الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التسليم للسادة الصوفية الذين هم مركز الدائرة المحمدية ما هم عليه، واتهام ذهنك السقيم فيما لم يصل - لكثرة العوائق - إليه:
وإذا لم تر الهلال فسلِّم
…
لأناس رأوه بالأبصار
ويقول الألوسى أيضاً بعد أن نقل عن ابن عربى ما قاله فى تفسير الفاتحة فى فتوحاته: "فإذا وقع الجدار، وانهدم الصور، وامتزجت الأنهار، والتقى البحران، وعدم البرزخ، صار العذاب نعيماً، وجهنم جنَّة، ولا عذاب ولا عقاب، إلا نعيم وأمان، بمشاهدة العيان".. إلخ. يقول الألوسى بعد نقله لهذا الكلام الغريب: "وهذا وأمثاله محمول على معنى صحيح يعرفه أهل الذوق ولا ينافى ما وردت به القواطع: ثم قال: وإياك أن تقول بظاهره مع ما أنت عليه، وكلما وجدت مثل هذا لأحد من أهل الله تعالى، فسلِّمه لهم بالمعنى الذى أرادوه، مما لا تعلمه أنت ولا أنا، لا بالمعنى الذى ينقدح فى عقلك، المشوب بالأوهام، فالأمر واللهِ وراء ذلك".
ومثل هذه الأقوال أشبه ما تكون بالإكراه لنا على قبول وجدانيات القوم وشطحاتهم مهما أوغلت فى البُعْد والغرابة، وتوريط لنا بتسليم كل ما يقولون تحت تأثير ما لهم فى نفوسنا من المكانة العلمية والدينية، ومهما يكن من شىء فأنا عند رأيى لا أتحول عنه، حتى إذا ما جعت جوع القوم، وسهرت سهرهم، ووجدت مواجيدهم، سلَّمتُ لهم بكل ما يقولون "ومن ذاق عرف".
والخلاصة.. أن مثل هذه التفاسير الغريبة للقرآن، مزَّلة قدم لمن لم يعرف مقاصد القوم، وليتهم احتفظوا بها عند أنفسهم، ولم يذيعوها على الناس فيوقعوهم فى حيرة واختلاف، منهم مَن يأخذها على ظاهرها ويعتقد أن ذلك هو مراد الله من كلامه، وإذا عارضه ما يُنقل فى كتب التفسير على خلافه فربما كذَّب به أو أشكل عليه، ومنهم مَن يكذبها على الإطلاق، ويرى أنها تقوُّل على الله وبهتان، ليتهم فعلوا ذلك، إذن لأراحونا من هذه الحيرة، وأراحوا أنفسهم من كلام الناس فيهم، وقذف البعض لهم بالكفر والإلحاد فى آيات الله!!
* *
شروط قبول التفسير الإشارى
تبين لنا فيما سبق أن التفسير الإشارى منه ما هو مقبول، ومنه ما ليس بمقبول، فعلينا بعد ذلك أن نذكر الشروط التى يجب أن تتوفر فى التفسير الإشارى - وإن كنا تعرَّضنا لأهمها فيما سبق - حتى يكون تفسيراً مقبولاً.. وإليك هذه الشروط:
أولاً: أن لا يكون التفسير الإشارى منافياً للظاهر من النظم القرآنى الكريم.
ثانياً: أن يكون له شاهد شرعى يؤيده.
ثالثاً: أن لا يكون له معارض شرعى أو عقلى.
وهذه الشروط الثلاثة قد أوضحناها فيما سبق، فلا حاجة بنا إلى إعادة توضيحها.
رابعاً: أن يدَّعى أن التفسير الإشارى هو المراد وحده دون الظاهر، بل لا بد أن نعترف بالمعنى الظاهر أولاً، إذ لا يطمع فى الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر "ومَن ادّعى فهم أسرار القرآن ولم يُحَكِّم التفسير الظاهر فهو كمن ادَّعى البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب".
إذا علمتَ هذا، علمتَ بصورة قاطعة أنه لا يمكن لعاقل أن يقبل ما نُقِل عن بعض المتصوفة من أنه فسَّر قوله تعالى فى الآية [255] من سورة البقرة:{مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} فقال: معناه "من ذل" من الذل "ذى" إشارة إلى النفس "يشف" من الشفاء "ع" أمر من الوعى. وما نُقِل عن بعضهم من أنه فسَّر قوله تعالى فى الآية [69] من سورة العنكبوت: {وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} .. فجعل "لمع" فعلاً ماضياً بمعنى أضاء، و "المحسنين" مفعوله.
هذا التفسير وأمثاله إلحاد فى آيات الله، والله تعالى يقول:{إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ} [فصلت: 40] .. قال الألوسى فى تفسير هذه الآية: "أى ينحرفون فى تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة، وهو مراد ابن عباس بقوله: يضعون الكلام فى غير موضعه".
هذه هى الشروط التى إذا توفرت فى التفسير الإشارى كان مقبولاً، ومعنى كونه مقبولاً عدم رفضه لا وجوب الأخذ به، أما عدم رفضه فلأنه غير مناف للظاهر ولا بالغ مبلغ التعسف، وليس له ما ينافيه أو يعارضه من الأدلة الشرعية.
وأما عدم وجوب الأخذ به، فلأنه من قبيل الوجدانيات، والوجدانيات لا تقوم على دليل ولا تستند إلى برهان، وإنما هى أمر يجده الصوفى من نفسه، وسر بينه وبين ربه. فله أن يأخذ به ويعمل على مقتضاه، دون أن يُلزم به أحداً من الناس سواه.
* * *