الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - الطلاق
- الطلاق: فراق الزوجة بحل قيد النكاح أو بعضه بلفظ مخصوص.
- حكمة إباحة الطلاق:
شرع الله النكاح لإقامة الحياة الزوجية المستقرة، المبنية على المحبة والمودة بين الزوجين، وإعفاف كل منهما صاحبه، وتحصيل النسل، وقضاء الوطر.
وإذا اختلت هذه المصالح، وفسدت النوايا، وتنافرت الطباع، وساءت العشرة بين الزوجين ونحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق المستمر الذي تصعب معه الحياة الزوجية، ولم ينفع الوعظ والهجر، واستُنفدت جميع وسائل الإصلاح بين الزوجين، واستعصى حل الخلافات الزوجية بسبب تباين الأخلاق، أو بسبب الإصابة بمرض لا يُحتمل، أو عقم لا علاج له ونحو ذلك مما يؤدي إلى ذهاب المودة والمحبة، ونمو الكراهية والبغضاء، وتعقُّد الحياة الزوجية، فإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فقد شرع الله عز وجل رحمة بالزوجين فرجاً بالطلاق، لإزالة الضرر والمفسدة بعد تعذر الإصلاح بين الزوجين؛ لأن البقاء مع هذه الأحوال إضرار بالزواج بإلزامه النفقة والسكن، وحبس الزوجة مع سوء عشرتها.
- حكم الطلاق:
الطلاق له خمسة أحكام:
1 -
مباح: إذا احتاج الزوج إليه لسوء خلق المرأة، أو كراهته لها.
2 -
مستحب: إذا احتاجت الزوجة إليه لسوء خلق الرجل، أو إذا فرطت المرأة في
حقوق الله الواجبة كالصلاة ولا يمكنه إجبارها، أو إذا تضررت الزوجة ببقاء النكاح لبغض أو غيره ونحو ذلك.
3 -
واجب: إذا تعذرت العشرة بين الزوجين، ولم يمكن الإصلاح بينهما، وتضرر كل منهما ببقاء الزوجية، وإذا آلى الزوج من زوجته، ومضت المدة ولم يرجع ونحو ذلك.
4 -
مكروه: إذا لم تكن حاجة ماسة إليه، وحال استقامة الزوجين، وعدم القدرة على الصبر وتحمل الأذى من الزوجة.
5 -
محرم: إذا كان الطلاق بدعياً، كأن يطلق الزوجة في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه، أو يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة أو كلمات، أو يطلق زوجته من غير حاجة، أو إذا كان الطلاق سبباً لوقوعه في الحرام من زنا ونحوه.
1 -
2 -
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَألَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللهُ أنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ» . متفق عليه (1).
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1471).
- الطلاق عند اليهود:
الطلاق مباح عند اليهود بعذر أو بغير عذر، ولكنه لا يحسن بدون عذر.
والأعذار المبيحة للطلاق عندهم نوعان:
1 -
عيوب الخلقة: كالعمش، والحول، والبخر، والعرج، والعقم.
2 -
عيوب الأخلاق: كالوقاحة، والثرثرة، والعناد، والإسراف، والزنا ونحو ذلك.
وأما المرأة فليس لها أن تطلب الطلاق مهما تكن عيوب زوجها.
- الطلاق عند النصارى:
يحرم الطلاق عند النصارى، ولا يباح فصم الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه، وحتى الخيانة الزوجية لا تعتبر مبرراً للطلاق.
وكل ما يباح حال الخيانة الزوجية هو التفرقة الجسمية، مع اعتبار الزوجية قائمة بين الزوجين، فلا يجوز لأحدهما أثناء هذه الفرقة أن يتزوج؛ لأن ذلك يعتبر تعدداً للزوجات وهو محرم عندهم.
- الطلاق في الجاهلية:
كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة أو أكثر، حتى جاء الإسلام وحدد الطلاق بمرتين، فإذا طلق الثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
- حكم إفساد بيت الزوجية:
الصلة بين الزوجين من أعظم الصلات وأوثقها، وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة فهو آثم، مستحق للعقوبة، سواء كان رجلاً أو امرأة، كما يحرم على الزوجة أن تسأل زوجها طلاق ضرتها لتنفرد به.
1 -
عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَى امْرِئٍ زَوْجَتَهُ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا» . أخرجه أحمد وابن حبان (1).
2 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَسْأَلِ المَرْأَةُ طَلاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» . متفق عليه (2).
3 -
وَعَنْ ثوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقاً مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ» . أخرجه أبو داود والترمذي (3).
- من يملك الطلاق:
الطلاق من حق الرجل وحده؛ لأنه أحرص على بقاء الزوجية التي أنفق في سبيلها المال، وهو أكثر تريثاً وصبراً وتقديراً لعواقب الأمور، وأبعد عن الطيش عند حصول الخلاف.
أما المرأة فهي أسرع غضباً، وأكثر جزعاً، وأقل احتمالاً، وأقصر رؤية، وليس عليها من تبعات الطلاق مثل ما على الرجل، فلو ملكت المرأة التطليق فربما أوقعت الطلاق لأسباب بسيطة لا تستحق هدم الحياة الزوجية، بسبب انفعالها ولو كان الطلاق بيد كل من الزوجين لتضاعفت حالات الطلاق لأتفه الأسباب.
فالطلاق بيد الرجل، وللمرأة أن تشترطه لنفسها إن رضي الزوج، ولها إن تضررت بالزوج أن تفتدي نفسها منه بمال عن طريق الخلع.
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (22980)، وهذا لفظه، وأخرجه ابن حبان برقم (4348).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6601) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1413).
(3)
صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (2226) ، وأخرجه الترمذي برقم (1187) ، وهذا لفظه.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق:1].
- من يقع منه الطلاق:
يقع الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار.
فإن كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرهاً فإن طلاقه يعتبر لغواً، لأن كل واحد من هؤلاء ناقص الأهلية، فلا ينفذ تصرفه.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلَاثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» . أخرجه أبو داود والنسائي (1).
- أركان الطلاق:
أركان الطلاق أربعة:
المطلق .. والمطلقة .. والصيغة .. والقصد.
فالمطلق: الزوج أو نائبه .. والمطلقة: هي الزوجة .. والصيغة: هي لفظ الطلاق .. والقصد .. نية الطلاق.
- صيغ الطلاق:
ينقسم الطلاق من حيث اللفظ إلى قسمين:
الأول: الطلاق الصريح: وهو ما كان بلفظ الطلاق وحده وما تصرَّف منه كطلقتك، أو أنت طالق، أو أنت مطلقة، أو علي الطلاق ونحو ذلك.
الثاني: الطلاق بالكناية: وهو كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره، كقوله أنت بائن، أو
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4398) ، وأخرجه النسائي برقم (3432).
الحقي بأهلك، أو اخرجي، أو اذهبي، أو أنت خَلِيّة، أو أنت بَرِيّة، أو خلَّيت سبيلك ونحو ذلك.
فيقع الطلاق باللفظ الصريح بدون حاجة إلى نية، لأنه موضوع للطلاق.
فلو قال لزوجته أنت طالق، وقع الطلاق، ولا يُلتفت لقوله إنه لا يريد الطلاق.
ولا يقع الطلاق بالكناية إلا بالنية؛ لأنه لفظ يحتمل الطلاق وغيره، فإن نوى الطلاق لزمه، وإن لم ينوه فهو على ما نواه.
ومن قال لزوجته: أنت علي حرام، فهو على ما نواه من طلاق، أو ظهار، أو يمين.
- قيود إيقاع الطلاق:
قيد الشرع الطلاق بقيود شرعية منعاً للتسرع، وحفاظاً على الرابطة الزوجية؛ لأن النكاح جوهر ما تملكه المرأة، وبالطلاق يكون هدراً، وربما عاشت بعده أيِّماً، وفي التأيُّم غالباً مفاسد كثيرة، وهذه القيود هي:
أن يكون الطلاق لحاجة مقبولة .. وأن يكون في طهر لم يجامعها فيه .. وأن يكون مفرقاً ليس بأكثر من واحدة.
فإذا توافرت هذه الشروط كان الطلاق موافقاً للشرع لا إثم فيه، وإن فُقد واحد منها وقع، لكنه موجب للإثم والسخط الإلهي.
- أنواع الطلاق:
ينقسم الطلاق من حيث الحل والحرمة إلى قسمين:
الأول: الطلاق الحلال: وهو طلاق السنة، وذلك بأن يطلق الرجل زوجته في طهر
لم يجامعها فيه، أو يطلقها حاملاً قد تبين حملها.
الثاني: الطلاق المحرم: وهو الطلاق البدعي، وذلك بأن يطلق الزوج زوجته أثناء الحيض أو النفاس، أو يطلقها في طهر جامعها فيه، أو يطلقها بالثلاث مجموعة بكلمة واحدة أو كلمات.
وهذه الأحكام بالنسبة لمن دخل بها زوجها، أما غير المدخول بها فيجوز طلاقها طاهراً وحائضاً، ولا يجوز طلاقها بالثلاث مجموعة أو مفرقة.
- وقت الطلاق:
ضيَّق الإسلام وقت الطلاق رغبة في استدامة الحياة الزوجية، وتضييقاً لباب الفرقة، وتقليلاً لفرص الطلاق الذي يهدم بيت الزوجية، ويعصف بأفراد الأسرة.
فالمرأة في كل شهر تطهر غالباً ثلاثة وعشرين يوماً، ثم تحيض سبعة أيام، فإذا جامعها في الطهر مرة، فقد ضيق وقت الطلاق، وحرم عليه طلاقها فيه، أما في أثناء الحيض والنفاس فلا يجوز طلاقها فيه مطلقاً، أما وجود الحمل فهو غالباً ينقض العزم على الطلاق، ويوهن الرغبة في الفراق.
وبهذا نعلم أن وقت الطلاق كل شهر هو بعد الطهر من الحيض، وقبل أن يجامعها زوجها، وهو وقت قصير جداً.
- أقسام المطلقين:
المطلقون أصناف، ولكل صنف حكم كما يلي:
1 -
طلاق الزوج البالغ العاقل المختار:
فهذا كامل الأهلية، يجوز له أن يطلق، وطلاقه يقع.
2 -
طلاق المكره:
المكره لا يقع طلاقه؛ لأنه مسلوب الإرادة، فهو غير قاصد للطلاق، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه بتنفيذ أمر المكره له، فمن أُكره على النطق بكلمة الكفر لا يكفر، ومن أُكره على الإسلام لا يصبح مسلماً، ومن أُكره على النطق بكلمة الطلاق لا يقع طلاقه.
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل:106].
3 -
طلاق الغضبان:
الغضبان مكلف في حال غضبه، يحاسب على ما يصدر منه من كفر، أو قتل، أو طلاق أو غيره؛ لأنه واع يدرك ما يقول، وإذا اشتد الغضب بالإنسان بأن وصل إلى درجة لا يدري فيها ما يقول ويفعل ولا يقصده فإنه لا ينفذ تصرفه، ولا يقع طلاقه؛ لأنه مسلوب الإرادة.
4 -
طلاق الصبي:
الصبي المميز الذي لم يبلغ لا يقع طلاقه؛ لأنه ناقص الأهلية، ولأن الطلاق تصرف ضار، فلا يملكه الصبي.
5 -
طلاق المجنون:
من اختل عقله لا يقع طلاقه، كالمجنون، والمغمى عليه، والمعتوه، والمدهوش الذي أصابته مصيبة لا يدري ما يقول، ومن زال عقله لكبر أو مرض ونحوهما؛ لأن كل واحد من هؤلاء ناقص الأهلية، مسلوب الإرادة، فلا يقع طلاقه.
6 -
طلاق السكران:
السكران الذي وصل إلى درجة الهذيان، وخلط الكلام، ولا يعي ما يقول أثناء سكره لا يقع طلاقه؛ لعدم توافر القصد، فهو زائل العقل كالمجنون، وعبارته ملغاة لا قيمة لها، لعدم أهليته.
وللسكر عقوبة أخرى هي الحد، فلا يُجمع عليه عقوبتان بذنب واحد، ولهذا مُنع السكران من الصلاة؛ لأنه فاقد العقل.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:43].
7 -
طلاق السفيه:
السفيه: هو خفيف العقل الذي لا يحسن التصرف في ماله.
والسفيه البالغ يقع طلاقه إذا كان يعرف معناه؛ لأن الرشد ليس شرطاً في وقوع الطلاق.
8 -
طلاق الهازل:
الهازل: هو الذي يتكلم ولا يقصد الحقيقة كأن يطلق زوجته هازلاً ولاعباً، فهذا آثم، ويقع طلاقه إن قصد الطلاق، فإن لم يقصد الطلاق فلا يقع؛ لأن الطلاق عمل يفتقر إلى نية، والهازل لا عزم له ولا نية.
9 -
طلاق المخطئ:
المخطئ: هو الذي يريد أن يتكلم بشيء فيزل لسانه ويتكلم بغيره كأن يريد أن يقول لزوجته: أنت طاهر، فقال خطأ: أنت طالق.
فهذا لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد والإرادة.
10 -
طلاق الغافل:
الغافل: من غفل عما يريد.
والغافل لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
11 -
طلاق الناسي:
الناسي: من نسي ما يريد. والناسي لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
12 -
طلاق الساهي:
الساهي: هو من سهى بشيء عن شيء، والساهي لا يقع طلاقه؛ لعدم القصد.
13 -
طلاق المرتد:
المرتد: هو من كفر بعد إسلامه.
وطلاق المرتد بعد الدخول موقوف:
فإن أسلم أثناء العدة وقع الطلاق، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة، أو ارتد قبل الدخول، فطلاقه باطل، لانفساخ النكاح قبله باختلاف الدين.
14 -
طلاق الكافر:
الكافر: هو كل من كفر بالله.
وطلاق الكافر البالغ العاقل المختار يقع كالمسلم.
15 -
حكم طلاق المريض مرض الموت:
مرض الموت: هو المرض الغالب فيه الهلاك عادة إذا اتصل به الموت، فإذا طلق الرجل المريض مرض الموت وقع طلاقه كالصحيح، فإن مات المطلق من ذلك المرض ورثته المطلقة ما دامت في العدة من طلاق رجعي؛ لأن
الرجعية زوجة، ولا ترثه البائن.
وإن طلق امرأته في مرض الموت ثم ماتت لم يرثها وإن ماتت في العدة، وإن طلق زوجته طلاقاً بائناً، ثم مات الزوج أثناء العدة، فإن طلاقه لا يقع؛ لأنه قصد حرمانها من الإرث، وهذا ضرر محض، فعوقب بنقيض قصده فترثه، سواء مات في العدة أو بعدها.
16 -
طلاق الشاك:
من شك في أصل الطلاق، هل طلق أم لا، لم تَطلقْ امرأته؛ لأن النكاح ثابت بيقين، فلا يزول إلا بيقين، ولا يُحكم بزواله بالشك.
ومن شك في عدد الطلاق بنى على اليقين وهو الأقل، فمن شك هل طلق ثلاثاً أم واحدة، يُحكم بوقوعه طلقة واحدة؛ لأنه المتيقَّن، وفي الزيادة شك.
ومن شك في صفة الطلاق، هل طلقها رجعية أو بائناً، يُحكم بالرجعية؛ لأنها أضعف الطلاقين، فكانت متيقنة، واليقين لا يزول بالشك.
- أقسام المطلقات:
المطلقات أصناف، ولكل صنف حكم كما يلي:
1 -
المطلقة في طهر لم يجامعها فيه:
فهذه طلاقها صحيح؛ لأنه في العدة المقررة شرعاً.
2 -
المطلقة الحامل:
فهذه طلاقها صحيح؛ لأنه في العدة المقررة شرعاً.
1 -
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)} [الطلاق:1].
2 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِراً أوْ حَامِلاً» . متفق عليه (1).
3 -
المطلقة الحائض أو النفساء:
فهذه طلاقها محرم؛ لأنه في غير العدة الشرعية، وإذا حصل هذا الطلاق وقع، وأثم فاعله، وعليه أن يراجعها منه إن لم تكن الطلقة الثالثة، فإذا طهرت إن شاء طلقها وإن شاء أمسكها.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَسَألَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُ بَعْدُ، أوْ يُمْسِكُ» . متفق عليه (2).
4 -
المطلقة الرجعية:
وهي المطلقة طلقة واحدة أو طلقتين، وله مراجعتها ما دامت في العدة، فإذا خرجت من العدة جاز له ولغيره نكاحها بعقد ومهر جديدين.
5 -
المطلقة البائن:
وهي المطلقة ثلاثاً، وهذه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره بنكاح صحيح، فإذا طلقها الثاني حلّت بنكاح جديد للأول.
قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251)، ومسلم برقم (1471) واللفظ له.
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5251) ، ومسلم برقم (1471) ، واللفظ له.
يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)} [البقرة:229 - 230].
6 -
المطلقة قبل الدخول:
فهذه لا عدة عليها، ولا رجعة لزوجها فيها.
7 -
المطلقة المفسوخة:
وهي التي فسخها القاضي من زوجها بسبب منه أو منها، وهذه عدتها حيضة واحدة للاستبراء، وطلاقها بائن لا رجعة فيه.
8 -
المطلقة المختلعة:
وهي التي افتدت نفسها من زوجها بمال ليطلقها ويخلي سبيلها.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ امْرَأةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، مَا أعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ، وَلَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ» . قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْبَلِ الحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» . أخرجه البخاري (1).
9 -
المطلقة ثلاثاً:
من طلق زوجته ثلاثاً بلفظ واحد، أو بكلمات متفرقة، فهذا الطلاق محرم، وفاعله آثم، ويقع، لكنه يُحسب واحدة.
10 -
المطلقة الصغيرة:
الطلاق بيد الزوج، ويقع الطلاق على كل زوجة، سواء كانت صغيرة أو
(1) أخرجه البخاري برقم (5273).
كبيرة، حرة كانت أو أمة، قبل الدخول وبعده، ويصح وقوع الطلاق من الزوج أو وكيله، ويطلِّق الوكيل واحدة ومتى شاء، إلا أن يعيِّن له وقتاً وعدداً.
- الأحوال التي يحرم فيها الطلاق:
يحرم على الزوج أن يطلق زوجته في الأحوال الآتية:
في حال الحيض والنفاس .. وفي طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها .. وأن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو يكررها في مجلس واحد.
- الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق:
يجوز للزوجة طلب الطلاق من القاضي إذا تضررت تضرراً لا تستطيع الحياة في ظله.
ومن الأحوال التي يجوز فيها للمرأة طلب الطلاق ما يلي:
1 -
إذا قصَّر الزوج في النفقة.
2 -
إذا أضر الزوج بزوجته إضراراً لا تستطيع معه دوام العشرة، مثل سبها، أو ضربها، أو إيذائها بما لا تطيقه، أو إكراهها على منكر ونحو ذلك.
3 -
إذا تضررت بغيبة زوجها وخافت على نفسها الفتنة.
4 -
إذا حُبس زوجها مدة طويلة وتضررت بفراقه.
5 -
إذا رأت المرأة بزوجها عيباً مستحكماً كالعقم، أو عدم القدرة على الوطء، أو رائحة كريهة منفرة، أو مرضاً مزمناً يمنع الوطء والاستمتاع، أو مرضاً خطيراً معدياً ونحو ذلك.
6 -
إذا كان زوجها يترك الفرائض، أو لا يبالي بارتكاب الكبائر والمحرمات، كمن لا يصلي أحياناً، أو يشرب الخمر، أو يزني، أو يتعاطى المخدرات ونحو ذلك.
- وقوع الطلاق:
1 -
يقع الطلاق على الزوجة إذا كانت محلاً له، بأن تكون الزوجية قائمة بينهما، أو تكون معتدة من طلاق رجعي، أو معتدة من طلاق بائن بينونة صغرى، أو تكون معتدة بفرقة تعتبر طلاقاً.
2 -
لا يقع الطلاق على المرأة إذا لم تكن محلاً له، فالمعتدة من فسخ الزواج بسبب عدم الكفاءة، أو لظهور فساد العقد، لا يقع عليها الطلاق؛ لأن العقد قد نُقض من أصله.
والمطلقة قبل الدخول لا يقع عليها الطلاق؛ لأن العلاقة الزوجية بينهما قد انتهت بمجرد التطليقة الأولى.
ولا يقع الطلاق على المعتدة من طلاق الثلاث؛ لأنها قد بانت منه.
ولا يقع الطلاق على من طُلِّقت وانتهت عدتها؛ لأنها بانتهاء العدة صارت أجنبية منه.
ولا يقع الطلاق على امرأة أجنبية ليست زوجة له؛ لأنها ليست محلاً له.
- ما يقع به الطلاق:
يقع الطلاق بكل ما يدل على إنهاء العلاقة الزوجية سواء كان ذلك باللفظ الصريح كأنت طالق ونحوه، أو كان بالكناية كالحقي بأهلك، أو أنت علي حرام ونحو ذلك إذا قصد الطلاق، أو كان الطلاق بالكتابة البينة المعلومة كأن يكتب لزوجته يا فلانة أنت طالق ونحو ذلك، أو كان الطلاق بالإشارة التي تدل على إنهاء العلاقة الزوجية كالأخرس، إشارته كلفظ الصحيح، يقع بها الطلاق.
ويصح الطلاق بإرسال رسول يبلغ الزوجة الغائبة بأنها مطلقة، فيطلقها نيابة عن الزوج، ويقع الطلاق بدون إشهاد، ويستحب الإشهاد على النكاح، والطلاق، والرجعة، ولا يجب.
- حكم تحريم المرأة:
إذا حرم الرجل امرأته كأن يقول: أنت علي حرام، فلا يخلو من ثلاثة أمور:
1 -
أن يكون قصده تحريم العين، فهذه يمين يكفِّرها؛ لأنه حرَّم الحلال.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)} [التحريم:1 - 2].
2 -
أن يكون قصده الطلاق، فهذا يقع طلاقه؛ لأن لفظ التحريم كناية من كنايات الطلاق.
3 -
أن يكون قصده الظهار، فهذا يكون ظهاراً، وفيه كفارة ظهار كما سبق.
- أنواع فرقة النكاح:
الفرقة بين الزوجين تكون إما بطلاق أو فسخ.
1 -
الفرقة بسبب الطلاق: هي ما كانت بألفاظ الطلاق صريحاً أو كناية.
2 -
الفرقة بسبب الفسخ تكون فيما يلي:
الخلع إذا كان بغير لفظ الطلاق .. ردة أحد الزوجين .. الفرقة بسبب العيب المشترك كالجنون والصرع .. أو المختص بالمرأة كالرتق والقروح السيالة، أو المختص بالرجل كالجب والعِنّة .. إسلام أحد الزوجين .. الفرقة بسبب الإيلاء .. الفرقة بسبب اللعان .. الفرقة بسبب الإعسار في المهر أو النفقة أو السكن .. فرقة إسلام الزوج على أختين أو أكثر من أربع نساء .. فرقة عدم الكفاءة بين الزوجين .. الفرقة بسبب الرضاع ونحو ذلك.
- الفرق بين الطلاق والفسخ:
الفرق بين الطلاق والفسخ من ثلاثة أوجه:
الأول: أن الطلاق إنهاء لعقد النكاح، لكن لا يزول الحل إلا بعد البينونة الكبرى.
أما الفسخ فهو نقض للعقد من أساسه.
الثاني: أن الطلاق لا يكون إلا بناءً على عقد صحيح لازم، أما الفسخ فيكون بسبب حالات طارئة على العقد كردة الزوجة، أو جماع الزوج لأم زوجته أو بنتها ونحو ذلك، أو بسبب حالات مقارنة للعقد تقتضي عدم لزومه من الأصل كخيار البلوغ لأحد الزوجين، وخيار أولياء المرأة التي تزوجت من غير كفء.
الثالث: الطلاق ينقص عدد الطلقات التي يملكها الرجل، أما الفسخ فلا ينقصها.
فكل فرقة بسبب من جانب المرأة تكون فسخاً، وكل فرقة من جانب الرجل أو بسبب منه فهي طلاق.
- من يملك الفسخ:
فسخ النكاح: هو حل الرابطة التي تربط بين الزوجين.
والفسخ قد يكون بسبب خلل وقع في العقد، كما إذا تم العقد فتبين أن الزوجة أخته من الرضاع، وقد يكون بسبب طارئ عليه يمنع بقاءه، كما إذا ارتد أحد الزوجين عن الإسلام، فيفسخ العقد بسبب الردة الطارئة، فإذا كان سبب الفسخ جلياً فسخ الزوجان النكاح من تلقاء أنفسهما، كما إذا تبين للزوجين أنهما أخوان من الرضاع.
وإذا كان سبب الفسخ خفياً فلا يفسخه إلا القاضي كالفسخ بسبب الردة، أو بسبب العيب، أو بسبب النشوز ونحو ذلك.
- الحالات التي يطلق فيها القاضي:
يجوز للقاضي أن يطلق الزوجة من زوجها عند طلبها في الأحوال الآتية:
عدم نفقة الزوج عليها .. وجود العيب بالزوج .. غيبة الزوج بلا عذر .. حبس الزوج .. حصول الضرر بسبب الزوج كأن يضربها، أو بسبها، أو يؤذيها ونحو ذلك.
فيجوز في هذه الحالات وأمثالها أن تطلب المرأة الطلاق من زوجها إذا تضررت، أو خشيت الوقوع فيما حرم الله بسبب بُعد الزوج عنها، أو عدم قدرته على جماعها.
قال الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229].