المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني عشركتاب النكاح وتوابعه

- ‌1 - كتاب النكاح

- ‌1 - أحكام النكاح

- ‌2 - العيوب في النكاح

- ‌3 - شروط النكاح

- ‌4 - المحرمات في النكاح

- ‌5 - الشروط في النكاح

- ‌6 - خطبة المرأة

- ‌7 - عقد النكاح

- ‌8 - نكاح الكفار

- ‌9 - الصداق

- ‌10 - وليمة العرس

- ‌11 - زينة النساء والرجال

- ‌12 - آداب الزفاف

- ‌13 - أحكام الحمل والولادة

- ‌14 - الحقوق الزوجية

- ‌15 - أحكام القَسْم بين الزوجات

- ‌16 - أحكام النفقة

- ‌17 - النشوز

- ‌2 - الإيلاء

- ‌3 - الظهار

- ‌4 - الطلاق

- ‌الطلاق المنَجَّز والمعلَّق

- ‌الطلاق السني والبدعي

- ‌الطلاق الرجعي والبائن

- ‌5 - الرجعة

- ‌6 - الخلع

- ‌7 - اللعان

- ‌8 - العدة

- ‌1 - الإحداد

- ‌2 - الاستبراء

- ‌9 - الرضاع

- ‌10 - الحضانة

- ‌الباب الثالث عشركتاب الأطعمة والأشربة

- ‌1 - أحكام الأطعمة والأشربة

- ‌2 - باب الأطعمة

- ‌1 - أقسام الأطعمة المباحة

- ‌2 - أقسام الأطعمة المحرمة

- ‌3 - أقسام الأطعمة المختلطة بمحرم

- ‌3 - باب الأشربة

- ‌1 - أقسام الأشربة المباحة

- ‌2 - أقسام الأشربة المحرمة

- ‌4 - باب الذكاة

- ‌5 - باب الصيد

- ‌الباب الرابع عشركتاب الفرائض

- ‌1 - أحكام الإرث

- ‌2 - أصحاب الفروض

- ‌1 - ميراث الأب

- ‌2 - ميراث الجد

- ‌3 - ميراث الأم

- ‌4 - ميراث الجدة

- ‌5 - ميراث الزوج

- ‌6 - ميراث الزوجة

- ‌7 - ميراث البنت

- ‌8 - ميراث بنت الابن

- ‌9 - ميراث الأخت الشقيقة

- ‌10 - ميراث الأخت لأب

- ‌11 - ميراث الأخ لأم والأخت لأم

- ‌3 - العصبة

- ‌4 - الحجب

- ‌5 - تأصيل المسائل

- ‌6 - قسمة التركة

- ‌7 - العول

- ‌8 - الرد

- ‌9 - ميراث ذوي الأرحام

- ‌10 - ميراث الحمل

- ‌11 - ميراث المفقود

- ‌12 - ميراث الخنثى المشكل

- ‌13 - ميراث الغرقى ونحوهم

- ‌14 - ميراث أهل الملل

- ‌15 - ميراث القاتل

- ‌16 - ميراث المرأة

- ‌17 - التخارج من الميراث

- ‌الباب الخامس عشركتاب نواقض الإسلام

- ‌1 - الكفر

- ‌2 - الشرك

- ‌3 - النفاق

- ‌4 - الردة

- ‌5 - البدعة

- ‌الباب السادس عشركتاب الكبائر

- ‌1 - تعريف الكبيرة والصغيرة

- ‌2 - الكبائر التي نصت عليها السنة

- ‌3 - الفرق بين الكبائر والصغائر

- ‌4 - درجات الكبائر

- ‌5 - حكمة التكليف بالأمر والنهي

- ‌6 - آثار الكبائر والمعاصي

- ‌7 - أقسام الكبائر

- ‌8 - حكم من اقترف الكبائر

- ‌9 - شروط تكفير الصغائر

- ‌10 - أهمية معرفة الكبائر

- ‌11 - أنواع الكبائر

- ‌1 - كبائر القلوب

- ‌2 - كبائر الجوارح

- ‌1 - كبائر العلم والجهاد

- ‌2 - كبائر العبادات

- ‌3 - كبائر المعاملات

- ‌4 - كبائر المعاشرات

- ‌5 - كبائر الأخلاق

- ‌12 - أسباب سقوط العذاب في الآخرة

الفصل: ‌2 - الشرك

‌2 - الشرك

- الشرك: هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو فيهما معاً.

- أساس الشرك:

أساس الشرك وقاعدته التي بني عليها هو التعلق بغير الله تعالى.

ومن تعلق بغير الله وَكَله الله إلى ما تعلق به، وعذبه به، وخذله من جهة ما تعلق به، وصار مذموماً لا حامد له، مخذولاً لا ناصر له.

قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)} [الإسراء: 22].

- قبائح الشرك:

ذكر الله عز وجل في كتابه أربع قبائح للشرك في أربع آيات:

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

2 -

وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].

3 -

وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)} [النساء: 116].

4 -

وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)} [الحج: 31].

ص: 474

- الفرق بين الشرك والكفر:

الشرك والكفر إذا افترقا فهما بمعنى واحد، وهو الكفر بالله تعالى.

وإذا اجتمعا في آية، أو حديث، أو جملة:

فالمراد بالكفر: جحود الخالق سبحانه.

والمراد بالشرك: جعل شريك لله من مخلوقاته، وإشراكه معه في الخلق أو العبادة، أو فيهما معاً.

فالكفر كله هضم للربوبية .. والشرك كله تنقص للألوهية.

وهذا وهذا أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأخطر الأعمال.

- أقسام الشرك:

الشرك قسمان:

القسم الأول: شرك يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وهو نوعان:

أحدها: شرك التعطيل، وهو جحد الرب، وهو أقبح أنواع الشرك كقول فرعون:{وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23)} [الشعراء: 23].

الثاني: شرك من جعل مع الله إلهاً آخر، كقول النصارى إن الله ثالث ثلاثة، وشرك عبّاد الأصنام والكواكب الذين جعلوها مع الله إلهاً آخر.

1 -

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} [المائدة: 73].

2 -

وقال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا

ص: 475

لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)} [فُصِّلَت: 37].

القسم الثاني: الشرك في العبادة.

وهذا الشرك دون الأول، فإنه يصدر ممن يعتقد أن لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع إلا الله، ولكنه لا يخلص لله في معاملته وعبادته، وهذا حال أكثر الناس كما قال سبحانه:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106].

والشرك في العبادة قسمان:

شرك أكبر .. وشرك أصغر.

1 -

فالشرك الأكبر: هو صرف العبادة أو بعضها لغير الله.

كدعاء غير الله .. والذبح لغير الله .. والنذر لغير الله .. من الجن والشياطين، وأهل القبور وغيرهم.

وكدعاء غير الله مما لا يقدر عليه إلا الله كسؤال غير الله الغنى والشفاء، ونزول الغيث، وتفريج الكربات ونحو ذلك مما يقوله الجاهلون عند قبور الأولياء والصالحين، أو عند الأصنام من أشجار وأحجار.

1 -

قال الله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 76].

2 -

وَعَن ابْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلهِ نِدّاً وَهُوَ خَلَقَكَ» . قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» . قَالَ:

ص: 476

قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» متفق عليه (1).

والشرك الأكبر أنواع:

الأول: شرك الخوف: وهو أن يخاف غير الله من وثن، أو صنم، أو طاغوت، أو ميت، أو غائب من جن أو إنس، أن يضره أو يصيبه بما يكره.

وهذا الخوف من أجلّ مقامات الدين وأعظمها، فمن صرفه لغير الله فقد أشرك بالله الشرك الأكبر.

قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)} [آل عمران: 175].

الثاني: الشرك في التوكل: وهو التوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.

والتوكل على الله في كل شيء من أعظم أنواع العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده، فمن توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالتوكل على الموتى، والغائبين ونحوهم في دفع المضار، وتحصيل المنافع، وجلب الأرزاق، فقد أشرك بالله الشرك الأكبر.

قال الله تعالى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} [المائدة: 23].

الثالث: الشرك في المحبة: وهو أن يحب أحداً كحب الله، فمحبة الله تستلزم كمال الذل والتعظيم لله، وهذه المحبة خالصة لله وحده، ولا يجوز أن يشرك معه فيها غيره.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4477) واللفظ له، ومسلم برقم (86).

ص: 477

فمن أحب شيئاً من دون الله كحب الله فقد جعل لله شريكاً في الحب والتعظيم.

قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} [البقرة: 165].

الرابع: الشرك في الطاعة: وهو أن يجعل لله شريكاً في الطاعة من العلماء، والأمراء، والرؤساء، والحكام، ويطيعهم في التشريع والتحليل والتحريم كما يطيع الله.

قال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)} [التوبة: 31].

الخامس: شرك الدعوة: وهو أن يدعو مع الله غيره كدعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.

قال الله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} [العنكبوت: 65].

السادس: شرك النية والإرادة والقصد: وهو أن ينوي بعمله غير وجه الله.

فمن أراد بأعماله غير وجه الله، وطلب الجزاء منه، فقد أشرك بالله في نيته وإرادته.

والشرك بالله في النيات والإرادات بحر لا ساحل له، وقلّ من يسلم منه، وقد وقع فيه أكثر الخلق كما قال سبحانه:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)} [يوسف: 106].

ص: 478

ويتبع هذا الشرك، الشرك في الأقوال والأعمال.

فالشرك بالله في الأقوال كالحلف بغير الله على وجه التعظيم له.

والشرك بالله في الأعمال كالسجود لغير الله، والسجود للقبور، والطواف عليها، والطواف بغير بيته العتيق ونحو ذلك.

1 -

قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)} [هود: 15 - 16].

2 -

وقال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].

3 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» . أخرجه مسلم (1).

2 -

أما الشرك الأصغر: فهو ما سماه الله ورسوله شركاً ولم يصل إلى الشرك الأكبر، ينقص التوحيد، ولا يخرج من الملة، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر.

والشرك الأصغر نوعان:

الأول: شرك ظاهر على اللسان والجوارح، وهو أقوال وأفعال.

فالأقوال كالحلف بغير الله، وقول ما شاء الله وشئت، أو توكلت على الله وعليك، أو لولا الله وفلان، أو هذا من بركات الله وبركاتك.

والصواب أن يقال: لولا الله ثم فلان .. وهكذا.

(1) أخرجه مسلم برقم (2985).

ص: 479

أما الأفعال فكلبس الحلق والخيط لرفع البلاء، وتعليق التمائم خوفاً من العين وغيرها.

فمن اعتقد أن هذه أسباب ترفع البلاء أو تدفعه فهذا شرك أصغر؛ لأن الله لم يجعل هذه أسباباً.

ومن اعتقد أنها تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر؛ لأنه تعلق بغير الله.

1 -

قال الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192)} [الأعراف: 191 - 192].

2 -

وَعَنْ حُذيْفَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ ثمَّ شَاءَ فُلَانٌ» . أخرجه أحمد وأبو داود (1).

الثاني: شرك خفي، وهو الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة، وهو في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فمن نقصت محبته لله أحب غيره، إذ لو كملت محبته لم يحب سواه.

كأن يعمل عملاً يريد به ثناء الناس عليه، كأن يحسن صلاته، أو يتصدق، أو يصوم، أو يذكر الله، لأجل أن يراه الناس، أو يسمعوه، أو يمدحوه، وهذا بحر لا ساحل له، وقلّ من ينجو منه، وهو إذا خالط العمل أبطله.

1 -

قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} [الكهف: 110].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ

(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2354) ، وأخرجه أبو داود برقم (4980)، وهذا لفظه.

ص: 480

وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66].

3 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» . أخرجه مسلم (1).

- أقسام الشرك الخفي:

الشرك الخفي قسمان:

1 -

شرك خفي أكبر، كالنفاق الأكبر، وهو تسوية غير الله بالله في شيء من خصائص الله كالخلق والعبادة ونحوهما.

2 -

شرك خفي أصغر، وهو مراتب متفاوتة يعلمها علام الغيوب، فالأول مخلد في النار .. والثاني على خطر عظيم، لكنه تحت المشيئة.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

- حكم الشرك الأكبر:

الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة.

وصاحبه مخلد في النار .. وهو محبط لجميع الأعمال .. مبيح للدم والمال.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ

(1) أخرجه مسلم برقم (2985).

ص: 481

وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65].

- حكم الشرك الأصغر:

الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، لكنه ينقص التوحيد، ولا يخلد صاحبه في النار، بل يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار، وقد يتوب الله عليه فلا يدخل النار.

والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال، وإنما يحبط العمل الذي خالطه.

ولا يبيح الدم والمال كالأكبر، وحكم فاعله حكم عصاة الموحدين، وقد يكون الأصغر أكبراً بحسب ما يقوم في قلب صاحبه، فيجب على المسلم الحذر من الشرك مطلقاً.

- خطر الشرك:

1 -

الشرك بالله ظلم عظيم؛ لأنه اعتداء على حق الله الخاص به وهو التوحيد.

فالتوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم، وأقبح القبائح؛ لأنه تنقص لرب العالمين، واستكبار عن طاعته، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ولعظيم خطره فإن من لقي الله مشركاً فإن الله لا يغفر له كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

2 -

الشرك بالله أعظم الذنوب، فمن عبد غير الله فقد وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، وذلك ظلم عظيم كما قال سبحانه:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان: 13].

ص: 482

3 -

الشرك الأكبر مخرج من الملة، محبط لجميع الأعمال، مبيح للدم والمال .. موجب للهلاك والخسران، وهو أكبر الكبائر، وصاحبه محروم من الجنة، مخلد في النار، وكفى بذلك خيبة وخسارة وهلاكاً.

1 -

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)} [الزُّمَر: 65 - 66].

2 -

وقال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5].

3 -

وقال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].

4 -

وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أنْ أقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَمَنْ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» . متفق عليه (1).

5 -

وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الكَبَائِرِ» . ثَلاثاً، قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال:«الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَقال- ألا وَقَوْلُ الزُّورِ» . قال: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. متفق عليه (2).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1399) ، ومسلم برقم (20)، واللفظ له.

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2654) ، واللفظ له، ومسلم برقم (87).

ص: 483

- حكم الطاغوت:

الطاغوت: هو كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع.

فالمعبود كالأصنام والأوثان .. والمتبوع كالكهان وعلماء السوء .. والمطاع كالرؤساء والأمراء الخارجين عن طاعة الله.

- معرفة الطواغيت:

الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة:

إبليس أعاذنا الله منه .. ومن عُبد وهو راض .. ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه .. ومن ادعى شيئاً من علم الغيب .. ومن حكم بغير ما أنزل الله.

فيجب على المسلم اتباع ما أنزل الله، والكفر بالطاغوت.

1 -

قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} [البقرة: 257].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

3 -

وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزُّمَر: 17 - 18].

- أقوال وأفعال من الشرك أو من وسائله:

كل ما ورد في القرآن من لفظ الشرك فالمراد به الشرك الأكبر.

أما الأصغر فقد ورد في السنة الصحيحة.

ص: 484

وهناك أقوال وأفعال مترددة بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، بحسب ما يقوم بقلب فاعلها، وما يصدر عنه.

وهي تنافي التوحيد، أو تعكِّر صفاءه، وقد حذر الشرع منها كلها.

ومن تلك الأقوال والأفعال ما يلي:

1 -

تعليق التمائم على الأولاد اتقاء للعين.

والتمائم: كل ما يعلق على الأشخاص، أو الأشياء، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله عز وجل.

عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» أخرجه أحمد وأبو داود (1).

2 -

لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما بقصد رفع البلاء أو دفعه، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله.

3 -

التبرك بالأشجار والأحجار والقبور والآثار ونحوها، وذلك شرك؛ لأنه تعلق بغير الله في حصول البركة.

4 -

التطير: وهو التشاؤم ببعض الطيور، أو الأشخاص، أو البقاع، أو الأشياء ونحو ذلك، وذلك شرك؛ لكونه تعلق بغير الله باعتقاد حصول الضرر من مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً، وهو من إلقاء الشيطان ووسوسته، وهو ينافي التوكل.

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنّ نَبِيّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا عَدْوَىَ وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي

الفَأْلُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَة، الكَلِمَةُ الطّيّبَةُ». متفق عليه (2).

(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (3615) ، وأخرجه أبو داود برقم (3883)، وهذا لفظه.

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5756) ، ومسلم برقم (2224)، واللفظ له.

ص: 485

5 -

السحر: وهو ما خفي ولَطُف سببه.

وهو عبارة عن رقى، وعزائم، وكلام يتكلم به، وأدوية، فيؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض، أو يقتل، أو يفرق بين المرء وزوجه.

والسحر كفر؛ لما فيه من التعلق بغير الله من الشياطين، ولما فيه من ادعاء علم الغيب.

قال الله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].

6 -

الكهانة: وهي ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع مستقبلاً في الأرض استناداً إلى الشياطين.

والعَرّاف: الذي يدعي معرفة الأمور التي وقعت وذلك شرك؛ لما فيها من التقرب إلى غير الله، ودعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي اختص به.

فمن أتى الكاهن أو العراف لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

1 -

عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَنْ أَتَىَ عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» . أخرجه مسلم (1).

2 -

وَعن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ أَتَى كَاهِناً أَوْ عَرَّافاً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» أخرجه أحمد والحاكم (2).

7 -

التنجيم: وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية بواسطة النجوم.

(1) أخرجه مسلم برقم (2230).

(2)

صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536) ، وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

ص: 486

كأوقات هبوب الرياح .. ومجيء المطر .. وحدوث الأمراض .. والوفيات .. ومجيء الحر والبرد .. وتغير الأسعار ونحو ذلك.

وذلك شرك؛ لما فيه من نسبة الشريك لله في التدبير، وفي علم الغيب.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُومِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ» . أخرجه أحمد وأبو داود (1).

8 -

الاستسقاء بالنجوم: وهو نسبة نزول المطر إلى طلوع النجم أو غروبه.

كأن يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، فينسب نزول المطر إلى الكوكب لا إلى الله.

فهذا شرك، لأن نزول المطر بيد الله لا بيد الكوكب ولا غيره.

1 -

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قال: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلاةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قال رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قال:«أصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأمَّا مَنْ قال: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ» . متفق عليه (2).

2 -

وَعَنْ أبي مَالِكٍ الأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أرْبَعٌ فِي أمَّتِي مِنْ أمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ،

وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ». أخرجه مسلم (3).

(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (2000) ، وأخرجه أبو داود برقم (3905)، وهذا لفظه.

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (846) ، واللفظ له، ومسلم برقم (71).

(3)

أخرجه مسلم برقم (934).

ص: 487

9 -

نسبة النعم إلى غير الله: فالنعم كلها من الله، ومن نسبها إلى غيره فهو مشرك.

كمن ينسب نعمة حصول المال أو الشفاء إلى فلان أو فلان، أو ينسب نعمة السير والسلامة في البر والبحر والجو إلى السائق والملاح والطيار.

أو ينسب نعمة حصول النعم، ودفع النقم، إلى جهود الحكومة، أو الأفراد، أو العَلم ونحو ذلك.

فيجب نسبة جميع النعم إلى الله وحده.

وما يحصل على يد بعض المخلوقين إنما هي أسباب قد تثمر وقد لا تثمر، وقد تقع وقد لا تقع.

1 -

قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)} [النحل: 53 - 55].

10 -

الذبح لغير الله: كمن ذبح للجن، أو الشياطين، أو الأولياء ونحوهم.

فهذا كله من الشرك؛ لأن الذبح عبادة لا يجوز صرفها إلا لله.

ومن ذبح لغير الله فذبيحته حرام؛ لأنها مما أُهل لغير الله به، ولأنها ذبيحة مرتد، فلا يجوز أكلها ولو سمى الله عليها.

والعبد مأمور أن يكون كل عمله لله، كما قاله سبحانه:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163].

- حكم الإتيان إلى الكهان:

الإتيان إلى الكهان وأمثالهم له ثلاث حالات:

ص: 488

الأولى: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، أو يستمع إليه من غير أن يصدقه عن طريق القنوات أو الأشرطة ونحوها.

فهذا حرام، وعقوبته أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً.

عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» أخرجه مسلم (1).

الثانية: أن يأتي إليه ويسأله فيصدقه بما يقول.

فهذا كفر والعياذ بالله.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . أخرجه أحمد والحاكم (2).

الثالثة: أن يأتي إليه فيسأله ليبين للناس حاله ليحذروه.

فهذا لا بأس به كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم» . فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقال: أشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، فَقال ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:

أتَشْهَدُ أنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قال لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ» . قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَاذَا تَرَى» . قال ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«خُلِطَ عَلَيْكَ الأمْرُ» . قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئاً» . قال ابْنُ

(1) أخرجه مسلم برقم (2230).

(2)

صحيح/ أخرجه أحمد برقم (9536) وهذا لفظه، وأخرجه الحاكم برقم (15).

ص: 489

صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» . قال عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أضْرِبْ عُنُقَهُ، قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ» . متفق عليه (1).

- فتنة السحرة والكهان:

الإتيان إلى السحرة والعرافين والكهان من نواقض الإيمان.

وقد ابتلى الله عز وجل العباد، فجعل عند هؤلاء الإصابة في بعض الأحيان، فيغتر الناس بإصابتهم، كل ذلك فتنة وابتلاءً للعباد.

1 -

قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 35].

2 -

وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ، وَهُوَ السَّحَابُ، فَتَذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ، فَتُوحِيهِ إِلَى الكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ» . متفق عليه (2).

- حكم الاستغاثة بالأموات والغائبين:

الاستغاثة بالأموات والغائبين ودعاؤهم كله من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وهم من جنس عبّاد الأوثان، إنما يعبدون الشيطان.

يتصور لهم الشيطان بصورة المستغاث به، ويخاطبهم مكاشفة، ويقضي

بعض حوائجهم، كما تدخل الشياطين في الأصنام، وتكلم عابديها، وتقضي بعض حاجاتهم، فيظن الجاهل أن ذلك كرامة للشيخ.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3055) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2930).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3210) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2228).

ص: 490

وهذا من أعظم الأسباب التي عُبدت بها الأوثان.

وكذا الكهان والسحرة تقترن بهم الشياطين؛ لما فيهم من الكفر، والفسوق، والعصيان.

فتظهر منهم الأحوال الشيطانية وتقوى بحسب ذلك، فيطيرون في الهواء، ويخبرون بأمور غائبة، وتأتيهم الشياطين بالأموال والطعام.

فلهم من الأحوال الشيطانية نصيب بحسب ما فيهم مما يرضي الشيطان.

1 -

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} [الأحقاف: 5 - 6].

2 -

وقال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)} [الشعراء: 221 - 223].

- معبود المشركين:

المشركون الذين وصفهم الله ورسوله بالشرك أصلهم صنفان:

قوم نوح .. وقوم إبراهيم.

فقوم نوح صلى الله عليه وسلم كان أصل شركهم أرضي بالعكوف على قبور الصالحين، ودعاء الله عندها، ثم زين لهم الشيطان فصوروا تماثيلهم، ثم أمرهم بعبادتها.

وقوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان أصل شركهم سماوي بعبادة الكواكب، والشمس، والقمر، فزين لهم الشيطان اتخاذها شفعاء عند الله، ثم أمرهم بعبادتها.

فكل هؤلاء وهؤلاء .. وكل مشرك .. إنما يعبدون الجن والشياطين، وهم لا

ص: 491

يُرون في صورة مخلوق يُرى.

فإن الشياطين تخاطبهم .. وتعينهم على الأشياء .. وتتصور لهم بصورة الآدميين فيرونهم بأعينهم.

والجن كالإنس فيهم المؤمن والكافر، والشياطين يوالون وينفعون مَنْ فعل ما يحبون من الشرك، والكفر، والفسوق، والعصيان.

1 -

قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} [سبأ: 40 - 41].

2 -

وقال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} [يس: 60 - 62].

- حكم اتخاذ الوسائط بين الله وخلقه:

تستخدم الوسائط بين الملوك والناس على ثلاثة وجوه:

الأول: إما لإخبارهم بما لا يعرفونه من أحوال الناس.

والله عز وجل ليس مثلهم؛ لأنه سميع بصير يعلم كل شيء، فلا يحتاج لأحد.

الثاني: أن يكون الملك عاجزاً عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه، فلضعفه وعجزه

يتخذ أنصاراً يعينونه.

والله سبحانه هو الغني القوي، وكل ما سواه فقير إليه، فلا يحتاج لأحد من الخلق يعينه.

ص: 492

الثالث: أن يكون الملك ليس مريداً لنفع رعيته إلا بمحرك يحركه، فإذا خاطبه سادة رعيته تحركت همته لنفع رعيته، وقَبِل شفاعتهم لحاجته إليهم، أو خوفه منهم، أو لإحسانهم إليه.

والله عز وجل لا يرجو أحداً ولا يخافه، ولا يحتاج إلى أحد؛ بل هو الغني سبحانه، رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يحتاج ربنا إلى من يعلِّمه؛ لأنه العليم بكل شيء .. ولا يحتاج إلى من يعينه؛ لأنه القادر على كل شيء .. ولا يحتاج من يشفع عنده ليحسن إلى خلقه؛ لأنه الغني الكريم الرحيم.

فمن اتخذ الوسائط من الأصنام والأوثان وغيرها بين الله وخلقه فهو مشرك.

1 -

قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)} [يونس: 18].

2 -

وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)} [الأحقاف: 4].

3 -

وقال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ

قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)} [سبأ: 22 - 23].

- بطلان الشرك:

الكفر والشرك هو الباطل كله، وهو أظلم الظلم، ولا يبقى على الكفر

ص: 493

والشرك إلا جاهل بنفسه، وجاهل بالله وأسمائه وصفاته، وجاهل بدينه وشرعه.

فالتوحيد هو الحق كله .. والشرك هو الباطل كله.

1 -

قال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)} [فاطر: 13 - 14].

2 -

وقال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)} [فاطر: 40].

3 -

وقال الله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)} [الفرقان: 3].

4 -

وقال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30)} [لقمان: 30].

- حكم إبقاء مواطن الشرك:

يجب على المسلمين إحقاق الحق، وإبطال الباطل، ونشر التوحيد، وإزالة الشرك، وإظهار معالم الدين وسننه، والقضاء على مظاهر الشرك ومواطنه.

ولا يجوز للمسلمين إبقاء مواطن الشرك والأصنام ولا يوماً واحداً متى قدروا على إبطالها وإزالتها.

وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الرسل والسرايا لتكسير الأصنام وهدمها، وكل ما يعبد

ص: 494

من دون الله، ليكون الدين كله لله؛ بل كسر الأصنام التي في الكعبة بنفسه صلى الله عليه وسلم.

عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، وَحَوْلَ الكَعْبَةِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُباً، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَجَعَلَ يَقُولُ:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} ». متفق عليه (1).

- حكم موافقة المشركين:

إظهار الموافقة للمشركين لها ثلاث حالات:

الأولى: أن يوافقهم المسلم في الظاهر والباطن.

فهذا كافر، سواء كان مكرهاً أو مختاراً.

الثانية: أن يوافقهم في الباطن، ويخالفهم في الظاهر.

فهذا مناق أشد من الكافر.

الثالثة: أن يوافقهم في الظاهر دون الباطن.

وهذا له حالتان:

الأولى: أن يفعل ذلك لكونه في سلطانهم إذا ضربوه وهددوه بالقتل.

فهذا يجوز له موافقتهم في الظاهر إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان.

الثانية: أن يفعل ذلك وهو ليس في سلطانهم، وإنما حمله على ذلك الطمع في

مال، أو رئاسة، أو وطن ونحو ذلك.

فهذا مرتد قد بدل نعمة الله كفراً.

1 -

قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2478) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1781).

ص: 495

بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل: 106].

2 -

وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)} [إبراهيم: 28 - 29].

- أحكام المشرك:

للمشرك أحكام في الدنيا والآخرة.

1 -

أحكام المشرك في الدنيا:

1 -

المشرك لا يُقبل منه أي عمل مع الشرك.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} [الزُّمَر: 65].

2 -

المشرك لا تحل مناكحته.

قال الله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)} [البقرة: 221].

3 -

المشرك حلال الدم والمال.

قال الله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا

الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [التوبة: 5].

4 -

المشرك نجس لا يحل له دخول المسجد الحرام.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا

ص: 496

الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)} [التوبة: 28].

5 -

المشرك لا يرث المسلم وعكسه.

عَنْ أسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ» . متفق عليه (1).

6 -

تحرم ذكاة المشرك، وتسقط ولايته، ويسقط حقه في الحضانة؛ لأنه كافر.

7 -

إذا مات المشرك على الشرك فإنه لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث؛ لأنه كافر.

2 -

أحكام المشرك في الآخرة:

1 -

إذا مات المشرك على الشرك فإن الله لا يغفر له.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48].

2 -

إذا مات المشرك على الشرك فإنها تحرم عليه الجنة تحريماً مؤبداً.

قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72].

3 -

إذا مات المشرك على الشرك فمأواه جهنم خالداً فيها أبداً.

1 -

قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].

2 -

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6764) ، ومسلم برقم (1614).

ص: 497

وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)} [البقرة: 161 - 162].

3 -

وَعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدّاً دَخَلَ النَّارَ» . متفق عليه (1).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4497) ، واللفظ له، ومسلم برقم (92).

ص: 498