الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - فقه الأمر والنهي
قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة: 5].
وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7].
كمال الإنسان بالإيمان والتقوى، وكمال التقوى بفعل ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه.
وترك الأمر أعظم عند الله من ارتكاب النهي؛ لأن الله نهى آدم عن الأكل من الشجرة فأكل منها فتاب، فتاب الله عليه.
وإبليس أُمر أن يسجد لآدم مع الملائكة فلم يسجد واستكبر، فطرده الله ولعنه.
وارتكاب النهي غالباً مصدره الشهوة والحاجة، وذنب ترك الأمر في الغالب الكبر والعزة.
والجنة لا يدخلها من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ويدخلها من مات على التوحيد وإن زنى وسرق.
وفعل المأمورات أحب إلى الله من ترك المنهيات كما قال صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا» . قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» . قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» أخرجه البخاري (1).
وفعل ما يحبه الله من الطاعات والمأمورات مقصود بالذات، وترك المنهي مقصود لتكميل فعل المأمور، فهو منهي عنه لأجل كونه يخل بفعل المأمور أو يضعفه أو ينقصه، كما نهى الله عز وجل عن الخمر والميسر لكونهما يصدان عن ذكر الله وعن الصلاة.
فالمنهيات قواطع وموانع صادة عن فعل المأمورات التي يحبها الله.
(1) أخرجه البخاري برقم (527).
إذا عُرف هذا .. ففعل ما يحبه الله مقصود بالذات، ولهذا يُقدِّر ما يكرهه ويسخطه لإفضائه إلى ما يحب، كما قدر المعاصي والكفر والفسوق لما ترتب على تقديرها مما يحبه الله من لوازمها من الجهاد والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحصول التوبة من العبد، والتضرع إليه والاستكانة، واتخاذ الشهداء، وإظهار عدل الله وعفوه وانتقامه وعزته، وحصول الموالاة والمعاداة لأجله.
وفي فعل المأمورات حياة القلب وغذاؤه، وزينته وسروره، وقرة عينه، ولذته ونعيمه، وترك المنهيات بدون ذلك لا يحصِّل له شيئاً من ذلك.
وللعباد أربع حالات:
فمن فعل المأمورات وترك المنهيات فهذا ناج مطلقاً.
ومن فعل المأمورات، وفعل المنهيات، فهو إما ناجٍ مطلقاً إن غلبت حسناته على سيئاته، وإما ناج بعد عقوبته على سيئاته وتمحيصه.
ومن ترك المأمورات وترك المنهيات، فهو هالك غير ناج، ولا ينجو إلا بفعل المأمور وهو التوحيد، فمتى خلا قلبه من التوحيد رأساً فهو هالك، وإن لم يعبد مع الله غيره.
فإن عبد معه غيره عذب على ترك التوحيد المأمور به، وفعل الشرك المنهي عنه.
والطاعات والمعاصي إنما تتعلق بالأمر أصلاً، وبالنهي تبعاً.
فالمطيع ممتثل المأمور، والعاصي تارك المأمور، واجتناب المناهي من تمام امتثال الأوامر ولوازمه.
فلو أن العبد اجتنب المنهي عنه، ولم يفعل ما أمر به، لم يكن مطيعاً، وكان عاصياً، بخلاف ما لو أتى بالأمر، وارتكب النهي، فإنه وإن عد عاصياً مذنباً، فهو مطيع بامتثال الأمر، عاصٍ بارتكاب النهي.
وامتثال الأمر عبودية وتقرب وخدمة، وتلك العبادة التي خلق الله لأجلها الخلق، بخلاف النهي فإنه أمر عدمي لا كمال فيه من حيث هو عدم، بخلاف الأمر فإنه أمر وجودي مطلوب الحصول.
والله عز وجل جعل جزاء المأمورات عشرة أمثالها، وجزاء المنهيات مثلاً واحداً كما قال سبحانه:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160].
وهذا يدل على أن فعل ما أمر الله به أحب إليه من ترك ما نهى عنه، وإن كان كلاً منهما مقصود ومطلوب.
والله سبحانه قدر ما يبغضه ويكرهه من المنهيات؛ لما يترتب عليها مما يحبه ويفرح به من المأمورات، وهذا الفرح إنما كان بفعل المأمور به وهو التوبة.
فقدر الذنب لما يترتب عليه من هذا الفرح العظيم، الذي وجوده أحب إليه من فواته، ووجوده بدون لازمه ممتنع، وليس ذلك مطلقاً، وإنما المراد أن جنس فعل المأمورات أفضل من جنس ترك المنهيات، وكلاهما مطلوب، فالمأمورات تغذية .. والمنهيات وقاية.
والمأمور به محبوب الله سبحانه، والمنهي عنه مكروهه، ووقوع محبوبه أحب إليه من فوات مكروهه، وفوات محبوبه أكره إليه من وقوع مكروهه.
وما أمر الله عز وجل بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان:
فإما إلى غلو ومجاوزة .. وإما إلى تفريط وتقصير.
وهاتان الآفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلا من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً وترك ما سواه.
وهذان المرضان الخطيران قد استوليا على أكثر بني آدم، ودين الله بين الغالي فيه، والجافي عنه.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقتضي سلطة تأمر وتنهى، والأمر والنهي غير الدعوة، فالدعوة بيان وإرشاد، والأمر والنهي سلطان.
وكلاهما مما شرف الله به هذه الأمة بقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].
وذنوب العباد قسمان:
ترك مأمور به .. وفعل منهي عنه.
فالمأمور به إذا تركه العبد متعمداً، فإما أن يكون مؤمناً بوجوبه أولا يكون:
فإن كان مؤمناً بوجوبه، تاركاً لأدائه، فلم يترك الواجب كله، بل أدى بعضه وهو الإيمان به، وترك بعضه وهو العمل به.
وكذلك المحرم إذا فعله، فإما أن يكون مؤمناً بتحريمه أو لا يكون:
فإن كان مؤمناً بتحريمه، فاعلاً له، فقد جمع بين أداء الواجب، وفعل المحرم، فصار له حسنة وسيئة.
ومقصود الأمر تحصيل المصلحة، ومقصود النهي دفع المفسدة.
وقوة فعل الأوامر، واجتناب النواهي، مبنية على ما في القلوب من قوة الإيمان وضعفه، وزيادته ونقصانه.
فالإيمان هو المحرك، والأعمال منه ومن ثمراته، وهو يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
والله سبحانه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فمن شاء سلك طريق الهدى ونال ثوابه، ومن شاء تركه وتحمل عقوبته:{يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)} [الأعراف: 35،36].
وإذا تبين الحق من الباطل، والنور من الظلام، والرشد من الغي، زال اللبس، وانكشف الأمر، وظهر ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه:
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42)} [الأنفال: 42].
والله عز وجل أعطى هذه الأمة وظيفة الأنبياء والرسل، وهي الدعوة إلى الله،
والأنبياء لم يبعثوا بالعبادات فقط، بل بعثهم الله بالتوحيد والإيمان، وحل جميع المشاكل الإنسانية في الدنيا والآخرة:
في العبادات، والمعاملات، والمعاشرات، والأخلاق.
فالصلاة أمر من أوامر الله، لا بدَّ أن تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك المعاملات كلها لها أوامر من الله، فلا بدَّ أن تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا المعاشرات والأخلاق، فالله أرسل الأنبياء بالدين الكامل، ومن ظن أن الدين عبادات فقط، أما باقي شعب الحياة فالناس أحرار يفعلون ما يشاءون فقد أخطأ وضل وأضل، وقال على الله ما لا يعلم.
فلا يجوز أن تكون العبادات على طريقة محمد صلى الله عليه وسلم .. والتصرف في الأموال على طريقة قارون .. ومزاولة الملك على طريقة فرعون .. والتجارة على طريقة اليهود .. وتناول الشهوات على طريقة النصارى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)} [البقرة: 85، 86].
إن الله عز وجل له أوامر في كل شيء، من أطاع الله فيها فهو رابح، ومن عصى الله فيها فهو خاسر، والأنبياء بينوا هذه الأوامر في شعب الحياة كلها، وذلك لتدخل حياة الأنبياء في حياة الناس.
فمقصدنا في التجارة ليس جمع المال، بل مقصدنا الاستعانة به على طاعة الله، وإفادة الناس منه، وامتثال أوامر الله فيه، والاستغناء به عن سؤال الناس.
وإذا طلب التاجر الدنيا مرائياً مفاخراً غضب الله عليه، وعذبه بماله في الدنيا وفي الآخرة:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].
والمسلمون في مكة في بداية الدعوة لم يكن لهم سلطان على أنفسهم ولا على
مجتمعهم، ولذلك لم ينزل الله في تلك الفترة تنظيمات وشرائع وشعائر، وإنما أنزل لهم أوامر التوحيد والإيمان وحسن الأخلاق.
ولما اطمأنت قلوبهم بالإيمان، وسلموا أنفسهم لله، فلا يختارون إلا ما اختار الله وأمر به، حينذاك نزلت الشرائع والشعائر في المدينة متوالية كالمطر في جميع شعب الحياة، وفي جميع الأوقات والأحوال، فقبلوها وفرحوا بها وقالوا سمعنا وأطعنا.
والله حكيم عليم، فحين يتعلق الأمر أو النهي بالتوحيد والشرك، أو بالإيمان والكفر، فإن الله يقضي فيه قضاءً حاسماً منذ اللحظة الأولى، ويمضي أمره في ضربة حازمة جازمة صريحة لا غموض فيها، لا تردد فيها ولا تلفت، ولا مجاملة ولا مساومة، ولا تأجيل فيها ولا تأخير، فمن أول يوم قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)} [الكافرون: 1، 2].
وعندما يتعلق الأمر أو النهي بعادة أو تقليد أو سلوك، أو وضع اجتماعي معقد، فإن الإسلام يتريث به، ويأخذ الأمر باليسر والرفق والتدرج، ويهيئ الفرصة والظروف الواقعية التي تيسر التنفيذ والطاعة عن قناعة كمسألة الرق، ومسألة تحريم الخمر والميسر، فقد كان الأمر أمر عادة وإلف، والعادة تحتاج إلى علاج لقلعها من النفوس، والعلاج يحتاج إلى وقت.
فبدأ الله عز وجل بتحريك الوجدان الديني في نفوس المسلمين بأن الإثم في الخمر والميسر أكبر من النفع، وفي هذا إيحاء بأن تركه هو الأولى.
ثم نهاهم عن أداء الصلاة وهم سكارى، وفي هذا تضييق لوقت شرب الخمر.
فلما تمت هاتان الخطوتان جاء النهي الحازم الأخير بتحريم الخمر والميسر، مقروناً بالتنفير عنه، فلما اطمأنت القلوب انقادت الجوارح وأطاعت، وكسرت دنان الخمر امتثالاً لأوامر الله عز وجل بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ
مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90، 91].
وإذا استقام القلب بالإيمان، استقامت الجوارح بالطاعة والانقياد، وإنما يستقيم القلب بأمرين:
تقديم ما يحبه الله تعالى على ما تحبه النفس بكمال الإيمان .. وتعظيم الأمر والنهي وهو الشريعة، وذلك ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي، وهو الله عز وجل:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} [الحج: 32].
فالإنسان قد يفعل الأمر لنظر الخلق إليه، وقد يترك المناهي خشية سقوطه من أعين الناس، أو خوفاً من العقوبات الشرعية، فهذا ليس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي، ولا عن تعظيم الآمر الناهي.
وأوامر الله عز وجل نوعان:
أوامر كونية يدبر الله بها الكون .. وأوامر شرعية خاصة بالإنس والجن.
والأوامر الشرعية قسمان:
الأول: أوامر شرعية محبوبة للنفس كالأمر بالأكل من الطيبات، ونكاح ما طاب من النساء إلى أربع، وصيد البر والبحر ونحو ذلك.
الثاني: أوامر شرعية مكروهة للنفس وهي نوعان:
الأول: أوامر خفيفة سهلة كالأدعية والأذكار، وتلاوة القرآن، والنوافل والصلوات ونحوها.
الثاني: أوامر ثقيلة كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله.
والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، يزيد بامتثال الأوامر الخفيفة والثقيلة معاً، فإذا زاد الإيمان صار المبغوض محبوباً، وصار الثقيل خفيفاً، وتحقق مراد الله من عبادة بالدعوة والعبادة، وتحركت بذلك الجوارح.
وعلامات تعظيم أوامر الله:
أن يذكر العبد الآمر بها .. ويراعي أوقاتها وحدودها .. ويأتي بأركانها وواجباتها
وسننها وآدابها .. ويحرص على كمالها .. ويسارع إلى أدائها .. ويفرح بها .. ويحزن عند فواتها، كمن فاتته صلاة الجماعة ونحوها.
وأن يفرح بالطاعات .. ويسر برؤية الطائعين، وأن يغضب لله إذا انتهكت محارمه .. ويحزن عند معصيته .. ولا يسترسل مع الرخص .. ولا يكون دأبه البحث عن علل الأحكام .. بل يفعل الطاعات، ويجتنب المعاصي؛ لأن الله أمره بذلك .. فإن ظهرت له الحكمة حمله ذلك على مزيد الانقياد والعمل.
وكل ما أمر الله ورسوله به فيجب على المسلم القيام به حسب الاستطاعة كما قال سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه (1).
وأما المنهيات فيجب اجتنابها مطلقاً كما قال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} [الحشر: 7].
والله وحده هو عالم الغيب والشهادة، وهو الذي يقلب الليل والنهار، ويقلب القلوب والأبصار، ويحيي الأرض بعد موتها.
وهو سبحانه الحاكم في حياة العباد، وليس لغيره أمر ولا نهي، ولا شرع ولا حكم، ولا تحليل ولا تحريم، ولا خلق ولا تدبير.
فهذا كله اختص به ملك الملوك وحده لا شريك له.
وكل مسلم مأمور بفعل ما أمره الله ورسوله به، واجتناب ما نهى الله ورسوله عنه، وإذا فعل المسلم المنهي عنه متعمداً فهو آثم، إلا إذا كان مضطراً فيباح له بقدر الضرورة كالأكل من الميتة أو الخنزير بقدر الحاجة ونحو ذلك وإذا فعل المنهي عنه ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه كما قال سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7288)، واللفظ له، ومسلم برقم (1337).
نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286].
فقال الله: قد فعلت.
وقوله عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5].
أما ترك المأمور به فلا يعذر بجهله ولا نسيانه، فلا بدَّ من الإتيان به، لكن الله رفع عنه الإثم كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته أن يعيدها، فمن نسي الوضوء وصلى فلا إثم عليه، لكن عليه إعادة الصلاة بعد الوضوء .. وهكذا.
والحكمة في التشديد أول الأمر ثم التيسير في آخره توطين النفس على العزم والامتثال، فيحصل للعبد الأمران:
الأجر على عزمه .. وتوطين نفسه على الامتثال .. والتيسير والسهولة بما خفف الله عنه، ومثاله: فرض الله الصلاة خمسين ليلة الإسراء، ثم خففها وتصدق بجعلها خمساً في العمل وخمسين في الأجر.
وقد يقع في الأمر والقضاء والقدر ضد هذا، فينقل الله عباده بالتدريج من اليسير إلى ما هو أشد منه؛ لئلا يفجأ هذا التشديد بغتة، فلا تتحمله النفوس ولا تنقاد إليه.
ومثاله: تدريجهم في الشرائع شيئاً فشيئاً كالتدرج في تحريم الخمر مثلاً، ومن هذا أنهم أمروا بالصلاة ركعتين، فلما ألفوها زيد فيها.
ومن هذا الصيام كان على التخيير، فلما ألفوه فرض عليهم رمضان، ومنه الإذن بالجهاد، فلما ألفوه أمروا به.
وذلك كله للتربية على قبول الأحكام والإذعان لها.
والله عز وجل أنزل من السماء ماءً فأخرج بسببه الثمار اليانعة، والزروع والأزهار، وكذلك أنزل الوحي من السماء إلى عباده فأخرج بسببه الأعمال الصالحة، والأخلاق الحسنة، إلا أن من الأرض ما لا يقبل الماء كالحجارة، ومن البشر من لا يقبل الهدى كالقاسية قلوبهم.
لكن الله عز وجل أقام الحجة على جميع العباد بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ومنحهم السمع والبصر والعقل.
والأوامر الشرعية تلزم من يعلمها، وتمكن من فعلها، ومن لا يعلمها أو لم يتمكن من فعلها فلا تلزمه؛ لأن الوجوب مشروط بالعلم والقدرة، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والعقوبة لا تكون إلا على ترك مأمور، أو فعل محظور بعد قيام الحجة كما قال سبحانه:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)} [الإسراء: 15].
والله تبارك وتعالى له سنة في أمره وشرعه، وله سنة في خلقه، وله سنة في قضائه وقدره.
وحكم الله القدري يمضي في الناس على غير إرادة منهم ولا اختيار، وإلى جانبه حكم الله الشرعي الذي ينفذه الناس عن رضى منهم واختيار، وهو الحكم الشرعي المتمثل في الأوامر والنواهي، وهو كذلك من الله ولله، شأنه شأن الحكم القدري.
لكن القدري الناس فيه مقهورون، والثاني الناس فيه مختارون:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)} [يوسف: 40].
فسبحان الذي خلق السموات والأرض بالحق، ليأمر عباده وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم كما قال سبحانه:{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)} [الجاثية: 22].
وأحكام الشريعة إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، وبلوغها إليه، فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه هو، فكذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه في العبادات والمعاملات والحدود وغيرها، ففي العبادات لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسيء في صلاته بإعادة ما تقدم من الصلوات التي لم تكن صحيحة .. ولم يأمر معاوية بن الحكم رضي الله عنه حين تكلم في الصلاة بالإعادة؛ لأنه لم يبلغه
الحكم .. ولم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة لما ربط الخيطين؛ لأجل التأويل .. ولم يأمر المستحاضة حين تركت الصلاة أن تعيد ما تركت .. ولم يأمر المتمعك في التراب لأجل التيمم بالإعادة مع أنه لم يصب فرض التيمم، وأهل قباء صلوا إلى القبلة المنسوخة بعد بطلانها ولم يعيدوا ما صلوا، بل استداروا في صلاتهم وأتموها؛ لأن الحكم لم يثبت في حقهم إلا بعد بلوغه إليهم.
أما في المعاملات فإن الله تعالى أمر المؤمنين بترك ما بقي من الربا بعد الإسلام وهو ما لم يقبض، ولم يأمرهم برد المقبوض؛ لأنهم قبضوه قبل التحريم كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)} [البقرة: 278].
وفي القصاص لم يضمن النبي صلى الله عليه وسلم أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاص ولا دية ولا كفارة.
ولله عز وجل على كل عبد نوعان من الحقوق:
أحدها: أمره ونهيه الذي هو محض حقه عليه.
الثاني: شكر نعمه التي أنعم بها عليه.
فالله سبحانه يطالب العباد بشكر نعمه، وبالقيام بأمره، فمشهد الواجب عليه لا يزال يشهده تقصيره وتفريطه، وأنه محتاج إلى عفو الله ومغفرته.
وكلما كان العبد أفقه في دين الله كان شهوده للواجب عليه أتم، وشهوده لتقصيره أعظم، فليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأقل الناس ديناً وأمقتهم عند الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا بأجمعها.
والله سبحانه يتصرف في خلقه بملكه وحمده وعدله وإحسانه، فهو سبحانه على صراط مستقيم:
في قوله وفعله .. وشرعه وقدره .. وأمره ونهيه .. وعطائه ومنعه .. ونفعه وضره ..
وعافيته وبلائه .. وإغنائه وإفقاره .. وإعزازه وإذلاله .. وإنعامه وانتقامه .. وإحيائه وإماتته .. وتحليله وتحريمه .. وثوابه وعقابه وفي كل ما يخلق .. وفي كل ما يقدر .. وفي كل ما يأمر: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)} [هود: 56].
وأوامر الله التي كلفنا بها نوعان:
أحدها: ما نعرف وجه الحكمة فيه بعقولنا كالصلاة والزكاة والصيام وأكل الطيبات، وجلّ الشريعة من هذا النوع.
الثاني: ما لا نعرف وجه الحكمة فيه كرمي الجمار في الحج، والوضوء من أكل لحم الجزور، ونحو ذلك.
وكما يحسن من الله أن يأمر عباده بالنوع الأول، فكذلك يحسن الأمر منه بالنوع الثاني؛ لأن الطاعة في النوع الأول لا تدل على كمال الانقياد؛ لأحتمال أن المأمور إنما أتى به لما عرف بعقله وجه الحكمة والمصلحة فيه، أما الطاعة في النوع الثاني فإنها تدل على كمال الانقياد ونهاية التسليم.
وإذا كان هذا في الأفعال ففي الأقوال مثله، وهو أن يأمرنا الله أن نتكلم بما نقف على معناه كالآيات، وتارة بما لا نقف على معناه كالحروف المقطعة في أوائل السور.
والمقصود من ذلك ظهور الانقياد والتسليم من المأمور للآمر، وظهور العبودية في هذا وهذا:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)} [آل عمران: 7].
وإذا ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً، فإن كان مطلقاً كان حكمنا كحكمه كترك الأكل متكئاً، وأنه لم ينتقم لنفسه، وأنه لا يصافح النساء في البيعة ونحو ذلك.
وإن تركه لسبب كان حكمنا كحكمه صلى الله عليه وسلم حال وجود السبب، فإذا زال السبب زال الحكم ورجع إلى الأصل.
وأسباب الترك أنواع:
منها تركه صلى الله عليه وسلم الفعل المستحب خشية أن يفرض على الأمة، ومنه ترك قيام رمضان جماعة خشية أن يفرض عليهم، فلما زالت الخشية بوفاته وانقطاع الوحي أعاد الصحابة رضي الله عنهم فعلها في المسجد زمن عمر رضي الله عنه.
ومنها ترك الفعل المستحب خشية أن يظن البعض أنه واجب، ومنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة استحباباً، وقد ترك ذلك يوم فتح مكة لبيان الجواز.
ومنها الترك لأجل المشقة التي تلحق الأمة في الاقتداء بالفعل، ومنه ترك الرمل في الأشواط الأربعة الأخيرة من الطواف، فلم يمنعه من أن يرمل في الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.
ومنها ترك المطلوب خشية من حدوث مفسدة أعظم من بقائه، وهذا من السياسة الشرعية المقررة، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم نقض الكعبة وبنائها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم؛ لأن قريشاً حديثو عهد بكفر.
ومنها الترك على سبيل العقوبة كتركه الصلاة على المدين، فلما وسع الله عليه كان يصلي ولا يسأل عن الدين.
ومنها الترك لمانع شرعي كقصة نومه عن صلاة الفجر في السفر، فلم يبادر للقضاء لكون الشمس في أول طلوعها، ويحتمل لأن بالوادي شيطان، ثم تحول بالناس وصلى بهم في مكان آخر.
والله تعالى إذا أمر عبده بأمر وجب عليه أن يعرف حده، وما هو الذي أمر به، ليتمكن بذلك من امتثاله، فإذا عرف ذلك اجتهد واستعان بالله على امتثاله في نفسه وفي غيره بحسب قدرته وإمكانه.
وكذلك إذا نهى عن أمر عرف حده، وما يدخل فيه وما لا يدخل، ثم اجتهد واستعان بالله على تركه.
وينهى الله عز وجل عن الفحشاء، وهو كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع
والفطر كالشرك بالله، والقتل بغير حق، والزنا والسرقة، والعجب والكبر، واحتقار الخلق، ونحو ذلك.
وينهى كذلك عن المنكر، وهو كل ذنب ومعصية تتعلق بحق الله تعالى.
وينهى عن البغي، وهو كل عدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض ونحوها.
فهذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات ولم يبق شيء إلا دخل فيها، فكل مسألة مشتملة على عدل، أو إحسان، أو إيتاء ذي القربى فهي مما أمر الله به، وكل مسألة مشتملة على فحشاء، أو منكر، أو بغي فهي مما نهى الله عنه.
وما جاءت به الشريعة من المأمورات والكفارات والعقوبات ونحوها فإنه يُفعل منه حسب الاستطاعة، فإذا لم يقدر المسلم على جهاد جميع المشركين فإنه يجاهد على من يقدر على جهادهم.
فالشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فالقليل من الخير خير من تركه، ودفع بعض الشر خير من تركه كله.
وقد أمر الله المؤمنين باتباع ما أنزل إليهم من ربهم كما قال سبحانه {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)} [الزمر: 55].
فالقرآن هو أحسن الحديث وأعظمه وأكمله بالنسبة لغيره.
وأخباره وأوامره فيه الحَسًن والأحسن فالخبر عن الأبرار والمقربين يتضمن أن اتباع الصنفين حسن، واتباع المقربين أحسن.
والأمر يتضمن الأمر بالواجبات والمستحبات، والاقتصار على فعل الواجبات حسن، وفعل المستحبات معها أحسن.
والله سبحانه أمر بالعدل والإحسان، ولا ريب أن العدل حسن، والإحسان مع العدل أحسن.
ومن اتبع الأحسن فاقتدى بالمقربين، وتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وأحسن في عبادة ربه ومعاملة خلقه، فهو أحق بالبشرى كما قال سبحانه:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزمر: 17،18].
والأمر بالمعروف وفعل الخيرات والعبادة والتعليم كلها اعمال حسنة، وفي كل منها الحسن والأحسن كما قال سبحانه {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10].