المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى) - التفسير والمفسرون - جـ ٢

[محمد حسين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌الشيعة وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الشيعة وعقائدهم

- ‌ الزيدية

- ‌قوام مذهب الزيدية

- ‌الإمامية

- ‌ الإمامية الإثنا عشرية

- ‌أشهر تعاليم الإمامية الإثنا عشرية

- ‌الإمامية الاسماعيلية

- ‌موقف الشيعة من تفسير القرآن الكريم

- ‌1- موقف الإمامية الإثنا عشرية من تفسير القرآن الكريم

- ‌2- موقف القرآن من الأئمة وأوليائهم وأعدائهم

- ‌3- تحريف القرآن وتبديله

- ‌4- موقفهم من الأحاديث النبوية وآثار الصحابة

- ‌أهم الكتب التى يعتمدون عليها فى رواية الأحاديث والأخبار

- ‌أهم كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية

- ‌1- مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار (للمولى عبد اللطيف الكازرانى

- ‌2- تفسير الحسن العسكرى

- ‌3- مجمع البيان لعلوم القرآن (للطبرسى)

- ‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

- ‌5- تفسير القرآن (للسيد عبد الله العلوى)

- ‌6- بيان السعادة فى مقامات العبادة (لسلطان محمد الخراسانى)

- ‌الإمامية الإسماعيلية "الباطنية" وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الإسماعيلية وعقائدهم وأغراضهم

- ‌مؤسسو هذه الطائفة

- ‌احتيالهم على الوصول إلى أغراضهم

- ‌مراتب الدعوة عند الباطنية

- ‌إنتاج الباطنية فى تفسير القرآن الكريم

- ‌موقف متقدمى الباطنية من تفسير القرآن الكريم

- ‌البابية والبهائية

- ‌كلمة إجمالية عن نشأة البابية والبهائية

- ‌ بهاء الله

- ‌الصلة بين عقائد البابية وعقائد الباطنية القدامى

- ‌موقف البابية والبهائية من تفسير القرآن الكريم

- ‌أبو الفضائل الإيرانى يعيب تفاسير أهل السُّنَّة

- ‌إنتاج البابية والبهائية فى التفسير، ومثل من تأويلاتهم الفاسدة

- ‌الزيدية وموقفهم من التفسير والقرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌أهم كتب التفسير عند الزيدية

- ‌فتح القدير للشوكاني

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌طريقة الشوكانى فى تفسيره

- ‌نقله للروايات الموضوعة والضعيفة

- ‌ذمه للتقليد والمقِّدين

- ‌حياة الشهداء

- ‌التوسل

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من آراء المعتزلة

- ‌موقف الشوكانى من مسألة خلق القرآن

- ‌الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

- ‌كلمة إجمالية عن الخوارج

- ‌مواقف الخوارج من تفسير القرآن الكريم

- ‌سلطان المذهب يغلب على الخوارج فى فهم القرآن

- ‌مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن

- ‌موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك فى تفسيرهم للقرآن

- ‌الإنتاج التفسيرى للخوارج

- ‌أسباب قِلَّة إنتاج الخوارج فى التفسير

- ‌هميان الزاد إلى دار المعاد

- ‌التعريف بمؤلف هذا التفسير

- ‌التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه

- ‌حقيقة الإيمان

- ‌موقفه من أصحاب الكبائر

- ‌حملته على أهل السُّنَّة

- ‌مغفرة الذنوب

- ‌رأيه فى الشفاعة

- ‌رؤية الله تعالى

- ‌أفعال العباد

- ‌موقفه من المتشابه

- ‌موقفه من تفسير الصوفية

- ‌موقفه من الشيعة

- ‌رأيه فى التحيكم

- ‌إشادته بالخوارج وحطه من قدر عثمان وعلىّ ومَن والاهما

- ‌اعتداده بنفسه وحملته على جمهور المسلمين

- ‌تفسير الصوفية

- ‌أصل كلمة تصوف

- ‌معنى التصوف

- ‌نشأة التصوف وتطوره

- ‌أقسام التصوف

- ‌أولاً: التفسير الصوفى النظرى

- ‌ابن عربى شيخ هذه الطريقة

- ‌تأثر ابن عربى بالنظريات الفلسفية

- ‌تأثره فى تفسيره بنظرية وحدة الوجود

- ‌قياسه الغائب على الشاهد

- ‌إخضاعه قواعد النحو لنظراته الصوفية

- ‌التفسير الصوفى النظرى فى الميزان

- ‌رأينا فى التفسير الصوفى النظرى

- ‌ثانياً: التفسير الصوفى الفيضي او الإشارى

- ‌حقيقته

- ‌الفرق بينه وبين التفسير الصوفى النظرى

- ‌هل للتفسير الإشارى أصل شرعى

- ‌التفاوت فى إدراك المعانى الباطنة وإصابتها

- ‌التفسير الإشارى فى الميزان

- ‌مقالة الشاطبى فى التفسير الإشارى

- ‌مقالات بعض العلماء فى التفسير الإشارى

- ‌رأينا فى مقالة ابن عربى

- ‌شروط قبول التفسير الإشارى

- ‌أهم كتب التفسير الإشارى

- ‌1- تفسير القرآن العظيم (للتسترى)

- ‌2- حقائق التفسير (للسلمى)

- ‌3- عرائس البيان فى حقائق القرأن (لأبى محمد الشيرازى)

- ‌4- التأويلات النجمية (لنجم الدين داية، وعلاء الدولة السمنانى)

- ‌5- التفسير المنسوب لابن عربى

- ‌ابن عربى ومذهبه فى تفسير القرآن الكريم

- ‌ترجمة ابن عربى

- ‌ابن عربى بين أعدائه ومريديه

- ‌مكانته العلمية

- ‌مذهب ابن عربى فى وحدة الوجود

- ‌مذهب ابن عربى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌نماذج من التفسير الصوفى النظرى له

- ‌نماذج من التفسير الإشارى له

- ‌نماذج من التفسير الظاهر لابن عربى

- ‌تفسير الفلاسفة

- ‌كيف وُجِدت الصلة بين التفسير والفلسفة

- ‌كيف كان التوفيق بين الدين والفلسفة

- ‌الأثر الفلسفى فى تفسير القرآن الكريم

- ‌من تفسير الفارابى

- ‌من تفسير إخوان الصفا

- ‌ترجمة ابن سينا

- ‌مسلك ابن سينا فى التفسير

- ‌رأينا فى تفسير الفلاسفة

- ‌تفسير الفقهاء

- ‌كلمة إجمالية عن تطور التفسير الفقهى

- ‌التفسير الفقهى فى مبدأ قيام المذاهب الفقهية

- ‌التفسير الفقهى بعد ظهور التقليد والتعصب المذهبى

- ‌تنوع التفسير الفقهى تبعاً لتنوع الفرق الإسلامية

- ‌الإنتاج التفسيرى للفقهاء

- ‌1- أحكام القرآن - للجصَّاص (الحنفى)

- ‌2- أحكام القرآن - لكيا الهراسى (الشافعى)

- ‌3- أحكام القرآن - لابن العربى (المالكى)

- ‌4- الجامع لأحكام القرآن - لأبى عبد الله القرطبى (المالكى)

- ‌5- كنز العرفان فى فقه القرآن لمقداد السيورى (من الإمامية الإثنا عشرية)

- ‌6- الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة ليوسف الثلائى (الزيدى)

- ‌التفسير العلمى

- ‌معنى التفسير العلمى

- ‌التوسع فى هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به

- ‌الإمام الغزالى والتفسير العلمى

- ‌الجلال السيوطى والتفسير العلمى

- ‌أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى

- ‌إنكار التفسير العلمى

- ‌إنكار الشاطبى للتفسير العلمى

- ‌اختيارنا فى هذا الموضوع

- ‌الخاتمة.. كلمة عامة عن التفسير وألوانه فى العصر الحديث

- ‌التفسير بين ماضيه وحاضره

- ‌مميزات التفسير فى العصر الحديث

- ‌ألوان التفسير فى العصر الحديث

- ‌اللَّون العلمى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌الجواهر فى تفسير القرآن الكريم (للشيخ طنطاوى جوهرى)

- ‌اللون المذهبى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الإلحادى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌اللَّون الأدبى الاجتماعى للتفسير فى عصرنا الحاضر

- ‌1- الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌2- السيد محمد رشيد رضا

- ‌3- الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغى

- ‌رجاء واعتذار

الفصل: ‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

‌4- الصافى فى تفسير القرآن (لملا محسن الكاشى)

* التعريف بصاحب هذا التفسير:

مؤلف هذا التفسير هو محمد بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود، المعروف بملا محسن، وبالفيض الكاشى، وأحد غلاة الإمامية الإثنا عشرية. قال صاحب روضات الجنَّات فى ترجمته ما ملخصه: "وأمره فى الفضل والفهم والنبالة فى الفروع والأصول، والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول، وكثرة التأليف والتصنيف، مع جودة التعبير والترصيف، أشهر من أن يخفى فى هذه الطائفة على أحد إلى منتهى الأبد. وعمره كما استفيد لنا من تتبع تصانيفه الوافرة تجاوز حدود الثمانين. ووفاته بعد الألف من الهجرة الطاهرة بنيف يلحق تمام التسعين. وأبوه مرتضى المذكور أيضاً كان من العلماء، وكذا أخوه محمد المعروف بنور الدين، وكذا أخوه الآخر المشهور بالمولى عبد الغفور، وبالجملة: فقد كان بيته الجليل المرتفع قدره إلى ذروة الأفلاك، من كبار بيوتات العلم والعمل والفضل والإدراك. وأما نفس الرجل فقد بلغ فضله إلى حيث لم يُعرف بين هذه الطائفة مثله، وخصوصاً فى مراتب المعرفة والأخلاق، وتطبيق الظواهر بالبواطن بحسن المذاق، وجودة الإشراق، وكان يشبه مشربه مشرب أبى حامد الغزالى، وقد نسب إليه الشيخ على المشهدى العاملى فى ذيل رسالته فى تحريم الغناء وغيرها، كثيراً من الأقاويل الفاسدة، والآراء الباطلة والعاطلة، التى تفوح منها رائحة الكفر والمضارة بضروريات هذا الدين المتين، والمضادة لما هو من قطعيات علم هذا الشرع المتين، ولو أردنا تأويل جملة منها بمحامل وجيهة صحيحة لما أمكننا ذلك بالنسبة إلى ما تدل عليه ألفاظه الظاهرة بل الصريحة

من منافيات أصول هذه الشريعة وفروع مذهب الشيعة. مثل قوله بوحدة الوجود، وبعدم خلود الكفار فى عذاب النار، وعدم نجاة أهل الاجتهاد وإن كانوا فى جملة أجلائنا الكبار، وفى قوله بعدم منجسية المتنجس لغيره مثل النجس.. وبالجملة فقد كان رحمه الله دائماً فى طرف النقيض من الشيخ على المذكور

ومن جملة مَن كان ينكر عليه أيضاً كثيراً من علماء زمانه الفاضل المحدِّث المولى محمد طاهر القُمِّى صاحب كتاب حُجَّة الإسلام وغيره، وإن قيل إنه رجع فى أواخر عمره عن اعتقاده السوء فى حقه، فخرج من "قُم" المباركة إلى بلدة" كاشان" للاعتراف عنده بالخلاف، والاعتذار

لديه بحسن الإنصاف، ماشياً على قدميه إلى أن وصل إلى باب داره، فنادى: يا محسن قد أتاك المسئ، فخرج إليه مولانا المحسن وجعلا يتصافحان ويتعانقان ويستحل كل منهما من صاحبه ثم رحل من فوره

ص: 108

إلى بلده وقال: لم أرد من هذه الحركة إلا هضم النفس وتدارك الذنب وطلب رضوان الله العزيز الوهَّاب. ويقال أيضاً: إن بعض مَن اعتقد فى حقه الباطل رجع عنه بعد وفاته لما رآه فى المنام على هيئة حسنة يأمره بالرجوع إلى بعض ما كتبه فى أواخر عمره وهو فى مكان كذا كذا، فلما استيقظ وطلبه وجده كما نسبه، وكان فيه تبرئة نفسه من جميع ما يُنسب إليه من أقوال الضلال

وقد ذكره صاحب أمل الآمل فقال: المولى الجليل، محمد بن مرتضى، المدعى بمحسن الكاشى، كان فاضلاً عالماً، حكيماً متكلماً، محدِّثاً فقيهاً، شاعراً أديباً، أحسن التصنيف، من المعاصرين، وله كتب: منها كتاب الوافى فى جمع الكتب الأربعة مع شرح أحاديثها المشكلة، وهو حسن إلا أن فيه ميلاً إلى بعض طريقة الصوفية، وكذا جملة من كتبه، وكتاب سفينة النجاة فى طريقة العمل، وتفاسير ثلاثة: كبير وصغير ومتوسط، وكتاب عَيْن اليقين، وكتاب علم اليقين، وكتاب حق اليقين.. وقال صاحب لؤلؤة البحرين: "وهذا الشيخ كان فاضلاً، محدِّثاً، إخبارياً، صلباً، كثير الطعن على المجتهدين، ولا سيما فى رسالة سفينة النجاة، حتى إنه يُفهم منها نسبة جملة من العلماء إلى الكفر فضلاً عن الفسق، مثل إيراده لآية:{يابني اركب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الكافرين} [هود: 42] .. وهو تفريط وغلو بحت، مع أن له أدلة من المقالات التى جرى فيها على مذهب الصوفية والفلاسفة مما يكاد يوجب الكفر والعياذ بالله، مثل ما يدل فى كلامه على القول بوحدة الوجود، وقد وقفتُ له على رسالة قبيحة صريحة فى القول بذلك، قد جرى فيها على عقائد ابن عربى الزنديق، وأكثر فيها من النقل عنه وإن عبَّر عنه ببعض العارفين. ثم قال: وقد تتلمذ فى الحديث على السيد ماجد البحرانى، وفى الحكمة والأصول على صدر الدين محمد ابن إبراهيم الشيرازى، كان صهره على ابنته، ولذا ترى أن كتبه فى الأصول كلها على قواعد الصوفية والفلاسفة. ولاشتهار مذهب التصوف فى بلاد العجم وميلهم إليه،

بل وغلوهم فيه صارت إليه المرتبة العليا فى زمانه، والغاية القصوى فى أوانه، وفاق عند الناس جملة أقرانه. حتى جاء شيخنا المجلس فسعى غاية السعى فى سد تلك الشقائق الفاغرة، وإطفاء ثائرة البدع البائرة. وله تصانيف كثيرة أفرد لها فهرساً على حدة ونحن ننقل عنه ملخصاً: كتاب الصافى فى تفسير القرآن يقرب من سبعين ألف بيت فرغ من تأليفه فى سنة 1075 هـ (خمس وسبعين بعد الألف من الهجرة) . وكتاب الأصفى، منتخب منه، أحد وعشرين ألف بيت تقريباً. ثم عدَّد كتبه التى ألفها وهى كثيرة. وحكى السيد السعيد السيد نعمة الله الجزائرى التسترى قال: كان أستاذنا المحقق المولى محمد محسن الكاشانى صاحب مؤلفات وفيرة مما يقرب من مائتى كتاب ورسالة، وكان نشوه فى بلدة "قُم"،

ص: 109

فسمع بقدوم السيد الأجَّل المحقق الإمام الهمام السيد ماجد البحرانى الصادقى إلى "شيراز"، فأراد الارتحال إليه لأخذ العلوم منه، فتردد والده فى الرخصة إليه، ثم بنوا الرخصة وعدمها على الاستخارة، فلما فتح القرآن جاءت الآية:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدين} [التوبة: 122]

الآية، ثم بعده تفاءل بالديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين فجاءت الأبيات هكذا:

تغرب عن الأوطان فى طلب العلا

وسافِر ففى الأسفار خمس فوائد

تفرج هم، واكتساب معيشة

وعلم، وآداب، وصحبة ماجد

هذه ترجمة المؤلف وفيها ما يشهد للرجل بعلو كعبه بين أصحابه فى العلم، كما أن الأقوال التى قيلت عن عقيدته تكاد تكون مجمعة على أنها عقيدة زائفة فاسدة، وإن كان صاحب روضات الجنَّات يحاول تبرئته من هذه التهمة ويقول إنها فرية بلا مرية.. أما أنا فلم ألاحظ عليه فى تفسيره أثراً للقول بوحدة الوجود، ولا ما يشهد بأنه يرى عدم خلود الكفار فى عذاب النار. ولم أر على تفسيره ذلك اللون الصوفى الفلسفى، ولعل الكتاب من أواخر مؤلفاته وبعد رجوعه عما نُسِب إليه واتُهِم به".

* *

* التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

الصافى فى تفسير القرآن الكريم، كتاب فسَّر فيه صاحبه القرآن الكريم على وفق مبادئ الإمامية الإثنا عشرية. وهو تفسير وسط يقع فى جزئين كبيرين ومتناول لشرح الآيات القرآنية شرحاً مختصراً جداً ولا يطيل إلا إذا وجد فى الآية ما يمكن أن يأخذ منه شاهداً على مبدأ من مبادئه، أو دليلاً على عقيدة من عقائده، أو دفعاً يدفع به رأيا من آراء مخالفيه. كذلك يطيل عندما يعرض لشرح قصة من قصص القرآن، أو غزوة من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم. والكتاب يعتمد أولاً وقبل كل شئ على ما ورد من التفسير عن الأئمة وعلماء أهل البيت، شأنه فى هذا شأن كل كتب التفسير عند الإمامية الإثنا عشرية، الذين يعتقدون أن أهل البيت هم أدرى الناس بأسرار القرآن وأعلمهم بمعانيه، والكتاب فى جملته يدل على مقدار تعصب صاحبه لمذهبه وغلوه فى تشيعه، فهو يجادل ويدافع عن مبادئ حزبه، ويطعن فى صاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرميهم بالنفاق والكفر.. إلى غير ذلك مما ستقف عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى. هذا وقد قدَّم ملا محسن الكاشى لتفسيره باثنتى عشرة مقدمة، أرى أنه لا داعى لذكرها جميعاً، ولكن حسبى وحسب القارئ أن أذكر أهم الآراء التى يقول بها المؤلف ويشرحها لنا فى هذه المقدمات، ثم أذكر طريقته التى سار عليها فى تفسيره

ص: 110

كما أوضحها هو، ثم أعرض على القارئ بعد ذلك بعض مواقف المؤلف فى تفسيره، ومنها يتبين جلياً قيمة هذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه، ومسلكه الذى سلكه فى شرحه لكتاب الله تعالى بما يتفق مع مذهبه ويتمشى مع عقيدته، وإليك أهم هذه الآراء التى قالها المؤلف:

* آل البيت هم تراجمة القرآن، لأنهم جمعوا علمه كله دون مَن عداهم".

يرى المؤلف أن آل البيت هم تراجمة القرآن دون مَن عداهم، فهم الذين جمعوا علم القرآن كله وأحاطوا بمعانيه وأسراره، ووقفوا على رموزه وإشارته، ذلك لأن القرآن نزل فى بيتهم - بيت النبوة - ورب البيت أدرى بما فيه، وهو فى هذه العقيدة لا يشذ وحده بل هو رأى هذه الطائفة كلها لا فرق بين معتدل ومتطرف.

يرى المؤلف هذا الرأى ويصرِّح به فى مقدمة تفسيره فيقول: "

وإن العترة تراجمة القرآن فمَن الكشاف عن وجوه عرايس أسرار ودقائقه وهم خوطبوا به؟ ومَن لتبيان مشكلاته ولديه مجمع بيان معضلاته ومنبع بحر حقائقه وهم أبو حسنه؟ ومَن يشرح آيات الله وييسر تفسيرها بالرموز والصراح إلا مَن شرح الله صدره بنوره ومثَّله بالمشكاة والمصباح؟ ومَن عسى يبلغ علمهم بمعالم التنزيل والتأويل، وفى بيوتهم كان ينزل جبريل؟.. وهى البيوت التى أذن الله أن تُرفع، فمنهم يُؤخذ ومنهم يُسمع. إذن أهل البيت بما فى البيت أدرى، والمخاطَبون بما خُوطبوا به أوعى، فأين نذهب عن بابهم وإلى مَن نصير.. "؟.

ثم يمضى صاحبنا بعد ذلك فيؤيد قوله هذا بأحاديث يرويها عن أهل البيت كلها - فيما نعتقد وكما يظهر من أسلوبها - من وضع الشيعة وأخلاقهم، فمن ذلك ما نقله عن الكافى بإسناده عن سليم بن قيس الهلالى قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول.. وساق الحديث إلى أن قال: ما نزلت آية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله إلا أقرأنيها وأملاها علىّ فأكتبها بخطى، وعلَّمنى تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله أن يُعلِّمنى فهمها وحفظها، فما نسيتُ آية من كتاب الله، ولا علماً أملاه علىّ فكتبته منذ دعا لى بما دعا، وما ترك شيئاً علَّمه الله من حلال وحرام، ولا أمر ولا نهى كان أو يكون من طاعة أو معصية إلا علَّمنيه. وحفظته فلم أنس منه حرفاً واحداً، ثم وضع يده على صدرى ودعا الله أن يملأ قلبى علماً وفهماً وحكمة ونوراً، فقلت: يا رسول الله - بأبى أنت وأمى - منذ دعوتَ الله لى بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتنى شئ لم أكتبه، أوَ تتخوَّف علىّ النسيان فيما بعد؟. فقال: لستُ أتخوَّفُ عليك نسياناً ولا جهلاً" قال: ورواه العياشى فى تفسيره

ص: 111

والصدوق فى إكمال الدين. بتفاوت يسير فى ألفاظه، وزيد فى آخره: "وقد أخبرنى ربِّى أنه قد استجاب لى فيك وفى شركائك الذين يكونون من بعدك، فقلت: يا رسول الله؛ ومَن شركائى من بعدى؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبى، فقال:{أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} .. فقلت: ومَن هم؟ قال: الأوصياء منى إلى أن يردوا علىَّ الحوض، كلهم هادين مهتدين لا يضرهم مَن خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تُنصر أُمتى وبهم تُمطر، وبهم يُدفع عنهم البلاء، وبهم يُستجاب دعاؤهم. فقلت: يا رسول الله؛ سمِّهم لى.. فقال: ابنى هذا.. ووضع يده على رأس الحسن، ثم قال: ابنى هذا.. ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن له يقال له: علىّ وسيولد فى حياتك فأقرئه منى السلام، ثم تكملة اثنى عشر من ولد محمد. فقلت له: بأبى أنت وأُمى أنت فسمِّهم لى، فسمَّاهم رجلاً رجلاً، فقال: منهم - والله يا أخا بنى هلال - مهدى أُمة محمد، الذى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت

ظلماً وجوراً، والله أنى لأعرف مَن يبايعه بين الركن والمقام وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم".

ومنها ما نقله عن الكافى بإسناده إلى زيد الشحَّام.. قال: دخل قتادة ابن دعامة على أبى جعفر عليه السلام فقال: يا قتادة؛ أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون. فقال أبو جعفر عليه السلام: بعلم تُفسِّره أم بجهل؟ قال: لا، بل بعلم، فقال له أبو جعفر عليه السلام: فإن كنت تُفسِّره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك. قال قتادة: سل. قال: أخبرنى عن قول الله تعالى فى سبأ: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} [سبأ: 18] .. فقال قتادة: مَن خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يريد هَذَا البيت كان آمناً حتى يرجع إلى أهله. فقال أبو جعفر عليه السلام: نشدتك بالله - يا قتادة - هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يريد هذا البيت فيُقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويُضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة: اللَّهم نعم. فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة.. إن كنت إنما فسَّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكتَ وأهلكت، وإن كنتَ أخذته من الرجال فقد هلكتَ وأهلكت، ويحك يا قتادة.. ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال يؤم هذا البيت عارفا بحقنا، يهوانا قلبه، كما قال الله تعالى:{فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37]، ولم يعين البيت فقيل: إليه.. ونحن واللهِ دعوة إبراهيم عليه السلام التى مَن هوانا قلبه قُبِلت حَجَّته وإلا فلا، يا قتادة فإذا كان ذلك كان آمناً من عذاب جهنم يوم القيامة. قال قتادة: لا جَرَم والله لا أُفسرها إلا هكذا. فقال أبو جعفر عليه السلام: ويحك يا قتادة.. إنما يعرف القرآن من خُوطب به".

* *

*

ص: 112

مَن يجوز له أن يُفسِّر القرآن برأيه:

ولكن هل معنى ذلك أن ملا محسن يرى أن فهم معانى القرآن ومعرفة أسراره أصبح أمراً مقصوراً على أهل البيت وحدهم فيكون بذلك قد حجر واسعاً وجحد فضل مَن عداهم من العلماء؟ أو يرى أن القرآن فى فهمه قدر مشترك بين العلماء جميعاً لا فرق بين أهل البيت وغيرهم؟.. الحق أن صاحبنا يرى أن فى معانى القرآن لأرباب الفهم متسعاً بالغاً ومجالاً رحباً، ولكن مَن هم أُولوا الفهم الذين يجوز لهم أن يُعمِلوا عقولهم فى فهم معانى القرآن واستنباط أحكامه؟. نرى المؤلف يحدد لنا أُولى الفهم بحدود، ويقيدهم بقيود لها صلة قوية بمذهبه الشيعى، وذلك حيث يقول:".. فالصواب أن يقال: إن مَن أُخلص الانقياد لله ولرسوله ولأهل البيت عليهم السلام، وأخذ عمله منهم، وتتبع آثارهم، واطلع على جملة من أسرارهم، بحيث حصل له الرسوخ فى العلم، والطمأنينة فى المعرفة، وانفتح عينا قلبه، وهجم به العلم على حقائق الأُمور، وباشر روح اليقين، واستلان ما استوعره المترفون، وأنس بما استوحش منه الجاهلون، وصحب الدنيا ببدن روحه معلَّقة بالمحل الأعلى، فله أن يستفيد من القرآن بعض غرائبه، ويستنبط منه نبذاً من عجائبه، ليس ذلك من كرم الله بغريب، ولا من جوده بعجيب، فليست السعادة وقفاً على قوم دون آخرين، وقد عَدُّوا عليهم السلام جماعة من أصحابهم المتصفين بهذه الصفات من أنفسهم، كما قالوا: سلمان منا أهل البيت، فمَن هذه صفته فلا يبعد دخوله فى الراسخين فى العلم، العالمين بالتأويل".

* *

* المؤلف يرى أن تفسيره للقرآن بما جاء من أهل البيت هو التفسير المثالى ويطعن فى بقية الصحابة وفى تفسيرهم:

ولما كان المؤلف رحمه الله قد جعل جُلّ اعتماده فى تفسيره، بل كله، على ما وصل إليه من التفسير عن آل البيت، لاعتقاده أنهم أدرى به من غيرهم، فإنَّا نراه يرى - مع شئ من التواضع التقليدى - أن تفسيره هو التفسير المثالى الذى يجب أن يُحتذى، كما نراه لا يعترف بتفسير غيره ممن تقدم عصره، بل ويبالغ فى عدم الاعتراف فيطعن على مَن عدا أهل البيت من الصحابة ويرميهم بالنفاق وغيره، ولا يرتضى ما جاء عنهم من تفسير، كأن عقول الصحابة جميعاً قد عقمت وضلَّت إلا عقول أهل البيت ومَن والاهم..

يقرر المؤلف هذا بكل صراحة وجراءة مع حملة ظالمة على صحابة رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حيث يقول: ".. هذا يا إخوانى ما سألتمونى من تفسير القرآن، بما وصل إلينا

ص: 113

من أئمتنا المعصومين من البيان، أتيتكم به مع قِلَّة البضاعة، وقصور يدى عن هذه الصناعة، على قدر مقدور، فإن المأمور معذور، والميسور لا يُترك بالمعسور، ولا سيما أنى كنت أراه أمراً مهماً، وبدونه أرى الخطب مدلهماً، فإن المفسِّرين وإن أكثروا القول فى معانى القرآن، إلا أنه لم يأت أحد منهم فيه بسلطان، وذلك لأن فى القرآن ناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً، وخاصاً وعاماً، ومبيناً ومبهماً، ومقطوعاً وموصولاً، وفرائض وأحكاماً، وسُنَناً وآداباً، وحلالاً وحراماً، وعزيمة ورُخصة، وظاهراً وباطناً، وحداً ومطلعاً.. ولا يعلم تمييز ذلك كله إلا مَن نزل فى بيته، وذلك هو النبى صلى الله عليه وسلم وآله وأهل بيته، فكل ما لا يخرج من بيتهم فلا تعويل عليه، ولهذا ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم:"مَن فسَّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ"، وقد جاءت عن أهل البيت صلوات الله عليهم فى تفسير القرآن وتأويله أخبار كثيرة، إلا أنها خرجت متفرقة عن أسئلة السائلين، وعلى أقدار أفهام المخاطبين، وبموجب إرشادهم إلى مناهج الدين، وبقيت بعد خبايا فى زوايا، خوفاً من الأعداء وتقيَّة من البعداء، ولعله مما برز وظهر لم يصل إلينا الأكثر، لأن رواته كانوا فى محنة من التقيَّة، وشدة من الخطر، وذلك أنه لما جرى فى الصحابة ما جرى، وضَلَّ بهم عامة الورى، أعرض الناس عن الثَقَلين، وتاهوا فى بيداء ضلالاتهم عن النجدين إلا شرذمة من المؤمنين فمكث العامة بذلك سنين، وعمهوا فى غمرتهم حتى حين، فآل الحال إلى أن نبذ الكتاب حملته، وتناساه حفظته، فكان الكتاب وأهله فى الناس وليسا فى الناس، ومعهم وليسا معهم، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا. وكان العلم مكتوماً، وأهله مظلوماً، لا سبيل لهم بإبرازه إلا بتعميته وإلغازه، ثم خلف من بعدهم خلف غير عارفين ولا ناصيين، لم يدروا ما صنعوا بالقرآن، وعمن أخذوا التفسير والبيان. فعمدوا إلى طائفة يزعمون أنهم من العلماء، فكانوا يُفسِّرون لهم

بالآراء، ويروون تفسيره عمن يحسبونه من كبرائهم، مثل أبى هريرة وأنس وابن عمر ونظرائهم، وكانوا يعدون أمير المؤمنين من جملتهم، ويجعلونه كواحد من الناس، وكان خير مَن يستندون إليه بعده ابن مسعود وابن عباس، ممن ليس على قوله كثير تعويل، ولا له إلى لُبَاب الحق سبيل، وكان هؤلاء الكبراء ربما ينقلونه من تلقاء أنفسهم غير خائفين من مآله، وربما يسندونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، ومن الآخذين عنهم مَن لم يكن له معرفة بحقيقة أحوالهم، لما تقرر عندهم من أن الصحابة كلهم عدول ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول، ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا يُبطنون النفاق، ويجترئون على الله ويفترون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عزة وشقاق، وهكذا كان حال الناس قرناً بعد قرن، فكان لهم فى كل قرن

ص: 114

رؤساء ضلالة، عنهم يأخذون، وإليهم يرجعون، وهم بآرائهم يجيبون، أو إلى كبرائهم يستندون، وربما يروون عن بعض أئمة الحق عليهم السلام فى جملة ما يروون عن رجالهم، ولكن يحسبونه من أمثالهم، فتباً لهم ولأدب الرواية، إذ ما رعوها حق الرعاية، نعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب، ونسوا الله رب الأرباب، وراموا غير باب الله أبواباً، واتخذوا من دون الله أرباباً، وفيهم أهل بيت نبيهم، وهم أزِّمة الحق، وسُنَّة الصدق، وشجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحى، وعَيْبة العلم، ومنار الهدى، والحجج على أهل الدنيا، خزائن أسرار الوحى والتنزيل، ومعادن جواهر العلم والتأويل، والأمناء على الحقائق، والخلفاء على الخلائق. أُولوا الأمر الذين أُمروا بطاعتهم، وأهل الذكر الذين أُمروا بمسألتهم، وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطَهَّرهم تطهيراً، والراسخون فى العلم الذين عندهم القرآن كله تأويلاً وتفسيراً، ومع ذلك كله يحسبون أنهم مهتدون، إنا لله وإنا إليه راجعون. ولما أصبح الأمر كذلك وبقى العلم سخرياً هنالك، صار الناس كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب بإمامهم، فضربوا بعضه ببعض لترويج مرامهم، وحملوه على أهوائهم فى تفاسيرهم وكلامهم، والتفاسير التى صنَّفها العامة من هذا القبيل، فكيف يصح عليها التعويل، وكذلك التى صنَّفها متأخرو أصحابنا

فإنها أيضاً مستندة إلى رؤساء العامة وشذ ما تُقِل فيه حديث عن أهل العصمة عليهم السلام، وذلك لأنهم إنما نسجوا على منوالهم، واقتصروا فى الأكثر على أقوالهم، مع أن أكثر ما تكلم به هؤلاء وهؤلاء - فإنما تكلموا فى النحو، والصرف، والاشتقاق، واللُّغة، والقراءة، وأمثالها - مما يدور على القشور دون اللُّباب - فأين هم والمقصود من الكتاب؟ وإنما ورد على طائفة منهم ما قويت فيه منته، وترك ما لا معرفة له به مما قصرت عنه همته، ومنهم مَن أدخل فى التفسير ما لا يليق به، فبسط الكلام فى فروع الفقه وأُصوله، وطوَّل القول فى اختلاف الفقهاء. أو صرف همته فيه إلى المسائل الكلامية وذكر ما فيها من الآراء، وأما ما وصل إلينا مما ألَّفه قدماؤنا من أهل الحديث فغير تام، لأنه إما غير منته إلى آخر القرآن، وإما غير محيط بجميع الآيات المفتقرة إلى البيان، مع أن منه ما لم يثبت صحته عن المعصوم، لضعف رواته أو جهالة حالهم، ونكارة بعض مقالهم".. إلى أن قال:"وبالحرى أن يسمى هذا التفسير بالصافى، لصفائه عن كدروات آراء العامة والممل والمحير والمتنافى".

* *

* جُلّ القرآن نازل فى شأن آل البيت وأوليائهم وأعدائهم:

ويعتقد صاحبنا أن معظم القرآن إنما نزل فى شأن آل البيت وأوليائهم وأعدائهم،

ص: 115

فما كان من آية مدح فهى فى آل البيت وأشياعهم، وما كان من آية ذم أو وعيد أو تهديد فهى فى مخالفيهم، ثم يقوِّى رأيه هذا ويستدل له بما يرويه عن علماء أهل البيت من روايات واردة فى هذا المعنى، فمن ذلك ما نقله عن الكافى وتفسير العياشى بالإسناد إلى أبى جعفر عليه السلام قال:"نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع فى أعدائنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام"، وزاد العياشى:"ولنا كرائم القرآن".. ثم مضى بعد ذكره لهذه الرواية وأمثالها فقال: "وقد وردت أخبار جَمَّة عن أهل البيت عليهم السلام، فى تأويل كثير من آيات القرآن بهم وبأوليائهم وبأعدائهم، حتى إن جماعة من أصحابنا صنَّفوا كتباً فى تأويل القرآن على هذا النحو، جمعوا فيها ما ورد عنهم عليهم السلام فى تأويل آية آية، إما بهم أو بشيعتهم، أو بعدوهم، على ترتيب القرآن. وقد رأيت منها كتاباً يقرب من عشرين ألف بيت.. ثم قال: وذلك مثل لما رواه الكافى عن أبى جعفر عليه السلام فى قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: 193-195] .. قال: هى الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام. وفى تفسير العياشى عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام قال: يا أبا محمد؛ إذا سمعتَ الله ذكر قوماً من هذه الأمة بخير فنحن هم، وإذا سمعت الله ذكر قوماً بسوء ممن مضى فهم عدونا. وفيه عن عمير بن حنظلة عن أبى عبد الله عليه السلام: سأله عن قوله تعالى: {قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43] .. قال: فلما رآنى أتتبع هذا وأشباهه من الكتاب قال: حسبك.. كل شئ فى الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو فى الأئمة عُنوا به".

* *

* رأى المصنف فى تحريف القرآن وتبديله:

يدين ملا محسن بأنَّ علياً رضى الله عنه هو أول مَن جمع القرآن، وأن القرآن الذى جمعه هو القرآن الكامل الذى لم يتطرق إليه تحريف ولا تبديل، ويروى لنا أحاديث عن آل البيت كمستند له فى رأيه هذا، فمن ذلك: ما نقله عن القُمَّى فى تفسيره بإسناده عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: "إن النبى صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قال لعلىّ عليه السلام: "يا علىّ؛ إن القرآن خلف فراشى فى الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة"، فانطلق عليه السلام فجمعه فى صوب أصفر ثم ختم عليه فى بيته وقال: لا أرتدى حتى جمعه. قال: كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه".

ومنها ما رواه القُمِّى بإسناده عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبى عبد الله -

ص: 116

وأنا أستمع - حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد الله: كُفّ عن هذه القراءة. اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام اقرأ كتاب الله تعالى على حدة، وأخرج المصحف الذى كتبه علىّ عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جمعته بين اللوحين. فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه، فقال: أما واللهِ ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنما كان علىّ أن أخبركم حين جمعته لقراءته.

ومن ذلك ما روى عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه: أنه لما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علىّ عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم، لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم. فلما فتحه أبو بكر خرج فى أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علىّ.. اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علىّ عليه السلام وانصرف، ثم حضر زيد بن ثابت - وكان قارئاً للقرآن - فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتُسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك، ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علىّ القرآن الذى ألَّفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟. ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه، فدبَّر فى قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك.. فلما استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع إليه القرآن فيحرقوه فيما بينهم فقال: يا أبا الحسن؛ إن كنتَ جئت به إلى أبى بكر فأت به إلينا حتى نجمع عليه، فقال علىّ عليه السلام: هيهات، ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئتُ به لأبى بكر لتقوم به الحُجَّة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة: إنَّا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به. إن القرآن الذى عندى لا يمسه إلا المطهَّرون والأوصياء من ولدى، فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علىّ عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدى فيُظهره ويحمل الناس عليه فتجرى السُّنَّة به".

ولكنَّا نجد صاحبنا بعد ما ساق هذه الروايات وكثيراً غيرها يقف منها موقف المستشكل فيقول: "ويرد على هذا كله إشكال.. وهو أنه على هذا التقدير لم يبق لنا اعتماد على شئ من القرآن، إذ على هذا يحتمل كل آية منه أن يكون محرَّفاً ومغيَّراً، أو يكون على خلاف ما أنزل الله، فلم يبق لنا فى القرآن حُجَّة أصلاً، فتنفى فائدة الأمر باتباعه والوصية بالتمسك به إلى غير ذلك، وأيضاً قال الله عز وجل:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَاّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 41-42]، وقال:

ص: 117

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .. فكيف يتطرق إليه التحريف والتغيير؟ وأيضاً قد استفاض عن النبى والأئمة صلوات الله عليهم حديث عرض الخبر المروى على كتاب الله ليُعلم صحته بموافقته له، وفساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذى بأيدينا محرَّفاً فما فائدة العرض؟ مع أن خبر التحريف مخالف لكتاب الله مكذِّب له، فيجب رده والحكم بفساده أو تأويله".

وهنا يجيب ملا محسن على إشكاله هذا بجوابين:

أولهما: أن هذه الأخبار إن صحَّت فلعل التغيير إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال، كحذف اسم علىّ وآل محمد، وحذف أسماء المنافقين، فإن انتفاء التعبير باق لعموم اللَّفظ.

وثانيهما: أن بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن، فيكون التبديل من حيث المعنى، أى حرَّفوه وغيَّروه فى تفسيره وتأويله، بأن حملوه على خلاف ما يُراد منه".

ثم ذكر بعد هذا أقوال مَن تقدَّمه من شيوخه وعلماء مذهبه وهم ما بين مجيز للتحريف والنقصان ومانع لذلك، ولكلِّ أدلته وحُجَّته، ولا نطيل بذكرها ومَن أرادها فليرجع إليها فى المقدمة السادسة (ص 14، 15) .

* *

* طريقة المؤلف فى تفسيره:

بيَّن المؤلف فى المقدمة الثانية عشرة من مقدمات تفسيره طريقته واصطلاحاته التى جرى عليها فى كتابه فقال: "كل ما يحتاج من الآيات إلى بيان وتفسير لفهم المقصود من معانيه. أو إلى تأويل لمكان تشابه فيه، أو إلى معرفة سبب نزوله المتوقف عليه فهمه وتعاطيه، أو إلى تعرف نسخ أو تخصيص أو صفة أُخرى فيه، وبالجملة ما يزيد على شرح اللفظ والمفهوم مما يفتقر إلى السماع عن المعصوم، فإن وجدنا شاهداً من محكمات القرآن يدل عليه أتينا به، فإن القرآن يُفسِّر بعضه بعضاً، وقد أُمِرنا من جهة أئمة الحق عليهم السلام أن نرد متشابهات القرآن إلى محكماته، وإلا فإن ظفرنا فيه بحديث معتبر عن أهل البيت عليهم السلام فى الكتب المعتبرة من طرق أصحابنا رضوان الله عليهم أوردناه، وإلا أوردنا ما روينا عنهم عليهم السلام من طرق العامة.. نظائره فى الأحكام ما روى عن الصادق: إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما يروى عنا، فانظروا إلى ما رووه عن علىّ عليه السلام فاعملوا به (رواه الشيخ الطوسى فى العدة) .

ص: 118

وما لم نظفر فيه بحديث عنهم عليهم السلام أوردنا ما وصل إلينا من غيرهم من علماء التفسير إذا وافق القرآن وفحواه، وأشبه حديثهم فى معناه.. فإن لم نعتمد عليه من جهة الاستناد، اعتمدنا عليه من جهة الموافقة والشبه والسداد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتب الله فخذوه"، وقال الصادق:"ما جاءك فى رواية من راوٍ فاجر يوافق القرآن فخذ به، وما جاءك فى رواية من راوٍ فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به"، وقال الكاظم:"إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وعلى أحاديثنا. فإن أشبههما فهو حق، وإن لم يشبهها فهو باطل"، وما ورد فيه أخبار كثيرة فإن لم يكن فيها كثير اختلاف اقتصرنا منها على ما اشتمل على مجامعها، وتركنا سايرها مما فى معناه روماً للاختصار، وصوناً عن الإكثار، وربما أشرنا إلى تعددها وتكثرها إذا أهمنا الاعتماد.

وإن كانت مختلفات نقلنا أصحها وأحسنها وأعمها فائدة، ثم أشرنا إلى موضع الاختلاف ما استطعنا. وما لا يحتاج إلى شرح اللَّفظ والمفهوم، والنكات المتعلقة لعلوم الرسوم، مما لا يفتقر إلى السماع من المعصوم، أوردنا فيه ما ذكره المفسِّرون الظاهريون، مَن كان تفسيره أحسن، وبيانه أوجز وأتقن، كائناً مَن كان".

ثم ذكر أنه اقتبس من تفسير الحسن العسكرى وغيره، وذكر اصطلاحاته فى العزو إلى الكتب التى استقى منها، وفى نسبة الأقوال إلى قائليها ولا نطيل بذكرها.

هذه هى أهم الآراء التى يقول بها ملا محسن، والتى استخلصناها من مقدماته التى قدَّم بها تفسيره. وهذه هى طريقته التى سار عليها فى كتابه الذى نحن بصدده. والكتاب - كما أشرنا آنفاً - مذهبى إلى حد التطرف والغلو، فهو لا يكاد يمر بآية من القرآن إلا ويحاول صاحبه أن يأخذ منها شاهداً لمذهبه أو دفعاً لمذهب مخالفيه!

ولقد قرأت فى هذا الكتاب، فلمست فيه روح التحيز المزرى، والتعصب الممقوت. ولأجل أن يكون القارئ على بيِّنة من الأمر أسوق إليه نماذج من نواح شتَّى وفى موضوعات مختلفة ليلمس كما لمست مقدار هذا التعصب الذى يريد صاحبه من ورائه أن يحجب نور الحق ويطمس معالمه.

* *

* القرآن وأهل البيت:

فمثلاً، نجد كثيراً من آيات القرآن لها معان خاصة، ولا صلة لها بأهل البيت، ولا بما لهم من مناقب وشمائل، ولكنَّا نجد صاحبنا يتأثر بمذهبه الشيعى، فيحاول أن يلوى

ص: 119

هذه الآيات إلى معان لا صلة لها باللَّفظ.. معان تحمل فى طياتها طابع التعاصب المذهبى بصورة مكشوفة مفضوحة.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [34] من سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ}

الآية، يقول ما نصه:"وذلك لما كان فى صلبه من أنوار نبينا وأهل بيته المعصومين، وكانوا قد فُضِّلوا على الملائكة باحتمالهم الأذى فى جنب الله، فكان السجود لهم تعظيماً وإكراماً، ولله سبحانه عبودية، ولآدم طاعة. قال علىّ بن الحسين: حدَّثنى أبى، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عباد الله؛ آدم لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور ولم يتبين الأشباح، فقال: يا رب؛ ما هذه الأنوار؟ قال الله عز وجل: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشى إلى ظهرك، ولذلك أمرتُ الملائكة بالسجود لك إذ كنتَ وعاءً لتلك الأشباح، فقال آدم: يا رب؛ لو بينتها لى؟ فقال الله عز وجل: انظر يا آدم إلى ذروة العرش، فنظر آدم عليه السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم إلى ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التى فى ظهره، كما ينطبع وجه الإنسان فى المرأة الصافية، فرأى أشباحنا فقال: ما هذه الأشباح يا رب؟ قال الله: يا آدم؛ هذه أشباح أفضل خلائقى وبرياتى، هذا محمد، وأنا الحميد المحمود فى فعالى، شققتُ له أسماً من اسمى. وهذا علىّ، وأنا العالى، شققتُ له اسماً من اسمى. وهذه فاطمة، وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائى من رحمتى يوم فصل قضائى، وفاطم أوليائى عما يعيرهم ويشينهم فشققتُ لها اسماً من اسمى، وهذا الحسن، وهذا الحسين، وأنا المُحَسِّن المُجَمِّل، شققتُ اسميهما من اسمى. هؤلاء خيار خليقتى، وكرام بريتى، بهم آخذ، وبهم أعطى، وبهم أُعاقب، وبهم أُثيب، فتوسل بهم إلىّ يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلىّ شفعاءك، فإنى آليت على نفسى قسَماً حقاً لا أخيب بهم آملاً، ولا أرد بهم سائلاً، فلذلك حين زلَّت به الخطيئة دعا الله عز وجل بهم، فتاب عليه وغفر له".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [1-3] من سورة البلد: {لَا أُقْسِمُ بهاذا البلد * وَأَنتَ حِلٌّ بهاذا البلد * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} .. يقول ما نصه: "فى المجمع عن الصادق: يعنى آدم وما ولد من الأنبياء والأوصياء وأتباعهم.. ".

فأنت ترى من كل هذا أن المؤلف يجِّد فى إخضاع آيات القرآن لمذهبه، وتنزيلها على وفق هواه وعقيدته، وهذا خروج بكتاب الله عن معانيه الظاهرة المرادة منه!!

* *

*

ص: 120

طعن المؤلف على الصحابة:

كذلك نجد ملا محسن فى تفسيره هذا، يطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان، وغيرهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرميهم بما لا يليق بمؤمن فضلاً عن صحابى جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذل فى سبيل نُصرْته دمه وماله، كما يطعن فى بنى أُمية ويرميهم بكل نقيصة، وهو فى حملته هذه مدفوع بدافع الخصومة المذهبية والنزعة الشيعية.

* طعنه على عثمان رضى الله عنه:

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [84، 85] من سورة البقرة: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هاؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بالإثم وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أسارى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا وَيَوْمَ القيامة يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العذاب وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .. نجده يفسر الآية تفسيراً مختصراً مقبولاً، ثم يروى عن القُمِّى:"أنها نزلت فى أبى ذر - رحمة الله عليه - وفيما فعل به عثمان بن عفان، وكان سبب ذلك: أنه لما أمر عثمان بنفى أبى ذر - رحمة الله عليه - إلى الرِبْذة، دخل عليه أبو ذر وكان عليلاً وهو متكئ على عصاه، وبين يدى عثمان مائة ألف درهم أتته من بعض النواحى، وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطعمون أن يقسمها فيهم، فقال أبو ذر لعثمان: ما هذا المال؟ فقال: حُمِل إلينا من بعض الأعمال مائة ألف درهم أريد أن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيى.. قال أبو ذر: يا عثمان؛ أيما أكثر؟ مائة ألف درهم أم أربعة دنانير؟ قال عثمان: بل مائة ألف درهم، فقال: أما تذكر إذ أنا وأنت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم عِشاءً فوجدناه كئيباً حزيناً، فسلَّمنا عليه فلم يرد علينا السلام، فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً، فقلت له: بأبى أنت وأُمى، دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيباً حزيناً، وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكاً مستبشراً، فقال: "نعم.. قد بقى عندى من فئ المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها، وخِفتُ أن يدركنى الموت وهى عندى، وقد قسمتها اليوم فاسترحت". فنظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال له: يا أبا إسحاق؛ ما تقول فى رجل أدَّى زكاة ماله المفروضة، هل يجب عليه فيها بعد ذلك شئ؟ فقال: لا، ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من

فضة ما وجب عليه شئ، فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب، فقال يابن اليهودية المشركة، ما أنت والنظر فى أحكام المسلمين؟ قول الله عز وجل أصدق من قولك حيث قال: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

}

إلى

ص: 121

قوله: {فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 35] .. قال عثمان: يا أبا ذر؛ إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك، ولولا صحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلتك، فقال: كذبتَ يا عثمان؛ ويلك، أخبرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك"، أما عقلى فقد بقى منه ما أذكرنى حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله فيك وفى قومك، قال: وما سمعتَ من رسول الله فىّ وفى قومى؟ قال: سمعته يقول - وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ آل أبى العاص ثلاثون رجلاً صيَّروا مال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً، وعباد الله خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً". قال عثمان: يا معشر أصحاب محمد؛ هل سمع أحد منكم هذا الحديث من رسول الله؟ قالوا: لا ما سمعنا هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عثمان: ادعوا علياً.. فجاء أمير المؤمنين فقال له عثمان: يا أبا الحسن؛ اسمع ما يقول الشيخ الكذَّاب، فقال أمير المؤمنين: يا عثمان؛ لا تقل كذاباً، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"ما أظلَّت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء على ذى لهجة أصدق من أبى ذر". قال أصحاب رسول الله. صدق علىّ، سمعنا هذا من رسول الله، فعند ذلك بكى أبو ذر، وقال: ويلكم، كلكم قد مدَّ عنقه إلى هذا المال، ظننتم أنى أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نظر إليهم فقال: مَن خيركم؟ فقالوا: أنت تقول إنك خيرنا، قال: نعم.. خلفت حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بعيره، وأنتم قد أحدثتم أحداثاً كثيرة، والله سائلكم عن ذلك ولا يسألنى، فقال عثمان: يا أبا ذر؛ أسألك بحق رسول الله ألا ما أخبرتنى عما أنا سائلك عنه؟ فقال أبو ذر: واللهِ لو لم تسألنى بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخبرتك، فقال: أى البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فقال: مكة

حرم الله وحرم رسوله، أعبد الله فيها حتى يأتينى الموت، فقال: لا، ولا كرامة لك. قال: المدينة حرم رسول الله، فقال: لا، ولا كرامة لك، قال: فسكت أبو ذر. فقال: وأى البلاد أبغض إليك أن تكون بها؟ قال: الرِبْذة التى كنتُ بها على غير دين الإسلام، فقال عثمان: سر إليها، فقال أبو ذر: قد سألتنى فصدقتك، وأنا أسألك فاصدقنى، قال: نعم، قال: أخبرنى، لو أنك بعثتنى فيمن بعثت من أصحابك إلى المشركين فأسرونى وقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك؟.. قال: كنت أفديك، قال: فإن قالوا: لا نفديه إلا بكل ما تملك، قال: كنت أفديك، فقال أبو ذر: الله أكبر.. قال لى حبيبى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: "يا أبا ذر؛ كيف أنت إذا قيل لك أى البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فتقول: مكة حرم الله وحرم رسوله، أعبد الله فيها حتى يأتينى الموت، فيقال: لا، ولا كرامة لك، فتقول: المدينة حرم رسول الله، فيقال: لا، ولا كرامة لك، ثم يقال لك: فأى البلاد أبغض إليك أن تكون فيها؟ فتقول: الرِبْذة التى كنت بها على غير دين الإسلام، فيقال لك: سر إليها"، فقلت: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ فقال: "والذى نفسى بيده إنه لكائن"، فقلت: يا رسول الله؛ أفلا أضع سيفى على

ص: 122

عاتقى فأضرب به قدماً قدماً؟ قال: "لا.. اسمع واسكت ولو لعبد حبشى، وقد أنزل الله فيك وفى عثمان - خصمك - آية، فقلت: وما هى يا رسول الله؟ فقال: قول الله

.. وتلا الآية".

* *

* طعنه على أبى بكر:

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [40] من سورة التوبة: {ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِي الغار إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا}

الآية، نجده لا يعترف بهذه المنقبة لأبى بكر، رضى الله عنه، بل ويحاول بكل جهوده أن يأخذ منها مغمزاً على أبى بكر، وذلك حيث يقول ما نصه:{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} وهو أبو بكر، {لَا تَحْزَنْ} لا تخف، {إِنَّ الله مَعَنَا} بالعصمة والمعونة.. فى الكافى عن الباقر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول لأبى بكر فى الغار: اسكن فإن الله معنا، وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن، فلما رأى رسول الله حاله قال له: تريد أن أريك أصحابى من الأنصار فى مجالسهم يتحدثون؟ وأريك جعفر وأصحابه فى البحر يغوصون؟ قال: نعم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون، وإلى جعفر وأصحابه فى البحر يغوصون، فأضمر تلك الساعة أنه ساحر، {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} أمنته التى تسكن إليها القلوب {عَلَيْهِ} .. فى الكافى عن الرضا: أنه قرأها: "على رسوله" قيل له: هكذا؟ قال: هكذا نقرؤها، وهكذا تنزيلها. والعياشى عنه: إنهم يحتجون علينا بقوله تعالى: {ثَانِيَ اثنين إِذْ هُمَا فِي الغار} وما لهم فى ذلك من حُجَّة، فوالله لقد قال الله:"فأنزل الله سكينته على رسوله" وما ذكره فيها بخبر، قَيل: هكذا تقرأونها؟ قال: هكذا قراءتها".

* *

* طعنه على أبى بكر وعمر وعائشة وحفصة:

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى أول سورة التحريم: {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ

}

الآيات إلى قوله: {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هاذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير} [التحريم: 3] .. نراه ينقل عن القُمِّى فى سبب نزول هذه الآية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فى بعض بيوت نسائه، وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه، وكانت ذات يوم فى بيت حفصة، فذهبت حفصة فى حاجة لها، فتناول رسوله الله مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت، وأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ فى يومى؟ وفى دارى؟ وعلى فراشى؟ فاستحى رسول الله منها فقال: كُفِّى، فقد حرَّمتُ مارية على نفسى، ولا أطؤها بعد هذا أبداً، وأنا أفضى إليكِ سراً إن أخبرتِ به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فقالت: نعم، ما هو؟ فقال: إن أبا

ص: 123

بكر يلى الخلافة بعدى، ثم بعده أبوك، فقالت: مَن أنبأك هذا؟ فقال: نبأنى العليم الخبير، فأخبرت حفصةُ به عائشةَ من يومها ذلك، وأخبرت عائشة أبا بكر فجاء أبا بكر إلى عمر فقال له: إن عائشة أخبرتنى عن حفصة بشئ ولا أثق بقولها فاسأل أنت حفصة، فجاء عمر إلى حفصة فقال لها: ما هذا الذى أخبرتْ عنكِ عائشة، فأنكرت ذلك وقالت: ما قلتُ لها من ذلك شيئاًَ. فقال لها عمر: إن هذا حق فأخبرينا حتى نتقدم فيه، فقالت: نعم.. قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا أربعة على أن يسمُّوا رسول الله، فنزل جبريل على رسول الله بهذه السورة قال:{وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} يعنى أظهره على ما أخبرت به وما هَمُّوا به من قتله {عَرَّفَ بَعْضَهُ} : أخبرها وقال: لِمَ أخبرتِ بما أخبرتك {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} .. قال: لم يخبرهم بما يعلم مما هَمُّوا به من قتله".

* *

* صرفه لآيات العتاب عن ظاهرها:

ومثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى أول سورة عبس: {عَبَسَ وتولى * أَن جَآءَهُ الأعمى}

الآيات إلى آخر القصة، نجده يصرف الآيات عن ظاهرها المتعارف بين المفسِّرين جميعاً، ويجعل العتاب موجهاً إلى عثمان رضى الله عنه، أو إلى رجل آخر من بنى أُمية. والذى حمله على ذلك هو ما يراه من أن مثل هذا العتاب لا يليق أن يكون موجهاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم أو إلى أحد من الأئمة المعصومين، كما أن سبب العتاب لا يليق أن يصدر منهم، أما توجه العتاب إلى عثمان وصدور سببه منه فهذا أمر جائز وواقع فى نظره، لأن عثمان ليس له من العصمة ما للأئمة، فلهذا تراه يروى عن القُمِّى:"أنها نزلت فى عثمان وابن أُم مكتوم"، وكان ابن أُم مكتوم مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أعمى، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه وعثمان عنده، فقدَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان فعبس عثمان وجهه وتولَّى عنه، فأنزل الله:{عَبَسَ وتولى * أَن جَآءَهُ الأعمى} .. ونقل عن مجمع البيان أنها نزلت فى رجل من بنى أُمية كان عند النبى فجاء ابن أُم مكتوم، فلما رآه تقذَّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله ذلك وأنكره عليه.. ثم قال: أقول: "وأما ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات فى النبى صلى الله عليه وسلم دون عثمان فيأباه سياق مثل هذه المعاتبات الغير اللائقة بمنصبه، وكذا ما ذكره بعدها إلى آخر السورة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام، ويمكن أن يكون من مختلقات أهل النفاق خذلهم الله".

* *

* دفاع المؤلف عن أُصول مذهبه:

كذلك نجد المؤلف ينظر إلى القرآن من خلال عقيدته، ونراه ينتصر لمذهبه

ص: 124

ويتعصب له، ويؤيد أُصوله بكل ما يستطيع من الأدلة، ويدفع الشبه عنه، ويرد على الخصوم بما يستطيع من أوجه الرد، فلهذا نجده إذا مرَّ بآية من آيات القرآن التى يستطيع أن يستند إليها ويعتمد عليها فى نظره، أخذ فى تأويلها على وفق مذهبه وهواه، وإن كان فى ذلك خروج عن ظاهر النظم القرآنى.

* ولاية على:

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [55] من سورة المائدة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} .. نراه يستند إلى هذه الآية استناداً قوياً فى أن علياً رضى الله عنه هو وصى النبى صلى الله عليه وسلم وخليفته من بعده، فيقول ما نصه:"فى الكافى عن الصادق فى تفسير هذه الآية "أولى بكم": أى أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم الله ورسوله والذين آمنوا - يعنى علياً وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة - ثم وصفهم الله فقال: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} .. وكان أمير المؤمنين فى صلاة الظهر - وقد صلَّى ركعتين - وهو راكع، عليه حُلَّة قيمتها ألف دينار، وكان النبى أعطاه إياها، وكان النجاشى أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولى الله وأولى المؤمنين من أنفسهم.. تصدق على مسكين، فطرح الحُلَّة إليه، وأومأ بيده إليه أن احملها، فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية، وصيَّر نعمة أولاده بنعمته، فكل مَن بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدَّقون وهم راكعون. والسائل الذى سأل أمير المؤمنين من الملائكة، والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة.

وعنه عن أبيه عن جده فى قوله عز وجل: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} .. قال: لما نزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله}

الآية، اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مسجد المدينة فقال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها، وإن آمنا فإن هذا ذلٌ حين يُسلَّط علينا علىّ ابن أبى طالب، فقالوا: قد علمنا أن محمداً صادق فيما يقول، ولكنا نتولاه ولا نطيع علياً فيما أمرنا، قال: فنزلت هذه الآية: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} يعنى ولاية على، {وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون} بالولاية.

وعنه أنه سُئل: الأوصياء طاعتهم مفروضة؟. قال: نعم، هم الذين قال الله:{أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} [النساء: 59] .. وهم الذين قال الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ}

الآية، وروى المؤلف غير ذلك من الروايات، وكلها يدور حول هذا الشأن، ثم ادّعى إجماع الأُمة على أنه لم يُؤْتِ الزكاة يومئذ أحد منهم وهو راكع غير رجل واحد هو علىّ.. ثم علَّل عدم ذكره باسمه فى الكتاب بأنه لو ذُكِر باسمه فى الكتاب لأُسقط مع ما أُسقط.. ثم وفَّق بين الروايات

ص: 125

القائلة بأنه تصدَّق بحُلَّته، وبين الروايات القائلة بأنه تصدَّق بخاتمه فقال:"لعله تصدَّق مرة فى ركوعه بالحُلَّة، ومرة بالخاتم.. والآية نزلت بعد الثانية، وقوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ} إشعار بذلك، لتضمنه التكرار والتجديد، كما أن فيه إشعاراً بفعل أولاده أيضاً".

وعند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [67] من سورة المائدة: {ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}

الآية، نراه يحمل التبليغ المأمور به عليه السلام على تبليغه للناس إمامة علىّ وولايته، ويروى هنا قصة طويلة جداً، ويروى خطبة النبى لأصحابه عند "غدير خُمْ"، وهى خطبة طويلة كذلك، وفى هذه الخطبة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً سبب نزول الآية: "وأنا مبين لكم سبب هذه الآية: إن جبريل هبط إلىَّ مراراً ثلاثة، يأمرنى عن السلام ربى وهو السلام: أن أقوم فى هذا المشهد وأُعلم كل أبيض وأسود أن علىَّ بن أبى طالب أخى، ووصيى وحليفتى، والإمام من بعدى، الذى محله منى محل هارون من موسى، إلا أنه لا نبى بعدى، وهو وليكم بعد الله ورسوله، وقد أنزل الله علىّ بذلك آية من كتابه:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} ، وعلىّ بن أبى طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع، يريد الله عز وجل فى كل حال، وسألتُ جبريل أن يستغفر لى عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس، لعلمى بِقِلَّة المتقين، وكثرة المنافقين، وإدغال الآثمين، وحيل المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله فى كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم، ويحسبونه هَيِّناً وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لى غيره مرة حتى سمونى أُذُناً، وزعموا أنى كذلك لكثرة ملازمته إياى وإقبالى عليه، حتى أنزل الله عز وجل فى ذلك:{وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبي وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} [التوبة: 61]

الآية، ولو شئتُ أن أسميهم بأسمائهم لسميت، وأن أُومئ إليهم لأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكنى - والله - فى أُمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله منى إلا أن أُبلِّغ ما أنزل إلىّ.. ثم تلا:{ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ} فى علىّ، {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} .. إلخ". * *

* أُولوا الأمر الذين تجب طاعتهم:

ومثلاً عند قوله تعالى فى الآية [59] من سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} .. الآية، نراه يحمل هذه الآية على وفق مذهبه، فيقصر أُولى الأمر على الأئمة من أهل البيت خاصة، أما مَن عداهم فليسوا أُولى الأمر، وليس يجب على أحد من يقوم بطاعتهم، ولهذا يقول عند تفسيره لهذه

ص: 126

الآية ما نصه: "فى الكافى والعياشى عن الباقر: إيانا عنى خاصة.. أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا. وفى الكافى عن الصادق: أنه سُئِل عن الأوصياء، طاعتهم مفترضة؟ قال: نعم، هم الذين قال الله:{أَطِيعُواْ الله}

.. الآية، وقال الله:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله}

الآية. وفيه والعياشى عنه فى هذه الآية قال: نزلت فى علىّ بن أبى طالب والحسن والحسين، فقال: إن الناس يقولون: فما له لم يُسَمِ علياً وأهل بيته فى كتابه؟ فقال: فقولوا لهم: نزلت الصلاة ولم يُسَمِ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فسَّر ذلك لهم، ونزلت:{أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} ، ونزلت فى علىّ والحسن والحسين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى علىّ:"مَن كنت مولاه فهذا علىّ مولاه"، وقال:"أُوصيكم بكتاب الله وأهل بيتى، فإنى سألت الله أن لا يُفرِّق بينهما حتى يوردهما على الحوض، فأعطانى ذلك". وقال: "لا تعلموهم، فإنهم أعلم منكم"، وقال:"إنهم لم يخرجوكم من باب هدى ولم يدخلوكم فى باب ضلالة"، فلو سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين مَنْ أهل بيته لادعاها آل فلان وآل فلان، ولكن الله أنزل فى كتابه تصديقاً لنبيه:{إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 33] ، فكان علىّ والحسن والحسين وفاطمة، فأدخلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الكساء فى بيت أُم سلمة ثم قال:"اللَّهم إن لكل نبى أهلاً وثَقَلاً، وهؤلاء أهل بيتى وثَقَلى"، فقالت أُم سلمة: ألستُ من أهلك؟ فقال: "إنك إلى خير، ولكن هؤلاء أهل بيتى وثقلى"

(الحديث)، وزاد العياشى: آل عباس، وآل عقيل، قبل قوله: وآل فلان.

عن الصادق أنه سئُل عما بنيت عليه دعائم الإسلام التى إذا أُخِذَ بها زكى العمل ولم يضر جهل ما جهل بعده، فقال:"شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق فى الأموال: الزكاة، والولاية التى أمر الله بها: ولاية آل محمد، فإن رسول الله قال: "مَن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية".. قال الله تعالى: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} ، فكان علىّ، ثم صار من بعده الحسن، ثم بعده الحسين، ثم من بعده علىّ بن الحسين، ثم من بعده محمد بن علىّ، ثم هكذا يكون الأمر، إن الأرض لا تصلح إلا بإمام"

(الحديث) .

وفى المعانى عن سليم بن قيس الهلالى عن أمير المؤمنين أنه سأله: ما أدنى ما يكون به الرجل ضالاً، فقال: أن لا يعرف مَن أمر الله بطاعته وفرض ولايته، وجعله حُجَّته فى أرضه، وشاهده على خلقه.. قال: فمن هم يا أمير المؤمنين؟ قال: الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} . قال: فقبلَّتُ رأسه وقلت: أوضحتَ لى، وفرَّجتَ عنى، وأذهبتَ كل شئ كان فى قلبى.

ص: 127

وفى الإكمال عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله؛ عرفنا الله ورسوله، فمَن أُولوا الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال:"هم خلفائى يا جابر وأئمة المسلمين من بعدى، أولهم علىّ بن أبى طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علىّ بن الحسين، ثم محمد بن علىّ المعروف فى التوراة بالباقر - وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه منى السلام - ثم الصادق جعفر بن محمد بن موسى بن جعفر، ثم علىّ بن موسى، ثم محمد بن علىّ، ثم علىّ بن محمد، ثم الحسن ابن علىّ، ثم سميى محمد، وكنيته "حُجَّة الله فى أرضه، وبقيته فى عباده"، ابن الحسن بن علىّ، ذاك الذى يُفتح على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذى يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا مَن امتحن الله قلبه للإيمان". قال جابر: فقلت: يا رسول الله؛ فهل لشيعته الانتفاع به فى غيبته، فقال:"إى، والذى بعثنى بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب. يا جابر؛ هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله".

والأخبار فى هذا المعنى من الكتب المتداولة المعتبرة لا تحصى كثرة. وفى التوحيد عن أمير المؤمنين: اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسول، وأُولى الأمر بالمعروف والعدل والإحسان.

وفى العلل عنه: لا طاعة لمن عصى الله، وإنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، إنما أمر الله بطاعة الرسول لأنه معصوم مُطهَّر لا يأمر بمعصية، وإنما أمر بطاعة أُولى الأمر لأنهم معصومون مُطهَّرون لا يأمرون بمعصية".

* *

الإمام يوصى لمن بعده:

ولما كان مذهب المؤلف أن كل إمام يوصى بالإمامة لمن بعده، وليس ذلك لأحد من المسلمين غيره، فإنَّا نجده يتأثر بهذه العقيدة ويُفسِّر قوله تعالى فى الآية [58] من سورة النساء:{إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إلى أَهْلِهَا}

الآية على وفق هذه العقيدة فيقول: "فى الكافى وغيره فى عدة روايات أن الخطاب إلى الأئمة.. أمر كُلاً منهم أن يؤدى إلى الإمام الذى بعده ويوصى إليه، ثم هى جارية فى سائر الأمانات.. وفيه وفى العياشى عن الباقر: إيانا عنى، أن يؤدى الإمام الأول إلى الذى بعده العلم والكتب والسلاح"

إلخ.

* *

* استدلاله على الرجعة:

ولما كان المؤلف يدين بالرجعة فإنَّا نجده يستدل على جوازها بقوله تعالى فى الآيتين [55، 56] من سورة البقرة: {وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً

ص: 128

فَأَخَذَتْكُمُ الصاعقة وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .. وذلك حيث يقول: "أقول: قيَّد البعث بالموت لأنه قد يكون عن إغماء ونوم، وفيه دلالة واضحة على جواز الرجعة التى قال بها أصحابنا نقلاً عن أئمتهم، واحتج بهذه الآية أمير المؤمنين على ابن الكواء حين أنكرها كما رواه عنه الإصبع بن نباتة، والقُمِّى، هذا دليل على الرجعة فى أُمة محمد صلى الله عليه وسلم. فإنه قال: لم يكن فى بنى إسرائيل شئ إلا وفى أُمته مثله - يعنى دليلاً على وقوعها".

* *

* الإيمان بالرجعة وقيام القائم من الإيمان بالغيب:

ولكون المؤلف يعتقد بالرجعة ويرى ضرورة الإيمان بها لكل مؤمن، فإنَّا نراه يعد الإيمان بها من ضمن الإيمان بالغيب الذى مدح الله به عباده المتقين وذلك حيث يقول عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [2، 3] من سورة البقرة: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} : {الذين يُؤْمِنُونَ بالغيب} بما غاب عن حواسهم من توحيد الله، ونبوة الأنبياء، وقيام القائم، والرجعة، والبعث، والحساب، والجنَّة، والنار، وسائر الأُمور التى يلزمهم الإيمان بها مما لا يُعرف بالمشاهدة وإنما يُعرف بدلائل نصبها الله عز وجل".

* *

* التقيَّة:

ولما كان ملا محسن يقول بالتقية، ويراها ضرورة من ضروريات قيام مذهبه وصون أصحابه من الاضطهاد، فإنَّا نراه يفيض فيها عندما تكلم عن قوله تعالى فى الآية [28] من سورة آل عمران:{لَاّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}

الآية فيقول: {إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} إلا أن تخافوا من جهتهم خوفاً وأمراً يجب أن يُخاف منه، وقرئ:"تقية"، منع عن موالاتهم ظاهراً وباطناً فى الأوقات كلها إلا وقت المخافة، فإن إظهار الموالاة حينئذ جائز بالمخالفة كما قيل: كن وسطاً وامش جانباً.. ثم قال: وفى العياشى عن الصادق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا إيمان لمن لا تقية له"، ويقول: قال الله: {إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} . وفى الكافى عنه قال: التقية ترس الله بينه وبين خلقه. وعن الباقر قال: التقية فى كل شئ يضطر إليه ابن آدم، وقد أحلَّ الله له. والأخبار فى ذلك مما لا يُحصى".

* *

* تأثره فى تفسيره بالفروع الفقهية للإمامية:

ولما كان المؤلف كغيره من علماء مذهبه له فى بعض المسائل الاجتهادية الفقهية

ص: 129

رأى يخالف آراء مجتهدى المذاهب الأخرى، فإنا نراه ينتصر لمذهبه ويعمل على تأييده بما يظهر له من آيات القرآن.. والمتتبع لتفسيره لآيات الأحكام يجد أثر هذا كله ظاهراً جلياً، فهو يحاول محاولة جدية أن يأخذ رأيه من النص القرآنى أو يدفع رأى مخالفيه بما يظهر له منه، وإليك بعض المثل لتعرف مقدار تأثر هذا التفسير بمذهب صاحبه الفقهى:

* المتعة:

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [24] من سورة النساء: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} .. نراه يتأثر بما يراه من حِلِّ نكاح المتعة فيحمل الآية على هذا ويجعلها دليلاً على صحة مذهبه وذلك حيث يقول ما نصه: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} مهورهن، سمى أجراً لأنه فى مقابلة الاستمتاع، {فَرِيضَةً} مصدر مؤكد. فى الكافى عن الصادق: وإنما أُنزلت: "فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أُجورهن فريضة".. والعياشى عن الباقر: أنه كان يقرأها كذلك، وروته العامة أيضاً عن جماعة من الصحابة:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة} من زيادة فى المهر أو الأجل، أو نقصان فيهما، أو غير ذلك مما لا يخالف الشرع. فى الكافى مقطوعاً والعياشى عن الباقر: "لا بأس بأن تزيدها وتزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول: استحللتك بأجر آخر برضاً منها، ولا تحل لغيرك حتى تنقضى عدَّتها، وعدَّتها حيضتان، {إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً} بالمصالح، {حَكِيماً} فيما شرع من الأحكام. فى الكافى عن الصادق: المتعة نزل بها القرآن، وجرت بها السُّنَّة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، وعن الباقر: كان علىّ يقول: لولا ما سبقنى به ابن الخطاب ما زنى إلا شفى - بالفاء، يعنى إلا قليل - أراد أنه لولا ما سبقنى به عمر من نهيه عن المتعة وتمكن نهيه من قلوب الناس، لندبتُ الناس عليها، ورغَّبتهم فيها، فاستغنوا بها عن الزنا، فما زنى منهم إلا قليل، وكان نهيه عنها تارة بقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا مُحرِّمهما ومُعاقِبٌ عليهما: مُتعة الحج، ومُتعة النساء، وأخرى بقوله: ثلاث كُنّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا مُحرِّمهن ومُعاقِبٌ عليهن: مُتعة الحج ومُتعة النساء وحىّ على خير العمل فى الأذان. وفيه: جاء عبد الله بن عمر الليثى إلى أبى جعفر فقال له: ما تقول فى مُتعة النساء؟ فقال: أحلَّها الله فى كتابه وعلى لسان نبيه، فهى حلال إلى يوم القيامة، فقال: يا أبا جعفر؛ مثلك يقول هذا وقد حرَّمها عمر ونهى عنها؟ فقال: وإن كان فعل، قال:

فإنى أُعيذك بالله من ذلك أن تحل شيئاً حرَّمه عمر، فقال له: فأنت على قول صاحبك وأنا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهلم أُلاعنك أن القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الباطل ما قال صاحبك، وقال: فأقبل عبد الله بن عمر فقال: أيسرك أن نساءك، وبناتك، وأخواتك، وبنات عمك،

ص: 130

يفعلن ذلك؟ فأعرض عنه أبو جعفر حين ذكر نساءه وبنات عمه. وفيه: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد ابن النعمان صاحب الطاق فقال: يا أبا جعفر؛ ما تقول فى المتعة؟ أتزعم أنها حلال؟ قال: نعم. قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك ليستمتعن ويكسبن عليك؟ فقال أبو جعفر: ليست كل الصناعات يُرغَب فيها وإن كانت حلالاً، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم، ولكن ما تقول يا أبا حنيفة فى النبيذ، أتزعم أنه حلال؟ قال: نعم، قال: فما يمنعك أن تُقْعِد نساءك فى الحوانيت نبَّاذات فيكسبن عليك؟ فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة، وسهمك أنفذ، ثم قال: يا أبا جعفر؛ إن الآية التى فى "سأل سائل" تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبى قد جاءت بنسخها، فقال أبو جعفر: يا أبا حنيفة؛ إن سورة "سأل سائل" مكية وآية المتعة مدنية، وروايتك شاذة ردية، فقال أبو حنيفة: وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة، فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث، فقال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟ فقال أبو جعفر: لو أن رجلاً من المسلمين تزوج بامرأة من أهل الكتاب ثم توفى عنها. ما تقول فيها: قال: لا ترث منه، فقال: قد ثبت النكاح بغير ميراث.. ثم افترقا. وعن الصادق أنه سأله أبو حنيفة عن المتعة فقال: عن أى المتعتين تسأل؟ فقال: سألتك عن متعة الحج فأنبئنى عن متعة النساء أحق هى؟ فقال: سبحان الله.. أما تقرأ كتاب الله: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ؟ فقال أبو حنيفة: واللهِ لكأنها آية لم أقرأها قط. وفى الفقه عنه: ليس منا مَن لم يؤمن بكَرَّتنا ويستحل متعتنا (أقول) : الكَرَّة: الرجعة، وهى إشارة إلى ما ثبت عندهم من رجوعهم إلى الدنيا مع جماعة من شيعتهم فى زمن القائم لينصروه، وقد مضت الإشارة إليه فيما سلف، ويأتى أخبار أُخر فيها إن شاء الله.

* *

* نكاح الكتابيات:

وملا محسن، لا يميل إلى حُرْمة نكاح الكتابيات من اليهود والنصارى، بل نراه يذكر لنا فى تفسيره للآيات التى تتصل بهذا الموضوع أقوال العلماء، ويفيض فى سرده لأقوال المجيزين منهم، ويُعقِّب على أقوال المجيزين بما يدل على أنه مؤيد لعدم الحُرْمة، ومرتض لقول مَن يقول بالحِلِّ، ولهذا نراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [221] من سورة البقرة:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات}

الآية، يقول ما نصه:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} لا تزوجوا الكافرات {حتى يُؤْمِنَّ} ، {وَلأَمَةٌ} مملوكة، {مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ} حُرَّة، {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} المشركة بجمالها أو مالها أو حسبها، {وَلَا

ص: 131

تَنْكِحُواْ المشركين} لا تزوِّجوا منهم المؤمنات، {حتى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ} مملوك، {خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} حُرٍّ، {وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} جماله أو ماله أو حاله، {أولائك} إشارة إلى المشركين والمشركات، {يَدْعُونَ إِلَى النار} إلى الكفر المؤدى إلى النار، فحهقم أن لا يُوالوا لا يُصَاهروا، {والله يدعوا إِلَى الجنة والمغفرة} إلى فعل ما يوجب الجنَّة والمغفرة من الإيمان والطاعة، {بِإِذْنِهِ} بأمره وتوفيقه، {وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ} أوامره ونواهيه، {لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ويتعظون. القُمِّى: هى منسوخة بقوله تعالى فى الآية [5] من سورة المائدة: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات

}

إلى قوله: {والمحصنات مِنَ الذين

ص: 132

أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} قال: فنسخ هذه الآية: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} وترك قوله: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركين حتى يُؤْمِنُواْ} على حاله لم ينسخ، لأنه لا يحل للمسلم أن يُنكح المشرك، ويحل له أن يتزوج المشركة من اليهود والنصارى، وكذلك قال النعمان فى كتابه، وكلاهما عَدَّ قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} من منسوخ النصف من الآيات، ويأتى تمام الكلام فيه فى سورة المائدة إن شاء الله تعالى".

وعندما تكلم عن قوله تعالى فى الآية [5] من سورة المائدة: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ}

الآية، يقول ما نصه:{.. والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} فى الفقيه عن الصادق: هن العفائف. والعياشى عن الكاظم: أنه سُئل ما معنى إحصانهن؟ قال: هن العفائف من نسائهم. وفى الكافى، والمجمع، والعياشى، عن الباقر: أنها منسوخه بقوله: {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} [الممتحنة: 10] .. وزاد فى المجمع: وبقوله: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} .. القُمِّى: أحل الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه فى قوله فى سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} .. قال: وإنما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية، وغيرهم لم تحل مناكحتهم.. (أقول) : يؤيد هذا الحديث النبوى: "إن سورة المائدة آخر القرآن نزولاً فأحِلُّوا حلالها وحَرَّموا حرامها".. وفى الكافى عن الحسن ابن الجهم قال: قال لى أبو الحسن الرضا: يا أبا محمد؛ ما تقول فى رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت: جُعِلتُ فداك، وما قولى بين يديك؟ قال: لتقولن، فإن ذلك تعلم به قولى. قلت: لا يجوز تزوج نصرانية على مسلمة ولا على غير مسلمة؟ قال: ولِمَ؟ قلت: لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ} .. قال: فما تقول فى هذه الآية: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} ؟ قلت: فقوله: {وَلَا تَنْكِحُواْ المشركات} نسخت هذه الآية، فتبسم ثم سكت. وفيه وفى الفقيه عن الصادق فى الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية قال: إذا أصاب المسلمة فماذا يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقيل: يكون له فيها الهوى، فقال: إن فعل فيمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم أن عليه فى دينه غضاضة. وعن الباقر: لا ينبغى للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حُرَّة أو أَمَة. وعنه: إنما يحل منهم نكاح البُلْه. وفى الفقيه عنه: أنه سئل عن الرجل المسلم يتزوج المجوسية قال:

لا، ولكن إن كانت له أَمَة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها، وفى رواية: لا يتزوج الرجل اليهودية ولا النصرانية على المسلمة، ويتزوج المسلمة على اليهودية والنصرانية. وفى التهذيب عن الصادق: لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حُرَّة. وفيه فى جواز التمتع بهما وبالمجوسية أخبار أُخر".

وفى سورة الممتحنة عند قوله تعالى فى الآية [10] : {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} .. قال ما نصه: {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} بما يعتصم به الكافرات من عقد ونسب.. جمع عصمة، والمراد نهى المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات. القُمِّى عن الباقر فى هذه الآية قال: يقول: مَن كانت عنده امرأة كافرة - يعنى على غير مِلَّة الإسلام - وهو على مِلَّة الإسلام، فليعرض عليها الإسلام، فإن قبلت فهى امرأته، وإلا فهى بريئة منه، فنهى الله أن يمسك بعصمتها. وفى الكافى عنه قال: لا ينبغى نكاح أهل الكتاب، قيل: وأين تحريمه؟ قال: قوله: {وَلَا تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} .. (أقول) : قد مضى فى سورة المائدة ما يخالف ذلك".

* فرض الرِجْلين فى الوضوء وحكم المسح على الخُفَّين:

ويرى صاحبنا أن فرض الرِجْلين فى الوضوء مسحها لا غسلها، كما يرى عدم جواز المسح على الخُفَّين، ولهذا نراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [6] من سورة المائدة:{يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين}

الآية، نراه يقول بوجوب وصول الماء إلى بشرة سائر الأعضاء كما هو مقتضى الأمر بالغسل والمسح، وعليه فلا يجزئ المسح على القلنسوة ولا على الخُفَّين، ثم يروى ما جاء فى التهذيب عن الباقر من أن عمر جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم علىّ فقال: ما تقولون فى المسح على الخُفَّين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخُفَّين، فقال علىّ: قبل المائدة أو بعد المائدة؟ قال: لا أدرى، فقال علىّ: سبق الكتاب الخُفَّين، إنما نزلت المائدة قبل أن

ص: 133

يُقبض بشهرين أو ثلاثة. وهنا يُعقِّب ملا محسن على هذه الرواية فيقول: (أقول) : المغيرة بن شعبة هذا هو أحد رؤساء المنافقين من أصحاب العقبة والسقيفة لعنهم الله.. ثم يقول: وفى الفقيه: روت عائشة عن النبى أنه قال: أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره. وروى عنها أنها قالت: لأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلىّ من أن أمسح على خُفَّىْ. ولم يُعرف للنبى خف إلى خف أهداه النجاشى وكان موضع ظهر القدمين منه مشقوقاً، فمسح النبى صلى الله عليه وسلم على رِجْليه وعليه خُفَّاه، فقال الناس: إنه مسح علىخُفَّيه، على أن الحديث فى ذلك غير صحيح الإسناد (انتهى كلام الفقيه) .

وبعد هذا انتقل المؤلف إلى الكلام على فرض الرِجْلين فى الوضوء، فقال بعد ما بيَّن أولاً أن قراءة نصب الأرجل مردودة عندهم:".. ثم دلالة الآية على مسح الرِجْلين دون غسلهما أظهر من الشمس فى رابعة النهار، وخصوصاً على قراءة الجر، ولذلك اعترف بها جمع كثير من القائلين بالغسل، وفى التهذيب عن الباقر أنه سُئل عن قول الله عز وجل: {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} .. على الخفض هى أم على النصب؟ قال: "بل هى على الخفض"، ثم قال: (أقول) : وعلى تقدير القراءة على النصب أيضاً تدل على المسح، لأنها تكون حينئذ معطوفة على محل الرؤوس، كما تقول: مررت بزيد وعَمْراً، إذ عطفهما على الوجوه خارج عن قانون الفصاحة، بل عن أسلوب العربية.. ثم روى من الأخبار عن أهل البيت ما يشهد لمذهبه".

* * *

*الغنائم:

وهو يرى فى الغنائم ما يراه غيره من علماء مذهبه من أن الخُمس يُقسم إلى ستة سهام: سهم لله. وسهم للرسول. وسهم للإمام، وسهم ليتامى آل الرسول، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وسهم الله وسهم الرسول يرثهما الإمام، فيكون للإمام ثلاثة أسهم من ستة.. ثم يعلل اختصاص الإمام من الخُمس بالأسهم الثلاثة، بأن الله تعالى قد ألزم الإمام بما ألزم به النبى من تربية الأُمة، ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم، وحملهم فى الحج والجهاد، وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أُنزل عليه:{النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} "وهو أبٌ لهم"، فلما جعله الله أباً للمؤمنين لزمه ما يلزم الوالد للولد، فقال عند ذلك:"مَن ترك مالاً فلورثته، ومَن ترك دَيْناً أو ضَيَاعاً فعلىَّ وإلىَّ"، فلزم الإمام ما لزم الرسول. فلذلك صار له من الخُمس ثلاثة أسهم.

"والمؤلف يرى أن الله تعالى عوّض يتامى آل البيت ومساكينهم وأبناء سبيلهم بما

ص: 134

خُصوا به من هذه السهام عن الصدقات التى حُرِّمت عليهم ومُنعوا من أخذها لكونهها أوساخ الناس، ويروى فى ذلك أخباراً كثيرة عن علماء آل البيت".

وعندما فسَّر المؤلف قوله تعالى فى الآية [7] من سورة الحشر: {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى}

الآية، نقل من الكافى عن أمير المؤمنين أنه قال:"نحن والله الذين عنى الله بـ "ذى القُرْبَى" الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه فقال: {مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القربى واليتامى والمساكين} منا خاصة ولم يجعل لنا سهماً فى الصدقة.. أكرم الله نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما فى أيدى الناس". * *

* الاستنباط:

ويرى ملا محسن أن الاستنباط لا يجوز لأحد من الأُمة إلا للأئمة، لأنهم هم المعصومون عن الخطأ، أما من عداهم فليس له هذه العصمة، ولهذا نراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [83] من سورة النساء:{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}

الآية، يقول ما نصه:{وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أَوِ الخوف} مما يوجب الأمن والخوف، {أَذَاعُواْ بِهِ} فشوه. قيل: كان قوم من ضعفه المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أخبرهم الرسول بما أُوحى إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوه، وكانت إذاعتهم مفسدة، {وَلَوْ رَدُّوهُ} ردوا ذلك الأمر، {إِلَى الرسول وإلى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} قيل: أى يستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم. فى الجوامع عن الباقر: هم الأئمة المعصومون. والعياشى عن الرضا: يعنى آل محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين يستنبطون من القرآن، ويعرفون الحلال والحرام، وهم حُجَّة الله على خلقه. وفى الإكمال عن الباقر: مَن وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله فى غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله عز وجل، وجعل الجُهَّال وُلاة أمر الله، والمتكلفين بغير هدى زعموا أنهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله وزاغوا عن وصية الله وطاعته، فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى، فضلُّوا وأضلُّوا أتباعهم، فلا تكون لهم يوم القيامة حُجَّة".

* *

* موقف المؤلف من مسائل علم الكلام:

والمؤلف كغيره من الشيعة متأثر إلى حد ما بتعاليم المعتزلة وآرائهم الكلامية، فهو يوافقهم فى بعض المسائل، ويخالفهم فى بعض آخر منها. وإنَّا لنلحظ هذا التأثر فى تفسيره للآيات التى لها ارتباط بالمسائل الكلامية، وإليك بعض المثل التى وافق فيها المعتزلة، وبعض المثل التى خالفهم فيها:

*

ص: 135

أفعال العباد:

يرى صاحبنا أن العبد يخلق أفعال نفسه، ويوافق برأيه هذا رأى المعتزلة القائلين بخلق العباد أفعال أنفسهم. ولهذا نراه يتأثر بهذه العقيدة فى تفسيره. فمثلاً عندما فسَّر قوله تعالى فى الآية [123] من سورة الأنعام:{وكذلك جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا}

الآية، نراه يفر من نسبة هذا الجعل إلى الله تعالى فيقول:".. والمعنى خليناهم وشأنهم ليمكروا ولم نكفهم عن المكر".

* *

* رؤية الله:

كذلك يوافق ملا محسن المعتزلة فى أن رؤية الله تعالى غير جائزة ولا واقعة، ولهذا نراه يتأوَّل آيات الرؤية كما تأوَّلها المعتزلة.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [22، 23] من سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} .. يقول ما نصه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} القُمِّى: أى مشرقة، {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال: ينظرون إلى وجه الله أى إلى رحمته ونعمته. وفى العيون عن الرضا قال: يعنى مشرقة تنتظر ثواب ربها. وفى التوحيد والاحتجاج عن أمير المؤمنين فى حديث قال: ينتهى أولياء الله بعد ما يُفرغ من الحساب إلى نهر يسمى "الحيوان"، فيغتسلون فيه ويشربون منه فتبيض وجوههم إشراقاً، فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يُؤمرون بدخول الجنَّة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم، قال: فذلك قوله تعالى: {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وإنما نعنى بالنظر إليه النظر إلى ثوابه تبارك وتعالى. وزاد فى الاحتجاج: والناظرة فى بعض اللغة هى المنتظرة، ألم تسمع إلى قوله:{فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} [النمل: 35] .. أى منتظرة".

* الشفاعة:

ويخالف المؤلف المعتزلة فى القول بالشفاعة فهو يرى أنها جائزة وواقعة يوم القيامة، وأهل البيت يشفعون للعصاة من شيعتهم، ولهذا عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [48] من سورة البقرة:{واتقوا يَوْماً لَاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}

الآية، نراه ينقل من تفسيره الإمام عن الصادق أنه قال: "هذا يوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا يُغنى عنه، فأما القيامة فإنَّا وأهلنا نجزى عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن على الأعراف بين الجنَّة والنار: محمد، وعلىّ، وفاطمة، والحسن، والحسين، والطيبون من آلهم، فنرى بعض شيعتنا فى تلك العرصات، فمَن كان منهم مُقصِّراً وفى بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان، والمقداد، وأبى ذر، وعمَّار، ونظرائهم فى العصر الذى يليهم، ثم فى كل عصر إلى يوم القيامة، فينقضوُّن عليهم كالبزاة والصقور، ويتناولونهم كما تتناول البزاة والصقور صيدها،

ص: 136

فيزفونهم إلى الجنة زفاً، وإنَّا لنبعث على آخرين من محبينا خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحب وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا، وسيؤتى بالواحد من مُقصِّرى شيعتنا فى أعماله بعد أن حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه مائة أو أكثر من ذلك إلى مائة ألف من النُّصَّاب فيقال له: هؤلاء فداؤك من النار، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنَّة وأُولئك النُّصَّاب النار، وذلك ما قال الله عز وجل فى الآية [2] . من سورة الحجر:{رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ} يعنى: بالولاية، {لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ} فى الدنيا، منقادين للأئمة، ليُجعل مخالفوهم من النار فداؤهم".

* *

* السحر:

كذلك يخالف المؤلف المعتزلة فى القول بالسحر، فهو يعترف بحقيقته ولا ينكر أن النبى صلى الله عليه وسلم سُحر، ولهذا نراه عند تفسيره لسورة الفلق يقول ما نصه:{وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد} [الفلق: 4] ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللواتى يعقدن عقداً فى خيوط وينفثن عليها، والنفث: النفخ مع ريق.. ثم ذكر الحديث الذى فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِر بفعل لبيد ابن الأعصم.

* *

* روايته للأحاديث الموضوعة:

ثم لا يفوتنا أن ننبه على أن هذه الأحاديث التى يرويها المؤلف فى تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أهل البيت كشاهد لصحة ما يقول، هى فى الغالب مكذوبة موضوعة لا أصل لها، وقد مَرّ بك الكثير من هذه الروايات، وهى ناطقة على نفسها بالوضع، فلستُ فى حاجة إلى بيان وضعها بميزان نقد الرواة، إذ نحن فى غنى عن هذا بعد ما حمل الحديث تكذيب نفسه بنفسه فى ثنايا ألفاظه ومعانيه. والمصنف بعد هذا لا يفوته أن يذكر فى نهاية تفسير كل سورة من الروايات عن أهل البيت ما يشهد لفضل هذه السورة، وما أعد الله لقارئها من الأجر والثواب، وفى اعتقادى أن هذه الروايات لا تعدو أن تكون مكذوبة كالروايات المنسوبة إلى أُبَىّ وابن عباس فى فضائل السور، وليس بغريب أن يذكر صاحبنا مثل هذه الروايات المكذوبة فى تفسيره بعد ما سوَّد كتابه من أوله إلى آخره بالأحاديث الموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آل بيته عليهم رضوان الله.

* * *

ص: 137