المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب العاشرفقه النبوة والرسالة

- ‌1 - فقه الاصطفاء والاختيار

- ‌2 - فقه النبوة والرسالة

- ‌3 - حكمة تعدد بعث الرسل

- ‌4 - حكمة موت الرسل

- ‌5 - فقه الدعوة إلى الله

- ‌6 - فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌7 - فقه النصيحة

- ‌8 - فقه الهداية

- ‌9 - فقه الابتلاء

- ‌10 - فقه الشورى

- ‌11 - فقه الإنفاق في سبيل الله

- ‌12 - فقه الهجرة والنصرة

- ‌13 - فقه الجهاد في سبيل الله

- ‌14 - فقه النصر

- ‌15 - فقه الخلافة

- ‌الباب الحادي عشرفقه الأخلاق

- ‌1 - فقه الخُلق

- ‌2 - درجات الأخلاق

- ‌3 - تغيير الأخلاق

- ‌4 - فقه حسن الخلق

- ‌5 - فقه الأدب

- ‌6 - فقه مكارم الأخلاق

- ‌7 - فقه المروءة

- ‌8 - فقه الإيثار

- ‌9 - فقه الحكمة

- ‌10 - فقه العزة

- ‌11 - فقه المحبة

- ‌12 - فقه الرحمة

- ‌الباب الثاني عشرفقه الشريعة

- ‌1 - فقه الحق والباطل

- ‌2 - فقه العدل والظلم

- ‌3 - فقه الأمر والنهي

- ‌4 - فقه النفع والضر

- ‌5 - فقه الحلال والحرام

- ‌6 - فقه السنن والبدع

- ‌7 - فقه العبادات

- ‌1 - فقه الصلاة

- ‌2 - فقه الزكاة

- ‌3 - فقه الصيام

- ‌4 - فقه الحج

- ‌8 - فقه الذكر والدعاء

- ‌9 - فقه المعاملات

- ‌10 - فقه الحسنات والسيئات

الفصل: ‌2 - فقه العدل والظلم

‌2 - فقه العدل والظلم

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].

وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)} [الصف: 7].

العدل أحد قواعد الدين والدنيا، الذي لا انتظام لهما إلا به، ولا صلاح لهما إلا معه، وهو الداعي إلى الإلفة، والباعث على الطاعة.

وبالعدل تنمو الأموال، وتعمر البلاد، وليس شيء أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والجور؛ لأنه لا يقف على حد، ولكل جزء من الظلم قسط من الفساد حتى يستكمل.

والعدل باب واسع، ومرجعه إلى عدل الإنسان في نفسه .. ثم عدله في غيره ..

فأما عدله في نفسه:

فيكون بحملها على المصالح والمحاسن .. وكفها عن المساوئ والقبائح .. والوقوف بها على أعدل الأمرين، فإن التجاوز فيها جور، والتقصير فيها ظلم .. ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم.

وأما عدل الإنسان في غيره فهو أقسام:

منها عدل الإنسان فيمن دونه كالسلطان في رعيته، والرجل مع أهل بيته، والمعلم مع طلابه ونحو ذلك، والعدل هنا يكون بإعطاء كل ذي حق حقه، واتباع الأسهل الميسور، وترك الأشد المعسور، وعدم التسلط بالقوة.

ومنها عدل الإنسان مع من فوقه كالرعية مع السلطان، والولد مع والده، وأهل الرجل معه ونحو ذلك، والعدل هنا يكون بإخلاص الطاعة، وحسن الأدب، وصدق الولاء، وبذل النصرة، ودوام المناصحة.

ومنها عدل الإنسان مع أمثاله وأكفائه من الرجال والنساء، والعلماء والدعاة

ص: 2717

ونحوهم، والعدل هنا يكون بالإكرام والتوقير، وعدم الاستطالة عليهم، وتجنب الإدلاء، وكف الأذى عنهم، وبذل النصح لهم.

ولا يملك الإنسان الناس إلا بأمرين:

العمل فيهم بالشرع .. والتحبب إليهم بالإحسان.

{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].

وكل ما في الكون من رحمة ونفع ونعمة ومصلحة فهو من فضله تعالى، وما في الوجود من غير لك فهو من عدله:{وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)} [يونس: 60].

فكل نعمة من الله فضل، وكل نقمة منه عدل كما قال سبحانه:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى: 30].

يد الله اليمنى فيها الإحسان إلى الخلق، ويده الأخرى فيها العدل والميزان، الذي به يخفض ويرفع، فخفضه ورفعه من عدله، وإحسانه إلى خلقه من فضله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَدُ الله مَلأى لا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَقَالَ: أرَأيْتُمْ مَا أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» متفق عليه (1).

وهو سبحانه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وأفعال الله عز وجل دائرة بين العدل والإحسان .. ولا يمكن أن يظلم أحداً مثقال ذرة ولا أقل من ذلك.

فهو سبحانه إما أن يعامل عباده بالعدل .. وإما أن يعاملهم بالإحسان فالمسيء يعامل بالعدل كما قال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى: 40].

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4684)، واللفظ له، ومسلم برقم (993).

ص: 2718

والمحسن يعامله بالفضل كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160].

ويضاعف إلى سبعمائة حسنة إلى أضعاف كثيرة لمن يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

ومن كان فعله دائراً بين العدل والإحسان فهو محمود على أفعاله كما هو محمود على صفاته: {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} [الجاثية: 36،37].

أما الظلم فهو وضع الشيء في غير موضعه، أو التصرف في ملك الغير بدون إذنه، ومجاوزة حد الشارع بالتعدي من الحق إلى الباطل.

ومن عاقب ظالماً بسيئاته، وانتصف للمظلوم من الظالم، لم يكن ذلك ظلماً منه، بل ذلك أمر محمود منه، وليس الظالم معذوراً من أجل القدر.

ورب العالمين إذا أنصف بعض عباده من بعض، وأخذ للمظلوم حقه من الظالم، لم يكن ذلك ظلماً منه لأجل القدر.

والواحد من الناس إذا وضع كل شيء في موضعه، فجعل الطيب مع الطيب في دار طيبة، وجعل الخبيث مع الخبيث في دار خبيثة، كان ذلك عدلاً منه وحكمة ورحمة.

فكذلك الله عز وجل وهو الحكيم العليم لا يجعل المسلمين كالمجرمين، ولا المتقين كالفجار كما قال سبحانه:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} [القلم: 35،36].

ولا أحد من البشر أعظم ظلماً ولا أكبر جرماً من عبد ذُكِّر بآيات الله، وبُيِّن له الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ورُهِّب ورُغِّب فظل على شركه، ولم يتذكر بما ذكر به، ولم يرجع عما كان عليه من الشرك، ونسي ما قدمت يداه من الذنوب كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ

ص: 2719

يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)} [الكهف: 57].

فهذا أعظم ظلماً من المعرض الذي لم تأته آيات الله ولم يذكر بها، فهما وإن كان كل منهما ظالماً، إلا أن من عصى على بصيرة وعلم، أعظم ممن ليس كذلك.

فهذا الظالم لما ذكر بآيات الله ثم أعرض عنها، عاقبه الله بأن سد عليه أبواب الهداية .. وجعل على قلبه أكنة تمنعه أن يفقه الآيات وإن سمعها .. وجعل في أذنه وقراً يمنعه من سماع الآيات على وجه الانتفاع كما قال سبحانه:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46)} [الإسراء: 45،46].

فالحجاب يمنع رؤية الحق .. والأكنة تمنع من فهمه .. والوقر يمنع من سماعه.

والظلم ثلاثة أنواع:

الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق كما قال سبحانه:{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان: 13].

وهو المقصود بقوله سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)} [هود: 18،19].

الثاني: ظلم بين الإنسان وبين الناس كما قال سبحانه: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى: 40].

الثالث: ظلم بين الإنسان ونفسه كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1].

وجميع هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه.

ص: 2720

والظلم عند الله عز وجل له ثلاثة دواوين:

ديوان لا يغفر الله منه شيئاً وهو الشرك بالله، فإن الله لا يغفر أن يشرك به.

وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئاً، وهو ظلم العباد بعضهم بعضاً، فإن الله تعالى يستوفيه كله.

وديوان لا يعبأ الله به وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فإن هذا الديوان أخف الدواوين، وأسرعها محواً، فإنه يمحى بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشرك، فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها، واستحلال أهلها.

وظلم العباد يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير بغير إذنه، ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها؛ لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.

وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة في القلب، ولو استنار بنور الهدى لطلب العدل والإحسان.

والظلم أنواع:

فأظلم الظلم الشرك بالله: وهو وضع العبادة في غير موضعها، وصرفها لغير مستحقها، كما قال سبحانه:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)} [لقمان: 13].

فالشرك أظلم الظلم واشده وأكبره؛ لأن فيه صرف العبادة لغير مستحقها، ووضعها في غير مكانها.

وأكثر الناس لا يعرفون إلا ظلم الأموال، وأما ظلم الشرك فلا يعرفونه، فالله عز وجل أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، وأكرم المحسنين:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40].

وظلم الإنسان نفسه: ألا يعطيها حقها، كمنعها من الطعام والشراب، أو يحملها ما لا تطيق كأن يصوم فلا يفطر، أو يحملها على الكفر والمعاصي، ولا يمكنها

ص: 2721

من الطاعات ونحو ذلك.

وظلم الإنسان غيره: كأن يتعدى على غيره بالضرب أو القتل، أو أخذ ماله بغير حق، أو يمنعه حقه، أو يؤخره ونحو ذلك.

والظالمون الذين كفروا بنعمة الله، وصدوا عن سبيله، لهم عذاب في الحياة الدنيا، وعذاب في الآخرة أشد وأبقى كما قال سبحانه:{لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)} [الرعد: 34].

والله عزيز ذو انتقام، لا يدع الظالم يفلت، ولا يدع الماكر ينجو، ولا يدع الكافر يفر، إنهم حاضرون مكشوفون أمام الله، لا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق، الله يسمع كلامهم، ويرى أفعالهم:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)} [إبراهيم: 42].

ووعد الله آت لا محالة، يكرم فيه المؤمنين، وينتقم الجبار من الظالمين:{فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)} [إبراهيم: 47].

إن الإسلام دين الله الذي ارتضاه للبشرية إلى يوم القيامة، وأرسل به أفضل رسله، وأنزل من أجله أحسن كتبه، وشرع فيه أحسن شرائعه، ودعا فيه إلى أحسن مكارم الأخلاق.

وجاء بالمبادئ والقواعد التي تكفل تماسك وسعادة الأفراد والأمم والشعوب.

جاء بالعدل الذي يكفل لكل فرد، ولكل جماعة، ولكل قوم، قاعدة ثابتة للتعامل، لا تميل مع الهوى، ولا تتأثر بالحب والبغض، ولا تتبدل مجاراة للغنى والفقر، ولا تلوي من أجل الصهر والنسب، ولا تتغير من أجل القوة والضعف.

إنما هي ثابتة تمضي في طريقها، تكيل بمكيال واحد للجميع، وتزن بميزان واحد للجميع:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].

وجاء إلى جوار العدل بالإحسان يلطف من حدة العدل الصارم الجازم، ويدع الباب مفتوحاً لمن يريد أن يتسامح في بعض حقه، إيثاراً لود القلوب، وشفاء

ص: 2722

لغل الصدور، وتهيئة الفرصة لمن يريد أن ينهض بما فوق العدل الواجب عليه، ليداوي جرحاً، أو يكسب فضلاً.

والإحسان شعب واسعة:

فكل عمل طيب إحسان .. وكل كلمة طيبة إحسان .. وكل بذل وإكرام إحسان.

والأمر بالإحسان يشمل كل عمل .. وكل تعامل .. فيشمل محيط الحياة كلها في علاقات العبد بربه في العبادات .. وفي علاقات العبد بأسرته بحسن المعاشرات .. وفي علاقات العبد بغيره بحسن المعاملات .. وفي علاقات العبد بالبشرية جمعاء بحسن الأخلاق: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125].

وفي المقابل ينهى الله عز وجل عن الظلم بكل صوره وألوانه، فينهى عن الفحشاء: وهي كل أمر يفحش ويتجاوز الحد، خاصة فاحشة الاعتداء على العرض؛ لأنه فعلٌ فاحش فيه اعتداء، وفيه تجاوز للحد.

وينهى عن المنكر: وهو كل فعل تنكره الفطرة السليمة، ومن ثم تنكره الشريعة، فهي شريعة الفطرة.

وينهى عن البغي: وهو الظلم وتجاوز الحق والعدل في كل شيء.

وكل أمة إنما تسعد بالعدل والإحسان، وتشقى بالظلم والفحشاء والمنكر والبغي، وما من مجتمع يمكن أن يقوم على الفحشاء والمنكر والبغي.

والفطرة البشرية تنتفض بعد فترة معينة ضد هذه العوامل الهدامة مهما تبلغ قوتها، ومهما يستخدم الطغاة من الوسائل لحمايتها.

وتاريخ البشرية كله انتفاضات ضد الفحشاء والمنكر والبغي، وهذه عناصر غريبة على جسم الحياة، تنتفض لها الفطرة السليمة كما ينتفض الحي ضد أي جسم غريب يدخل إليه.

إن قضاء الله لا يرد، ومشيئته لا معقب لها:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)} [الشورى: 44].

ص: 2723

فالله عز وجل إذا علم من العبد أنه مستحق للضلال، فحقت عليه كلمة الله أن يكون من أهل الضلال، لم يكن له بعد ذلك من ولي يهديه من ضلاله، أو ينصره من جراء الضلال الذي قدره الله.

والظالمون بغاة طغاة، فناسب أن يكون الذل هو مظهرهم البارز يوم القيامة:{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)} [الشورى: 45].

وعدل الله مطلق بين العباد في كل شيء، في العقول وسائر النعم، وفي البشر العاقل والمجنون، والغني والمحروم، والصحيح والكسير.

فإن قال قائل: ما ذنب هؤلاء المجانين والفقراء وأهل الابتلاء أن يكونوا وسيلة إيضاح لغيرهم؟.

قيل: لا شك أن الإنسان حين يرى الأعمى يتذكر فضل الله عليه في أنه أعطاه النظر، وإذا رأى إنساناً أعرج أحس بنعمة الله عليه في رجليه.

إن الله عز وجل جعل هذه الأحوال الشاذة في قلة من البشر، لا تكاد تذكر بالنسبة لعدد البشرية الهائل، إلا أنه سبحانه عوض هؤلاء عما فقدوه، ولا بدَّ أن لكل واحد منهم ميزة عن غيره من الخلق تعوضه عما فقد.

فهؤلاء ينالون من عطف الناس ومعاونتهم ورحمتهم بما لا يناله غيرهم، ولكل منهم نبوغاً لا يتوافر لغيره.

فأكثر الناس حفظاً لما يسمعون هم الذين فقدوا أبصارهم، والدين يحتاج إلى هؤلاء في حفظ القرآن والسنة وأحكام الدين.

والله سبحانه عندما وضع مثل هذا الشذوذ في الكون وضعه بنسبة ضئيلة جداً، ليلتفت الناس على نعمة الله عليهم، ثم بعد ذلك يأتي عون الله فيعوضه من الخير والنبوغ، والعطف الإنساني، ما ييسر له كثيراً من أمور حياته، ويمنحه فرصاً مميزة.

ص: 2724

فعموم الناس كلهم في فضل الله ونعمته، ولكن أكثر الناس لا يدركه فيقطع الشكر، فَيُّحرم الطمأنينة والثواب:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)} [يونس: 59، 60].

وإذا كان الله عز وجل أنعم على الإنسان بالعقل، ثم سلبه ذلك العقل، فله سبحانه حكمة في ذلك، كما أن لكل شيء في هذا الكون حكمة في الخروج عن المألوف.

وإذا كان عدد قليل من الناس قد فقد عقله، فقد رفع الله سبحانه وتعالى عنه التكليف في الدنيا، والحساب في الآخرة.

فهو يقول في الدنيا ما يشاء ولا يحاسبه المجتمع، وفي الآخرة كذلك لا يحاسبه الله، وفي هذا تعويض كبير عن نعمة العقل.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» أخرجه أبو داود والنسائي (1).

فعدل الله مطلق فيما أعطاه للإنسان، ولكل واحد من البشر ميزة يتميز بها عن غيره من البشر، تعوضه عما يعتقد أنه فقده، قد يعلمها وقد لا يعلمها، وقد يعلمها الناس وقد لا يرونها، لكن الله يعلمها، ولا يظلم ربك أحداً.

فالذي لا يملك المال من الناس يملك البركة، فيبارك الله له في القليل.

والذي لا يملك المنصب يملك الصحة التي تعوضه عن هذا كله، أو يملك البركة في أولاده، فيسر الله له سبل العلم والحياة والرزق لهم.

والذي لا يملك هذا كله يملك الستر ونعمة القناعة، إلى آخر نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، والتي لا يعلم دقيقها وجليلها إلا اللطيف الخبير.

(1) صحيح: أخرجه أبو داود برقم (4398)، صحيح سنن أبي داود رقم (3698).

وأخرجه النسائي برقم (3432)، وهذا لفظه، صحيح سنن النسائي رقم (3210).

ص: 2725

فالأحداث العظام كالخسوف والزلازل والبراكين إذا خرجت عن طبيعتها، فالله أراد تذكرة الخلق بالخالق الذي خلقهم وخلقها ليعبدوه ويطيعوه، ويتوبوا إليه ويخافوه كما قال سبحانه:{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59)} [الإسراء: 59].

فإذا خرج عن السنة العامة في الخلق قلة من البشر، فإنما يحصل ذلك ليذكر الناس أن هذا الكون هو من خلق الله، وأن كل شيء فيه يمضي بأمر الله، وكل شيء يمكن أن يخرج عن مهمته، ومن رحمة الله أنه يخرج بنسبة قليلة لا تذكر، تنبيهاً للغافل ليشكر، وتذكيراً للعباد بأن هذا الكون خاضع أبداً لخالقه وحده، فليتقوه لينالوا رضاه ورحمته.

والله سبحانه أوضح السبل، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، مكَّن من أسباب الهداية والطاعة بالأسماع والأبصار والعقول وهذا عدله.

ووفق من شاء بمزيد عناية؛ لأنه أهل للهداية، وأراد من نفسه أن يعينه ويوفقه وهذا فضله، وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله، وخلى بينه وبين نفسه، ولم يرد سبحانه أن يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله، وهذا نوعان:

أحدهما: ما يكون جزاء منه للعبد على إعراضه عنه، فهو أهل أن يخذله.

الثاني: أن لا يشاء له ذلك ابتداء لما يعرف عنه أنه لا يعرف قدر نعمة الهداية.

والشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، ومصالح كلها.

فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور .. وعن الرحمة إلى الشدة .. وعن المصلحة إلى المفسدة .. وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وهداه الذي اهتدى به المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل.

والإسلام دين العدل والإحسان، ومن المبادئ الكلية للعدل، والتي يعامل الله بها عباده، والتي يملك العباد أن يعاملوا بعضهم بعضاً بها، ويعاملوا الله على

ص: 2726

أساسها فلا يصيبهم السوء ما ذكر الله سبحانه قوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)} [النساء: 110 - 112].

فالآية الأولى تفتح باب التوبة على مصراعيه، وباب المغفرة على سعته.

والثانية تحمل كل فرد تبعة عمله، وعندئذ تنطلق كل نفس حذرة مما تكسب، مطمئنة إلى أنها لا تحاسب إلا على ما تكسب.

والثالثة تقرر تبعة من يكسب الخطيئة ثم يرمي بها البريء.

وبهذه القواعد الثلاث يرسم القرآن ميزان العدالة الذي يحاسب كل فرد على ما اجترح، ولا يدع المجرم يمضي ناجياً إذا ألقى جرمه على من سواه، وفي الوقت ذاته يفتح باب التوبة والمغفرة على مصراعيه لمن أراد.

وميزان الثواب والعقاب ليس موكولاً إلى الأماني، إنه يرجع إلى أصل ثابت وسنة لا تتخلف، تستوي أمامه الأمم والأفراد، ولا يخرق لأحد من الناس مهما كان شأنه، فصاحب الحسنة يجزى بالحسنة، وصاحب السوء يجزى بالسوء، ولا محاباة، في هذا ولا مماراة:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)} [النساء: 123،124].

وجميع أوامر الله عز وجل كلها عدل وإحسان إلى الخلق، ولا بدَّ من تعليق قلوب الناس وأنظارهم بهذا العدل، وبذلك الجزاء، لتتعامل مع الله متجردة من كل النوازع المعوقة.

فلا بدَّ من جزاء للمؤمنين من الله على إيمانهم وأعمالهم يشجع ويقوي الإنسان على النهوض بأحكام الدين وأوامره، وعلى الوفاء بالميثاق.

ولا بدَّ أن يختلف مصير الذين كفروا وكذبوا عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند الله، وهذا هو العدل الإلهي الذي يجازي كل إنسان بعمله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ

ص: 2727

آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} [المائدة: 9،10].

والله عز وجل يعلم من طبيعة الإنسان حاجته إلى الوعد بالمغفرة، والأجر العظيم، وحاجته كذلك إلى معرفة جزاء الكافرين المكذبين.

إن هذا وذاك يرضي هذه الطبيعة، ويطمئنها على جزائها ومصيرها، ويحركها للطاعة، وينفرها من المعصية، وبذلك تتلذذ بالعبادة، وتعلم أن المغفرة والأجر العظيم دليل رضى الله الكريم، وفيها مذاق الرضا فوق مذاق النعيم.

ودين الإسلام قائم على العدل المطلق؛ لأن الله الذي شرعه يعلم حق العلم بم يتحقق العدل المطلق؟، وكيف يتحقق؟.

ولأنه سبحانه رب الجميع، فهو الذي يملك أن يعدل بين الجميع، وأن يجيء منهجه وشرعه مبرءاً من الهوى والميل والضعف والجور.

كما أنه مبرأ من الجهل والقصور، ومن الغلو والتفريط.

ومنهج الإسلام متوافق مع ناموس الكون كله؛ لأن الذي شرعه هو خالق هذا الكون كله وخالق الإنسان، فإذا شرع سبحانه للإنسان شرع له كمخلوق من مخلوقاته، لكن تطيعه مخلوقات مسخرة له بأمر خالقه، لكن بشرط السير على هداه.

والله عز وجل أمر عباده بالعدل والإحسان، والعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، والعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفورة، بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية، والمركبة منهما في حقه وحق عباده كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90].

ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدي كل مسلم وكل والٍ ما عليه تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، أو الولاية الصغرى.

ص: 2728

ومن العدل في حق الله أداء ما أمر الله به من الإيمان والتوحيد، وطاعته وعبادته وحبه لا شريك له.

ومن العدل في حق الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان به وطاعته، وتوقيره، وتصديق ما جاء به من ربه، واجتناب ما نهى عنه، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.

ومن العدل في المعاملات مع الناس أن تعاملهم بما شرع الله ورسوله في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، وتوفي لهم حقوقهم فلا نبخس لهم حقاً، ولا نغشهم، ولا نخدعهم، ولا نظلمهم.

فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحبة، وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والجاه والعلم، وغير ذلك من أنواع النفع، خاصة أولي القربى، فكل من كان أقرب كان أحق بالبر.

ص: 2729