الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير العلمى
معنى التفسير العلمى
نريد بالتفسير العلمى: التفسير الذى يُحَكِّم الاصطلاحات العلمية فى عبارات القرآن، ويجتهد فى استخراج مختلف العلوم والآراء الفلسفية منها.
* *
التوسع فى هذا النوع من التفسير وكثرة القائلين به
وقد وقع هذا النوع من التفسير، واتسع القول فى احتواء القرآن كل العلوم ما كان منها وما يكون، فالقرآن فى نظر أصحاب هذه الطريقة يشمل - إلى جانب العلوم الدينية الاعتقادية والعملية - سائر علوم الدنيا على اختلاف أنواعها، وتعدد ألوانها.
* *
الإمام الغزالى والتفسير العلمى
ويظهر لنا - على حسب ما قرأنا - أن الإمام الغزالى كان - إلى عهده - أكثر من استوفى بيان هذا القول فى تفسير القرآن، وأهم مَن أيده وعمل على ترويجه فى الأوساط العلمية الإسلامية، على رغم ما قرر فيها من قواعد فهم عبارات القرآن.
وبين أيدينا كتاب "الإحياء" للغزالى نتصفحه فنجده يعقد الباب الرابع من أبواب آداب تلاوة القرآن، فى فهم القرآن وتفسيره بالرأى من غير نقل. وفيه ينقل عن بعض العلماء "أن القرآن يحوى سبعة وسبعين ألف علم ومائتى علم، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن، وحد ومطلع"، ثم يروى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال:"مَن أراد علم الأوَّلين والآخرين فليتدبر القرآن"، ثم يقول بعد ذلك كله:"وبالجملة فالعلوم كلها داخلة فى أفعال الله عز وجل وصفاته، وفى القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفى القرآن إشارة إلى مجامعها"، ثم يزيد على ذلك فيقول:"بل كل ما أشكل فهمه على النُظَّار، واختلف فيه الخلائق فى النظريات، والمعقولات، فى القرآن إليه رمز ودلالات عليه، يختص أهل الفهم بدركها".
ثم إننا نتصفح كتابه "جواهر القرآن" الذى ألَّفه بعد الإحياء كما يظهر لنا من مقدمته، فنجده يزيد هذا الذى قرره فى الإحياء بياناً وتفصيلاً، فيعقد الفصل الرابع منه لكيفية انشعاب العلوم الدينية كلها وما يتصل بها من القرآن عن تقسيمات وتفصيلات تولاها لا نطيل بذكرها، ويكفى أن نقول: إنه قسم علوم القرآن إلى قسمين:
الأول: علم الصدف والقشر، وجعل من مشتملاته: علم اللُّغة. وعلم النحو: وعلم القراءات، وعلم مخارج الحروف. وعلم التفسير الظاهر.
والثانى: علم اللُّباب. وجعل من مشتملاته: علم قصص الأوَّلين، وعلم الكلام، وعلم الفقه، وعلم أُصول الفقه، والعلم بالله واليوم الآخر، والعلم بالصراط المستقيم، وطريق السلوك.
ثم يعقد الفصل الخامس منه لكيفية انشعاب سائر العلوم من القرآن، فيذكر علم الطب والنجوم، وهيئة العالَم، وهيئة بدن الحيوان، وتشريح أعضائه، وعلم السحر، وعلم الطلسمات
…
وغير ذلك، ثم يقول:"ووراء ما عددته علوم أُخرى، يُعلم تراجمها ولا يخلو العالَم عمن يعرفها، ولا حاجة إلى ذكرها بل أقول: ظهر لنا بالبصيرة الواضحة التى لا يُتمارى فيها أن فى الإمكان والقوة أصنافاً من العلوم بعد لم تخرج من الوجود، وإن كان فى قوة الآدمى الوصول إليها، وعلوم كانت قد خرجت من الوجود واندرست الآن، فلن يوجد فى هذه الأعصار على بسيط الأرض مَن يعرفها، وعلوم أُخر ليس فى قوة البشر أصلاً إدراكها والإحاطة بها، ويحظى بها بعض الملائكة المقرَّبين، فإن الإمكان فى حق الآدمى محدود، والإمكان فى حق المَلَك محدود إلى غاية من النقصان، وإنما الله سبحانه هو الذى لا يتناهى العلم فى حقه".
ثم يقول بعد ذلك: "ثم هذه العلوم ما عددنا وما لم نعددها، ليست أوائلها خارجة من القرآن، فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالى، وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له، وأن البحر لو كان مِدَاداً لكلماته لنَفِدَ البحر قبل أن تنفد، فمن أفعال الله تعالى وهو بحر الأفعال - مثلاً - الشفاء والمرض كما قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] ، وهذا الفعل الواحد لا يعرفه إلا مَن عرف الطب بكماله، إذ لا معنى للطب إلا معرفة المرض بكماله وعلاماته، ومعرفة الشفاء وأسبابه، ومن أفعاله تقدير معرفة الشمس والقمر ومنازلهما بُحسْبان، وقد قال الله تعالى:{الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5]، وقال:{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} [يونس: 5]، وقال:{وَخَسَفَ القمر * وَجُمِعَ الشمس والقمر} [القيامة: 8-9]، وقال:{يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل} [الحج: 61، لقمان: 29] وقال: {والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم} [يس: 38] .. ولا يعرف حقيقة سير الشمس والقمر بحسبان وخسوفهما، وولوج الليل فى النهار، وكيفية تكور أحدهما