المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الشيعة وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الشيعة وعقائدهم

- ‌ الزيدية

- ‌قوام مذهب الزيدية

- ‌الإمامية

- ‌ الإمامية الإثنا عشرية

- ‌أشهر تعاليم الإمامية الإثنا عشرية

- ‌الإمامية الاسماعيلية

- ‌موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم

- ‌1- موقف الإمامية الإثنا عشرية من تفسير القرآن الكريم

- ‌2- موقف القرآن من الأئمة وأوليائهم وأعدائهم

- ‌3- تحريف القرآن وتبديله

- ‌4- موقفهم من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة

- ‌أهم الكتب التى يعتمدون عليها فى رواية الأحاديث والأخبار

- ‌أهم كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية

- ‌1- مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (للمولى عبد اللطيف الكازرانى

- ‌2- تفسير الحسن العسكرى

- ‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

- ‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

- ‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

- ‌6- بيان السعادة فى مقامات العبادة (لسلطان محمد الخراسانى)

- ‌الإمامية الإسماعيلية "الباطنية" وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الإسماعيلية وعقائدهم وأغراضهم

- ‌مؤسسو هذه الطائفة

- ‌احتيالهم على الوصول إلى أغراضهم

- ‌مراتب الدعوة عند الباطنية

- ‌إنتاج الباطنية فى تفسير القرآن الكريم

- ‌موقف متقدمى الباطنية من تفسير القرآن الكريم

- ‌البابية والبهائية

- ‌كلمة إجمالية عن نشأة البابية والبهائية

- ‌ بهاء الله

- ‌الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى

- ‌موقف البابية والبهائية من تفسير القرآن الكريم

- ‌أبو الفضائل الإيرانى يعيب تفاسير أهل السُّنَّة

- ‌إنتاج البابية والبهائية فى التفسير، ومثل من تأويلاتهم الفاسدة

- ‌الزيدية وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌أهم كتب التفسير عند الزيدية

- ‌فتح القدير للشوكاني

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌طريقة الشوكانى فى تفسيره

- ‌نقله للروايات الموضوعة والضعيفة

- ‌ذمه للتقليد والمقِّدين

- ‌حياة الشهداء

- ‌التوسل

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من آراء المعتزلة

- ‌موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن

- ‌الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الخوارج

- ‌مواقف الخوارج من تفسير القرآن الكريم

- ‌سلطان المذهب يغلب على الخوارج فى فهم القرآن

- ‌مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن

- ‌موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك فى تفسيرهم للقرآن

- ‌الإنتاج التفسيرى للخوارج

- ‌أسباب قِلَّة إنتاج الخوارج فى التفسير

- ‌هميان الزاد إلى دار المعاد

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌حقيقة الإيمان

- ‌موقفه من أصحاب الكبائر

- ‌حملته على أهل السُّنَّة

- ‌مغفرة الذنوب

- ‌رأيه فى الشفاعة

- ‌رؤية الله تعالى

- ‌أفعال العباد

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من تفسير الصوفية

- ‌موقفه من الشيعة

- ‌رأيه فى التحيكم

- ‌إشادته بالخوارج وحطه من قدر عثمان وعلىّ ومَن والاهما

- ‌اعتداده بنفسه وحملته على جمهور المسلمين

- ‌تفسير الصوفية

- ‌أصل كلمة تصوف

- ‌معنى التصوف

- ‌نشأة التصوف وتطوره

- ‌أقسام التصوف

- ‌أولاً: التفسير الصوفى النظرى

- ‌ابن عربى شيخ هذه الطريقة

- ‌تأثر ابن عربى بالنظريات الفلسفية

- ‌تأثره فى تفسيره بنظرية وحدة الوجود

- ‌قياسه الغائب على الشاهد

- ‌إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية

- ‌التفسير الصوفى النظرى فى الميزان

- ‌رأينا فى التفسير الصوفى النظرى

- ‌ثانياً: التفسير الصوفى الفيضي او الإشارى

- ‌حقيقته

- ‌الفرق بينه وبين التفسير الصوفى النظرى

- ‌هل للتفسير الإشارى أصل شرعى

- ‌التفاوت فى إدراك المعانى الباطنة وإصابتها

- ‌التفسير الإشارى فى الميزان

- ‌مقالة الشاطبى فى التفسير الإشارى

- ‌مقالات بعض العلماء فى التفسير الإشارى

- ‌رأينا فى مقالة ابن عربى

- ‌شروط قبول التفسير الإشارى

- ‌أهم كتب التفسير الإشارى

- ‌1- تفسير القرآن العظيم (للتسترى)

- ‌2- حقائق التفسير (للسلمى)

- ‌3- عرائس البيان فى حقائق القرأن (لأبى محمد الشيرازى)

- ‌4- التأويلات النجمية (لنجم الدين داية، وعلاء الدولة السمنانى)

- ‌5- التفسير المنسوب لابن عربى

- ‌ابن عربى ومذهبه فى تفسير القرآن الكريم

- ‌ترجمة ابن عربى

- ‌ابن عربى بين أعدائه ومريديه

- ‌مكانته العلمية

- ‌مذهب ابن عربى فى وحدة الوجود

- ‌مذهب ابن عربى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌نماذج من التفسير الصوفى النظرى له

- ‌نماذج من التفسير الإشارى له

- ‌نماذج من التفسير الظاهر لابن عربى

- ‌تفسير الفلاسفة

- ‌كيف وُجِدت الصلة بين التفسير والفلسفة

- ‌كيف كان التوفيق بين الدين والفلسفة

- ‌الأثر الفلسفى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌من تفسير الفارابى

- ‌من تفسير إخوان الصفا

- ‌ترجمة ابن سينا

- ‌مسلك ابن سينا فى التفسير

- ‌رأينا فى تفسير الفلاسفة

- ‌تفسير الفقهاء

- ‌كلمة إجمالية عن تطور التفسير الفقهى

- ‌التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية

- ‌التفسير الفقهى بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبى

- ‌تنوع التفسير الفقهى تبعاً لتنوع الفرق الإسلامية

- ‌الإنتاج التفسيرى للفقهاء

- ‌1- أحكام القرآن - للجصَّاص (الحنفى)

- ‌2- أحكام القرآن - لكيا الهراسى (الشافعى)

- ‌3- أحكام القرآن - لابن العربى (المالكى)

- ‌4- الجامع لأحكام القرآن - لأبى عبد الله القرطبى (المالكى)

- ‌5- كنز العرفان فى فقه القرآن لمقداد السيورى (من الإمامية الإثنا عشرية)

- ‌6- الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة ليوسف الثلائى (الزيدى)

- ‌التفسير العلمى

- ‌معنى التفسير العلمى

- ‌التوسع فى هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به

- ‌الإمام الغزالى والتفسير العلمى

- ‌الجلال السيوطى والتفسير العلمى

- ‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

- ‌إنكار التفسير العلمى

- ‌إنكار الشاطبى للتفسير العلمى

- ‌اختيارنا فى هذا الموضوع

- ‌الخاتمة.. كلمة عامة عن التفسير وألوانه فى العصر الحديث

- ‌التفسير بين ماضيه وحاضره

- ‌مميزات التفسير فى العصر الحديث

- ‌ألوان التفسير فى العصر الحديث

- ‌اللَّون العلمى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌الجواهر فى تفسير القرآن الكريم (للشيخ طنطاوى جوهرى)

- ‌اللون المذهبى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الإلحادى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الأدبى الاجتماعى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌1- الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌2- السيد محمد رشيد رضا

- ‌3- الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى

- ‌رجاء واعتذار

الفصل: ‌2- تفسير الحسن العسكرى

عاشراً: ما ورد من الخطاب للأُمم السابقة كثيراً ما يُراد به بحسب الباطن ما يصدق عليه الخطاب من هذه الأُمة بحسب الإمامة والولاية وغيرهما، مع إرادة الظاهر أيضاً مثل:{وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] أراد فى الباطن بقوم موسى: أهل الإسلام.

الحادية عشرة: قد يُراد بالخطاب فى الباطن مخاطَباً غير مَن نفهم من الظاهر كون الخطاب له، كما ورد عن أبى عبد الله أنه قال: نزل القرآن بـ "إياك أعنى واسمعى يا جارة"، فقوله تعالى:{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} [الإسراء: 74] عَنِىَ به غير النبى.

الثانية عشرة: قد يرجع الضمير بحسب التأويل والباطن إلى ما لم يسبق له ذكر صريحاً، مثل قوله تعالى:{قَالَ الذين لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائت بِقُرْآنٍ غَيْرِ هاذآ أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15] : يعنى أو بَدِّل علياً.

الثالثة عشرة: ما نسبه الله إلى نفسه بصيغة الجمع أو ضميره كقوله: {فَلَمَّآ آسَفُونَا انتقمنا مِنْهُمْ} [الزخرف: 55] السر فيه إدخال النبى صلى الله عليه وسلم والأئمة فى مفهومه وهذا مجاز شائع معروف.

الرابعة عشرة: لفظ الجلالة وما شاكله والضمائر الراجعة إلى الله فى الظاهر مراد به الإمام باطناً وتأويلاً، وهذا مجاز شائع معروف.

هذه هى أهم القواعد التى سار عليها المؤلف فى تفسيره، وهى كما ترى ملخصه من مقدمة تفسيره.

* * *

‌2- تفسير الحسن العسكرى

* التعريف بمؤلف هذا التفسير:

مؤلف هذا التفسير هو أبو محمد الحسن بن علىّ الهادى بن محمد الجواد ابن علىّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب، الإمام الحادى عشر عند الإمامية الإثنا عشرية، والمعروف بالحسن العسكرى، وهو والد المهدى المنتظر.

ولد سنة 231 هـ (إحدى وثلاثين ومائتين من الهجرة) وقيل سنة 232 هـ

ص: 58

بالمدينة على الراجح، وتوفى بـ "سُرَّ من رأى" سنة 260 هـ (ستين ومائتين) ودفن بها بجانب أبيه.

* *

*التعريف بهذا التفسير:

عثرنا على هذا التفسير فى دار الكتب المصرية فوجدناه منسوباً إلى الإمام أبى محمد الحسن العسكرى، ومروياً عنه برواية أبى يعقوب يوسف بن محمد بن زياد، وأبى الحسن علىّ بن محمد بن محمد بن سيار، وهما من الشيعة الإمامية، وقد تلقيا هذا التفسير وكتباه عن الحسن العسكرى فى سبع سنين. ولهما فى تلقى هذا التفسير عن الحسن العسكرى قصة غريبة فى مقدمة الكتاب حدَّثا بها فقالا ما ملخصه: كنا صغيرين. وكان أبوانا إماميين، وكانت الزيدية هم الغالبين بـ "إستراباذ"، وكنا فى إمارة الحسن ابن زيد العلوى، الملقب بالداعى إلى الحق، إمام الزيدية، وكان كثير الإصغاء إليهم، يقتل الناس لسعاياتهم، فخاف أبوانا الوشاية بهما عنده فخرجا بنا وبأهلينا إلى حضرة الإمام أبى محمد الحسن بن علىّ بن محمد أبى القائم، فلما دخلا عليه قال لهما: مرحباً بالآوين إلينا، الملتجئين إلى كنفنا، قد تقبَّل الله سعيكما، وآمن روعكما، وكفاكما أعداءكما، فانصرِفا آمنين على أنفسكما وأموالكما، قالا: فماذا تأمر أيها الإمام؟ أن نرجع فى طريقنا إلى أن ننتهى إلى بِلد خرجنا منه؟ وكيف ندخل ذلك البلد ومنه هربنا وطلب سلطان البلد لنا حثيث، ووعيده إيانا شديد؟ فقال عليه السلام: خلِّفا علىَّ ولديكما هذين لأفيدهما العلم الذى يشرفهما الله به، ثم لا تحفلا بالسعاة ولا بوعيد المسعى إليه، فإن الله عز وجل يقصهم السعاة ويلجئهم إلى شفاعتكم فيهم عند مَن هربتم منه.

قال أبو يعقوب وأبو الحسن: فأتمرا لما أُمِرا، وخرجا وخلِّفانا هناك، فكنا نختلف إليه فيتلقانا ببر الإماء وذوى الأرحام الماسة، فقال لنا ذات يوم: إذا أتاكما خبر كفاية الله عز وجل أبويكما، وإخزائه أعداءهما، وصدق وعدى إياهما، جعلت من شكر الله عز وجل أن أفيدكما تفسير القرآن مشتملاً على بعض أخبار محمد صلى الله عليه وسلم، فيعظم الله بذلك شأنكما، قالا: ففرحنا وقلنا: يا ابن رسول الله؛ فإذن نأتى جميع علوم القرآن ومعانيه؟ قال: كلا، إن الصادق علم ما أريد أن أعلمكما بعض أصحابه ففرح بذلك وقال: يا ابن رسول الله قد جمعت علوم القرآن كلها، قال: قد جمعت خيراً كثيراً وأُوتيتُ فضلاً واسعاً، ولكنه مع ذلك أقل قليل أجزء علم القرآن، إن الله عز وجل يقول: {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ

ص: 59

جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف: 109]، ويقول:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} [لقمان: 27] ، وهذا علم القرآن ومعانيه وما أودع من عجائبه، فكيف ترى مقدار ما أخذته من جميع هذا القرآن؟ ولكن القدر الذى أخذته قد فضَّلَك الله به على كل مَن لا يعلم كعلمك ولا يفهم كفهمك.

ثم ذكرا ما كان من أمر عدول الحسن بن زيد العلوى عن بطشه وفتكه، وعدم تعرضه للناس فى مذاهبهم، وأمره لأبويهما بملازمة الإمام أبى محمد الحسن العسكرى لما سمع بهذا قال: هذا حين إنجازى ما وعدتكما من تفسير القرآن، ثم قال: قد وظَّفتُ لكما كل يوم شيئاً منه تكتبانه، فالزَمانى وواظبا على توفيق الله تعالى من العبادة حظوظكما. فأول ما أملى علينا أحاديث فى فضل القرآن وأهله، ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك فكتبناه فى مدة مقامنا عنده، وذلك سبع سنين، نكتب فى كل يوم منه مقدار ما ننشط له، فكان أول ما أملى علينا وكتبناه قال:"حدَّثنى أبى: علىّ بن محمد، عن أبيه: محمد بن علىّ، عن أبيه: علىّ بن موسى، عن أبيه: موسى ابن جعفر، عن أبيه: جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه: الباقر محمد ابن علىّ، عن أبيه: علىّ بن الحسين زين العابدين، عن أبيه: الحسين ابن علىّ سيد المستشهدين، عن أبيه: أمير المؤمنين وسيد الوصيين وخليفة رسول الله رب العالمين، فاروق الأُمة، وباب مدينة الحكمة، ووصى رسول الرحمة، علىّ بن أبى طالب صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، عن رسول رب العالمين، وسيد المرسلين، وقائد الغُرّ المُحجَّلين، والمخصوص بأشرف الشفاعات فى يوم الدين، صلى الله عليه وآله أجمعين".

ثم ذكر شيئاً من الأخبار فى فضل القرآن وحملته.. ثم قال: "قال رسول الله: "أتدرون من المتمسك الذى بتمسكه ينال هذا الشرف العظيم؟ هو الذى أخذ القرآن وتأويله عنا أهل البيت، وعن وسائطنا السفراء عنا إلى شيعتنا، لا عن آراء المجادلين وقياس القايسين.. ". ثم قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: {ياأيها الناس قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي الصدور وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 57ـ58] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضَّلَ الله عز وجل القرآن والعلم بتأويله. وبرحمته: توفيقه لموالاة محمد وآله الطيبين، ومعاداة أعدائهم.. ".

ثم ذكر الحسن العسكرى تفسير "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" منسوباً إلى علىّ رضى الله عنه، وفيه يقول علىّ: "ألا أُنبئكم ببعض أخبارنا؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. قال: إن رسول الله لما بنى مسجده بالمدينة وأشرع فيه بابه وأشرع المهاجرين والأنصار أبوابهم، أراد الله إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبريل

ص: 60

عن الله تعالى: بأن سُدُّوا الأبواب عن مسجد رسول الله قبل أن ينزل بكم العذاب، فأول مَن بعث إليه رسول الله يأمره بسد بابه العباس بن عبد المطلب، فقال: سمعاً وطاعة لله ولرسوله - وكان الرسول معاذ بن جبل - ثم مرَّ العباس بفاطمة فرآها قاعدة على بابها وقد أقعدت الحسن والحسين، فقال لها: ما بالك قاعدة؟ انظروا إليها كأنها لبؤَة بين يديها جرواها، أتظن أن رسول الله يُخرج عمه ويُدخل ابن عمه؟! فمرَّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: ما بالك قاعدة؟ قالت: أنتظر أمر رسول الله بسد الأبواب، فقال لها: إن الله تعالى أمرهم بسد الأبواب واستثنى منهم رسول الله، وإنما أنتم نفس رسول الله. ثم إن عمر بن الخطاب جاء فقال: أحب النظر إليك يا رسول الله إذا مررت إلى مُصَلاك، فأْذن لى فى فُرجة أنظر إليك منك، فقال: قد أبى الله عز وجل ذلك، قال: فمقدار ما أضع عليه وجهى، قال: قد أبى الله ذلك، قال: فمقدار ما أضع عليه إحدى عَيْنىَّ، قال: أبى الله ذلك، ولو قلتَ قدر طرف الإبرة لم آذن لك، والذى نفس محمد بيده ما أنا أخرجتكم ولا أدخلتهم، ولكن الله أدخلهم وأخرجكم.. ثم قال: لا ينبغى لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت فى هذا المسحد جُنُباً إلا محمد وعلىّ وفاطمة والحسن والحسين والمنتجبون من آلهم الطيبين من أولادهم. قال: فأما المؤمنون فقد رضوا وسلَّموا، وأما المنافقون فاغتاظوا لذلك وأنفوا، ومشى بعضهم يقول إلى بعض فيما بينهم: ألا ترون محمداً لا يزال يخص بالفضائل ابن عمه ليُخرجنا منها صفراً، والله لئن أنفذنا له فى حياته لنأتين عليه بعد وفاته، وجعل عبد الله بن أُبُىّ يصغى إلى مقالتهم ويغضب تارة ويسكن أخرى، ويقول لهم: إن محمداً لمتألِّه، فإياكم ومكاشفته، فإن مَن كاشف المتألِّه انقلب خاسئاً

حسيراً وينغص عليه عيشه. وإن الفطن اللبيب مَن يتجرع على الغُصَّة لينتهز الفُرصة. فبينما هم كذلك إذا طلع رجع من المؤمنين يقال له زيد بن أرقم فقال لهم: يا أعداء الله، أباللهِ تُكَذِّبون؟ وعلى رسوله تطعنون؟ ولدينه تكيدون؟ والله لأُخْبِرن رسول الله بكم، فقال عبد الله ابن أُبَىّ والجماعة: واللهِ لئن أخبرته بنا لنكذبنك ولنحلفن له، فإنه إذن يُصدِّقنا، ثم واللهِ لنقيمن عليك من يشهد عليك عنده بما يوجب قتلك أو قطعك أو حدك، قال: فأتى زيد رسول الله فأسَرَّ إليه ما كان من عبد الله بن أُبَىّ وأصحابه، فأنزل الله عز وجل:{وَلَا تُطِعِ الكافرين} [الأحزاب: 48] المجاهدين لك يا محمد فيما دعوتهم إليه من الإيمان بالله والموالاة لك ولأوليائك، والمعاداة لأعدائك، {والمنافقين} الذين يطيعونك فى

ص: 61

الظاهر ويخالفونك فى الباطن، {وَدَعْ أَذَاهُمْ} مما يكون منهم من القول السئ فيك وفى ذويك، {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} فى إتمام أمرك وإقامة حُجَّتك، فإن المؤمن هو الظاهر بالحُجَّة وإن غُلِبَ فى الدنيا، لأن العاقبة له، لأن غرض المؤمنين فى كدحهم فى الدنيا إنما هو الوصول إلى نعيم الأبد فى الجنة، وذلك حاصل لك ولآلك ولأصحابك وشيعتك.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى ما بلغه عنهم، وأمر زيداً فقال:"إن أردت أن لا يصيبك شرهم ولا ينالك مكرهم فقل إذا أصبحت: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الله يعيذك من شرهم، فإنهم شياطين يُوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وإذا أردت أن يُؤَمِّنك بعد ذلك من الغرق والحرق والسرق فقل إذا أصبحت: بسم الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله، بسم الله لا يسوق الخير إلا الله، بسم الله ما شاء الله ما يكون من نعمة فمن الله، بسم الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، بسم الله ما شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطيبين، فإن مَن قالها ثلاثاً إذا أصبح أمن من الغرق والحرق والسرق حتى يمسى، ومَن قالها ثلاثاً إذا أمسى أمن من الحرق والغرق حتى يصبح، وإن الخضر وإلياس يلتقيان فى كل موسم، فإذا تفرقا تفرقا عن هذه الكلمات، وإن ذلك شعار شيعتى، وبه يمتاز أعدائى من أوليائى يوم خروج قائمهم.. ".

ثم ذكر حديثاً آخر طويلاً عن الباقر يتضمن ما كان من المحاورة بين العباس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن إغلاق باب العباس وغيره، وإبقاء باب علىّ وحده، وفيه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفضل لعلىّ على غيره، وفى آخره يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا عم رسول الله؛ إن شأن علىّ عظيم، إن حال علىّ جليل. وإن وزن علىّ ثقيل، وما وُضِع حب علىّ فى ميزان أحد إلا رجع على سيئاته، ولا وُضِع بغضه فى ميزان أحد إلا رجح على حسناته"

إلخ.

هذا.. والكتاب مطبوع فى مجلد صغير يقع فى (286 صحيفة) ، وهو غير شامل للقرآن كله، بل بعد الفراغ من المقدمة وشرح الاستعاذة شرع فى الفاتحة ففسَّرها، ثم شرع فى سورة البقرة فوصل فيها إلى قوله تعالى فى الآية [114] :{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه وسعى فِي خَرَابِهَآ أولائك مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلَاّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} .. (وذلك يبدأ من أول الكتاب إلى ص 236) .

ومن قوله تعالى فيها: {إِنَّ الصفا والمروة} الآية [158]

إلى قوله: {وَلَكُمْ فِي القصاص حَيَاةٌ} الآية [179] .. (وذلك يبدأ من ص 236 إلى ص 254) .

ص: 62

ومن قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} الآية [198]

إلى قوله: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام} الآية [210] .. (وذلك يبدأ من ص 254 إلى ص 267) .

ومن قوله تعالى فيها: {أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بالعدل} الآية [282]

إلى قوله: {وَلَا تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فى الآية [283] .. (وذلك يبدأ من ص 267 إلى ص 286) .

هذا هو كل ما وُجِد وطُبع من التفسير المنسوب إلى الحسن العسكرى رحمه الله تعالى، وأرى أن أسوق لك بعض النماذج لتقف بنفسك على مسلكه فى التفسير، وتأثره بمذهب الإمامية، ولنرى بعد ذلك هل يمكن أن يكون هذا التفسير حقيقة لهذا الإمام الصالح، أو نُسب إليه زوراً وبهتاناً.

* ولاية على:

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [8] من سورة البقرة: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله وباليوم الآخر وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} .. يقول: "قال العالم موسى بن جعفر: إن رسول الله لما أوقف أمير المؤمنين علىّ ابن أبى طالب فى يوم الغدير موقفه المشهور المعروف، ثم قال: يا عباد الله؛ انسبونى، فقالوا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف، ثم قال: يا أيها الناس؛ ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فنظر إلى السماء وقال: اللَّهم اشهد بقول هؤلاء - وهو يقول ويقولون ذلك ثلاثاً - ثم قال: ألا فمَن كنتُ مولاه وأولى به فهذا علىّ مولاه وأولى به، اللَّهم وال مَن والاه، وعاد مَن عاداه، وانصر مَن نصره. واخذل من خذله.. ثم قال: قم يا أبا بكر فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام وبايع له. ثم قال: قم يا عمر فبايع له بإمره المؤمنين، فقام فبايع له، ثم قال بعد ذلك لتمام التسعة رؤساء المهاجرين والأنصار، فبايعوا كلهم، فقام من بين جماعتهم عمر بن الخطاب فقال: بَخٍ بَخٍ يا ابن أبى طالب، أصحبتَ مولاى ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ثم تفرّقوا عند ذلك وقد وُكِّدَتْ عليهم العهود والمواثيق. ثم إن قوماً من متمرديهم وجبابرتهم تواطأوا بينهم لئن كان بمحمد كائنة ليدفعن هذا الأمر من علىّ ولا يتركونه، فعرف الله ذلك من قِبَلهم، وكانوا يأتون رسول الله ويقولون: لقد أقمتَ علينا أحب خلق الله إلى الله وإليك وإلينا فكفيتنا مؤنة الظلمة لنا والمتجبرين فى سياستنا، وعلم الله من قلوبهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الأمر عن مستحقه مؤثرون، فأخبر الله عز وجل محمداً عنهم فقال: يا محمد {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله} الذى أمرك بنصب علىّ إماماً وسايساً لأُمتك ومدبراً، {وَمَا هُم

ص: 63

بِمُؤْمِنِينَ} بذلك، ولكنهم يتواطأون على إهلاكك وإهلاكه، يوطنون أنفسهم على التمرد على علىّ إن كانت بك كائنة".

وعند قوله تعالى فى الآية [13] من سورة البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَآ آمَنَ الناس قالوا أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السفهآء ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء ولاكن لَاّ يَعْلَمُونَ} .. يقول: "قال موسى بن جعفر: إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبَيْعة، قال لهم خيار المؤمنين كسلمان والمقداد وأبى ذر وعمار: آمنوا برسول الله وعلىّ الذى أوقفه موقفه وأقامه مقامه وأناط مصالح الدين والدنيا كلها به، وآمنوا بهذا النبى وسلِّموا لهذا الإمام، وسلِّموا له فى ظاهر الأمر وباطنه، كما آمن الناس المؤمنون كسلمان والمقداد وأبى ذر وعمار، قالوا فى الجواب لمن يفضون إليه لا لهؤلاء المؤمنين، فإنهم لا يجسرون على مكاشفتهم بهذا الجواب، ولكنهم يذكرون لمن يفضون إليه من أهلهم والذين يثقون بهم من المنافقين ومن المستضعفين من المؤمنين الذين هم بالستر عليهم واثقون بهم، يقولون لهم: {أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ السفهآء} ؟! يعنون سلمان وأصحابه لما أعطوا علياً خالص ودهم ومحض طاعتهم، وكشفوا رؤوسهم بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه حتى إن اضمحل أمر محمد طحطحهم أعداؤه، وأهلكهم سائر الملوك والمخالفين لمحمد، فهم بهذا التعرض لأعداء محمد جاهلون سفهاء، قال الله عز وجل: {ألا إِنَّهُمْ هُمُ السفهآء} الأخفاء العقول والآراء، الذين لم ينظروا فى أمر محمد حق النظر فيعرفوا نبوته، ويعرفوا صحة ما ناطه بعلمه من أمر الدين والدنيا، حتى بقوا لتركهم تأمل حجج الله جاهلين، وصاروا خائفين وجلين من محمد وذُرِّيته ومن مخالفيهم، لا يأمنون أيهم يغلب فيهلكون معه. فهم السفهاء حيث لا يسلم لهم بنفاقهم هذا لا محبة محمد والمؤمنين ولا محبة اليهود وسائر الكافرين، لأنهم يُظهرون لمحمد من موالاته وموالاة أخيه علىّ ومعاداة أعدائهم اليهود والنصارى، كما يُظهرون لهم معاداة محمد وعلىّ وموالاة أعدائهم، فهم يُقدِّرون فيهم نفاقهم معهم كنفاقهم مع محمد وعلىّ، ولكن لا يعلمون أن الأمر كذلك وأن الله يُطْلِع نبيه على أسرارهم فيخشاهم ويعلنهم ويُسقطهم".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [159و 160] من سورة البقرة: {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات والهدى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكتاب أولائك يَلعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللاعنون * إِلَاّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .. يقول: {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ البينات} من صفة محمد وصفة علىّ وحليته، {والهدى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكتاب} .. قال:

ص: 64

والذى أنزلناه هو ما أظهرناه من الآيات على فضلهم ومحلهم، كالغمامة التى تظل رسول الله فى أسفاره، والمياه الأجاجة التى كانت تعذب فى الآبار بريقه، والأشجار التى كانت تتهدل ثمارها بنزوله تحتها، والعاهات التى كانت تزول بمسح يده عليها أو بنفث ريقه فيها، وكالآيات التى ظهرت على علىّ من تسليم الجبال والصخور والأشجار قائلة: يا ولى الله ويا خليفة رسول الله، والسموم القاتلة التى تناولها مَن سمَّى باسمه عليها ولم يصبه بلاؤها

وسائر ما خصَّه الله تعالى به من فضائله، فهذا من الهدى الذى بيَّنه الله للناس فى كتابه

إلخ.

* *

* روايات مكذوبة فى فضل أهل البيت:

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [3] من سورة البقرة: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} .. يقول: "ثم وصف هؤلاء المتقين الذين هذا الكتاب هدىً لهم فقال: {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} يعنى بما غاب عن حواسهم من الأُمور التى يلزمهم الإيمان بها: كالبعث، والنشور، والحساب، والجنَّة، والنار، وتوحيد الله تعالى، وسائر ما لا يُعرف بالمشاهدة وإنما يُعرف بدلائل قد نصبها الله عز وجل عليها: كآدم، وحواء، وإدريس، ونوح، وإبراهيم، والأنبياء الذين يلزمهم الإيمان بهم بحجج الله تعالى وإن لم يشاهدوهم، ويؤمنون بالغيب وهم من الساعة مشفقون، وذلك أن سلمان الفارسى مَرَّ بقوم من اليهود فسألوه أن يجلس إليهم ويُحدِّثهم بما سمع من محمد فى يومه هذا، فجلس إليهم لحرصه على إسلامهم فقال: سمعتُ محمداً يقول: إن الله عز وجل يقول: يا عبادى؛ أوَ ليس مَن له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلا أن يتجمل عليكم بأحب الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعه؟ ألا فاعلموا أن أكرم الخلق علىّ وأفضلهم لدىَّ محمد وأخوه علىّ، ومن بعده الأئمة الذين هم الوسائل إلىَّ، ألا فليَدُعُنى مَن أَهْمَّته حاجة يريد نفعها، أو دهته دهياء يريد كف ضررها، بمحمد وآله الأفضلين الطيبين الطاهرين أقضها له أحسن مما يقضيها مَن تشفعون إليه بأعزِّ الخلق عليه. قالوا لسلمان - وهم يستهزئون به - يا عبد الله؛ فما بالك لا تقترح على الله وتتوسل بهم أن يجعلك أغنى أهل المدينة؟ فقال سلمان: قد دعوتُ الله عز وجل بهم، وسألته ما هو أجَلّ وأفضل وأنفع من مُلْك الدنيا بأسرها، وسألته بهم أن يهب لى لساناً لتمجيد شأنه ذاكراً، وقلباً لآلائه شاكراً، وعلى الدواهى الداهية لى صابراً، وهو عز وجل قد أجابنى إلى ملتمسى من ذلك، وهو أفضل من مُلْك الدنيا بحذافيرها وما يشتمل عليه من خيراتها مائة ألف ألف مرة. قال: فجعلوا يهزأون ويقولون: يا سلمان؛ لقد ادَّعيت مرتبة عظيمة يُحتاج أن يُمتحن صدقك من كذبك فيها، وها نحن إذن قائمون إليك

ص: 65

بسياط عذابنا فضاربوك، فاسأل ربك أن يكفَّ أيدينا عنك، فجعل سلمان يقول: اللَّهم اجعلنى على البلايا صابراً، وجعلوا يضربونه بسياطهم حتى أعيوا وملُّوا، وجعل

سلمان لا يزيد على قوله: اللَّهْم اجعلنى على البلايا صابراً، فلما مَلُّوا وأعيوا قالوا: يا سلمان؛ ما ظننا أن روحاً تثبت فى مقرها على مثل هذا العذاب الوارد عليك، فما بالك لا تسأل ربك أن يكفّنا عنك؟ قال: لأن سؤال ذلك ربى خلاف الصبر، بل سلَّمتُ لإمهال الله تعالى لكم، وسألته الصبر، فلما استراحوا قاموا بعد إليه بسياطهم فقالوا: لا نزال نضربك بسياطنا حتى تزهق روحك أو تكفر بمحمد، فقال: ما كنتُ أفعل ذلك، فإن الله قد أنزل على محمد:{الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} ، وإن احتمالى لمكارهكم لأدخل فى جملة مَن مدحه الله بذلك سهل علىَّ يسير، فجعلوا يضربونه بسياطهم حتى مَلُّوا، ثم قعدوا وقالوا: يا سلمان؛ لو كان لك عند ربك قدر لإيمانك بمحمد لاستجاب دعاءك وكفَّنا عنك، فقال سلمان: ما أجهلكم!! كيف يكون مستجيباً دعائى إذا فعل بى خلاف ما أريد منه، أنا أردت منه الصبر فقد استجاب لى فصبرت، ولم أسأله كفكم عنى فيمنعنى حتى يكون ضد دعائىكما تظنون، فقاموا إليه ثالثة بسياطهم فجعلوا يضربونه وسلمان لا يزيد على قوله: اللَّهم صبِّرنى على البلايا فى حب صفيك وخليلك محمد، فقالوا له: يا سليمان؛ ويحك! أو ليس محمد قد رخَّص لك أن تقول كلمة الكفر به بما تعتقد ضده للتقية؟ فقال سلمان: إن الله قد رخَّص لى ذلك ولم يفرضه علىّ، بل أجاز لى ألا أعطيكم ما تريدون وأحتمل مكارهكم، وجعله أفضل المنزلتين، وأنا لا أختار غيره، ثم قاموا إليه بسياطهم وضربوه ضرباً كثيراً وسيَّلوا دماءه، وقالوا له وهم ساخرون: لو لم تسأل الله كفّنا عنك ولا تُظهر لنا ما نريد منك لنكفّ به عنك فادع علينا بالهلاك إن كنتَ من الصادقين فى دعواك أن الله لا يرد دعاءك بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، فقال سلمان: إنى لأكره أن أدعوا الله بهلاككم مخافة أن يكون فيكم مَن قد علم الله أن سيؤمن من بعد فأكون قد سألت الله اقتطاعه عن الإيمان، فقالوا: قل: اللَّهم أهْلِك مَن كان فى علمك أنه يبقى إلى الموت على تمرده، فإنك لا تصادف بهذا الدعاء ما خِفْته، قال: فانفرج له حائط البيت الذى هو فيه مع القوم وشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا سلمان؛ ادع عليهم بالهلاك فليس فيهم أحد

يرشد. كما دعا نوح على قومه لما عرف أنه لن يؤمن من قومه إلا مَن قد آمن، فقال سلمان: كيف تريدون أن أدعو عليكم بالهلاك؟ فقالوا: تدعو الله بأن يقلب سَوْط كل واحد منا أفعى تعطف رأسها ثم تمشش عظام سائر بدنه.. فدعا الله بذلك، فما من سياطم سَوْط إلا قلبه الله تعالى أفعى لها رأسان تتناول برأس رأسه، وبرأس آخر يمينه التى كان فيها سوطه، ثم رضضتهم ومششتهم وبلعتهم والتقمتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى مجلسه: معاشر المؤمنين؛ إن الله

ص: 66

تعالى قد نصر أخاكم سلمان ساعتكم هذه على عشرين فِرْقة من اليهود والمنافقين، قُلِبت سياطهم أفاعى رضضتهم ومششتهم وهَشمت عظامهم والتقمتهم، فقوموا بنا ننظر إلى تلك الأفاعى المبعوثة لنُصْرة سلمان، فقام رسول الله وأصحابه إلى تلك الدار وقد اجتمع إليها جيرانها من اليهود والمنافقين لما سمعوا ضجيج القوم بالتقام الأفاعى لهم، فإذا هم خائفون منها، نافرون من قُرْبها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجت كلها إليه عن البيت إلى شارع المدينة، وكان شارعاً ضيقاً فوسَّعه الله تعالى وجعله عشرة أضعافه، ثم نادت الأفاعى: السلام عليك يا محمد يا سيد الأوَّلين والآخرين، السلام عليك يا علىّ يا سيد الوصيين، السلام على ذُرِّيتك الطيبين الطاهرين الذين جُعلوا على الخلق قوَّامين، ها نحن سياط هؤلاء المنافقين الذين قلبنا الله تعالى أفاعى بدعاء هذا المؤمن سلمان، قال رسول الله: الحمد لله الذى جعل من يضاهى بدعائه عند قبضه وعند انبساطه نوحاً نبيه. ثم نادت الأفاعى: يا رسول الله؛ قد اشتد غضبنا على هؤلاء الكافرين، وأحكامك وأحكام وصيك علينا جائزة فى ممالك رب العالمين، ونحن نسألك أن تسأل الله تعالى أن يجعلنا أفاعى جهنم حتى نكون فيها لهؤلاء مُعذِّبين كما كنا لهم فى هذه الدنيا ملتقمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجبتكم إلى ذلك فالحقوا بالطبق الأسفل من جهنم، بعد أن تقذفوا ما فى أجوافكم من أجزاء أجسام هؤلاء الكافرين ليكون أتم لخزيهم وأبقى للعار عليهم إذا كانوا بين أظهرهم مدفونين، يعتبر بهم المؤمنون المارون بقبورهم، يقولون: هؤلاء الملعونون المخزيون بدعاء ولى محمد سلمان

الخير من المؤمنين، فقذفت الأفاعى ما فى بطونها من أجزاء أبدانهم، فجاء أهلوهم فدفنوهم، وأسلم كثير من الكافرين، وأخلص كثير من المنافقين، وغلب الشقاء على كثير من الكافرين والمنافقين، فقالوا: هذا سحر مبين. ثم أقبل رسول الله على سلمان فقال: يا عبد الله؛ أنت من خواص إخواننا المؤمنين، ومن أحباب قلوب ملائكة الله المقرَّبين، إنك فى ملكوت السماوات والحُجُب والكرسى والعرش وما دون ذلك إلى الثرى أشهر فى فضلك عندهم من الشمس الطالعة فى يوم لا غيم ولا قتر ولا غبار فى الجو، فأنت من أفاضل الممدوحين بقوله:{الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} .

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [210] من سورة البقرة: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام والملائكة وَقُضِيَ الأمر وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور} .. يقول ما نصه: ".. قالَ علىُّ بن الحسين: طلب هؤلاء الكفار الآيات ولم يقنعوا بما أتاهم به منها بما فيه الكفاية والبلاغ، حتى قيل لهم:{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله} .. أى إذا لم يقتنعوا بالحجج الواضعة الدامغة، فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله؟ وذلك محال،

ص: 67

لأن الإتيان على الله لا يجوز، كذلك النواصب اقترحوا على رسول الله فى نصب أمير المؤمنين علىّ إماماً، واقترحوا.. حتى اقترحوا المحال، وذلك أن رسول الله لما نص على علىّ بالفضيلة والإمامة، وسكن إلى ذلك قلوب المؤمنين وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين، وشك فى ذلك ضعفاء من الشاكين، واحتال فى السلم من الفريقين من النبى وخيار أصحابه ومن أصناف أعدائه جماعة المنافقين، وفاض فى صدورهم العداوة والبغضاء، والحسد والشحناء، حتى قال قائل المنافقين: لقد أسرف محمد فى مدح نفسه، ثم أسرف فى مدح أخيه علىّ، وما ذاك من عند رب العالمين، ولكنه فى ذلك من المتقوِّلين، يريد أن يثبت لنفسه الرياسة علينا حياً ولعلىّ بعد موته، قال الله تعالى: يا محمد؛ قل لهم: وأى شئ أنكرتم من ذلك؟ هو عظيم كريم حكيم، ارتضى عباداً من عباده، قد اختصهم بكرامات، لما علم من حسن طاعتهم ولانقيادهم لأمره، ففوَّض إليهم أمور عباده، وجعل إليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذى وفقهم له، أفلا ترون لملوك الأرض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ووثق بحسن اصطناعه بما يندب له من أُمور ممالكه، جعل ما وراء بابه إليه واعتمد فى سياسة جيوشه ورعاياه عليه؟ كذلك محمد فى التدبير الذى رفعه له ربه، وعلىّ من بعده الذى جعله وصيه وخليفته فى أهله، وقاضى دينه ومنجز عداته، والموازر لأوليائه والمناصب لأعدائه، فلم يقنعوا بذلك ولم يُسلِّموا، وقالوا: ليس الذى تسنده إلى ابن أبى طالب أمراً صغيراً إنما هو دماء الخلق، ونساؤهم، وأولادهم، وأموالهم، وحقوقهم، وأنصباؤهم، ودنياهم، وأخراهم، فلتأتنا بآية تليق بجلالة هذه الولاية، فقال

رسول الله: أما كفاكم نور علىّ الْمشْرِق فى الظلمات الذى رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله؟ أما كفاكم أن علياً جاز والحيطان بين يديه ففتحت له وطُرِّقت ثم عادت والتأمت؟ أما كفاكم يوم غدير خُم أن علياً لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة فيها مطلعين تناديكم: هذا ولى الله فاتبعوه وإلا حَلَّ بكم عذاب الله فاحذروه؟ أما كفاكم رؤيتكم علىّ بن أبى طالب وهو يمشى والجبال تسير من بين يديه لئلا يحتاج إلى انحراف عنها، فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها؟ ثم قال: اللَّهم زدهم آيات فإنها عليك سهلات يسيرات لتزيد حُجَّتك عليهم تأكيداً. قال: فرجع القوم إلى بيوتهم فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الأرض ومنعتهم ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علىّ، قالوا: آمنا.. ودخلوا.. ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها فثقلت عليهم ولا يقلوها، ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعنا حتى تقروا بولاية علىّ، فأقروا.. ونزعوها.. ثم ذهبوا يلبسون ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علىّ، فاعترفوا.. ثم ذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم وما لم يثقل منها استحجر فى أفواههم وناداهم: حرام عليكم

ص: 68

أكلنا حتى تعترفوا بولاية علىّ، فاعترفوا.. ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون فتعذبوا وتعذر عليهم ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم: حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علىّ بن أبى طالب، فاعترفوا.. ثم ضجر بعضهم وقال:{اللهم إِن كَانَ هاذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] .. إلخ.

* *

* الشجرة التى نُهى آدم عن الأكل منها:

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [35] من سورة البقرة: {وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هاذه الشجرة} .. يبين المراد من الشجرة ويعلل النهى عنها فيقول: ".. لا تقربا هذه الشجرة: شجرة العلم، شجرة علم محمد وآل محمد، الذين آثرهم الله عز وجل به دون سائر خلقه، فقال الله تعالى: لا تقربا هذه الشجرة، شجرة العلم، فإنها لمحمد وآله خاصة دون غيرهم، ولا يتناول منها بأمر الله إلا هم.. ومنها ما كان يتناوله النبى، وعلىّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نَصَب، وهى شجرة تميزت من بين أشجار الجنة، إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعاً من الثمار والمأكول، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البُرَّ والعِنَب والتين والعُنَّاب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة، فقال بعضهم: هى بُرَّة، وقال آخرون: هى عِنَبة، وقال آخرون: هى عُنَّابة. قال الله تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة تلتمسان بذلك دوحة محمد وآل محمد فى فضلهم، فإن الله تعالى خصَّهم بهذه دون غيرها، وهى شجرة التى مَن يتناول منها بإذن الله عز وجل أُلْهِم علم الأوَّلين والآخرين من غير تعلم. ومَنِ تناول منها بغير إذن الله خاب من مراده وعصى ربه، {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} .. بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما كما إذ أردتما بغير حكم الله".

* *

* توسل الأنبياء والأُمم السابقة بمحمد صلى الله عليه وسلم وبأهل البيت:

وقد جاء فى هذا التفسير من الأخبار ما يدل على أن الأنبياء والأُمم السابقين كانوا إذا حزبهم أمر وأهمهم توسلوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته رضوان الله تعالى عليهم.

فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [38] من سورة البقرة: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .. نراه يقول: ".. فلما زلَّت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربه عز وجل قال: يا رب؛ تُبْ علىّ واقبل معذرتى، وأعدنى إلى مرتبتى، وارفع لديك درجتى فما أشد تبين بغض الخطيئة وذلها بأعضائى وسائر

ص: 69

بدنى، قال الله تعالى: يا آدم؛ أما تذكر أمرى إياك بأن تدعونى بمحمد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك وفى النوازل تنزل بك؟ قال آدم: يا رب بلى، قال الله عز وجل له: فتوسل بمحمد وعلىّ وفاطمة والحسن والحسين خصوصاً، فادعنى أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك، فقال آدم: يا رب وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل بهم تقبل توبتى، وتغفر خطيئتى، وأنا الذى أسجدتَ له ملائكتك، وأبحته جنَّتك، وزوَّجته حواء أَمَتك، وأخدمته كرام ملائكتك؟ قال الله: يا آدم؛ إنما أمرتُ الملائكة بتعظيمك بالسجود إذ كنتَ وعاءً لهذه الأنوار، ولو كنتَ سألتنى بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها وأن أفطنك لدواعى عدوك إبليس حتى تحذر منها لكنتُ قد جعلتُ ذلك، ولكن المعلوم فى سابق علمى يجرى موافقاً لعلمى، فالآن بهم فادعنى لأُجبك، فعند ذلك قال آدم: اللَّهم بجاه محمد وآله الطيبين، بجاه محمد وعلىّ وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لما تفضَّلتَ بقبول توبتى، وغفران زلَّتى. وإعادتى من كراماتك إلى مرتبتى، فقال الله عز وجل: قد قبلتُ توبتك وأقبلتُ برضوانى عليك، ورزقتُ آلائى ونعمائى عليك، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتى، ووفرت نصيبك من رحماتى. فذلك قوله عز وجل:{فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم} [البقرة: 37] .

ومثلاً عند قوله تعالى فى الآية [50] من سورة البقرة: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} نجده يقول: "قال الله عز وجل: واذكروا إذ جعلنا ماء البحر فرقاً ينقطع بعضه عن بعض، فأنجيناكم هناك وأغرقنا فرعون وقومه وأنتم تنظرون إليهم وهم يغرقون، وذلك أن موسى لما انتهى إلى البحر أوحى الله عز وجل إليه: قل لبنى إسرائيل جدِّدوا توحيدى، وأَمِرُّوا بقلوبكم ذكر محمد سيد عبيدى وإمائى، وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلىّ أخى محمد وآله الطبيين، وقولوا: اللَّهم بجاههم جوِّزنا على متن هذا الماء، فإنه يتحول لكم أرضاً، فقال لهم موسى ذلك، فقالوا: أتورد علينا ما نكره، وهل فررنا من آل فرعون إلا من خوف الموت، وأنت تقتحم بنا هذا الماء الغمر بهذه الكلمات، وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا؟ فقال لموسى كالب بن يوحنا وهو على دابة له - وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ - يا نبى الله؛ أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء؟ قال: نعم. قال: وأنت تأمرنى به؟ قال: نعم، فوقف وجدَّد على نفسه من توحيد الله ونبوة محمد وولاية علىّ والطيبين من آلهما ما أُمِرَ به، ثم قال: اللَّهم بجاههم جوِّزنى على متن هذا الماء، وإذا الماء قصته كأرض لينة، حتى بلغ آخر الخليج ثم عاد راكضاً، ثم قال لبنى إسرائيل: يا بنى

ص: 70

إسرائيل؛ أطيعوا موسى، فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان، ومغاليق أبواب النيران، ومستنزل الأرزاق. وجالب على عباد الله وإمائه رضا المهيمن الخلاق. فأبوا وقالوا: لا نسير إلا على الأرض، فأوحى الله: يا موسى؛ اضرب بعصاك البحر وقل: اللَّهم بجاه محمد وآله الطيبين لما فلقته، ففعل؛ فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج، فقال موسى: ادخلوها، قالوا: الأرض وحلة، نخاف أن نرسب فيها، فقال الله عز وجل: يا موسى؛ قل: اللَّهم بحق محمد وآله الطيبين جففها، فقالها، فأرسل الله عليها ريح الصبا فجفَّت، فقال موسى: ادخلوها، فقالوا: يا نبى الله؛ نحن اثنتا عشرة قبيلة بنو اثنى عشر أباً، وإن دخلناها رام كل فريق منا تقدم صاحبه، ولا نأمن من وقوع الشر بيننا، فلو كان لكل فريق منا طريق على

حدة لأمنا ما نخافه، فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنى عشر ضربة، فى اثنتى عشرة موضعاً إلى جانب ذلك الموضع ويقول: اللَّهم بجاه محمد وآله الطيبين بَيِّن الأرض لنا، وأقصر الماء عنا، فصار فيه تمام اثنى عشر طريقاً، وجَفَّ قرار الأرض بريح الصبا، فقال: ادخلوها، فقالوا: كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدرى ما يحدث على الآخرين، فقال الله عز وجل: فاضرب كل طَوْد من الماء بين هذه السكك، فضرب فقال: اللَّهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت فى هذا الماء طيقاناً واسعة يرى بعضهم بعضاً، فحدثت طيقان واسعة يرى بعضهم بعضاً، ثم دخلوها، فلما بلغوا آخرها جاء فرعون وقومه فدخل بعضهم، فلما دخل آخرهم وهمَّ أولهم بالخروج أمر الله تعالى البحر فانطبق عليهم فغرقوا، وأصحاب موسى ينظرون إليهم فذلك قوله عز وجل:{وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} .

* *

* التقيَّة:

وهو يعترف بالتقيَّة ويدين بها، ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث فيها، فمن ذلك: أنه روى عن الحسن بن علىّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الأنبياء إنما فضَّلهم الله على الخلق أجمعين لشدة مداراتهم لأعداء دين الله، وحُسن تقيتهم لأجل إخوانهم فى الله".

وروى عن أمير المؤمنين أنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن سُئل عن علم فكتمه حيث يجب إظهاره وتزول عنه التقية، جاء يوم القيامة ملجماً بلجام من النار".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [163] من سورة البقرة: {وإلاهكم إلاه وَاحِدٌ لَاّ إلاه إِلَاّ هُوَ الرحمان الرحيم} .. يقول: "الرحيم بعباده المؤمنين من شيعة آل محمد،

ص: 71

وسَّع لهم فى التقية، يجاهرون بإظهار موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه إذا قدروا، ويُسِّرُّونها إذا عجزوا".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [173] من سورة البقرة: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير} .. الآية، يقول:".. نظر الباقر إلى بعض شيعته وقد دخل خلفَ بعض المنافقين إلى الصلاة، وأحس الشيعى بأن الباقر قد عرف ذلك منه بقصده وقال: أعتذر إليك يا ابن رسول الله عن صلاتى خلف فلان فإنها تقيَّة، ولولا ذلك لصليتُ وحدى، قال له الباقر: يا أخى؛ إنما كنت تحتاج أن تعتذر لو تركت، يا عبد الله المؤمن؛ ما زالت ملائكة السماوات السبع والأرضين السبع تصلى عليك وتلعن إمامك ذاك، وإن الله تعالى أمر أن تُحسب صلاتك خلفه للتقيَّة بسبعمائة صلاة لو صليتها لوحدك. فعليك بالتقيَّة".

* *

* تأثره بمذهب المعتزلة:

وإنا لنجد فى هذا التفسير تأثراً بمذهب المعتزلة ومعتقداتهم، فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [7] من سورة البقرة:{خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} .. نجد المؤلف لا يرتضى نسبة الختم إلى الله على ظاهره، ونراه يتأوَّل هذا الختم بما يتفق ورأى المعتزلة فيقول:"أى وسَمَها بسِمَة يعرفها مَن يشاء من ملائكته إذا نظروا إليها بأنهم الذين لا يؤمنون، وعلى سمعهم كذلك بسِمَات، وعلى أبصارهم غشاوة، وذلك أنهم لما أعرضوا عن النظر فيما كُلِّفوه، وقصَّروا فيما أُرِيد منهم، جهلوا ما لزمهم من الإيمان به، فصاروا كمن على عينه غطاء لا يبصر ما أمامه، فإن الله عز وجل يتعالى عن العبث والفساد، وعن مطالبة العباد بما قد منعهم بالقهر منه، فلا يأمرهم بمغالبته ولا بالمسير إلى ما قد صدَّهم بالعجز".

* *

* تأثره فى تفسيره بآراء الشيعة فى الفروع الفقهية:

كذلك نجد المؤلف يجرى فى تفسيره على وفق ما يميل إليه من الأحكام الفقهية التى يقول بها الإمامية الإثنا عشرية.

فمثلاً عند قوله تعالى فى الآية [43] من سورة البقرة: {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكاة} .. نراه يروى حديثاً طويلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ منه صراحة أن فرض الرِجْلين فى الوضوء مسحهما لا غسلهما، وأن غسلهما لا يجوز إلا للتقيَّة، وهذا الحديث هو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا توضأ فغسل وجهه تناثرت ذنوب وجهه، وإذا غسل يديه إلى المرفقين تناثرت عنه ذنوب يديه، وإذا مسح رأسه تناثرت ذنوب رأسه، وإذا مسح رجليه - أو غسلهما تقيَّة - تناثرت ذنوب رجليه"

إلخ.

ص: 72

وهكذا نجد هذا التفسير يسير مع الهوى الشيعى، سيراً فيه كثير من التطرف والغلو والخروج عن دائرة المعقول المقبول. وإذا كان هذا التفسير من عمل الحسن العسكرى، الإمام المعصوم، الذى عنده علم القرآن كله، فتلك أكبر شهادة على أنه لا عصمة له ولا علم عنده، وكيف يصدر هذا التلاعب بنصوص القرآن من إمام له قيمته ومكانته.

وإذا كان ما يذكره صاحب أعيان الشيعة من علمه وصلاحه أمراً حقيقياً، فالظن بهذا الكتاب أن يكون منسوباً إلى هذا الإمام زوراً وبهتاناً، وهذا ما أُرجحه وأختاره، لأنى لم أعثر على نقل صحيح يدل على غلو الرجل وتطرفه فى التشيع كما فعل غيره.

* * *

ص: 73