المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى - التفسير والمفسرون - جـ ٢

[محمد حسين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌الشيعة وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الشيعة وعقائدهم

- ‌ الزيدية

- ‌قوام مذهب الزيدية

- ‌الإمامية

- ‌ الإمامية الإثنا عشرية

- ‌أشهر تعاليم الإمامية الإثنا عشرية

- ‌الإمامية الاسماعيلية

- ‌موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم

- ‌1- موقف الإمامية الإثنا عشرية من تفسير القرآن الكريم

- ‌2- موقف القرآن من الأئمة وأوليائهم وأعدائهم

- ‌3- تحريف القرآن وتبديله

- ‌4- موقفهم من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة

- ‌أهم الكتب التى يعتمدون عليها فى رواية الأحاديث والأخبار

- ‌أهم كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية

- ‌1- مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (للمولى عبد اللطيف الكازرانى

- ‌2- تفسير الحسن العسكرى

- ‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

- ‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

- ‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

- ‌6- بيان السعادة فى مقامات العبادة (لسلطان محمد الخراسانى)

- ‌الإمامية الإسماعيلية "الباطنية" وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الإسماعيلية وعقائدهم وأغراضهم

- ‌مؤسسو هذه الطائفة

- ‌احتيالهم على الوصول إلى أغراضهم

- ‌مراتب الدعوة عند الباطنية

- ‌إنتاج الباطنية فى تفسير القرآن الكريم

- ‌موقف متقدمى الباطنية من تفسير القرآن الكريم

- ‌البابية والبهائية

- ‌كلمة إجمالية عن نشأة البابية والبهائية

- ‌ بهاء الله

- ‌الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى

- ‌موقف البابية والبهائية من تفسير القرآن الكريم

- ‌أبو الفضائل الإيرانى يعيب تفاسير أهل السُّنَّة

- ‌إنتاج البابية والبهائية فى التفسير، ومثل من تأويلاتهم الفاسدة

- ‌الزيدية وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌أهم كتب التفسير عند الزيدية

- ‌فتح القدير للشوكاني

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌طريقة الشوكانى فى تفسيره

- ‌نقله للروايات الموضوعة والضعيفة

- ‌ذمه للتقليد والمقِّدين

- ‌حياة الشهداء

- ‌التوسل

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من آراء المعتزلة

- ‌موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن

- ‌الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الخوارج

- ‌مواقف الخوارج من تفسير القرآن الكريم

- ‌سلطان المذهب يغلب على الخوارج فى فهم القرآن

- ‌مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن

- ‌موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك فى تفسيرهم للقرآن

- ‌الإنتاج التفسيرى للخوارج

- ‌أسباب قِلَّة إنتاج الخوارج فى التفسير

- ‌هميان الزاد إلى دار المعاد

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌حقيقة الإيمان

- ‌موقفه من أصحاب الكبائر

- ‌حملته على أهل السُّنَّة

- ‌مغفرة الذنوب

- ‌رأيه فى الشفاعة

- ‌رؤية الله تعالى

- ‌أفعال العباد

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من تفسير الصوفية

- ‌موقفه من الشيعة

- ‌رأيه فى التحيكم

- ‌إشادته بالخوارج وحطه من قدر عثمان وعلىّ ومَن والاهما

- ‌اعتداده بنفسه وحملته على جمهور المسلمين

- ‌تفسير الصوفية

- ‌أصل كلمة تصوف

- ‌معنى التصوف

- ‌نشأة التصوف وتطوره

- ‌أقسام التصوف

- ‌أولاً: التفسير الصوفى النظرى

- ‌ابن عربى شيخ هذه الطريقة

- ‌تأثر ابن عربى بالنظريات الفلسفية

- ‌تأثره فى تفسيره بنظرية وحدة الوجود

- ‌قياسه الغائب على الشاهد

- ‌إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية

- ‌التفسير الصوفى النظرى فى الميزان

- ‌رأينا فى التفسير الصوفى النظرى

- ‌ثانياً: التفسير الصوفى الفيضي او الإشارى

- ‌حقيقته

- ‌الفرق بينه وبين التفسير الصوفى النظرى

- ‌هل للتفسير الإشارى أصل شرعى

- ‌التفاوت فى إدراك المعانى الباطنة وإصابتها

- ‌التفسير الإشارى فى الميزان

- ‌مقالة الشاطبى فى التفسير الإشارى

- ‌مقالات بعض العلماء فى التفسير الإشارى

- ‌رأينا فى مقالة ابن عربى

- ‌شروط قبول التفسير الإشارى

- ‌أهم كتب التفسير الإشارى

- ‌1- تفسير القرآن العظيم (للتسترى)

- ‌2- حقائق التفسير (للسلمى)

- ‌3- عرائس البيان فى حقائق القرأن (لأبى محمد الشيرازى)

- ‌4- التأويلات النجمية (لنجم الدين داية، وعلاء الدولة السمنانى)

- ‌5- التفسير المنسوب لابن عربى

- ‌ابن عربى ومذهبه فى تفسير القرآن الكريم

- ‌ترجمة ابن عربى

- ‌ابن عربى بين أعدائه ومريديه

- ‌مكانته العلمية

- ‌مذهب ابن عربى فى وحدة الوجود

- ‌مذهب ابن عربى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌نماذج من التفسير الصوفى النظرى له

- ‌نماذج من التفسير الإشارى له

- ‌نماذج من التفسير الظاهر لابن عربى

- ‌تفسير الفلاسفة

- ‌كيف وُجِدت الصلة بين التفسير والفلسفة

- ‌كيف كان التوفيق بين الدين والفلسفة

- ‌الأثر الفلسفى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌من تفسير الفارابى

- ‌من تفسير إخوان الصفا

- ‌ترجمة ابن سينا

- ‌مسلك ابن سينا فى التفسير

- ‌رأينا فى تفسير الفلاسفة

- ‌تفسير الفقهاء

- ‌كلمة إجمالية عن تطور التفسير الفقهى

- ‌التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية

- ‌التفسير الفقهى بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبى

- ‌تنوع التفسير الفقهى تبعاً لتنوع الفرق الإسلامية

- ‌الإنتاج التفسيرى للفقهاء

- ‌1- أحكام القرآن - للجصَّاص (الحنفى)

- ‌2- أحكام القرآن - لكيا الهراسى (الشافعى)

- ‌3- أحكام القرآن - لابن العربى (المالكى)

- ‌4- الجامع لأحكام القرآن - لأبى عبد الله القرطبى (المالكى)

- ‌5- كنز العرفان فى فقه القرآن لمقداد السيورى (من الإمامية الإثنا عشرية)

- ‌6- الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة ليوسف الثلائى (الزيدى)

- ‌التفسير العلمى

- ‌معنى التفسير العلمى

- ‌التوسع فى هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به

- ‌الإمام الغزالى والتفسير العلمى

- ‌الجلال السيوطى والتفسير العلمى

- ‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

- ‌إنكار التفسير العلمى

- ‌إنكار الشاطبى للتفسير العلمى

- ‌اختيارنا فى هذا الموضوع

- ‌الخاتمة.. كلمة عامة عن التفسير وألوانه فى العصر الحديث

- ‌التفسير بين ماضيه وحاضره

- ‌مميزات التفسير فى العصر الحديث

- ‌ألوان التفسير فى العصر الحديث

- ‌اللَّون العلمى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌الجواهر فى تفسير القرآن الكريم (للشيخ طنطاوى جوهرى)

- ‌اللون المذهبى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الإلحادى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الأدبى الاجتماعى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌1- الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌2- السيد محمد رشيد رضا

- ‌3- الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى

- ‌رجاء واعتذار

الفصل: ‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

ثم نجده بعد أن يسوق هذه الأدلة وغيرها يذكر لنا عن بعض العلماء أنه استنبط أن عمر النبى صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة من قوله تعالى فى الآية [11] من سورة المنافقون: {وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ} ، فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقَّبها بـ "التغابن" ليُظهر التغابن فى فقده".

* *

‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

ثم ذكر عن أبى الفضل المرسى أنه قال فى تفسيره: "جمع القرآن علوم الأوَّلين والآخرين، بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم به، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس حتى قال: لو ضاع لى عقال بعير لوجدته فى كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوَّعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته، وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه، وعددها، وعدد كلماته، وآياته، وسوره، وأحزابه، وأنصافه، وأرباعه، وعدد سجداته، والتعليم عند كل عشر آيات

إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أُودع فيه، فسُمُّوا القُرَّاء.

واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبنى من الأسماء والأفعال، والحروف العاملة، وغيرها، وأوسعوا الكلام فى الأسماء وتوابعها، وضروب الأفعال. واللازم، والمتعدى، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما يتعلق به، حتى إن بعضهم أعرب مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.

واعتنى المفسِّرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظاً يدل على معنى واحد، ولفظاً يدل على معنيين، ولفظاً يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه، وأوضحوا معنى الخفى منه، وخاضوا فى ترجيح أحد محتملات ذى المعنيين والمعانى، وأعمل كل منهم فكره، وقال بما اقتضاه نظره.

واعتنى الأُصوليون بما فيه من الأدلة القطعية، والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلَاّ الله لَفَسَدَتَا}

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منها أدلة على وحدانية الله، ووجوده، وبقائه، وقِدَمه، وقُدرته، وعلمه، وتنزيهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأُصول الدين.

وتأملت طائفة منهم معانى خطابه، فرأت منها ما يقتضى العموم، ومنها ما يقتضى

ص: 352

الخصوص، إلى غير ذلك، فاستنبطوا منه أحكام اللُّغة من الحقيقة والمجاز، وتكلموا فى التخصيص، والإضمار، والنص، والظاهر، والمُجمَل، والمُحْكَم، والمتشابه، والأمر، والنهى، والنسخ

إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة، واستصحاب الحال، والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه.

وأحكمت طائفة صحيح النظر، وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام، وسائر الأحكام، فأسسوا أُصوله، وفرَّعوا فروعه، وبسطوا القول فى ذلك بسطاً حسناً، وسموه بعلم الفروع، وبالفقه أيضاً.

وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السابقة، والأُمم الخالية، ونقلوا أخبارهم، ودوَّنوا آثارهم ووقائعهم، حتى ذكروا بدء الدنيا، وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ.

وتنبَّه آخرون لما فيه من الحِكَم، والأمثال، والمواعظ التى تقلقل قلوب الرجال، وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد، والوعيد، والتحذير، والتبشير، وذكر الموت، والمعاد، والنشر، والحشر، والحساب، والعقاب، والجنَّة، والنار، فصولاً من المواعظ، وأُصولاً من الزواجر، فسُمُّوا بذلك الخطباء والوُعَّاظ.

واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير، مثل ما ورد فى قصة يوسف فى البقرات السمان، وفى منامى صاحبى السجن، وفى رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسَمُّوه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تأويل كل رؤيا من الكتاب، فإن عَزَّ عليهم إخراجها منه فمن السُّنَّة التى هى شارحة للكتاب، فإن عَزَّ فمن الحِكَم والأمثال، ثم نظروا إلى اصطلاح العوام فى مخاطباتهم وعُرف عاداتهم، الذى أشار إليه القرآن بقوله:{وَأْمُرْ بالمعروف} [لقمان: 17] .. وأخذ قوم مما فى آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك، علم الفرائض، واستنبطوا منها من ذكر النِصْف، والثُّلُث، والرُّبُع، والسُّدُس، والثُّمُن، حساب الفرائض، ومسائل العدل، واستخرجوا منه أحكام الوصايا.

ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحِكَم الباهرة، فى الليل، والنهار، والشمس، والقمر، ومنازله، والبروج، وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت.

ونظر الكُتَّاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللَّفظ، وبديع النظم، وحُسن السياق، والمبادىء، والمقاطع، والمخالص، والتلوين فى الخطاب، والإطناب، والإيجاز، وغير ذلك واستنبطوا منه المعانى، والبيان، والبديع.

ونظر فيه أرباب الإشارات، وأصحاب الحقيقة، فلاح لهم من ألفاظه معانٍ ودقائق، جعلوا لها أعلاماً اصطلحوا عليها، مثل: الفناء، والبقاء، والحضور. والخوف، والهيبة، والأُنس، والوحشة، والقبض، والبسط، وما أشبه ذلك.

هذه الفنون أخذتها المِلَّة الإسلامية منه، وقد أحتوى على علوم أُخَر من علوم

ص: 353

الأوائل مثل: الطّب، والجدل، والهيئة، والهندسة، والجبر، والمقابلة، والنجامة، وغير ذلك من العلوم.

أما الطب: فمداره على نظام الصحة واستحكام القوة، وذلك إنما يكون باعتدال المزاج بتفاعل الكيفيات المتضادة، وقد جمع ذلك فى آية واحدة وهى قوله تعالى:{وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} ، [الفرقان: 67] وعرفنا فيه بما يفيد نظام الصحة بعد اختلاله، وحدوث الشفاء للبدن بعد اعتلاله فى قوله تعالى:{شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] .. ثم زاد على طب الأجسام بطب القلوب، وشفاء الصدور.

وأما الهيئة: ففى تضاعيف سوره من الآيات التى ذكر فيها ملكوت السموات والأرض، وما بث فى العالم العلوى والسفلى من المخلوقات.

وأما الهندسة: ففى قوله تعالى: {انطلقوا إلى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَاّ ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللهب} [المرسلات: 30-31] .. فإن فيه قاعدة هندسية، وهو أن الشكل المثلث لا ظل له.

وأما الجدل: فقد حوت آياته من البراهين، والمقدمات، والنتائج، والقول بالموجب، والمعارضة، وغير ذلك شيئاً كثيراً، ومناظرة إبراهيم نمرود، ومحاجته قومه أصل فى ذلك عظيم.

وأما الجبر والمقابلة فقد قيل: إن أوائل السور فيها ذكر مدد وأعوام وأيام التواريخ لأُمم سالفة. وإن فيها بقاء هذه الأمة، وتاريخ مدة أيام الدنيا، وما مضى وما بقى، مضروب بعضها فى بعض.

وأما النجامة: ففى قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] ، فقد فسَّره بذلك ابن عباس.

وفيه أُصول الصنائع وأسماء الآلات التى تدعو الضرورة إليه، كالخياطة فى قوله:{وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} [الأعراف: 22، طه: 121]، والحدادة:{آتُونِي زُبَرَ الحديد} [الكهف: 96] والبناء فى آيات، والنجارة:{واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} [هود: 37]، والغزل:{نَقَضَتْ غَزْلَهَا} [النحل: 92]، والنسج:{كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً} [العنكبوت: 41]، والفلاحة:{أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63 وما بعدها]

الآيات، والصيد فى آيات، والغوص:{والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص: 37]، {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً} [النحل: 14] ، والصياغة:{واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ} [الأعراف: 148]، والزجاجة: {المصباح فِي

ص: 354

زُجَاجَةٍ} ، {مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} [النمل: 44] ، والفخارة:{فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين} [القصص: 38]، والملاحة:{أَمَّا السفينة} [الكهف: 79]

. الآية، والكتابة {عَلَّمَ بالقلم} [العلق: 4] وفى آيات أُخَر. والخَبْز: {أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً} [يوسف: 36]، والطبخ:{بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69]، والقصارة:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، {قَالَ الحواريون} [آل عمران: 52، المائدة: 112، الصف: 14] وهم القصَّارون، والجزارة:{إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، والبيع والشراء فى آيات، والصبغ:{صِبْغَةَ الله} [البقرة: 138]{جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ} ، [فاطر: 27] والحجارة: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} [الشعراء: 149] ، والكيالة والوزن فى آيات كثيرة، والرمى:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17]{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] .

وفيه من أسماء الآلات وضروب المأكولات، والمشروبات، والمنكوحات، وجميع ما وقع ويقع فى الكائنات ما يحقق معنى قوله:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] .. قال السيوطى: انتهى كلام المرسى ملخصاً مع زيادات.

ثم بعد روايته لهذه المقالة الطويلة، نجده يذكر عن أبى بكر بن العربى أنه قال فى كتابه "قانون التأويل":"علوم القرآن خمسين علماً، وأربعمائة علم، وسبعة آلاف علم، وسبعون ألف علم، على عدد كلم القرآن مضروبة فى أربعة، إذ لكل كلمة ظهر وبطن، وحد ومطلع، وهذا مطلق دون اعتبار التركيب وما بينها من روابط، وهذا ما لا يُحصى، وما لا يعمله إلا الله".

وأخيراً عقَّب السيوطى على هذه النقول وغيرها فقال: "وأنا أقول: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شىء، أما أنواع فليس منها باب ولا مسألة هى أصلاً إلا وفى القرآن ما يدل عليها، وفيه عجائب المخلوقات، وملكوت السموات والأرض، وما فى الأفق الأعلى وما تحت الثرى و.. و

إلى غير ذلك مما يحتاج شرحه إلى مجلدات".

ومن هذا يتبين لك كيف ظهرت آثار الثقافات العلمية للمسلمين فى تفسير القرآن الكريم، وكيف حاول هؤلاء العلماء المتقدمون أن يجعلوا القرآن منبع العلوم كلها، ما جَدَّ وما يَجِدّ إلى يوم القيامة.

ولو أنَّا تتبعنا سلسلة البحوث التفسيرية للقرآن الكريم، لوجدنا أن هذه النزعة - نزعة التفسير العلمى - تمتد من عهد النهضة العلمية العباسية إلى يومنا هذا، ولوجدنا أنها كانت فى أول الأمر عبارة عن محاولات، يُقصد منها التوفيق بين القرآن،

ص: 355