الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - الرضاع
- الرضاع: هو مص إنسان لبناً ثاب عن حمل أو شربه ونحوه.
- حكمة التحريم بالرضاع:
التحريم بالرضاع يكون بسبب تكوّن أجزاء البنية الإنسانية من اللبن، فلبن المرأة يُنبت لحم الرضيع، ويُنشز عظمه، ويُكبر حجمه.
وبه تصبح المرضع أماً للرضيع؛ لأنه تغذى بلبنها، فصار جزءاً منها حقيقة، فكان كالنسب له منها.
- شروط الرضاع المحرِّم:
يشترط في الرضاع الذي تثبت به الحرمة ما يلي:
أن يكون الرضاع في الحولين .. وأن تكون الرضعات خمساً فأكثر .. وأن تكون الرضعات متفرقات .. وأن يكون اللبن بسبب حمل من نكاح صحيح.
1 -
قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233].
2 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: «لا تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ بِنْتُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ» . متفق عليه (1).
3 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2645) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1447).
فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ. أخرجه مسلم (1).
- حد الرضعة:
أن يأخذ الرضيع الثدي، ويمتص اللبن منه، ولا يتركه إلا طائعاً من غير عارض يعرض له.
فلو مص مصة أو مصتين فإن ذلك لا يحرِّم؛ لأنه دون الرضعة، ولا يؤثر في الغذاء، ونبات اللحم.
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه أنَّ أُمَّ الفَضْلِ حَدَّثَتْ أنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أوِ الرَّضْعَتَانِ، أوِ المَصَّةُ أوِ المَصَّتَانِ» . أخرجه مسلم (2).
- ما يثبت به الرضاع:
1 -
يثبت الرضاع بشهادة رجلين .. أو رجل وامرأتين .. أو بشهادة امرأة واحدة مرضية في دينها، سواء كانت المرضعة أو غيرها.
2 -
إذا شك أحد في وجود الرضاع، أو شك في كماله خمس رضعات، وليس هناك بينة، فلا تحريم؛ لأن الأصل عدم الرضاع.
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ رضي الله عنه قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: أرْضَعْتُكُمَا، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلانَةَ بِنْتَ فُلانٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أرْضَعْتُكُمَا، وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأعْرَضَ عَنِّي، فَأتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ، قال:«كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أنَّهَا قَدْ أرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ» . أخرجه البخاري (3).
(1) أخرجه مسلم برقم (1452).
(2)
أخرجه مسلم برقم (1451).
(3)
أخرجه البخاري برقم (5104).
- آثار الرضاع:
إذا ثبت الرضاع ترتب عليه حكمان:
الأول: تحريم النكاح، فيحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23].
الثاني: ثبوت المحرمية في إباحة النظر، وإباحة الخلوة، فهي أمه من الرضاع، وزوجها أبوه من الرضاع، ومحارمها محارمه، وأولادها إخوته
…
وهكذا.
أما النفقة، والتوارث، وولاية النكاح، فلا تثبت بالرضاع.
ولبن البهيمة لا يحرِّم كلبن المرأة، فلو رضع طفلان من بهيمة كشاة أو بقرة، لم ينشر الحرمة بينهما؛ لأن الشرع خصه بالآدمية فقط.
ونقل الدم من رجل إلى امرأة وعكسه لا ينشر الحرمة؛ لأنه ليس بلبن، فلا ينشر الحرمة بينهما.
- انتشار حرمة الرضاع:
1 -
حرمة الرضاع تنتشر على المرتضع وأولاده وإن نزلوا، ولا تنتشر على من في درجته من إخوانه وأخواته، ولا على مَنْ أعلى منه كأبيه وأمه.
فلا يحرم على زوج المرضعة نكاح أم الطفل المرتضع من النسب، ولا نكاح أخته وعمته، كما يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخيه من الرضاع.
2 -
جميع أقارب المرأة المرضعة أقارب للمرتضع من الرضاعة، فأولادها
إخوته .. وآباؤها وأمهاتها أجداده .. وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته .. وأعمامها وعماتها أعمامه وعماته .. وأخوالها وخالاتها أخواله وخالاته.
وكل هؤلاء حرام على الرضيع ذكراً كان أو أنثى.
3 -
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
فجميع أولاد المرأة المرضعة من زوجها هذا ومن غيره، وجميع أولاد زوجها منها ومن غيرها، كلهم إخوة لهذا الرضيع، سواء ولدوا قبل الرضاع أو بعده.
فلو كان لرجل امرأتان، فأرضعت هذه طفلاً، وأرضعت هذه طفلة، كانا أخوين من الرضاعة، فاللقاح واحد، وهو ماء الرجل الذي درَّ به اللبن من المرأتين؛ لأن زوج المرضعة أبوه من الرضاعة.
4 -
إخوة الرضيع من نسب، أو رضاع غير رضاع هذه المرأة المرضعة هم أجانب منها ومن أقاربها.
فيجوز لهم أن يتزوجوا من أولاد المرضعة الأخرى؛ لأن الحرمة لا تنتشر عليهم.
5 -
يجوز لإخوة المرتضع من الرضاع أن يتزوجوا أخواته من النسب، كما يجوز لإخوته من أبيه أن يتزوجوا أخواته من أمه، بل لأب هذا من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع؛ لأن أباه لم يشرب معه لبن المرضعة، فلا تنتشر عليه حرمة الرضاع.
6 -
يجوز لأخ الرجل من أبيه أن يتزوج أخته من أمه، ويجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع، ويجوز للمرتضع أن يتزوج أخوه من الرضاعة بأمه من النسب، وأخته من النسب.
1 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ عَمَّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ يُسَمَّى أفْلَحَ، اسْتَأْذَنَ عَلَيْهَا فَحَجَبَتْهُ، فَأخْبَرَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا:«لا تَحْتَجِبِي مِنْهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» . متفق عليه (1).
2 -
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أبِي سُفْيَانَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي أُخْتِي بِنْتِ أبِي سُفْيَانَ؟ فَقَالَ: «أفْعَلُ مَاذَا؟» . قُلْتُ: تَنْكِحُهَا، قال:«أوَ تُحِبِّينَ ذَلِكِ؟» . قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي الخَيْرِ أُخْتِي، قال:«فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لِي» . قُلْتُ: فَإِنِّي أُخْبِرْتُ أنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أبِي سَلَمَةَ، قال:«بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ؟» . قُلْتُ: نَعَمْ، قال:«لَوْ أنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أرْضَعَتْنِي وَأبَاهَا ثُوَيْبَةُ، فَلا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلا أخَوَاتِكُنَّ» . متفق عليه (2).
- حكم إرضاع الكبير:
الرضاع المحرِّم هو خمس رضعات فأكثر في الحولين.
فإن دعت الحاجة إلى إرضاع الكبير الذي لا يُستغنى عن دخوله البيت، ويشق على المرأة الاحتجاب عنه، فيجوز لهذه المرأة إرضاعه، فتثبت له المحرمية بخمس رضعات كما سبق.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ سَالِماً مَوْلَى أبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أبِي حُذَيْفَةَ وَأهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأتَتْ (تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ) النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِماً قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أظُنُّ أنَّ فِي نَفْسِ
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2644) ، ومسلم برقم (1445)، واللفظ له.
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5101) ، ومسلم برقم (1449)، واللفظ له.
أبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أبِي حُذَيْفَةَ» . فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أرْضَعْتُهُ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أبِي حُذَيْفَةَ. أخرجه مسلم (1).
- قاعدة الرضاع المحرِّم:
1 -
الرضاع ينشر الحرمة على المرتضع وفروعه، وهم أولاده وإن سفلوا، ولا ينتشر على أصول المرتضع، وهم آباؤه وأمهاته وإن علوا، ولا على حواشيه، وهم إخوته وأخواته، وأعمامه وعماته، وأخواله وخالاته.
2 -
الرضاع ينشر الحرمة على أصول وفروع وحواشي المرضعة، فأولاد الزوج والمرضعة إخوة المرتضع وأخواته، وآباؤهما أجداده وجداته، وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته، وإخوة زوجها وأخواته أعمامه وعماته .. وهكذا.
- فضل لبن الأم:
رضاع الوليد من أمه أو من المرأة المرضعة له فوائد كبيرة أهمها:
1 -
لبن الأم معقم مجهز خال من الميكروبات.
2 -
لبن الأم خلقه الله ليفي بحاجات الطفل يوماً بعد يوم منذ ولادته حتى سن الفطام.
أما ألبان الأغنام والأبقار فهي عسيرة الهضم على معدة الطفل؛ لأنها خلقت لتناسب أولاد تلك الحيوانات، ولهذا تحدث بسببها الأمراض للأطفال.
3 -
نمو الأطفال الذين يرضعون من أمهاتهم، أو من النساء المرضعات، أسرع وأكمل من نمو الأطفال الذين يرضعون اللبن المحضر من ألبان الحيوانات.
(1) أخرجه مسلم برقم (1453).
4 -
رضاع الطفل من ثدي أمه يزيد الرباط العاطفي والنفسي بين الأم وطفلها، وهذا أمر مطلوب.
5 -
رضاع الطفل من الثدي هو أحد العوامل الطبيعية لمنع حمل الأم قبل تمام الرضاعة. والأم أحق بإرضاع ولدها، فإن كانت مريضة أو عاجزة، أو مطلقة وأبت الرضاع، التمس له أبوه مرضعة أخرى.
1 -
…
[البقرة: 233].
2 -
…
[الطلاق: 6].
- أنواع حليب الرضاع:
أفضل ما يتناوله الوليد من الحليب ما يلي:
1 -
رضاع الوليد من أمه، وهذه أحسنها وأكملها.
2 -
رضاع الوليد من مرضعة أخرى من النساء، وهذه تليها.
3 -
رضاع الوليد من حليب الأبقار والأغنام ونحوها.
4 -
رضاع الوليد من الحليب المجفف من الأبقار والأغنام.
5 -
رضاع الوليد من الحليب الصناعي المضاف إليه مركبات كيميائية، وعناصر
غذائية مختلفة.
وأفضل هذه الأنواع بلا ريب الأول والثاني؛ لما فيها من الموافقة لطبيعة المولود، وسلامته من الأمراض.
ولما تركت النساء الرضاعة الطبيعية، ولجأت إلى الرضاعة بالحليب الصناعي المركب، حدث بسبب اختلاف نسبة المركبات، واختلاف حاجات الأطفال، أمراض كثيرة للنساء والأطفال.
أما إنشاء بنوك حليب الأمهات فلا يجوز إرضاع المواليد منها؛ لما يسببه ذلك من اختلاط الأنساب بين الناس، وقتل عاطفة الأمومة بين المرأة وطفلها.