الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - فقه مكارم الأخلاق
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات: 13].
الأدب: هو استعمال ما يحمد وما يحسن من الأقوال والأعمال ومكارم الأخلاق.
ومكارم الأخلاق: هي مجموع الصفات الحسنة التي يتزين بها الإنسان ابتغاء وجه ربه، ويتميز بها عن غيره، فيحبه الله ويحبه الناس بسببها كالإيمان بالله، وكمال الطاعة لله ورسوله، والعمل بشرعه، والإحسان إلى الناس، وكف الأذى عنهم، واحتمال أذاهم، واستعمال الأخلاق الكريمة معهم، والصفح عن عثراتهم، وحسن الخلق معهم، وبذل الندى، وترك ما تهوى لما تخشى.
وأن لا يشهد العبد لنفسه فضلاً، ولا يرى له حقاً، يعم الناس بفضله ونصحه وبره كما تعم الشمس بنورها سائر الخلق، فهم يحبونها لنورها ونفعها، ومن لا نور فيه ولا نفع فمن ذا يحبه؟.
ومكارم الأخلاق على ثلاث درجات:
الأولى: ترك خصومة الخلق، والتغافل عن زلاتهم، ونسيان أذاهم، فلا ينصب نفسه خصماً لأحد غير نفسه، فلا يخاصم بلسانه ولا بقلبه، ولا يخطر على باله، هذا في حق نفسه.
وأما في حق ربه فيخاصم بالله وفي الله، ويحاكم إلى الله، وإذا رأى من أحد زلة
أظهر أنه لم يرها؛ لئلا يعرض صاحبها للوحشة، ويريحه من تحمل العذر أمامه، ومن أحوج عدوه إلى الشفاعة، ولم يخجل من قيامه بين يديه معتذراً، لم يكن له في الفتوة نصيب.
والتغافل عن الزلات: أكمل وأرفع من الكتمان مع الرؤية، وينسى أذية من ناله بأذى ليصفو قلبه له، ولا يستوحش منه من آذاه.
ومن مكارم الأخلاق نسيان إحسانك إلى من أحسنت إليه، حتى كأنه لم يصدر منك، وهذا النسيان أكمل من الأول.
الثانية: أن تكرم من يؤذيك، وتقرب من يقصيك، وتعتذر إلى من يجني عليك، وتعطي من حرمك سماحة لا كظماً، ومودة لا مصابرة، فتحسن إلى من أساء إليك، وتعامله بضد ما عاملك به، فتنقلب عداوته لك صداقة، وبغضه محبة، وأذاه إحساناً كما قال سبحانه:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت: 34،35].
ومن أراد فهم هذه الدرجة فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس، يجدها هذه بعينها، ولم يكن كمال هذه الدرجة لأحد سواه، ثم للناس منها بحسب إيمانهم ومجاهدتهم.
ومن مكارم الأخلاق أن ينزل العبد نفسه مع الناس منزلة الجاني لا المجني عليه، والجاني خليق بالعذر، والله سلطه عليك بذنبك.
وإذا علمت أنك بدأت بالجناية، فانتقم الله منك على يده كنت في الحقيقة أولى بالاعتذار، وتفعل هذا كله عن سماحة نفس، وانشراح صدر، لا عن كظم وضيق ومصابرة، فإن هذا دليل على أن هذا ليس في خلقك، وإنما هو تكلف يوشك أن يزول إذا فقد سببه.
الدرجة الثالثة: أن يسير العبد إلى الله على قدم اليقين، وطريق البصيرة والمشاهدة، ولا يتعلق في سيره بدليل، فهو لا يفتقر إلى دليل على وجود
المطلوب سبحانه.
ولا يستغني طرفة عين عن الدليل الذي يوصله إلى المطلوب وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقتدي بسننه وآدابه في جميع أحواله، لتحصل له محبة الله له، ومغفرة ذنوبه كما قال سبحانه:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [آل عمران: 31].
وأحسن أحوال العبد أن يكون ذاكراً لربه في كل حال، مقدماً لمحبته على كل محبوب، ويرجوه ويخافه وحده لا شريك له، ويتقيه ويخشاه والله عز وجل لا يدخل حبه في قلب العبد حتى يخرج العبد حب غيره من قلبه، ولا يدخل عظمته في قلبه حتى يخرج العبد عظمة غيره من قلبه.
وخشية الله تحصل بأمرين:
العبادة .. والدعوة.
فالدعوة كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)} [الأحزاب: 39].
والعبادة كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)} [التوبة: 18].
ومن مكارم الأخلاق حسن ظن العبد بربه، وحسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حَسَّن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه، ويقبل توبته، وأما المسيء المصر على الكبائر والمعاصي والظلم، فإن وحشة ذلك تمنعه من حسن الظن بربه، فالمسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظناً بربه أطوعهم له.
فالمؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، والفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل كما قال سبحانه:{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [فصلت: 23].