الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزيدية وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم
تمهيد
لم يقع بين الزيدية من الشيعة، وبين جمهور أهل السُّنَّة خلاف كبير مثل ما وقع من الخلاف بين الإمامية وجمهور أهل السُّنَّة، والذى يقرأ كتب الزيدية يجد أنهم أقرب فِرَق الشيعة إلى مذهب أهل السُّنَّة، وما كان بين الفريقين من خلاف فهو خلاف لا يكاد يُذكر.
يرى الزيدية: أن علياً أفضل من سائر الصحابة، وأولى بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: إن كل فاطمى عالِم زاهد شجاع سخى خرج للإمامة صحَّت إمامته، ووجبت طاعته، سواء أكان من أولاد الحسن، أم من أولاد الحسين، ومع ذلك فهم لا يتبرأون من الشيخين، ولا يُكفرونهما، بل يُجوِّزون إمامتهما، لأنه تجوز عندهم إمامة المفضول مع وجود الفاضل، كما أنهم لم يقولوا بما قالت به الإمامية من التقية، والعصمة للأئمة، واختفائهم ثم رجوعهم فى آخر الزمان. وغير ذلك من خرافات الإمامية ومَن على شاكلتهم.
وكل الذى نلحظه على الزيدية، أنهم يشترطون الاجتهاد فى أئمتهم، ولهذا كثر فيهم الاجتهاد، وأنهم لا يثقون برواية الأحاديث إلا إذا كانت عن طريق أهل البيت. والذى يقرأ كتاب "المجموع" للزيدية يرى أن كل ما فيه من الأحاديث مروية عن زيد بن علىّ زين العابدين، عن آبائه من الأئمة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيه بعد ذلك حديث يُروى عن صحابى آخر من غير أهل البيت رضى الله عنهم.
كما نلاحظ على الزيدية أيضاً أنهم تأثروا إلى حد كبير بآراء المعتزلة ومعتقداتهم، ويرجع السر فى هذا إلى أن إمامهم زيد بن علىّ، تتلمذ على واصل بن عطاء، كما قلنا ذلك فيما سبق.
إذن فلا نطمع بعد ذلك أن نرى للزيدية أثراً مميزاً، وطابعاً خاصاً فى التفسير كما رأينا للإمامية، لأن التفسير إنما يتأثر بعقيدة مفسِّرة. ويتخذ له طابعاً خاصاً، واتجاهاً معيناً، حينما يكون لصاحبه طابع خاص واتجاه معين. وليست الزيدية - بصرف النظر عن ميولهم الاعتزالية - بمنأى بعيد عن تعاليم أهل السُّنَّة، وعقائدهم، حتى يكون لهم فى التفسير خلاف كبير.
* *
أهم كتب التفسير عند الزيدية
وإذا نحن ذهبنا نفتش عن تفاسير الزيدية فى المكتبات التى تحت أبصارنا وفى متناول أيدينا، فإنَّا لا نكان نظفر منها إلا بتفسير الشوكانى المسمى "فتح القدير" وهو تفسير متناول للقرآن كله، وجامع بين الرواية والدراية، وتفسير آخر فى شرح آيات الأحكام اسمه "الثمرات اليانعة" لشمس الدين يوسف بن أحمد - من علماء القرن التاسع الهجرى - هذا هو كل ما عثرنا عليه للزيدية من كتب فى التفسير.
ولكن هل هذا هو كل ما أنتجته هذه الطائفة؟ أو أن هناك كتباً أخرى أُلِّفت فى
التفسير ثم دَرست؟ أو أُلِّفت وبقيت إلى اليوم غير أنه لم يُكتب لها الذيوع والانتشار، ولذا لم تصل إلى أيدينا؟
الحق أنى وجهت هذا السؤال إلى نفسى، فرجحت أن تكون هناك كتب كثيرة فى التفسير لهذه الطائفة، منها ما دَرس، ومنها ما بقى إلى اليوم مطموراً فى بعض المكاتب الخاصة، إذ ليس من المعقول أن لا يكون لطائفة إسلامية قامت من قديم الزمان، وبقيت محتفظة بتعاليمها ومقوِّماتها إلى اليوم إلا هذا الأثر الضئيل فى التفسير.
رجحت هذا الرأى، فذهبت أفتش وأبحث فى بعض الكتب التى لها عناية بهذا الشأن، عَلِّى أعثر على أسماء لبعض كتب فى التفسير لبعض من علماء الزيدية
…
. وأخيراً وجدت فى الفهرست لابن النديم: أن مقاتل ابن سليمان - وعَدَّهُ من الزيدية - له من الكتب، كتاب التفسير الكبير، وكتاب نوادر التفسير.
ووجدت فى الفهرست أيضاً: أن أبا جعفر محمد بن منصور المرادى الزيدى، له كتابان فى التفسير، أحدهما، كتاب التفسير الكبير، والآخر: كتاب التفسير الصغير.
وقرأت مقدمة شرح الأزهار من كتب الزيدية فى الفقه، وهى مقدمة تشتمل على تراجم الرجال المذكورة فى شرح الأزهار لأحمد بن عبد الله الجندارى، فخرجت منها بما يأتى:
1-
تفسير غريب القرآن للإمام زيد بن علىّ، جمعه بإسناده محمد ابن منصور بن يزيد الكوفى، أحد أئمة الزيدية، المتوفى سنة نيف وتسعين ومائتين.
2-
تفسير إسماعيل بن عليّ البُستى الزيدى، المتوفى فى حدود العشرين وأربعمائة، قال: وهو فى مجلد واحد.
3-
التهذيب، لمحسن بن محمد بن كرامة المعتزلى ثم الزيدى، المقتول سنة 494هـ (أربع وتسعين وأربعمائة) . قال: وهذا التفسير مشهور، ويمتاز من بين التفاسير بالترتيب الأنيق، فإنه يورد الآية كاملة، ثم يقول: القراءة ويذكرها، ثم يقول: الإعراب ويذكره، ثم يقول: النظم ويذكره، ثم يقول: المعنى ويذكره، ويذكر أقوالاً متعددة، وينسب كل قول إلى قائله من المفسِّرين، ثم يقول: النزول ويذكر سببه، ثم يقول: الأحكام ويستنبط أحكاماً كثيرة من الآية.
4-
تفسير عطية بن محمد النجوانى الزيدى، المتوفى سنة 665هـ (خمسة وستين وستمائة) . قال: وقد قيل إنه تفسير جليل، جمع فيه صاحبه علوم الزيدية.
5-
التيسير فى التفسير، للحسن بن محمد النحوى الزيدى الصنعانى، المتوفى سنة 791هـ (إحدى وتسعين وسبعمائة) .
هذا هو كل ما قرأت عنه فى كتب الزيدية فى التفسير، لكن هل بقيت هذه الكتب إلى اليوم؟ أو دَرست بتقادم العهد عليها؟ سألت نفسى هذا السؤال، وحاولت أن أقف على جوابه، وأخيراً انتهزت فرصة وجود الوفد اليمنى فى مصر - وفيه الكثير من علماء الزيدية الظاهرين - فاتصلت بأحد أعضائه البارزين، وهو القاضى محمد بن عبد الله العامرى الزيدى، فسألته عن أهم مؤلفاته الزيدية فى التفسير، وعن الموجود منها إلى اليوم، فأخبرنى بأن للزيدية كتباً كثيرة فى تفسير القرآن الكريم، منها ما بقى، ومنها ما اندثر، وما بقى منها إلى اليوم لا يزال مخطوطاً، وموجوداً فى مكاتبهم، وذكر لى من تلك المخطوطات الموجودة عندهم ما يأتى:
1-
تفسير ابن الأقضم.. أحد قدماء الزيدية.
2-
شرح الخمسمائة آية "تفسير آيات الأحكام" لحسين بن أحمد النجرى، من علماء الزيدية فى القرن الثامن الهجرى.
3-
الثمرات اليانعة "تفسير آيات الأحكام" للشيخ شمس الدين يوسف ابن أحمد بن محمد بن عثمان، من علماء الزيدية فى القرن التاسع الهجرى.
4-
منتهى المرام، شرح آيات الأحكام، لمحمد بن الحسين بن القاسم، من علماء الزيدية فى القرن الحادى عشر الهجرى.
- تفسير القاضى ابن عبد الرحمن المجاهد، أحد علماء الزيدية فى القرن الثالث عشر الهجرى.
قال: وهناك كتب أخرى لا يحضرنى اسمها، ولا اسم مؤلفيها، فسألته عن السر الذى من أجله بقيت هذه الكتب مخطوطة إلى اليوم؟ وأى شىء يحول بينكم وبين طبعها، حتى تصبح متداولة بين أهل العلم، وعشاق التفسير؟ فأجابنى بأن السر فى هذا أمران: أحدهما: عدم تقدم فن الطباعة عندهم. وثانيهما: أن كل اعتمادهم فى التفسير على كتاب "الكشاف" للزمخشرى، نظراً للصلة التى بين الزيدية والمعتزلة، مما
جعل أهل العلم ينصرفون عن كل ما عداه من كتب التفسير، ورجا ورجوت معه أن يهيىء الله لهذا التراث العلمى فى التفسير من الأسباب ما يجعله متداولاً بين أهل العلم ورجال التفسير.
وبعد
…
فما دامت أيدينا لم تصل إلى شىء من كتب التفسير عند الزيدية سوى كتاب "فتح القدير" للشوكانى، و "الثمرات اليانعة" لشمس الدين يوسف بن أحمد، فإنى سأقتصر على هذين الكتابين فى دراستى وبحثى، وسأبدأ بتفسير الشوكانى، وإن كان لا يمثل لنا تفسير الزيدية تمثيلاً وافياً شافياً، وأُرجىء الكلام عن "الثمرات اليانعة" إلى أن أعرض للكلام عن تفاسير الفقهاء إن شاء الله:
* *