الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معارضة شرعية أو عقلية.. والكتاب - فى الغالب - يسير على هذه الطريقة، وهى لا شوب فيها.
* * *
2- حقائق التفسير (للسلمى)
* التعريف بمؤلف هذا التفسير:
مؤلف هذا التفسير، هو أبو عبد الرحمن، محمد بن الحسين بن موسى، الأزدى السلمى، المولود سنة 330 هـ (ثلاثين وثلاثمائة من الهجرة) ، وقيل غير ذلك.
كان رحمه الله شيخ الصوفية وعالمهم بخراسان، له اليد الطولى فى التصوف، والعلم الغزير، والسير على سنن السَلَف، أخذ الطريق عن أبيه، فكان موفقاً فى جميع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوف. وكان على جانب عظيم من العلم بالحديث، حتى قيل: إنه حدَّث أكثر من أربعين سنة إملاءً وقراءة. وكتب الحديث بنيسابور، ومرو، والعراق، والحجاز، وصنّف سنناً لأهل خراسان، وأخذ عنه بعض الحفَّاظ: منهم الحاكم أبو عبد الله، وأبو القاسم القشيرى، وغيرهما، ولقد خلَّف رحمه الله من الكتب ما يزيد على المائة: منها ما هو فى علوم القوم، ومنها ما هو فى التاريخ، ومنها ما هو فى الحديث، ومنها ما هو فى التفسير.
ولكن السلمى مع وفرة جلالته، وعظيم منزلته بين مريديه، لم يسلم كغيره من الصوفية من الطعن عليه، قال الخطيب: قال محمد بن يوسف النيسابورى القطان: كان السلمى غير ثقة، يضع للصوفية، وكأن الخطيب لم يرض هذا الطعن فيه، فقال حكاية هذا القول:"قدر أبى عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك محموداً صاحب حديث".. قال ابن السبكى صاحب طبقات الشافعية: "قول الخطيب فيه هو الصحيح، وأبو عبد الرحمن ثقة، ولا عبرة بهذا الكلام فيه" هذا.. وقد كانت وفاته سنة 412 هـ (اثنتى عشرة وأربعمائة من الهجرة) ، فرحمه الله رحمة واسعة.
* *
* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
يقع هذا التفسير فى مجلد واحد كبير الحجم، ومنه نسختان مخطوطتان بالمكتبة الأزهرية.
قرأت فى هذا التفسير، فوجدته يستوعب جميع سور القرآن، ولكنه لا يتعرض لكل الآيات بل يتكلم عن بعضها ويُغضى عن بعضها الآخر، وهو لا يتعرض فيه لظاهر القرآن، وإنما جرى فى جميع ما كتبه على نمط واحد، وهو التفسير الإشارى،
وهو إذ يقتصر على ذلك لا يعنى أن التفسير الظاهر غير مراد، لأنه يُصرِّح فى مقدمة تفسيره: أنه أحب أن يجمع تفسير أهل الحقيقة فى كتاب مستقل كما فعل أهل الظاهر.
ثم إن أبا عبد الرحمن السلمى. لم يكن له مجهود فى هذا التفسير أكثر من أنه جمع مقالات أهل الحقيقة بعضها إلى بعض، ورتبها على حسب السور والآيات، وأخرجها للناس فى كتاب سماه "حقائق التفسير. "
وأهم مَن ينقل عنه السلمى فى حقائقه: جعفر بن محمد الصادق، وابن عطاء الله السكندرى، والجنيد، والفضيل بن عياض، وسهل بن عبد الله التسترى، وغيرهم كثير.
وإليك بعض ما قاله فى مقدمته لتعلم أن السلمى حين اقتصر على المعانى الإشارية لم يجحد المعانى الظاهرة للقرآن، ولتعلم أيضاً أن مجهوده فى هذا التفسير إنما هو الجمع والترتيب.
قال رحمه الله: ".. لما رأيت المتوسمين بالعلوم الظواهر سبقوا فى أنواع فرائد القرآن: من قراءات، وتفاسير، ومشكلات، وأحكام، وإعراب، ولغة، ومجمل، ومفسر، وناسخ، ومنسوخ، ولم يشتغل أحد منهم بجمع فهم خطابه على لسان الحقيقة إلا آيات متفرقة، نُسبت إلى أبى العباس ابن عطاء، وآيات ذُكِر أنها عن جعفر بن محمد، على غير ترتيب، وكنت قد سمعت منهم فى ذلك حروفاً استحسنتها، أحببت أن أضم ذلك إلى مقالتهم، وأضم أقوال مشايخ أهل الحقيقة إلى ذلك، وأرتبه على السور حسب وسعى وطاقتى، واستخرتُ الله فى جمع شىء من ذلك، واستعنتُ به فى ذلك وفى جميع أُمورى، وهو حسبى ونعم المعين".
* *
* طعن بعض العلماء على هذا التفسير:
غير أن الاقتصار على المعانى الإشارية، والإعراض عن المعانى الظاهرة فى هذا المؤلَّف، ترك للعلماء مجالاً للطعن على هذا التفسير وعلى صاحبه من أجله، فالجلال السيوطى رحمه الله يذكر أبا عبد الرحمن السلمى فى كتابه "طبقات المفسرين" ضمن من صَنَّف فى التفسير من المبتدعة ويقول:"وإنما أوزدته فى هذا القسم لأن تفسيره غير محمود". والحافظ الذهبى رحمه الله يقول عن السلمى: ".. وله كتاب يقال له حقائق التفسير، وليته لم يُصَنِّفه. فإنه تحريف وقرمطة، ودونك الكتاب فسترى العجب"، ويقول السبكى فى "طبقات الشافعية": "وكتاب حقائق التفسير،
كثر الكلام فيه من قِبَل أنه اقتصر فيه على ذكر تأويلات، ومحال للصوفية ينبو عنها اللَّفظ".
وقد مَرَّ بك آنفاً أن الإمام أبا الحسن الواحدى قال: "صَنَّف أبو عبد الرحمن السلمى حقائق التفسير، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر".
وهذا هو الإمام ابن تيمية يطعن على تفسير السلمى من ناحية أخرى فيقول: "وما يُنقل فى حقائق السلمى عن جعفر الصادق عامته كذب على جعفر كما قد كذب عليه فى غير ذلك".
* *
* رأينا فى هذه الطعون:
هذا.. وإنَّ عَدَّ السيوطى السلمى فى ضمن المفسِّرين من أهل البدع غلو منه وإجحاف.
وما قاله الذهبى من أن ما فى الحقائق تحريف وقرمطة - يريد أنه كتفسير القرامطة من الباطنية - فهذا غير صحيح، لأن الرجل يقر الظواهر على ظواهرها، والقرامطة بخلاف ذلك.
وأما ما قاله السبكى من أن السلمى قد اقتصر فى حقائقه على تأويلات للصوفية ينبو عنها اللَّفظ فهذه كلمة حق لا غبار عليها.
وأما قول الواحدى: إنه لو اعتقد أن ما فى الحقائق تفسير لكفر باعتقاده هذا، فنقول فيه: إن أبا عبد الرحمن لم يعتقد أن هذا تفسير، وإنما قال: إنه إشارات تخفى وتدق إلا على أربابها، كما صرَّح بذلك فى مقدمة حقائق التفسير.
وأما قول ابن تيمية: إن ما يُنقل فى حقائق السلمى من التفسير عن جعفر عامته كذب على جعفر، فهذه كلمة حق من ابن تيمية، إذ أن غالب ما جاء فيه عن جعفر الصادق كله من وضع الشيعة عليه، ولست أدرى كيف اغتر السلمى وهو العالم المحدِّث بمثل هذه الروايات المختلفة الموضوعة
…
* *
* نماذج من تفسير السلمى:
وإذ قد فرغنا من الحديث على حقائق التفسير، فاسمع بعض ما جاء فيه، لتحم أنت بدورك عليه
…
فى سورة النساء عند قول الله تعالى فى الآية [66] : {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ مَّا فَعَلُوهُ إِلَاّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} .. يقول: "قال محمد بن الفضل: {اقتلوا أَنْفُسَكُمْ} بمخالفة هواها، {أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ} أى أخرجوا
حب الدنيا من قلوبكم {مَّا فَعَلُوهُ إِلَاّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} فى العدد، كثير فى المعانى، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقَة".
وفى سورة الرعد عند قوله تعالى فى الآية [3] : {وَهُوَ الذي مَدَّ الأرض وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ} .. يقول: "قال بعضهم: هو الذى بسط الأرض وجعل فيها أوتاداً من أوليائه وسادة من عبيده فإليهم الملجأ، وبهم النجاة، فمَن ضرب فى الأرض يقصدهم فاز ونجا، ومَن كان بغيته لغيرهم خاب وخسر. سمعت علىّ بن سعيد يقول: سمعت أبا محمد الحريرى يقول: كان فى جوار الجنيد إنسان مصاب فى خربة؛ فلما مات الجنيد وحملنا جنازته حضر الجنازة، فلما رجعنا تقدم خطوات وعلا موضعاً من الأرض عالياً، فاستقبلنى بوجهه وقال: يا أبا محمد؛ إنى لراجع إلى تلك الخربة وقد فقدت ذلك السيد، ثم أنشد شعراً:
وما أسفى من فراق قوم
…
هم المصابيح، والحصون
والمدن، والمزن، والرواسى
…
والخير، والأمن، والسكون
لم تتغير لنا الليالى
…
حتى توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب
…
وكل ماء لنا عيون"
وفى سورة الحج عند قوله تعالى فى الآية [63] : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} .. يقول: قال بعضهم: أنزل مياه الرحمةَ من سحائب القُربة، وفتح إلى قلوب عباده عيوناً من ماء الرحمة، فأنبتت فاخضرت بزينة المعرفة، وأثمرت الإيمان، وأينعت التوحيد. أضاءت بالمحبة فهامت إلى سيدها، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها، وأناخت بين يديه، وعكفت فأقبلت عليه، وانقطعت عن الأكوان أجمع، ذاك آواها الحق إليه، وفتح لها خزائن أنواره، وأطلق لها الخيرة فى بساتين الأُنس، ورياض الشوق والقدس".
وفى سورة الرحمن عند قوله تعالى فى الآية [11] : {فِيهَا فَاكِهَةٌ والنخل ذَاتُ الأكمام} .. يقول: "قال جعفر: جعل الحق تعالى فى قلوب أوليائه رياض أُنسه، فغرس فيها أشجار المعرفة، أُصولها ثابتة فى أسرارهم، وفروعها قائمة بالحضرة فى المشهد، فهم يجنون ثمار الأُنس فى كل أوان، وهو قوله تعالى: {فِيهَا فَاكِهَةٌ والنخل ذَاتُ الأكمام} أى ذات الألوان، كل يجتنى منه لوناً علَى قدر سعته، وما كوشفت له من بوادى المعرفة وآثار الولاية".
وفى سورة الانفطار عند قوله تعالى فى الآيتين [13، 14] : {إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ *