المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب العاشرفقه النبوة والرسالة

- ‌1 - فقه الاصطفاء والاختيار

- ‌2 - فقه النبوة والرسالة

- ‌3 - حكمة تعدد بعث الرسل

- ‌4 - حكمة موت الرسل

- ‌5 - فقه الدعوة إلى الله

- ‌6 - فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌7 - فقه النصيحة

- ‌8 - فقه الهداية

- ‌9 - فقه الابتلاء

- ‌10 - فقه الشورى

- ‌11 - فقه الإنفاق في سبيل الله

- ‌12 - فقه الهجرة والنصرة

- ‌13 - فقه الجهاد في سبيل الله

- ‌14 - فقه النصر

- ‌15 - فقه الخلافة

- ‌الباب الحادي عشرفقه الأخلاق

- ‌1 - فقه الخُلق

- ‌2 - درجات الأخلاق

- ‌3 - تغيير الأخلاق

- ‌4 - فقه حسن الخلق

- ‌5 - فقه الأدب

- ‌6 - فقه مكارم الأخلاق

- ‌7 - فقه المروءة

- ‌8 - فقه الإيثار

- ‌9 - فقه الحكمة

- ‌10 - فقه العزة

- ‌11 - فقه المحبة

- ‌12 - فقه الرحمة

- ‌الباب الثاني عشرفقه الشريعة

- ‌1 - فقه الحق والباطل

- ‌2 - فقه العدل والظلم

- ‌3 - فقه الأمر والنهي

- ‌4 - فقه النفع والضر

- ‌5 - فقه الحلال والحرام

- ‌6 - فقه السنن والبدع

- ‌7 - فقه العبادات

- ‌1 - فقه الصلاة

- ‌2 - فقه الزكاة

- ‌3 - فقه الصيام

- ‌4 - فقه الحج

- ‌8 - فقه الذكر والدعاء

- ‌9 - فقه المعاملات

- ‌10 - فقه الحسنات والسيئات

الفصل: ‌4 - حكمة موت الرسل

‌4 - حكمة موت الرسل

قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران: 144].

وقال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 34،35].

الله تبارك وتعالى أحكم الحاكمين، يخلق ما يشاء ويختار، يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويكرم ويهين، ويهدي ويضل.

خلق السموات والأرض، وخلق الليل والنهار، وخلق الشمس والقمر.

وخلق الملائكة والشياطين، وخلق الإنس والجن، وخلق الطير والحيوان، وخلق الجماد والنبات.

ومن مخلوقاته عز وجل ما يبقى إلى أجل ثم يموت كالبشر .. ومنها ما أبقاه إلى يوم القيامة كالشيطان وذريته .. ولله في ذلك حكم منها:

أن الله عز وجل جعل الشيطان محنة للعباد، يخرج به الطيب من الخبيث، ووليه من عدوه، فأبقاه سبحانه ليحصل الغرض المطلوب بخلقه.

ومنها أن حكمته جل وعلا اقتضت بقاء أعدائه الكفار في الأرض إلى آخر الدهر، ولو أهلكهم البتة لتعطلت الحكم الكثيرة في إبقائهم، وكما امتحن الله به آدم صلى الله عليه وسلم امتحن به أولاده من بعده.

ومنها أن الشيطان لما كان لا نصيب له في الآخرة وقد سبق له طاعة وعبادة جزاه بها في الدنيا بأن أعطاه البقاء فيها إلى آخر الدهر، ولكنه استغل هذا البقاء لإفساد العباد وإضلالهم كما قال الله عنه: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ

ص: 2221

فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} [ص: 79 - 83].

ومنها أن إبقاء الشيطان لم يكن كرامة في حقه، فإنه لو مات لكان خيراً له، وأخف لعذابه، وأقل لشره، ولكنه لما غلظ ذنبه بالإصرار على المعصية، ومخاصمة من ينبغي التسليم لحكمه، وإضلال عباده، كانت عقوبة الذنب أعظم عقوبة، فأُبقي في الدنيا، وأُملي له؛ ليزداد إثماً على إثم ذلك الذنب، فيستوجب العقوبة التي لا تصلح لغيره، فيكون رأس أهل الشر في العقوبة كما كان رأسهم في الشر والكفر.

فكل عذاب ينزل بأهل النار يبدأ به فيه، ثم يسري منه إلى أتباعه عدلاً ظاهراً وحكمة بالغة.

ومنها أن الله سبحانه علم أن في ذرية آدم من لا يصلح لمساكنته في داره، ولا يصلح إلا لما يصلح له الشوك والروث فأبقاه له، فكأنه قال له: هؤلاء أصحابك وأولياؤك فاجلس في انتظارهم، وكلما مر بك واحد منهم فشأنك به، فلو صلح لما مكنتك منه، فأنا ولي الصالحين وأنت ولي المجرمين:{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} [النحل: 99،100].

وأما إماتة الأنبياء والمرسلين فلم يكن ذلك لهوانهم على الله، ولكن ليصلوا إلى محل كرامته، ويستريحوا من نكد الدنيا وتعبها، ومقاساة أعدائهم وأتباعهم.

وموت الأنبياء والرسل أصلح لهم وللأمة:

أما هم فلراحتهم من الدنيا، ولحوقهم بالرفيق الأعلى في أكمل لذة وسرور، لا سيما وقد خيرهم ربهم بين البقاء في الدنيا واللحاق به.

وأما الأمم فيعلم أنهم لم يطيعوهم في حياتهم خاصة، بل أطاعوهم بعد مماتهم كما أطاعوهم في حياتهم، وأن أتباعهم لم يكونوا يعبدونهم، بل يعبدون الله

ص: 2222

بأمرهم ونهيهم، والله هو الحي الذي لا يموت، فكم في إماتتهم من حكمة ومصلحة لهم وللأمم.

والأنبياء من البشر، والله عز وجل لم يخلق البشر في الدنيا على خلقة قابلة للدوام، بل جعلهم خلائف في الأرض، يخلف بعضهم بعضاً، فلو أبقاهم لفاتت المصلحة والحكمة في جعلهم خلائف، ولضاقت بهم الأرض.

فالموت كمال لكل مؤمن، ولولا الموت لما طاب العيش في الدنيا، ولا هناء لأهلها بها، فالحكمة في الموت كالحكمة في الحياة فسبحان {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2].

وشعور الإنسان بأن الشيطان عدوه، وأنه حي راصد لحركاته يثير ذلك في نفس الإنسان الحذر من الفخ الذي ينصبه الشيطان للإنسان.

وقد جعل الإسلام المعركة الرئيسية بين الإنسان والشيطان، ووجه قوى المؤمن كلها لكفاح الشيطان والشر الذي ينشئه في الأرض كما قال سبحانه:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)} [فاطر: 6].

والشيطان قد أعلن الحرب على بني آدم، ولا نجاة للإنسان إلا بالوقوف تحت راية الله وحزبه في مواجهة الشيطان وحزبه، وهي معركة دائمة لا تضع أوزارها إلى يوم القيامة؛ لأن الشيطان لا يمل هذه الحرب التي أعلنها منذ لعنه الله وطرده، فعلى المؤمن أن لا يغفل عنها، ولا ينسحب منها، وهو يعلم أنه إما أن يكون ولياً لله، وإما أن يكون ولياً للشيطان.

ومن كان الله مولاه أفلح ونجا، ومن كان الشيطان مولاه خسر وهلك:{وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119)} [النساء: 119].

والأنبياء والرسل من البشر، وسنة الله في البشر أن يعيش الإنسان إلى أجل، ثم

ص: 2223

إذا بلغ أجله مات كما قال سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 34،35].

وقد فرغ الله إلى كل إنسان من البشر من خمسة:

من أجله .. ورزقه .. وأثره .. وعمله .. وشقي أو سعيد.

والأنبياء والرسل جاءوا برسالة من ربهم وبلغوها للناس، فإذا ماتوا بعد البلاغ فإن الدين والهدى الذي جاءوا به باق في الأمة تعمل به، وتعلمه وتدعو إليه، والعلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.

ص: 2224