الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأتباعهما، فقد صار دفع أدلة الكتاب والسُّنَّة بمجرد الاستبعادات العقلية دأبهم وديدنهم، وأى مانع من إصابة العين بتقدير الله سبحانه لذلك، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بأن العين حق، وأُصيب بها جماعة فى عصر النبوة. ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعجب من إنكار هؤلاء لما وردت به نصوص هذه الشريعة ما يقع من بعضهم من الازدراء على مَن يعمل بالدليل المخالف، لمجرد الاستبعاد العقلى، والتنطع فى العبارات، كالزمخشرى فى تفسيره، فإنه فى كثير من المواطن لا يقف عند دفع دليل الشرع بالاستبعاد، حتى يضم إلى ذلك الوقاحة فى العبارة، على وجه يوقع المقصرين فى الأقوال الباطلة، والمذاهب الزائفة. وبالجمة، فقول هؤلاء مدفوع بالأدلة المتكاثرة. وإجماع مَن يُعتد به من هذه الأمة سَلَفاً وخَلَفاً، وبما هو مُشاهَد فى الوجود، فكم من شخص من هذا النوع الإنسانى، وغيره من أنواع الحيوان هلك بهذا السبب".
ويقف الشوكانى من المعتزلة موقف المعارضة فى مسألة غفران الذنوب. فعندما تعرَّض لتفسير قوله تعالى فى الآية [53] من سورة الزمر: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً}
…
الآية، نجده يقول: "
…
وأما ما يزعمه جماعة من المفسِّرين من تفسير هذه الآية بالتوبة، وأنها لا تغفر إلا ذنوب التائبين. وزعموا أنهم قالوا ذلك للجمع بين الآيات، فهو جمع بين الضب والنون، وبين الملاح والحادى، وعلى نفسها براقش تجنى، ولو كانت هذه البشارة العظيمة مقيدة بالتوبة لم يكن لها كثير موقع، فإن التوبة من المشرك يغفر الله له بها ما فعله من الشرك بإجماع المسلمين، وقد قال:{إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ}
…
فلو كانت التوبة قيداً في المغفرة لم يكن للتنصيص على الشرك فائدة، وقد قال سبحانه:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ}
…
قال الواحدى: المفسِّرون كلهم قالوا: إنّ هذه الآية فى قوم خافوا إن أسلموا أن لا يُغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام، كالشرك، وقتل النفس، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: هب أنها فى هؤلاء فكان ماذا؟ فإن الاعتبار بما اشتملت عليه من العموم لا بخصوص السبب، كما هو متفق عليه بين أهل العلم. ولو كانت الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية مقيدة بأسبابها غير متجاوزة لها، لارتفعت أكثر التكاليف عن الأمة إن لم ترتفع كلها، واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله".
* *
موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن
هذا.. ولم يرض الشوكانى موقف أهل السُّنَّة، ولا موقف المعتزلة من مسألة خلق القرآن، وإنما رضى أن يكون من العلماء الوقوف فى هذه المسألة، فلم يجزم فيها برأى،
وراح ينحى باللائمة على مَن يقطع بأن القرآن قديم أو مخلوق، فعندما تعرَّض لتفسير قوله تعالى فى الآية [2] من سورة الأنبياء:{مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلَاّ استمعوه وَهُمْ يَلْعَبُونَ} يقول ما نصه: "
…
وقد استدل بوصف الذكّر بكونه مُحْدثاً على أن القرآن محدَث، لأن الذكر هنا هو القرآن، وأجيب بأنه لا نزاع فى حدوث المركب من الأصوات والحروف، لأنه متجدد فى النزول، فالمعنى: محدث تنزيله "وإنما النزاع فى الكلام النفسى. وهذه المسألة - أعنى قدم القرآن وحدوثه - قد ابتلى بها كثير من أهل العلم
…
ولقد أصاب أئمة السُّنَّة بامتناعهم من الإجابة إلى القول بخلق القرآن وحدوثه، وحفظ الله بهم أُمة نبيه عن الابتداع، ولكنهم رحمهم الله جاوزوا ذلك إلى القول بِقدَمه، ولم يقتصروا على ذلك حتى كفَّروا من قال بالحدوث، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير من قال: لفظى بالقرآن مخلوق، بل جاوزوا ذلك إلى تكفير مَن وقف، وليتهم لم يجاوزوا حد الوقف، وإرجاع العلم إلى علام الغيوب، فإنه لم يُسمع من السَلَف الصالح من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم إلى وقت قيام المحنة وظهور القول فى هذه المسألة شىء من الكلام، ولا تُنقل عنهم كلمة فى ذلك، فكان الامتناع من الإجابة إلى ما دعوا إليه، والتمسك بأذيال الوقف، وإرجاع علم ذلك إلى عالمه. هو الطريقة المثلى، وفيه السلامة والخلوص من تكفير طوائف من عباد الله، والأمر لله سبحانه".
هذا هو أهم ما فى تفسير الشوكانى من البحوث التى أعطى فيها لنفسه حرية واسعة. خوَّلت له أن يسخر من عقول العامة، وأن يهزأ من تعاليم المعتزلة، وأن يُندَّد ببعض مواقف أهل السُّنَّة. وأحسب أن الرجل قد دخله شىء من الغرور العلمى، فراح يوجه لومه لهؤلاء وهؤلاء، وليته وقف منهم جميعاً موقف الحاكم النزيه، والناقد العف
…
وعلى الجملة، فالكتاب له قيمته ومكانته، وإن كان لا يعطينا الصورة الواضحة للتفسير عند الإمامية الزيدية، ونرجو أن نوفق إلى العثور على بعض ما لهم فى التفسير، وأحسب أنه كثير. والكتاب مطبوع فى خمس مجلدات، ومتداوَل بين أهل العلم.
* *