيل فى المعنىِّ بهذه الآية أقوال".. ثم يذكر الأقوال، ويذكر ما رواه أصحابه عن أبى جعفر الباقر وأبى عبد الله الصادق من أنهما قالا:"أمر الله كل واحد من الأئمة أن يُسلِّم الأمر إلى مَن بعده".. ثم قال مؤيداً لهذا القول: "ويعضده أنه أمر الرعية بعد هذا بطاعة ولاة الأمر. وروى عنهم أنهم قالوا: آيتان إحداهما لنا والأخرى لكم، قال الله:{إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا} ، وقال:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ}

الآية".

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [59] من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} .. الآية، نجده بعد أن يذكر ما جاء عن بعض السَلَف من أن المراد بأُولى الأمر الأمراء، وما جاء عن بعضهم من أن المراد بهم العلماء يقول:"وأما أصحابنا فإنهم رووا عن الباقر والصادق أن أُولى الأمر هم الأئمة من آل محمد، أوجب الله طاعتهم بالإطلاق كما أوجب طاعته وطاعة رسوله، ولا يجوز أن يوجب الله طاعة أحد على الإطلاق إلا مَن ثبت عصمته، وعلم أن باطنه كظاهره، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح، وليس ذلك بحاصل فى الأمراء ولا العلماء سواهم، جلَّ الله أن يُطاعه مَن يعصيه، أو بالانقياد للمختلفين فى القول والفعل، لأنه محال أن يُطاع المختلفون، كما أنه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه. ومما يدل على ذلك أيضاً أن الله لم يقرن طاعة أُولى الأمر بطاعة رسوله كما قرن طاعة رسوله بطاعته، ألا وإن أُولى الأمر فوق الخلق جميعاً، كما أن الرسل فوق أُولى الأمر وفوق سائر الخلق، وهذه صفة أئمة الهدى من آل محمد الذين ثبتت إمامتهم وعصمتهم، واتفقت الأمة على علو رتبتهم وعدالتهم".

وبعد.. أفلا ترى معى أن هذا التفسير يجمع بين حسن الترتيب، وجمال التهذيب، ودقة التعليل، وقوة الحُجَّة؟ أظن أنك معى فى هذا، وأظن أنك معى أيضاً فى أن الطبرسى وإن دافع عن عقيدته ونافح عنها لم يغل غلو غيره ولم يبلغ به الأمر إلى الدرجة التى كان عليها المولى الكازرانى وأمثاله من غلاة الإمامية الإثنا عشرية.

* * *

ص: 107