الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
السبعية: لأنهم زعموا أن النطقاء بالشرائع سبعة: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، ومحمد المهدى المنتظر سابع النطقاء، وبين كل اثنين من النطقاء سبعة أئمة يتممون شريعته، ولا بد فى كل عصر من سبعة بهم يُقتدى وبهم يُهتدى.
6-
البابكية أو الخرمية: لاتباع طائفة منهم "بابك الخرمى" الذى خرج بأذربيجان.
7-
المحمرة: للبسهم الحمرة أيام بابك، أو لتسميتهم المخالفين لهم حميراً.
هذا وسيأتى بعد ما يكشف لنا عن عقيدة هؤلاء الباطنية، عندما نتكلم عن موقفهم من تفسير القرآن الكريم.
وقبل أن أخلص من هذه العُجَالة أسوق لك كلمة أنقلها بنصها عن أبى المظفر الإسفراينى فى كتابه "التبصير فى الدين" قال رحمه الله:
"واعلم أن الزيدية، والإمامية منهم، يُكَفِّر بعضهم بعضاً، والعداوة بينهم قائمة دائمة، والكيسانية يُعَدون فى الإمامية. واعلم أن جميع مَن ذكرناهم من فِرق الإمامية متفقون على تكفير الصحابة، ويدَّعون أن القرآن قد غُيِّر عما كان، ووقع فيه الزيادة والنقصان من قِبَل الصحابة، ويزعمون أنه قد كان فيه النص على إمامة علىّ فأسقطه الصحابة منه، ويزعمون أنه لا اعتماد على القرآن الآن ولا على شىء من الأخبار المروية عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويزعمون أنه لا اعتماد على الشريعة التى فى أيدى المسلمين، وينتظرون إماماً يسمونه "المهدى" يخرج ويعلمهم الشريعة، وليسوا على شىء من الدين وليس مقصودهم من هذا الكلام تحقيق الكلام فى الإمامة، ولكن مقصودهم إسقاط كلفة تكليف الشريعة عن أنفسهم حتى يتوسعوا فى استحلال المحرَّمات الشرعية، ويعتذروا عند العوام بما يعدونه من تحريف الشريعة وتغير القرآن من عند الصحابة، ولا مزيد على هذا النوع من الكفر، إذ لا بقاء فيه على شىء من الدين".
* *
موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم
إذا نحن أجلنا النظر فى مذهب الشيعة، وجدنا أصحابه لم يسلموا من التفرق والتحزب والانقسام فى الرأى والعقيدة. فبينا نجد الغلاة الذين رفعوا علياً إلى مرتبة الآلهة فكفروا، نجد المعتدلين الذين يرون علياً أفضل من غيره من الصحابة، وأنه أحق
بالولاية وأولى بها من غيره فحسب، ونجد مَن يقف موقفاً وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء، فلا هو يؤلِّه علياً، ولا هو يرى أنه بشر يُخطىء ويُصيب، بل يرى أنه معصوم، وأنه الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منازع ولا مدافع وإن غُلب على أمره واعتُصِبَت الولاية منه.
ولم يقل أمر الشيعة عند حد الانقسام إلى حزبين أو ثلاثة، بل تفرَّقت بهم الأهواء - كما قلنا - إلى حد الكثرة فى التحزب، وكان كل حزب له عقيدة خاصة لا يشاركه فيها غيره، ورأى خاص لا يقول به سواه.
وكان طبيعياً - وكل حزب من هذه الأحزاب يَدَّعى الإسلام، ويعترف بالقرآن ولو فى الجملة - أن يبحث كل عن مستند يستند إليه من القرآن ويحرص كل الحرص على أن يكون القرآن شاهداً له لا عليه، فما وجده من الآيات القرآنية يمكن أن يكون دليلاً على مذهبه تمسك به، وأخذ فى إقامة مذهبه على دعامة منه. وما وجده مخالفاً لمذهبه حاول بكل ما يستطيع أن يجعله موافقاً لا مخالفاً، وإن أدى هذا كله إلى خروج اللفظ القرآنى عن معناه الذى وُضِعَ له وسِيقَ من أجله. وإليك طرفاً من تأويلات هؤلاء الغلاة:
* من تأويلات السبئية:
فمثلاً نجد بعض السبئية يزعم أن علياً فى السحاب، وعلى هذا يُفسِّرون الرعد بأنه صوت علىّ، والبرق بأنه لمعان سَوْطه أو تبسمه، ولهذا كان الواحد منهم إذا سمع صوت الرعد يقول: عليك السلام يا أمير المؤمنين.
كذلك نجد زعيم السبئية يزعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم سيرجع إلى الحياة الدنيا، وتأوَّل على ذلك قوله تعالى فى الآية [85] من سورة القصص:{إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ} . *
* من تأويلات البيانية:
كذلك نجد بيان بن سمعان التميمى زعيم البيانية، يزعم أنه هو المذكور فى
القرآن بقوله تعالى فى الآية [138] من سورة آل عمران: {هاذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} .. ويقول: أنا البيان، وأنا الهدى والموعظة.
كما نراه يزعم أن الله تعالى رجل من نور، وأنه يفنى كله غير وجهه، ويتأوَّل على زعمه هذا قوله تعالى فى الآية [88] من سورة القصص:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ} .. وقوله فى الآيتين [26-27] من سورة الرحمن: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ
…
} .
*
* من تأويلات المغيرية:
كذلك نجد المغيرة بن سعيد العجلى زعيم المغيرية يقول: إن الله تعالى لما أراد أن يخلق العالَم تكلَّم بالاسم الأعظم، فطار ذلك الاسم ووقع تاجاً على رأسه، وتأوَّل على ذلك قوله تعالى فى الآية الأولى من سورة الأعلى:{سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى}
…
وزعم أن الاسم الأعلى إنما هو ذلك التاج.
ويزعم المغيرة أيضاً: أن الله تعالى خلق أظلال الناس قبل أجسادهم، فكان أول ما خلق منها ظل محمد صلى الله عليه وسلم. وقال: فذلك قوله فى الآية [81] من سورة الزخرف: {قُلْ إِن كَانَ للرحمان وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} .. قال: ثم أرسل ظل محمد إلى أظلال الناس، ثم عرض على السماوات والجبال أن يمنعن علىّ أبى طالب من ظالميه فأبين ذلك، فعرض ذلك على الناس. فأمر عمر أبا بكر أن يتحمل نُصْرة علىّ ومنعه من أعدائه، وأن يغدر به فى الدنيا، وضمن له أن يعينه على الغدر به، على شريطة أن يجعل له الخلافة من بعده، ففعل أبو بكر ذلك. قال: فذلك تأويل قوله فى الآية [72] من سورة الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} .. فزعم أن الظلوم والجهول أبو بكر.
وتأوَّل فى عمر قوله تعالى فى الآية [16] من سورة الحشر: {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ} .. والشيطان عنده عمر.
*
*
من تأويلات المنصورية:
وكذلك نجد أبا منصور العجلى زعيم المنصورية والمعروف بـ "الكِسْف"، يزعم أنه عُرِج به إلى السماء، وأن الله تعالى مسح بيده على رأسه وقال له: يا بنى بلِّغ عنى، ثم أنزله إلى الأرض، وزعم أنه الكِسْف الساقط من السماء المذكور فى قوله تعالى فى الآية [44] من سورة الطور:{وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} .
وتأوَّلت هذه الطائفة الجنَّة بأنها رجل أُمِرنا بموالاته وهو الإمام، والنار بالضد، أى رجل أُمِرنا ببغضه وهو ضد الإمام وخصمه كأبى بكر وعمر، وتأوَّلوا الفرائض والمحرَّمات فقالوا: الفرائض أسماء رجال أُمِرنا بموالاتهم، والمحرَّمات أسماء رجال أُمِرنا بمعاداتهم.
*
* من تأويلات الخطابية:
كذلك نجد من الخطابية مَن يتأوَّل الجنَّة بأنها نعيم الدنيا، والنار بأنها آلامها.
ووجدنا منهم مَن يقول: إنه لا يؤمن إلا والله تعالى يُوحى إليه، وعلى هذا المعنى كانوا يتأوَّلون قوله تعالى فى الآية [145] من سورة آل عمران:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَاّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً} .. ويقولون: إن معناه: بوحى من الله، ويقولون: إذا جاز أن يُوحى إلى النحل كما ورد فى قوله تعالى فى الآية [68] من سورة النحل: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} .. لِمَ لا يجوز أن يُوحى إلينا؟.
*
*
من تأويلات العبيدين:
كذلك نجد أبا إسحاق الشاطبى يذكر لنا عن بعض العلماء: أن عبيد الله الشيعى المسمى المهدى، حين ملك إفريقيا واستولى عليها، كان له صاحبان من كتامة ينتصر بهما على أمره.. وكان أحدهما يسمى بـ "نصر الله"، والآخر يسمى بـ "الفتح" فكان يقول لهما: أنتما اللَّذان ذكركما الله فى كتابه فقال: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} [النصر: 1] قالوا: وقد كان عمل ذلك فى آيات من كتاب الله تعالى فبدَّل قوله تعالى فى الآية [110] من سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} .. بقوله: "كتامة خير أُمَّة أُخْرِجت للناس".
فأنت ترى أن هؤلاء الغلاة الذين كفروا بما يعتقدون، يجدون فى صرف اللَّفظ القرآنى عن معناه الذى سيق له إلى معنى يتفق مع عقيدتهم، ويتناسب مع أهوائهم ونزعاتهم، وهم بعملهم هذا يُحَمِّلون القرآن ما لا يحتمله، ويقولون على الله بغير علم ولا برهان.
كذلك نجد الإمامية الإثنا عشرية يميلون بالقرآن نحو عقائدهم، ويلوونه حسب أهوائهم ومذاهبهم، وهؤلاء ليس لهم فى تفسيرهم المذهبى مستند صحيح يستندون إليه، ولا دليل سليم يعتمدون عليه، وإنما هى أوهام نشأت عن سلطان العقيدة الزائفة، وخرافات صدرت من عقول عشَّش فيها الباطل وأفرخ، فكان ما كان من خرافات وترهات!!
نعم.. يعتمد الإمامية الإثنا عشرية فى تفسيرهم للقرآن الكريم ونظراتهم إليه، على أشياء لا تعدو أن تكون من قبيل الأوهام والخرافات التى لا توجد إلا فى عقول أصحابها، فمن ذلك الذى يعتمدون عليه ما يأتى:
أولاً: جمع القرآن الكريم وتأويله، وهو كتاب جمع فيه علىّ رضى الله عنه القرآن على ترتيب النزول.
ثانياً: كتاب أملى فيه أمير المؤمنين عليه السلام ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن، وذكر لكل نوع مثالاً يخصه. ويعتقدون أنه الأصل لكل مَن كتب فى أنواع علوم القرآن، وهم يروون عن علىّ رضى الله عنه هذا الكتاب بطرق عدة، وهو فى أيديهم إلى اليوم، ويبلغ ثلاث عشرة ورقة إلا ربعاً بالقطع الكبير الكامل، كل صفحة منها سبعة وعشرون سطراً.
ثالثاً: الجامعة وهى كتاب طوله سبعون ذراعاً من إملاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وخط علىّ عليه السلام، مكتوب على الجلد المسمى بالرق فى عرض الجلد، جُمِعت الجلود بعضها ببعض حتى بلغ طولها سبعين ذراعاً وعدها من مؤلفات علىّ باعتبار أنه كتبها ورتبها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه. قالوا: وفيها كل حلال وحرام، وكل شئ يحتاج الناس إليه حتى الأرش فى الخدش.
رابعاً: الجفر، وهو غير الجامعة وفيه يقول ابن خلدون:"واعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعد العجلى وهو رأس الزيدية، كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم، ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص، وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم، على طريق الكرامة والكشف الذى يقع لمثلهم من الأولياء، وكان مكتوباً عند جعفر فى جلد ثور صغير، فرواه عنه هارون العجلى، وكتبه، وسماه "الجفر" باسم الجلد الذى كُتِب فيه، لأن الجفر فى اللغة هو الصغير، وصار هذا الاسم عَلَماً على هذا الكتاب عندهم، وكان فيه تفسير القرآن وما فى باطنه من غرائب المعانى، مروية عن جعفر الصادق.
وهذا الكتاب لم تتصل روايته، ولا عُرِف عَيْنه، وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل، ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نِعْمَ المستند من نفسه، أو من رجال قومه، فهم أهل الكرامات".
ويُعرِّف صاحب أعيان الشيعة "الجفر" بأنه كتاب أملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على علىّ رضى الله عنه، ويذكر فى ذلك أقوالاً متضاربة ثم يقول بعد فراغه منها: "الظاهر من الأخبار أن الجفر كتاب فيه العلوم النبوية من حلال، وحرام، وأحكام، وأُصول.. ما يحتاج إليه الناس فى أحكام دينهم وما يصلحهم فى دنياهم، والإخبار عن بعض الحوادث، ويمكن أن يكون فيه تفسير بعض المتشابه من القرآن المجيد، ثم ينكر على مَن يستبعد أن يكون الجفر فيه كل هذه العلوم، ويتمثل بقول أبى العلاء المَعرِّى:
لقد عجبوا لأهل البيت لما
…
أروهم علمهم فى مسك جفر
ومرآة المنجم وهى صغرى
…
أرته كل عامرة وقفر
خامساً: مصحف فاطمة، جاء فى البصائر: "أن أبا عبد الله سأله بعض الأصحاب
عن مصحف فاطمة، فقال: إنكم تبحثون عما تريدون وعما لا تريدون. إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبريل يأتيها ويُحسن عزاءها على أبيها، ويُطِّيب نفسها، ويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها فى ذُرِّيتها. وكان علىّ عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة.
هذه هى أهم الأشياء التى يستند إليها الإمامية الإثنا عشرية فى تفسيرهم لكتاب الله تعالى، وهى كلها أوهام وأباطيل لا ثبوت لها إلا فى عقول الشيعة.. وكيف يكون سائغاً ومقبولاً أن ينبنى تفسير القرآن وفهم معانيه على أوهام وأباطيل؟؟ لهذا نرى العلامة ابن قتيبة يشدد النكير على الشيعة فى تفسيرهم لكتاب الله تعالى فيقول:
"وأعجب من هذا التفسير - يعنى تفسير المعتزلة - تفسير الروافض للقرآن، وما يدَّعونه من علم باطنه بما وقع إليهم من الجفر الذى ذكره هارون بن سعد العجلى، وكان رأس الزيدية فقال:
ألم نر أن الرافضين تفرَّقوا
…
فكلهم فى جعفر قال منكرا
فطائفة قالوا: إمام، ومنهم
…
طوائف سمَّته النبى المُطهَّرا
ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم
…
بَرِئتُ إلى الرحمن ممن تجفَّرا
بَرئتُ إلى الرحمن من كان رافض
…
بصير بباب الكفر.. فى الدين أعورا
إذا كفَّ أهل الحق عن بدعة مضى
…
عليها، وإن يمضوا على الحق قصَّرا
ولو قال: إن الفيل ضبٌ لصدَّقوا
…
ولو قال: زنجى تحوَّل أحمرا
وأخلف من بول البعير فإنه
…
إذا هو للإقبال وُجِّه أدبرا
فقُبِّح أقوام رموه بفرية
…
كما قال فى عيسى الفَرى مَن تنصرا
قال أبو محمد: وهو جلد جفر ادَّعوا أنه كتب فيه لهم الإمام كل ما يحتاجه إلى علمه، وكل ما يكون إلى يوم القيامة، فمن ذلك قولهم فى قول الله عز وجل:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] : إنه الإمام ورث النبى صلى الله عليه وسلم علمه. وقولهم فى قول الله عز وجل: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67] : إنها عائشة رضى الله عنها، وفى قوله تعالى:{فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا} [البقرة: 73] : إنه طلحة والزبير. وقولهم فى الخمر والميسر: إنهما أبو بكر وعمر رضى الله عنهما.. والجبت والطاغوت: إنهما معاوية وعمرو بن العاص.. مع عجائب أرغب عن ذكرها، ويرغب مَن بلغه كتابنا هذا عن استماعها.
وكان بعض أهل الأدب يقول: ما أشبه تفسير الرافضة للقرآن إلا بتأويل رجل من أهل مكة للشعر، فإنه قال ذات يوم: ما سمعتُ بأكذب من بنى تميم، زعموا أن قول القائل:
بيت زرارة محتب بفنائه
…
ومجاشع، وأبو الفوارس نهشل
إنه فى رجال منهم.. قيل له: فما تقول أنت فيهم؟ قال: البيت: بيت الله. وزرارة: الحِجْر، قيل: فمجاشع؟ قال: رمز.. جشعت بالماء. قيل: فأبو الفوارس؟ قال: أبو قبيس، قيل له: فنهشل؟ قال: نهشل.. أشده، وفكر ساعة ثم قال: نهشل: مصباح الكعبة، لأنه طويل أسود، فذلك نهشل.
وهم أكثر البدع اقترافاً ونحلاً، فمنهم قوم يقال لهم البيانية، يُنسبون إلى رجل يقال له "بيان"، قال لهم: إلىّ أشار الله تعالى إذ قال: {هاذا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 138] ..
وهم أول مَن قال بخلق القرآن، ومنهم المنصورية، أصحاب أبى منصور الكسْف، وكان قال لأصحابه: فىّ نزل قوله: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السمآء سَاقِطاً} [الطور: 44] .. ومنهم الخنَّاقون والشدَّاخون، ومنهم الغرَّابية، وهم الذين ذكروا أن علياً رضى الله عنه كان أشبه بالنبى صلى الله عليه وسلم من الغراب بالغراب، فتغلط جبريل عليه السلام حيث بُعِثَ إلى علىّ لشبهه به.
قال أبو محمد: ولا نعلم فى أهل البدع والأهواء أحداً ادَّعى الربوبية لبَشر غيرهم، فإن عبد الله بن سبأ، ادَّعى الربوبية لعلىّ فأحرق علىُّ أصحابه بالنار، وقال فى ذلك:
لما رأيت الأمر أمراً منكرا
…
أججت نارى ودعوت قنبرا
ولا نعلم أحداً ادَّعى النبوة لنفسه غيرهم، فإن المختار بن أبى عبيد ادَّعى النبوة لنفسه، وقال:"إن جبريل وميكائيل يأتيان إلى جهته، فصدَّقه قوم واتبعوه، وهم الكيسانية".
هذا ولا يفوتنا أن نقول: إن هذه الطوائف من الشيعة قد باد معظمها، وأشهر ما بقى منها إلى اليوم ثلاث فِرَق، هى: الإمامية الإثنا عشرية، والإمامية الإسماعيلية - وهم المسمون بالباطنية - والزيدية.
أما الإمامية الإثنا عشرية، فينتشرون اليوم فى بلاد إيران، وبلاد العراق كما يوجد منهم جماعة بالشام.
وأما الإسماعيلية، فينتشرون فى بلاد الهند، كما يوجدون فى نواح أخرى متفرقة، وزعيمهم أغا خان الزعيم الهندى الإسماعيلى المعروف.
وأما الزيدية فيوجدون ببلاد اليمن.
إذن.. فالأجدر بنا أن نمسك عن موقف هذه الفِرَق البائدة من تفسير القرآن، ما دامت قد بادت ولم يبق لها أثر، وما دمنا لم نقف لها على شئ فى التفسير أكثر من هذه النُبَذ المتفرقة التى وجدناها للبعض منهم وجمعناها من بطون الكتب المختلفة.
والذى يستحق عنايتنا وبحثنا بعد ذلك، هو تلك الفِرَق الثلاث التى لا تزال موجودة إلى اليوم، محتفظة بتعاليمها وآرائها. وسنبدأ أولاً بالإمامية الإثنا عشرية، ثم الإمامية الإسماعيلية، ثم بالزيدية، فنقول وبالله التوفيق: