المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما أدبه فالربيع زاهٍ بفضله، والحبيب منعمٌ بعد هجره بوصله. شق - نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة - جـ ١

[المحبي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الباب الأولفي ذكر محاسن شعراء دمشق

- ‌الشام ونواحيها لا زالت طيبة العرار والبشام

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بسم الله الرحمن الرحيمبقية الباب الأول

- ‌في محاسن شعراء دمشق ونواحيهافصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

- ‌السيد محمد بن السيد كمال الدين

- ‌أخوه السيد حسين

- ‌السيد عبد الرحمن

- ‌السيد عبد الكريم

- ‌السيد إبراهيم

- ‌شهاب الدين بن عبد الرحمن

- ‌أخوه إبراهيم

- ‌فضل الله بن شهاب الدين

- ‌ علي بن إبراهيم

- ‌ حفيده إسماعيل

- ‌ولده عبد الغني

- ‌أحمد بن ولي الدين

- ‌ولده عبد الوهاب

- ‌عمر بن محمد

- ‌حفيده محمد بن علي

- ‌حسين بن محمد

- ‌القاضي محب الدين

- ‌عبد اللطيف

- ‌ أخوه محب الله

- ‌محمد بن عبد اللطيف الشهير بالخلوتي

- ‌ السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله

- ‌فصل

- ‌محمد بن عمر الصوفي

- ‌على بن جار الله

- ‌حافظ الدين العجمي

- ‌مرعيّ بن يوسف الكرميّ

- ‌‌‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في الحثّ على المواعيد

- ‌فصل في شكوى حال غريب

- ‌فصل في مخاطبة محدّث

- ‌فصل في مخاطبة منطقيّ

- ‌فصل في مخاطبة نحويّ

- ‌خير الدين بن أحمد الحنفي

- ‌نجم الدين بن خير الدين

- ‌أحمد الخالدي الصفدي

- ‌حسن الدّرزيّ العيلبونيّ

- ‌محمد بن محي الدين المعروف بالحادي الصّيداويّ

- ‌حسين بن عبد الصمد الحارثيّ

- ‌ولده بهاء الدين

- ‌حسن بن زين الدين الشهيد

- ‌سبطه زين الدين بن محمد

- ‌السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني

- ‌ولده السيد جمال الدين

- ‌أخوه السيد علي

- ‌نجيب الدين بن محمد بن مكي

- ‌محمد بن حسن بن عليبن محمد، المعروف بالحر

- ‌محمد بن علي بن محمود الحشريّ

- ‌حسين بن شههاب الدينبن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

- ‌عبد اللطيف البهائي البعلي

- ‌حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي

- ‌عبد الجليل بن محمد الطرابلسي

- ‌رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي

- ‌فصل في وصف عمامة

- ‌المعروف بابن الأعوج

- ‌الباب الثاني في نوادر الأدباءبحلب الشهباء

- ‌مصطفى بن عثمان البابي

- ‌السيد موسى الرَّامحمدانيّ

- ‌أبو مفلح محمد بن فتح الله البيلوني

- ‌السيد محمد بن عمر العرضي

- ‌فتح الله بن النحاس

- ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

- ‌ولده السيد باكير

- ‌ السيد عبد القادر بن قضيب البان

- ‌ولده السيد محمد حجازي

- ‌السيد عبد الله بن محمد حجازي

- ‌ السيد يحيى الصادقي

- ‌السيد عطاء الله الصادقيّ

- ‌السيد محمد التقوى

- ‌السيد أسعد بن البتروني

- ‌السيد حسين النبهاني

- ‌القاضي ناصر الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن تاج الدين الكوراني

- ‌ولده أبو السعود

- ‌محمد بن أحمد الشيباني

- ‌حسين بن مهنا

- ‌محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن الشاه بندر

- ‌صالح بن قمر

- ‌صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم

- ‌مصطفى الزيباري

- ‌مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن محمد البخشي

- ‌إبراهيم بن أبي اليمن البتروني

- ‌أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا

- ‌محمد بن حسن الكواكبي

- ‌الباب الثالثفي نوابغ بلغاء الروم

- ‌الباب الرابعفي ظرائف ظرفاء العراق

- ‌والبحرين والعجم

- ‌شعراء البحرين

- ‌فصل جعلته للمعرباتقديماً وحديثاً

- ‌الباب الخامسفي لطائف لطفاء اليمن

- ‌ذكر بني القاسم الأئمة

- ‌ذكر آل الإمام شمس الدينبن شرف الدين بن شمس الدين

- ‌فائدة

الفصل: وأما أدبه فالربيع زاهٍ بفضله، والحبيب منعمٌ بعد هجره بوصله. شق

وأما أدبه فالربيع زاهٍ بفضله، والحبيب منعمٌ بعد هجره بوصله.

شق الجيوب من الطرب، وعل النفوس بما هو أحلى من الشهد والضرب.

وشعر كل من عاصره بالنسبة إلى شعره المسترق النهى، إن لم يكن أرق من السها، فهو أخفى من منديل الرها.

فمما عربته منه:

لا أرَى كأسَ الأمال

دارَ نَحْوِي في أمانِ

فهْو قد حقَّقتُ منه

تابِعٌ دَوْرَ الزمانِ

الأمير يونس الموصلي، المعروف بسامي جم الأدب رائقه، سامي النظم فائقه.

رأيته وقد أخذ منه الكبر، واعتبرت منه العبر.

وهو يروع الليث في آجامه، ويخجل الغمام عنه انسجامه.

وكنت عاشرته مدةً قليلة، وحصلت منه على أمانٍ جليلة.

تنسكب علي فوائد تجاريبه كالمطر، فأراني بفضل عشرته قضيت من أمر الرحلة الوطر.

وكنت مدحته بأبيات، مستهلها:

برُوحِي بل بآبائي الكرامِ

فتى تَفْدِيه أرواحُ الأنامِ

أقول فيها:

وكم لي فيه من عِقْد امْتداحٍ

على الأيامِ مُتَّسِق النِّظامِ

يرُوقُك حُسْنُه فتراه لُطْفاً

كما حدَّثْت عن صَفْو المُدامِ

قَوافٍ ليس تكسِبُه افْتخاراً

ولو جاءتْ بمُعجزةِ الكلامِ

ففيه تقولُ أَلْسنةُ المعالِي

سَما يسْمُوا سُمُوّاً فهْو سَامِي

وعربت من كلامه:

والروحُ منِّي في مَضِيقٍ إن تَجِدْ

فَرَجاً أبَتْ أن نلْتقِي في المَحْشرِ

أحمد المعروف بفصيح حيٌّ موجود، لكنه منقطعٌ عن الوجود.

بشهامة نفسٍ لها في ذاتها تفرد، ولطف أدب كأنه في وجنة الزمان تورد.

وقد صحبته بالروم وله رواءٌ وبزة، وغصن كماله تتساقط ثمراته بأدنى هزة.

ثم عدل إلى توحشٍ وانقطاع، ولله تعالى في خلقه أمرٌ مطاع.

وكان أنشدني من أشعاره قطعاً في الغزل، ما زلت أتمتع بها في أوقات الوحدة، ولم أزل.

وقد عربت منها هذا المفرد:

علمتُ لمَّا فَكَّ عن صدرِه

كيف تشُقُّ الشمسُ جَيْبَ الصباحْ

‌الباب الرابع

في ظرائف ظرفاء العراق

‌والبحرين والعجم

أما فضل العراق، فكالشمس حالة الإشراق.

وحسبك أنه في جهة مطلعها الذي هو الشرق، وإذا قيس بالغرب فكأنما سوي بين القدم والفرق.

وشتان بين ما تجلى الشمس منه فوق منصتها، وبين ما يشره أفقه الغربي لابتلاع قرصتها.

وأما أهله فهم ملائكة الأرض، وبهم لاق من المدح المسنون والفرض.

وشعراؤه قد هاموا من البلاغة في كل واد، وجلوا غررهم في سواده وأحسن ما لاحت الغرر في السواد.

وقد خرج قريباً منهم جماعةٌ أطلعوا ذكاء ذكائهم في أفقه المشرق، وملأوا ببضائع فوائدهم ونصائع فرائدهم حقائب المشئم والمعرق.

عبد علي بن ناصر بن رحمة الحويزي أوحد من أبدع وأغرب، وشعر فأبان عن إعجازه وأعرب.

ما شئت من استحكام المبنى، وانقياد اللفظ الغر من المعنى.

وحسن الأسلوب الذي تشبث بالحشايا، ونصاعة المقترح الذي تبتهج به البكر والعشايا.

وشعره تملكه الرقة على الشوادن العفر، ويكسب القدود خفةً فتكاد تسترقص على الظفر.

أرقُّ من دمعةٍ شِيعِيَّةٍ

تبْكي على ابن أبي طالبِ

فالهوى أول تميمةٍ قلدته الداية، والصبابة هي التي عرفها من البداية.

ودخل بغداد فتخلق ثمة بأخلاقٍ عذاب، وكان كابن الجهم بعث إلى الرصافة ليرق فذاب.

ثم التحق بابن افراسياب صاحب البصرة فألقى عنده رحله وحط، والتم في كنفه بعد ما شط.

ففك من يد العسرة وثاقه، وأخذ على الدهر باستقالة عهده ميثاقه.

فأقام في ظله إلى وقت زواله، ومضى فلم يبق بعده في تلك الناحية من يعتني بأقواله.

وقد أوردت من شعره ما يسكر العقول بصهبائه، ويدل على أنه أخذ من بحر القريض أنفس دره وولع الناس بحصبائه.

فمنه قوله، من قصيدة يمدح بها الأمير علي بن افراسياب، ويستأذنه في الحج:

لمع البرقُ في أكُفِّ السُّقاةِ

وبدا الصبحُ في سَنا الكاساتِ

فالبِدارَ البِداَر حَيَّ على الرَّا

حِ وهُبُّوا لأكْمل اللذَّاتِ

نارُ موسى بدَتْ فأين كليم الذَّ

اتِ يمْحو بها حجابَ الصِّفاتِ

ص: 365

صاحَ دِيكُ الصباح يا صاحِ بالرَّ

احِ فَواتِ الأفراحَ قبل الفَواتِ

واصطبِحْها اصْطباحَ مَن راح لا يفْ

رقُ بين الشموسِ والذَّرَّاتِ

تَلْقَ فيها العقولَ مُنتقشاتٍ

كانْتقاشِ الأشخاصِ في المِرآةِ

فهي الشَّرْبةُ التي عثَر الخِضْ

رُ عليها في عينِ ماءِ الحَياةِ

وتقصَّى الإسْكندرُ البحثَ عنها

فعَداها وتاهَ في الظُّلُماتِ

سكنتْ من حَضائرِ القُدْسِ حَاناً

جَلَّ عن أن يُقاسَ بالْحاناتِ

نُورُ حقٍ بنفسِه قام ما احْتا

جَ إلى كُوَّةٍ ولا مِشْكاةِ

قَبَسٌ أشْعلتْه أيْدِي التجلِّي

فأضاءتْ به جميعُ الجهاتِ

حُجبَتْ بالزُّجاجِ وهْيَ عِيانٌ

كاحْتجاب البدورُ بالْهالاتِ

يا ندِيمي أجِلْ لي عرائسَ سِرٍ

بغَواشِي الكؤُوسِ مُحْتجِباتِ

هات راحِي ونادِ خُذْها فإنِّي

لستُ أنْسَى يوم اللِّقا خُذْ وهاتِ

فلقد رُدُّ ركنُ نَحْسِيَ لَمَّا

سعِدتْ بالحبيبِ كلُّ جِهاتِي

هي شَهْدُ الشُّهود بل راحةُ الأرْ

واحِ بل حُسْنُ طَلْعةِ الحسناتِ

يا سُقاتي لا تصرفُوا الصِّرْفَ عَنِّي

فحياتِي في رَشْفِها يا سُقاتِي

غيرُ بِدْعٍ ممَّن حَساها إذا ارْتا

ح وقال: الوجودُ بعضُ هِباتِي

قام زينُ العِبادِ مِن شُربها قُطْ

باً عليه دارَتْ رَحَا البَيِّناتِ

فتلاشَى بشُعْلةٍ فَتح العَيْ

نَيْنِ منها إلى عيونِ الذَّاتِ

وخطَتْ بالجُنَيْد خُطْوَة بَحْرٍ

غَرِقتْ فيه أكْثرُ الكائناتِ

ورمتْ بالحُسيْن حتَّى ترقَّى

بأنا الحقُّ أرْفعَ الدَّرجاتِ

أسمعتْنَا من شيخ بِسطامَ مَا أعْ

ظَمَ ذاتِي بالنَّفْيِ والإثْباتِ

وقُصارى خَلْعِ العذار بها نَيْ

لُ مَقامٍ يُقاوِم المُعجِزاتِ

رُبَّ وَفْرٍ منها يُصِيب فتَى الْ

مجدِ عليِّ العرشِ مِرآةِ السُّراةِ

فهو في سِرِّهِ المنَزَّهِ سِرِّي

ولئِن لم يهِم بحَوْزِ الفَلاةِ

حاد عن مذهبِ التقشُّفِ وانْحا

ز إلى مذهب الحُماةِ الكُماةِ

وتردَّى بُرْدَ البَوَاطِن والأصْ

لُ خُلوصُ الأعمالِ بالنِّيَّاتِ

فهْو في السِّرِّ خادمُ الفَقْرِ عافٍ

وهْو في الجَهْرِ ضَيْغمُ المُلكِ عاتِ

وله في مَراتبِ الفضلِ ذِهْنٌ

هو مفْتاحُ مُقْفَل المُشكِلاتِ

كتمْتْه أُولَى الدهورِ وأبدتْ

هُ على فَتْرةٍ من المَكْرُماتِ

فأفادتْ بمجْدِه البَصْرةُ الفيْ

حاءُ حَلْيَ المعاهِد العاطِلاتِ

حَلَّ من حِفْظِ نفسِه للمسا

كِين سَنام المَراتبِ العالياتِ

أسدٌ في ملاحِمِ الحرب غيثٌ

في النَّدَى خِضْرَمٌ بعلم اللغاتِ

كفُّه مُقْلةُ العدوِّ فلا ينْ

فَكُّ كلٌّ عن شِيمة المرسَلاتِ

وكذا خَيْلُه وأفئدةُ الأعْ

داءِ سِيَّان في وَحَي العادِياتِ

وكذا مالُه وأرواحُ مَن عادا

هُ في كَوْنِهنَّ في النازِعاتِ

إن يضِعْ وقتُ مَن سِوايَ فإنِّي

لي بعَلْياه أشرفُ الأوقاتِ

شمِلتْني منه العنايةُ حتَّى

مسحَتْ هِمَّتي عن النَّيِّراتِ

يا إمام الكرامِ يا صادقَ الوَعْ

دِ إذا لم يَفِ الورَى بالعِداتِ

وهُماماً تعوَّد الحلمَ والجُو

دَ وهاتان أكرمُ العاداتِ

ص: 366

نِلْتُ من جُودِك العَمِيمِ نَوالاً

وجبَتْ فيه حِجَّتِي وزَكاتِي

عرف الناسُ في حِماكَ وُقُوفِي

فأجِزْني الوقوفَ في عَرَفاتِ

ومُرادِي لك الثوابُ وللرِّقِّ

قضاءُ المَناسِك الواجباتِ

طَوْفُ بيت اللهِ الحرامِ وتَقْبِي

لُ ثَرَى قبرِ سيِّد الكائناتِ

لم أُفارِقْ حِمَى العَليِّ لِبيْتٍ

غيرِ بيتِ العَلِيِّ ذِ الدَّرجاتِ

وابْقَ واسلَمْ على الرَّجاءِ مَلِيكاً

طَوْعُ ما تشْتهي الزمانُ المُواتِي

قلت: هذه القصيد مؤلفة من الدرر النضيدة، إذا أنشدت بين العذيب وبارق، تقول رواة الغرب يا حبذا الشرق.

ووقفت له على ضادية، بها فخر على كل من نطق بالضاد، وبلطف انسجامها ورونق نضارتها تروي كل صاد.

وهي:

قام يجْلُوها في الأجْفانِ غَمْضُ

والنَّدامى نُوَّمٌ بعضٌ وبعضُ

والضِّيا يرمِي بها الفَجْر الضِّيا

ولخيْلِ الصبح في الظُّلُمات رَكْضُ

وكأن الليلَ غَيْمٌ مُقْلِعٌ

لَمَعانُ الكأسِ في جَنْبَيْه وَمْضُ

في رياضٍ نسَجتْ فيها الصَّبا

ولَها في زهْرِها بَسْطٌ وقَبْضُ

ضَرَّج الوردُ بها وَجْنتَه

والأقاحِي ضُحَّكٌ والآسُ غَضُّ

وكأنَّ النَّرجِسَ الغَضَّ بها

أعْيُنُ الغِيدِ وما فيهنَّ غَمْضُ

وكأن الْبانَ قَدٌّ مائِسٌ

كلُّ غصنٍ منه عِرْقٌ فيه نَبْضُ

وكأنَّ الأرْضَ ممَّا أنبتتْ

زَهَراً جَوُّ السما والجوَّ أرْضُ

أحسن ما قيل في معناه:

وما غرُبتْ نجومُ الأفْقِ لكنْ

نُقِلْنَ من السماءِ إلى الرِّياضِ

مجلسٌ طُلَّ دمُ الكأسِ به

وله ظِلٌّ له طولٌ وعَرْضُ

نظمتْ فيه اللآلِي حَبَباً

حين عنْها صدَفُ الدَّنِّ يُفَضُّ

بي وبالرَّاحِ الذي أجْفَانُه

تحسِم البِيضِ صحاحاً وهْي فَرْضُ

كيف تَرْجُو البِيضُ نحْوي رَسْمَها

ولها في خِدِّها رَدٌّ ونَقْضُ

ما وفَتْ دَيْنِيَ منها وَلَها

في فُؤادِي أبداً نَشْرٌ ونَقْضُ

يا حبيباً قد غدَا مُعْتزِلِي

ليس لي عن سُنَّةِ العُشَّاقِ رَفْضُ

إن يكُن قد شِيبَ دمعي بدَمِي

حُمْرةً فالوُدُّ في الأحْشاءِ مَحْضُ

مُستقِرٌّ نُهِك العظمُ به

بعد أن ذابَ له لحمٌ ونَحْصُ

وبقلبي عقْربُ الصُّدغِ له

كلَّما هبَّ الصَّبا نَهْشٌ وعَضُّ

حمَّلت جسميَ أعْباءَ الهوى

وهو لا يُمكِنُه بالثوبِ نَهْضُ

ومن خمرياته المشهورة:

أقَرقفٌ في الزُّجاجِ أم ذَهبُ

ولُؤْلؤٌ ما عليه أمْ حَبَبُ

شمسُ عُلاً فوق دَنِّها شُهُبٌ

والعَجَبُ الشمسُ فوقها الشُّهُبُ

حمراءُ قد عُتِّقتْ فلو نطَقتْ

حكَتْ لِخَلْق السماءِ ما السبَبُ

إن لَهبَّتْها السُّقاةُ في غَسَقٍ

يُحرِّك الليلَ ذلك اللَّهَبُ

وإن حَساها النَّدِيمُ مُصطبِحاً

ألَمَّ في الجيشِ همّة الطَّرَبِ

لم أدْرِ من قبلِ ذَوْبِ عَسْجَدِها

بأن يُرَى التِّبْرُ أصلُه العِنَبُ

للهِ أيامُنا بذِي سَلَمٍ

سقتْك أيامَ وصلِنا السحُبُ

والروضُ بالمُزْنِ يانِعٌ أنِقٌ

والغصنُ بالرِّيح هَزَّة الطَّرَبُ

والنهرُ يحتْاكه الصَّبا زَرَداً

إذا نضَتْ من بوارِقٍ قُضُبُ

فخانَنا الدهرُ بالفرِاقِ وقد

رَثَّتْ جَلابيبُ وَصْلِنا القُشُبُ

عجبتُ للدهرِ في تصرُّفهِ

وكلُّ أفعالِ دهرِنا عَجَبُ

يُعانِدُ الدهرُ كلَّ ذي أدَبٍ

كأنما نَاكَ أمَّه الأدَبُ

ص: 367

هذان البيتان قديمان، فكأنه ضمنهما.

وللخفاجي ما هو أعجب من هذا؛ وهو قوله:

لزُناةِ الأنام حَدٌّ ورَجْمٌ

وبِنَفْيٍ كم غَرَّب الشرعُ زَانِي

وزمانِي قد لَجَّ في تغْرِيبي

أتُرانِي قد نِكْتُ أمَّ الزمانِ

التغريب عند أبي حنيفة منسوخ في حق البكر، وعامة أهل العلم على أنه ثابت، على ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب وغرب.

يا عرباً باللِّوَى وكاظِمةٍ

لي في مَقَاصِير حَيِّكم أرَبُ

بأهْيَفٍ كالقضِيبِ إن هتفَتْ

صَباه سقتْهُ أعْيُني السُّكْبُ

كالشمس أنوارُه وغُرَّته

فماله بالظَّلام ينْتقِبُ

تسْفَح من سَفْح مُقْلتِي سُحُبٌ

إذْ لاح مِن فيهِ بارِق شَنِبُ

كأنَّما فيْضُها ووابِلُها

أعارَه الفَيْضَ راشِدُ النَّدْبُ

ومن جيد شعره قوله يمدح الشريف راشداً:

إلى مَ انْتظارِي للوصالِ ولا وَصْلُ

وحتَّى مَ لا تدْنو إليَّ ولا أسْلُو

وبين ضُلوعي زَفْرةٌ لو تَبوَّأتْ

فؤادَك ما أيْقنْتَ أن الهوى سَهْلُ

جميلاً بصَبٍ زادَه النَّأْيُ سَلْوةً

ورِفْقاً بقلبٍ مَسَّه بعدك الخَبْلُ

إذا أطْرفتْ منك العيونُ بنَظْرةٍ

فأيْسَرُ شيءٍ عند عاشقِك القتلُ

أمُنْعِمةٌ بالزَّوْرةِ الظبيةُ التي

بخَلْخَالِها حِلْمٌ وفي قُرْطِها جَهْلُ

ومَن كُلَّما جَّردْتها من ثيابِها

كساها ثياباً غَيْرَك الفاحمُ الجَثْلُ

هذا البيت من قصيدة المتنبي الفائية، أولها:

لِجِنِّيَّةٍ أم غادةٍ رُفِع السِّجْفُ

لم يغير فيه إلا القافية، وهي الوحف.

والوحف: الشعر الكثير الملتف.

والجثل: الكثير اللين.

سقى المُزْنُ أقواماً بوَعْسَاءِ رَامةٍ

لقد قُطِّعتْ بيني وبينهم السُّبْلُ

وحَيَّى زماناً كلما جئتُ طارقاً

سُلَيْمَى أجابتْني إلى وصْلِها جُمْلُ

معناه أن الحسان يطلبن وصله لما يرون من لباقته.

وأخرج منه قول الأمير المنجكي:

قضَيْتُ حَقَّ الصِّبا وفي كبدِي

هوىً عليه الحِسانُ في جَدَلِ

والذي حاز قصبات السبق في هذا العتبى، في قوله:

رأيْنَ الغوانِي الشيبَ لاح بمَفْرِقِي

فأعْرَضْنَ عنِّي بالخدُودِ النَّواضرِ

وكُنَّ إذا أبْصَرْنَنِي أو سَمِعْنَ بي

سَعَيْن فرقَّعْنَ الكُوَى بالمَحاجِرِ

ولقد أبدع الوزير أبو محمد بن عبد الغفور الأندلسي، من رقعة: كنت والشباب نضر الحلى، قبل حلول هذا الشيب الذي علا، كريماً على ذات الطلى، لا تعترض في لمكان القلة بلولا.

ولما طار غراب الشباب بان المشيب، ورحت رث الجلباب بعد كل سحتٍ قشيب.

سمعتهن حيناً يتبرمن، وحيناً يترنمن، إلا أنهن يجمجمن ولا يترحمن.

وبفضل حاستي ولله الحمد ما فهمت الوزن، فلما استقريت لتعرف حروفه السهل والحزن، عثر لهجي في تطلب تلك الضالة بلعل وعسى، بقول الملك الضليل:

ألِمَّا على الرَّبْعِ القديمِ بِعَسْعَسَا

ولم أزل بعد محدثاً موسوسا، حتى سقط بي اليقين على قوله، وقد ساءني في صدر هذا الرأي:

أرَاهُنَّ لا يُحْبِبْنَ مَن قَلَّ مالُه

ولا مَن رأَيْنَ الشيبَ فيه وقَوَّسَا

وإذا قوس ظهر المرء فقد استحال جماله، فإذاً، قاتلهن الله، يحببن القبيح ذا المال، والفقير ذا الجمال.

تتمة القصيدة:

تَوَدُّ ولا أصْبُو وتُوفِي ولا أفِي

وأنْأَى ولا تَنْأى وأسْلُو ولا تَسْلُو

إذِ الغُصْنُ غَضٌّ والشَبابُ بمائِهِ

وجِيدُ الرِّضَا من كلِّ نائِبةٍ عُطْلُ

ومِن خَشْيةِ النارِ التي فوق وَجْنتِي

تقاصَر أن يدنُو بعارِضِيَ النَّمْلُ

برُوحِيَ مَن ودَّعْتُها ومدامعِي

كسِقْطِ جُمانٍ جُذَّ من سِمْطِه الحَبْلُ

كأن قِلاصَ المالِكيَّةِ نَوَّخَتْ

على مَدْمعِي فارْفَضَّ مُذْ سارتِ الإبْلُ

هذا من قول المتنبي:

ص: 368

كأن العِيسَ كانتْ فوق جَفْنِي

مُناخاتٍ فلما سِرْنَ سَالَا

والمتنبي أخذه من قول بشار:

كأنَّ جُفُونِي كانت العِيسُ فَوْقَها

فسارتْ وسالتْ بعدهنَّ المَدامِعُ

وما ضُربتْ تلك الخيامُ بعالِجٍ

لقَصْدٍ سوَى أن لا يُصاحِبني العَقْلُ

وحَدَبٍ كأنَّ العِيسَ فيه إذا خَطتْ

تُسابِق ظِلاً أو يُسابِقُها الظِّلُّ

سَئِمْنَ بنَا الأنْضاءُ حتى كأنَّنا

حَيارَى دُجىً أو أرْضَنا معنا قَفْلُ

إذا عَرضتْ لي من بلادٍ مذلَّةٌ

فأيْسَرُ شيءٍ عنديَ الوَخْدُ والرَّحْلُ

وليس اعْتِسافُ البِيدِ عن مَرْبَعِ الأذَى

بذُلٍ ولكنَّ المُقامَ هو الذُّلُّ

ولا أنا ممَّن إن جهلتَ خِلالَه

أقامتْ به القَاماتُ والأعْيُن النُّجْلُ

فكلُّ رياضٍ جِئْتُها ليَ مَرتَعٌ

وكلُّ أُناس أكْرمُوني همُ الأهْلُ

ولي باعْتمادِ الأبْلجِ الوَجْهِ رَاشدٍ

عن الشُّغْلِ في آثارِ هذا الورَى شُغْلُ

هُمامٌ رسَتْ للمجدِ في جَنْبِ عَزْمِه

جِبالٌ جبالُ الأرضِ في جَنْبِها سَهْلُ

وليثٌ هَياجٌ ما عَرِينَ جُفونُه

من الكُحْل إلَاّ والعَجاجُ لها كُحْلُ

يقوم مَقامَ الجيشِ إن غابَ جيْشُه

ويخْلُف حدَّ النصلِ إن غُمِد النَّصْلُ

زكَتْ شرَفاً أعْراقُه وفُروعُه

وطابتْ لنا منه الفضائلُ والفِعْلُ

إذا لم يكنْ فعلُ الكريمِ كاصْلِه

كريماً فما تُغْنِي المَناسبُ والأصلُ

من النَّفَرِ الغُرِّ الذين تحالَفُوا

مدَى الدهرِ لا يأتي ديارَهمُ البُخْلُ

كِرامٌ إذا رامُوا فِطامَ وَليدِهمْ

عن الثَّدْيِ حطُّوا البُخْلَ فانْفَطم النَّجْلُ

ليوثٌ إذا صَالُوا غُيوثٌ إذا هَمَوْا

بُحورٌ إذا جادُوا سيوفٌ إذا سُلُّوا

وإن خطَبوا مَجْداً فإن سيوفَهمْ

مُهورٌ وأطرافُ القَنا لهمُ رْسْلُ

إذا قفَلُوا تَنْأَى العُلَى حيثما نأَوْا

وإن نزَلُوا حلَّ الندَى أينما حَلُّوا

هذا معنى متداول، منه قول المتنبي:

الحسنُ يرحَلُ كلما رحَلُوا

معهم وينزلُ حيثما نزَلُوا

تَوالتْ على كسْبِ الثناءِ طِباعُهم

فأعْراضُهم حِرمٌ وأمْوالهم حِلُّ

أمَوْلايَ إن يَمْضُوا ففِيك سَما العُلَى

وقامتْ قَناةُ الدِّين وانْتشر العَقْلُ

وإن يكُ قد أفْضَى الزمانُ بسالمٍ

فإنك رَوْضُ الوَبْلِ إذْ ذهَب الوَبْلُ

هذا معنىً تلاعب به المتنبي وكرره، في تفضيل البعض على الكل، فأحسن وأجاد، حيث قال:

فإن يكُ سَيَّارُ بن مُكْرَمٍ انْقضَى

فإنك ماءُ الوردِ إن ذهبَ الوَرْدُ

وقال:

فإن تكُنْ تَغْلِبُ الغَلْباءُ عُنْصُرَها

فإنَّ في الخمرِ معنىً ليس في العِنَبِ

وقال:

فإن تَفُقِ الأنام وَأنت منهمْ

فإن المسكَ بعضُ دمِ الغزالِ

وقال:

وما أنا منهمُ بالعَيْشِ فيهمْ

ولكن مَعْدِنُ الذهبِ الرَّغامُ

ولبعضهم منه:

وكان أبوك لنَا كالْحَيَا

فوَلَّى وأبْقاك مثلَ الغَدِيرِ

وله أيضاً:

ألَا للهِ قومٌ إن تَولَّوْا

لهم نَسْلُ يُسَلُّونَ المُصابَا

فإنهمُ الْحَيَا وَلَّى وأبْقَى

لنا رَوْضاً وأنْهاراً عِذابَا

إليك ارْتمتْ فِينا قَلوصٌ كأنها

قِسِيٌّ بأسْفارٍ كأنَّهُمُ نَبْلُ

يعني أنحلها السرى، بحيث صارت من الهزال كالقسي.

وأول من وصف النوق بهذا الوصف البحتري، في قوله:

يتَرقْرَقْنَ كالسَّرابِ فقد خُضْ

نَ غِماراً من السَّرابِ الجاري

ص: 369

كالقِسِيِّ المُعَطَّفاتِ بل الأسْ

هُمِ مَبْريَّةً بل الأوْتارِ

ثم تداول الشعراء هذا المعنى، وتجاذبوا أطرافه.

فمنهم الشريف الموسوي، حيث قال:

هُنَّ القِسِيُّ من النُّحُولِ فإن سَمَا

طلبٌ فهُنَّ من النَّجاءِ الأسْهُمُ

وقد أخذه ابن قلاقس، فقال:

خُوصٌ كأمْثالِ القِسِيِّ نَواحِلاً

فإذا سَمَا خَطْبٌ فهُنَّ سِهامُ

وقال ابن خفاجة:

وقِدْماً بَرَتْ منَّا قِسِيّاً يَدُ السُّرَى

وفَوَّق منها فوقَها المجدُ أسْهُمَا

وهذا منزع عبد علي.

وما زَجَر الأنضاء سَوْطي وإنَّما

إليك بلَا سَوْقٍ تَسابقتِ الإبْلُ

يَمِينُك لا أقْصَى الزمانُ بها حَياً

وكَهْفُك لا أوْدَى الزمانُ له ظِلُّ

وكلُّ لحاظٍ لستَ إنْسانَها قَذَىً

وكلُّ بلادٍ لستَ صَيِّبَها مَحْلُ

وله من أخرى في مدحه أيضاً.

أولها:

يا دارَها بالشِّعب شِعب الحائلِ

غادَاكِ مُرْفَضُّ الغَمام الهاطلِ

تبدَّلتْ عن كلِّ حالٍ آنِسٍ

من أهلِها بكلِّ ناءٍ عاطلِ

عُجْنَا بها رِكابَنا لكي ترى

ما فعلتْ أيدِي الزمانِ الماحلِ

كأنما كلُّ هوَى قُلوبِنا

رُكِّبَ في قوائمِ الرَّواحلِ

والْتثمتْ جَحْفَلها تُرابُها

فمُسْعِدي مُلْتثَمُ الجَحافلِ

إن مَصَح الدهرُ رُبَا رُبوعِها

فليس تُمصَح الرُّبَى بهاطِلِ

وإن تُمتْ بعدَهم ديارُهم

فالنَّازلون أنْفس المنازلِ

للهِ عيشٌ ذهبتْ نَضْرتُه

كأنه رَقْدةُ ظِلٍ زائلِ

وليلةٌ قضَّيْتُها بعاقل

سقَى الغمامُ ليْلتي بعاقِلِ

إذِ الثُّرَيَّا لِمَمٌ نُجومُها

كأنها تُرْسُ فَتىً مُنازِلِ

والبدرُ في كبدِ السماءِ حائرٌ

كأنه وعدُ حبيبٍ ماطلِ

أحْيَيْتُها مرتشِفاً بَلابِلاً

تهْرُب عند شُرْبِها بَلابِلِي

أرشِفُها حتى إذا ما فرغتْ

جمعتُ بين القُرط والخلاخِلِ

يحتمل أن يكون جمع بينهما في التمتع بالنظر فحسب، وأن يكون جمع بينهما في التمتع بالفعل، كما يقال في الكناية عن الفعل: رفع كراعها، وشال شراعها، وألحق قرطها بخلخالها.

ووقع لي في الإحماض:

ولقد ضلِلتُ عن الطريق بغادةٍ

جعلَتْ رَشادِي سُخْرةً لضَلالِي

فحنَيْتُها فعلَ المُكِبِّ لِحاجةٍ

وجمعتُ بين القُرْطِ والخَلْخَالِ

وإضلال الطريق، كناية عن ابتغاء ما لم يكتب الله.

لِلَّهْوِ ساعةٌ تمُرُّ خُلْسةً

كأنها تقبيلُ ثَغْرِ راحلِ

هذا بعينه بيت المتنبي:

لِلَّهْوِ آوِنةٌ تَمُرُّ كأنها

قُبَلٌ يُزوِّدها حبيبٌ راحلُ

وأصله قول البحتري:

وزمانُ السرورِ يمْضِي سريعاً

مثلَ طِيبِ العناقِ عند الفِراقِ

ومن مديحها:

مُعتنِقُ الحِلْم اعْتناقَ فَتْكِه

مُجْتنِبَ البُخْل اجْتنابَ الباطلِ

إذا ارْتدَى الفَضْفاضَ قال قائلٌ

مَن نَظَر البُحورَ في الجداولِ

لا يلْتقي الحربَ بغير مُهْجةٍ

جليلةٍ تُدْخَر للجلائلِ

وشُذَّبٍ إن صدرتْ رايَتُها

سلم الصِّغاحِ كلم الأناظل

تركُض من غُبارِها بعارِضٍ

تسْبَح من دِمائِها بوابلِ

يا مُظْمِىءَ الخيلِ كأنْ ليس لها

غيرُ دماءِ الصِّيد من مَناهلِ

ومُورِدَ البِيضِ كأنَّ صَوْتَها

على العِدَى قَعْقَعةُ السَّنادلِ

تختطِف الهامَ بها نَواشِداً

لا قُطِّعتْ سواعدُ الصَّياقلِ

كأنَّما حَكْمَتُها على الشَّوَى

حِكْمة لُقْمانَ على المفاصلِ

ص: 370

هل لكَ في فَخْرِك من مُفاخِرٍ

هل لك في فَضْلِك من مُفاضِلِ

وما عسى فخرُهم ومَعْنُهم

كمادِرٍ وقُسُّهم كباقلِ

قد قصَدوا واللهِ غيرَ قاصدٍ

وافْتعلُوا واللهِ غيرَ فاعلِ

وخاصَمُوا مُهنَّداً ليس له

للدِّين غيرُ النَّصرِ من حَمائلِ

رامُوا اكْتِتامَ نُورِ حَقٍ بَاهرٍ

وحاوَلُوا قَصْرَ كمالٍ طائلِ

وما سمعْنا أو رأيْنا في الدجى

قد كُتِمتْ شَعْشَعةُ المَشاعِلِ

أحَبُّ كلّ مَرْتعٍ مُعْشِبُهُ

وأيْمَنُ الأكُفِّ كَفُّ باذلِ

إذا أرادَ اللهُ كَشْفَ مَنْقَبٍ

خافٍ رَماه بِعنادِ خاملِ

هذا من قول أبي تمام:

وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فضيلةٍ

طُوِيتْ أتاح لها لسانَ حَسُودِ

لولا اشْتعالُ النارِ فيما جاورتْ

ما كان يُعرَف طِيبَ عَرْفِ العُودِ

لولا اشْتعالُ النَّارِ واضْطِرامُها

ما عُرِف الرِّمْثُ من الصَّنادِلِ

فجاءَهم لا سيفُ عَزْمٍ كاهِمٌ

ولا جَوادُ همَّةٍ بناكلِ

تطْعنُهم مُعْتجِلاً على القَنا

كرَكِّ لامَيْنِ بفَرْقِ نابلِ

قد يُدرَك المجد بجهْلِ جاهلٍ

ويُصْحَبُ الذلُّ بعَقْلِ عاقلِ

لا عدِم الناسُ جنَى فضيلةٍ

منك فأنت مَعْدِنُ الفضائلِ

وكتب إلى القاضي تاج الدين المالكي المكي، قوله:

وحقِّ من أرْتجِي شَفاعَتَهُ

يوم تكون السماءُ كالمُهلِ

ما سرتُ عنكم ولي حَشاً بسِوَى

خيالكُم مُذْ نَأيْتُ في شُغُلِ

يا تاجَ دِينِ الإخاءِ ما أنا مَنْ

يُفْضل عنكم ركائبَ الرُّسُلِ

لكنني قد جعلتُ مُعتَمدِي

ما أثْبتتْه لنا يدُ الأزَلِ

وخُذْ على البُعدِ ما همَى مطَرٌ

تحيَّةً من أخيك عبدِ علِي

ومن بدائعه ميميته المشهورة، وهي مما يتغنى بها في نغمة الحجاز.

ومستهلها:

لِمَن العِيسُ عَشِيّاً تترامَى

تركتْها شُقَق البَيْن سُهامَا

كلما بَرْقَعها نَشْرُ الصَّبا

لبسَتْ من أحمرِ الدَّمعِ لِثامَا

وترامَتْ خُضَّعاً أعناقُها

كلما هَزَّ لها البَرْقُ حُسامَا

شَفَّها وَجْدٌ بَراها لِلْحِمَى

فهْي تَثْنِي لِرُبَى نَجْدٍ زِمامَا

وتَلافاها نسيمٌ حامِلاً

عن قُرى وَجْرةَ أنْفاسَ الخُزامَى

يا تُرَى من حملتْ لو وقَفُوا

ساعةً نَشْرَحُ وجداً وغَرامَا

ومن الجهلِ أُراه يَقْظةً

إنَّني لا أترجَّاه مَنامَا

يا بَني عُذْرةَ هل من آخِذٍ

بدَمِي المَسْفوحِ مَن حَلَّ الخيامَا

قمرٌ لولا يُرَى بدرُ الدُّجَى

ما حوَى البَدْرُ كمالاً وتَمَامَا

غادِرٌ لم يَرْعَ مِنِّي نَسَباً

دون أن يحْفظَ عَهْداً وذِمامَا

نَسَبٌ أيْسَرُه أنَّ الهوى

بين خَدَّيْه لَهِيباً وضِرامَا

وبجِسْمِي مِن بَقايا حُبِّه

شِبْهُ طَرْفَيْه فُتوراً وسَقامَا

يا نَدامايَ دَعا خَمْرَكُما

إن أراق الحِبُّ مِن فِيه مُدامَا

وانْثنِي يا قُضُبَ الْبانِ إذا

رَنَّحتْ خمرُ اللَّمَى ذاك القَوامَا

وانْسَ يا رَوْضُ أقاحِيكَ غِنىً

فلقدْ أبْدَى من الثَّغْرِ ابْتسامَا

عاقَب اللهُ بأدْهَى صَمٍَ

أُذُنِي إن سمِعتْ فيك مَلامَا

وعَمَتْ عن أن ترى ذاك الْبَها

مُقْلتِي إن زَارَها النومُ لِمَامَا

ص: 371

أنا من ينظرُ في شَرْعِ الهوى

كلَّ شيءٍ ما سوى الحبِّ حَرامَا

وقوله من قصيدة يتغنى بها في السيكاه، ولم يحفظ منها إلا قوله:

أمَا والهوى لولا العِذارُ المُنَمْنَمُ

لمَا اهْتاجَ وَجْدِي ساجِعٌ يترنَّمُ

ولا اهْتجَعتْ عَيْنايَ من فَيْضِ مَدْمَعِي

قضَى جَرْيُها أن لا يُفارِقَها الدَّمُ

هو الحبُّ ما أحْلَى مُقاساةَ خَطْبِه

وأعْذَبَه لو كانتِ العَيْنُ تكْتُمُ

ومن مقطعاته قوله، وهو أيضاً مما يتغنى به في نغمة الحجاز:

لا تطلُعِي في قمرٍ إنَّني

أخاف أن يغلطَ أهلُ السَّفرِ

أو طلعتْ شمسٌ فلا تطلعِي

أخاف أن تعمَى عيونُ البَشَرِ

وأبدع ما له قوله في راقص، إذا تراءت محاسنه للعيان، جمدت له في وجوههن العينان، وإن قابلته العيدان في يد الكواعب، تحركت أوتارها بغير ضوارب، وهو قوله:

وراقصٍ كقضِيب الْبانِ قامَتهُ

تكاد تذْهبُ رُوحِي في تنقُّلِهِ

لا تستقِرُّ له في رقْصِهِ قَدَمٌ

كأنَّما نارُ قلبي تحت أرْجُلِهِ

ألم فيه بقول السري الرفاء، في وصف جواد:

لا يستقرُّ كأنَّ أرْبَعَهُ

فُرِشَ الثَّرى من تحتها جَمْرَا

ومما يلطف قول السري، في وصف راقص:

ترى الحركاتِ بلا سُكونٍ

فتحسَبُها لخِفَّتِها سُكونَا

كسَيْرِ الشمسِ ليس بمُسْتقِرٍ

وليس بمُمْكِنٍ أن يسْتبينَا

ولعبد علي:

دَعِ الدنيا ولا ترْكَنْ إليها

فزُخْرُفها سيذْهبُ عن قليلِز

وإن ضحِكتْ بوجْهِك فهْو منها

كضِحْك السيفِ في وَجْهِ القتيلِ

وله:

فِتْيةُ الكهفِ نَجَا كَلْبُهمْ

كيف لا ينْجُو غَداً كلبُ عَلِي

علي بن خلف بن عبد المطلب الموسوي الحويزي هو الخلف نعم الخلف، فائقٌ بمعونة الله على السلف.

فمن رأى ما في شعره من الصنعة والإغراب، عرف أن خلفاً استخلفه على اللغة والإعراب.

فلله من معانٍ يصوغها، ومجاني عباراتٍ يسوغها.

ينفق فيها من خاطرٍ واسعٍ وفكرٍ ملي، ويوضح مذاهب البلاغة حتى يحقق أن نهج البلاغة لعلي.

وقد أثبت منها ما يشهد له بالإحسان، ولو أنصفه الدهر لرقم به خدود الحسان.

فمنه قوله: من قصيدة، أولها:

مَكانَك يا وَجْدَ الفؤادِ المُعذَّبِ

إلى أن يعودَ الحيُّ بالجزِعِ واذْهَبِ

وهيْهات أن يُرجَى زوالُ مُلازمٍ

من الوجدِ ثاوٍ في الضَّمير مُطنِّبِ

وهَبْهم نأَوْا أو قارَبوا أو تعطَّفوا

بوَصْلٍ فما قلبي عليهم بقُلُّبِ

وإنَّ غراماً خامَر القلبَ في الصِّبا

متى ينْتشِق روحَ اللِّقا يتلهَّبِ

وقوله:

في أَمانٍ من الإله ورَحْبِ

أيها الظَّاعِنونَ عنِّي بلُبِّي

ما كفَى الدهرَ سَعْيُه بنَوى الأحْ

بابِ انْثنى بتشْتيت صَحْبي

لستُ أنْسَى أيَّامَنا بلِوَى الجِزْ

عِ وعَيْشي منه بوَصْلٍ وقُرْبِ

حيثُ وادِي تِهامةَ لِي دا

رٌ ومحَلٌّ وشِعْبُ رَامَةَ شِعْبي

وأخٌ لو بُعدتُ عنه بأصْلِي

قد دَنَا من حِماه قلبي ولُبِّي

لو دَعانِي من البِعادِ لخَطْبٍ

كنتُ فيما دعا إليه مُلبِّي

فعزيزٌ عليه يفْقِد شخصِي

وعزيزٌ أن لا أراه بسِرْبي

صاحبٌ إن شكَوْتُه داءَ خَطْبٍ

كأن ممَّا أصابه داءُ خَطْبِ

وقوله:

إن سُرَّ وَاشِينا بفُرْقتِنا

إذْ ساءَه ما كان في القُربِ

ظَنّاً بأن البُعدَ صاحبُه

ينْجُو من الأشْجانِ والحُبِّ

لا سُرَّ وَاشِينا فإنَّك قد

حُوِّلْتَ من عيْني إلى قلبي

وقوله، وهو بأصبهان:

طارحُوني صَبابتِي والجوَى

بمَقالٍ يُشْجِي القلوبَ ويُصْبي

هذه أصْبَهان ما تشْتهي الأنْ

فُسُ فيها وكلُّ نُزهةِ صَبِّ

ص: 372

وإذا ما دَعاكض للْغَيِّ دَاعٍ

كنتَ فيما دَعاك غيْرَ مُلَبِّ

قلتُ قد صح ما تقولون عندي

يا صِحابي لو كان عنديَ قلْبي

وقوله:

وذِي هَيَفٍ خاطبْتُه فأجابنِي

بأطْيبَ من ماءِ الحياةِ وأعْذَبِ

يحدِّث حتى لو حكَى الدهرَ كلَّه

أقولُ له أوْجَزْتَ في القولِ فأطْنِبِ

وقوله:

يا نسيماً هبَّ من وادِي قُبَا

خَبِّرينِي كيف حالُ الغُرَبَا

كم سألْنا الدهرَ أن يجمعَنا

مثْلَما كنَّا عليه فأبَى

وقوله:

أحِنُّ إلى ذاك الزمانِ وإنما

حَنِيني لِمَن زان الزمانَ بقُرْبِهِ

وأهْوَى الحِمَى لا أنَّني عاشقُ الحِمَى

ولكنَّني مُغْرىً بسُكان شِعْبِهِ

فآهاً لوَجْدِي كيف يبْقَى رَسِيسُه

وآهاً لصَبْرِي كيف يقْضِي بنَحْبِهِ

وقوله:

إن جئتَ سُكَّان الأرَاكِ ففرِّجِ

منهم على الظَّبْيِ الأغَنِّ الأدْعَجِ

وإذا أتيْتَ رَبَارِباً برُبَى الحِمَى

فاقْرَ السلامَ رَبيبَ ذاك الهَوْدَجِ

واسْتفْتِه كيف اسْتحلَّ دِماءَنا

فقضَتْ لواحِظُه ولم تتحرَّجِ

للهِ وِقْفتُنا وقد صاحُوا النَّوى

فدَعوْت يا حادِي المَطِيِّ بهم عُجِ

كم شمس خِدْرٍ يوم ذاك تبرَّجتْ

وهي التي للنَّجْمِ لم تتبرَّجِ

وَدَّ الهلالُ وما رآها أنَّه

منها مكانُ سِوارِها والدُّمْلُجِ

ومُعذِّل لي بالغرامِ أجبْتُه

يا عاذِلي أين الخَلِيُّ من الشَّجِي

هلَاّ عُزِلتَ وما دخلتَ بضِيقةٍ

فالآن قُلْ لي كيف وَجْهُ المَخْرَجِ

قلت: هذه الأبيات الجيمية كأن كل جيمٍ منها عطفة صدغ مزرد، ونقطتها خالٌ في كرسي خدٍ مورد.

وله:

يا مَجْمَعَ الأزهارِ والوَرْدِ

لا كان هذا آخرَ العهدِ

حَيَّتْ طُلولَك كلُّ غاديةٍ

وجَب الثناءُ لها على الرَّنْدِ

للهِ ليلتُنا عليك وقد

مزَج السرورُ الهَزْلَ بالجِدِّ

والزَّهرُ يبسَم كلَّما هَملتْ

عينُ السحابِ بواكِف العَهْدِ

ونَسِيمُك المُعْتلُّ صَحَّ به

جسمِي من الآلام والجَهْدِ

أهْلاً به من زائرٍ طَرقتْ

أنْفاسُه بالعنْبَرِ الوَرْدِ

ما زال يحْكينا ويُسِند ما

يحْكيه عمَّن حَلّ في نَجْدِ

لا عن قِلىً فارقتُ زهرَكَ يا

خيرَ الرِّياضِ ولم يكنْ وُدِّي

إن كان حيَّى بالسرورِ فقد

أبْقَى بقلبي لاعِجَ الوجدِ

فكأن أحمره بأصْفرِه

دمعي غداةَ نأَيْتَ في خَدِّي

وله:

بشَّرْتَ بالخير يا بَشيرِي

جئتَ على الوَفْقِ من ضميرِي

لو أحدٌ طار من سُرورٍ

لطِرْتُ من شدَّةِ السرورِ

قد قلتُ بدرُ الكمال وافَى

بعد اخْتفاءٍ عن الظهورِ

أجَلْ هو البدرُ في عُلاهُ

فذاك مِن عادةِ البُدورِ

فإن تخفَّى فلا لنقْصٍ

وإن بدا ليس بالنَّكيرِ

فهْو على الحالتيْن يبْغِي

بِفعْلِه طاعةَ القديرِ

سَمحْتَ يا دهرُ بالأمانِي

أحْسَنْتَ يا أحسنَ الدهورِ

وزاره الحشري الشامي فلم يجده ثم زاره هو فلم يجده أيضاً، فأنشد على الفور:

ما احْتيالِي على مُعاكسةِ الدهْ

رِ وما زال دهرُ مثْلِي غَرُورا

زُرْتَني يا أخِي وزرتُ فما سَا

مَح أن ألْقاك زائراً ومَزُورَا

فعسَى تعْذُر المحِبَّ كما كنْ

تَ لديْه بمثلِها مَعْذُورَا

ومن مقاطيعه قوله:

سحقْنَا عقودَ الدُّرِّ عند عِناقِنا

وكادتْ عُقودُ الدرِّ أن تَصْدَع الصَّدْرَا

ص: 373

فلم أدْرِ من يشكو أدُرُّ عُقودِها

أم الصدرُ مما نالَه يشْتكي الدُّرَّا

سحق العقود من مخترعات ابن هندو في قوله:

ولمَّا أن تعانَقْنا سحَقْنَا

عقودَ الدُّرِّ من ضِيق العناقِ

ومثله ذوب حصا الياقوت في قول أبي الجوائز:

واعتنقْنا ضَمّاً يذوب حَصَا الْيَا

قوتِ منه وتطمئنُّ النُّهودُ

وقال فيها الباخرزي: ذوب تتذاوب فيه الأماني، وسحقٌ تتساحق عليه الغواني.

ومن بدائعه قوله:

أيا أختَ الظِّباءِ وبنتَ بَدرِ السَّ

ماءِ وضَرَّةَ الشمسِ المُنيرَهْ

عشِيرتُك النجومُ فمن يُدانِي

عُلاكِ وأنتِ في سَعْدِ العَشِيرَهْ

ومن عَجَب أسَرْتِ القلبَ قسْراً

وأنت لحَجْلِك الزَّاهِي أسِيرَهْ

وقوله في صفة جواد أغر:

ومُطَهَّمٍ كالليلِ حين ركبْتُه

فكأنَّ بدراً فوق ليلٍ أسْفَعِ

جاء الصباحُ يريد مَسْحَ جبِينِه

في كفِّه فهَفا ومَسَّ بأُصْبُعِ

هذا عند التأمل أوضح في التشبيه، من قول ابن نباتة:

وكأنَّما لَطم الصباحُ جَبِينَهُ

وله:

ذُقْنا الفِراقَ ووَصْلَكم ووَداعكُمْ

فإذا الحلاوةُ بالمرارةِ لا تَفِي

حلَف الزمانُ بأن يفِي بوصالِكم

وثنَى فكان يمينُه أن لا يَفِي

يا مَن دَنا وثنَى عِنان وِصالِه

حُوشِيتَ من زَفَراتِ قلبِي المُدْنَفِ

فلئن وجدتُمْ في البحارِ مُلوحةً

ما ذاك إلا مِن دموعِي الذُّرَّفِ

وله:

برُوحِي التي لم تُبْقِ منّي بقيَّةً

فَيعرفَ صوتي إن تكلَّمْتُ عارِفُ

نحَلْتُ فلو أنِّي طَرقْتُ ديارَها

لقالتْ خيالٌ زار أم هو هاتِفُ

وله من قصيدة، مطلعها:

عسى وجَفَاتِ اليَعْمَلاتِ ألأيانقِ

تُبلِّغني وادِي العُذَيْب وبارِقِ

فيَهدأ قلبٌ خافِقٌ من زِيالِهمْ

وإن كان في غير الهوى غيرَ خافِقِ

لئن راعَنِي ما اسْوَدَّ من يوم بَيْنِهمْ

فما راعَهم إلَاّ بياضُ مَفارِقِي

فهل بِوَمِيض البرقِ عَوْنٌ لناظرٍ

على البُعد ليلاً عن يَمِين الأبارِقِ

وهل بهبُوط الوادِيَيْن مُعرِّسٌ

وهل بنسِيم الرِّيح رَوْحٌ لناشِقِ

نعمْ إنْ تَزُرْ تلك الديارَ تجِدْ بها

لُبانةَ مُشتاقٍ وحَنَّةَ عاشِقِ

بحيث الحصَا كاللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ بَهْجةً

وطِيبُ ثَراها فاق مِسْكَ العوابِقِ

ديارٌ إذا ما الصَّبُّ زار خِباءَها

رأيتَ عجيباً من مَشُوقٍ وشائقِ

ولكنَّها مَحْفوفةٌ بضَراغِمٍ

أتَوْا من مُرورِ الرِّيح في زِيِّ طارقِ

فلو قدَّرُوا أن لا يُرَى النجمُ عندَهم

رَمَوْا كلَّ نَجْمٍ في السماءِ بخارِقِ

ولولا شُروطُ الحبِّ زُرْتَ خيامَهم

زيارةَ غَازٍ لا زيارةَ وَامِقِ

على كلِّ مقْدُودٍ من الليلِ جِسْمُه

يُعاجِلُ رَجْعَ الطَّرْفِ حين التَّسابُقِ

ولا عجَبٌ لو راح للرِّيح لاحِقاً

إذا كان يُعْزَى للوجِيهِ ولاحِقِ

فلو رام ساري البرقِ يسْرِي خيالُه

لَقال اتَّئِدْ يا برقُ لستَ مُرافِقِي

من الَّلاءِ لم تعرف سوى الكَرِّ غارةً

إذا امْتلأتْ رُحْبُ الفَلا بالفَيَالِقِ

يُجشِّمها مَن هَوَّن الموتَ عنده

طِلابُ المَعالِي واحْتمالُ الحقائقِ

تحمَّل أعْباءَ الخُطوب وإنَّها

تمِيدُ لها صُمُّ الشِّدادِ الشَّواهِقِ

وإن احْتمالَ الخَطْب في كلِّ حادثٍ

طرائقُ آبائي وبعضُ طَرائقِي

فما عُذْرُ من عادتْ جَراثِمُ أصْلِه

إلى كاظِمٍ للغَيْظ من بعد صادقِ

ص: 374

وهذا أبِي الدَّانِي الذي سار ذِكْرُه

مَسِيرَ ذُكَا في غَرْبِها والمَشارِقِ

وله من أخرى، أولها:

أسَلِيلةَ القمريْن دَعْوةُ وَامِقٍ

ماذا ترَيْنَ بمُسْتهامٍ عاشقِ

قد كان يطمعُ في وِصالِك يَقْظةً

والآن يقْنَع بالخَيالِ الطَّارقِ

يرضَى بوُدِّ مُنافِقٍ ومُماذِقٍ

مَن لم يجدْ وصلَ الصديقِ الصادقِ

هلَاّ صَدَدْتِ وشعرُ رأسِي أسْودٌ

أيَّام أرْهُف في ثيابِ مُراهِقِ

فترَيْنَ من شَغَفِ الحِسانِ بطَلْعتِي

ذُلَّ المَشُوقِ بجَنْبِ عِزِّ الشائقثِ

أنَسِيتِ لَيْلاتِ العَقِيق مَبِيتَنَا

والسَّاعِدان حَمائلِي في عاتِقِي

وحديثَنا عمَّا تُجِنُّ صُدورُنا

كاللُّؤْلُؤ المتناظِم المُتناسِقِ

في حيثُ رُمَّانُ النُّهودِ لغامِزٍ

حِلٌّ ومَيَّادُ القُدودِ مُعانقِي

وتضُوع من أزْياقِنا عِطْريَّةُ النَّ

فَحاتِ كالمِسكِ الفَتِيقِ الفائقِ

فَيُرَى بنا مِن شَوقِنا وعَفافِنا

حَجماتُ ذِي نُسْكٍ ونظرةُ فاسقِ

منها:

غَدْرُ الأنام مُعَنْعَنٌ عن دهرِهمْ

يُخْفِي العداوةَ في ثيابِ مُنافقِ

ولوَ انَّني رمتُ السُّلُوَّ لَخاننِي

قلبٌ على السُّلْوانِ غيرُ مُوافقِ

ومن محاسنه قوله:

بعيشِك خَبِّرْني إذا ذُكِر الحِمَى

أدْمْعِيَ أُجْرِي أم جُفونِي أم الوَدْقُ

إذا طلع الرُّكْبانُ منه اعْترضْتُهم

وأسألُهم بالرِّفْقِ لو عطَف الرَّفْقُ

ألا فاصدُقونِي عن عُرَيبٍ تركتُهم

به هل رَعَوْا عهدِي وإن ساءَني الصِّدْقُ

وأنْشَق من تِلْقائِه كلَّ ناسِمٍ

يُعِلُّ ويشْفي من لطَافتِه النَّشْقُ

وفي مَضْحَك البرقِ التِّهاميّ جِيرةٌ

بكَتْهُم جُفونِي كلَّما ضحك البَرْقُ

ويُذْكِي لهيبَ القلبِ وُرْقٌ ترنَّمتْ

ولو علمتْ ما ب بَكتْ شَجْوَها الوُرْقُ

تنُوح ولا تبْكِي وأندُب باكِياً

أجَلْ بين إعْوالِي ورَنتِها فَرْقُ

فيا ليْتني بُدِّلت نُطْقي بصَمْتِها

وكان لها منِّي الفصاحةُ والنُّطْقُ

وله:

أُبْدِي السُّلُوَّ لعاذِلي وبوادرُ الْ

أنفاسِ تخْصِمني بأنِّيَ وَامِقُ

وإذا سترْتُ هواكُمُ عن عاشقٍ

نادى عليَّ الدمعُ هذا عاشقُ

وخرج الشاه صفي إلى الصيد، وتخلف هو؛ لألمٍ ألم به، فكتب إليه:

أَلَمٌ ألَمَّ فعاقَنِي

عن خدْمةِ الشاهِ الأجَلِّ

وأوَدُّ لو أسعَى على

عَيْني لخدْمتهِ ومَن لِي

فو حقِّه ما إن أصُو

نُ النفسَ إلَاّ للْمَحلِّ

هو بَذْلُها وقتَ الهِيا

جِ له وذَا جُهْدُ المُقِلِّ

وقال، وهو في مازندران:

إن حالتِ الأطْوارُ من دونِكمْ

يا ساكنِي قلبي والثلجُ حَالْ

فصَبُّكمْ ما حالَ عن وُدِّه

والحمدُ للهِ على كلِّ حالْ

ومن جيده قوله:

وأطْوَلُ سَقْيٍ من هِلالٍ سطَا

ببَانةٍ تخْطُر أو لَحْظِ رِيمْ

أعْرَض إذْ عَرَّضنِي للضَّنا

كأنما أقْسَم أن لا يَريمْ

لو لم يظُنَّ الريح جسمِي لمَا

مالَ إذا ما صافَحتْه النسيمْ

وقوله:

سرَتْ نَسْمةٌ برَّدتْ غُلَّتِي

فَماد لها المُدنَفُ المُغْرَمُ

وحَيَّيْتُها بانْتشاقِي لها

لَوَ انَّ نسيمَ الصَّبا يفهمُ

وقوله من قصيدة:

دَعْنِي ولا تقُلِ الغرامُ جنونُ

رَشَدِي بأنِّي في الهوى مفْتونُ

قَيْسٌ بأُنْمُلِه يخُطَّ على الثرَى

وأنا بدَمعي والجنُون فُنونُ

إن كنتَ تعجبُ من حديثِ مُرَقِّشٍ

فاسْمَعْ حديثِي والحديثُ شجونُ

ص: 375

أنا مَن علمت فمُذْ تعرَّضْتُ الهوى

حكمتْ بلُبِّي أعينٌ وجفونُ

للهِ ما فتكَتْ بنا ألْحاظُها

يوم اللِّوَى تلك الظِّباءُ العِينُ

وقوله في الشمعة:

قلتُ ليلاً لصاحِبي ما ترَى الشَّم

عَةَ تبكي مهما نظَرْتَ إليهَا

قال هذا البكاءُ ليس عليْنا

كلُّ دمعٍ يسيلُ منها عليهَا

السيد حسين بن كمال الدين الأبزر الحلي هذا السيد في الحلة، متزين من الأدب بأجمل الحلة.

أجمع أهل بلدته، على أنه أشعر أهل جلدته، والرائد لا يكذب أهله، وهو أدرى بشعار حلته.

فمن شعره قوله؛ مذيلاً لبيت المتنبي، وأجاد:

أتى الزمانَ بَنُوه في شَبيبتهِ

فسرَّهُم وأتيْناه على الهَرَمِ

وهم على كلِّ حالٍ أدركوا هَرَماً

ونحن جئْنَاه بعد الموت والعَدَمِ

وبيت المتنبي منزعه قديم.

منه قول أبي تمام:

نظرتُ في السِّيَر الَّلاتِي مضَتْ فإذا

وجدتها أكلَتْ باكُورةَ الأُمَمِ

ابن السماح:

صفَا الدهرُ مِن قبلي ودِرْدِيُّه أتى

فلم يصْفُ لي مذ جئتُ بعدهمُ عُمْرُ

فجاءُوا إلى الدنيا وعصرُهم مضَى

وجئتُ وعصرِي من تأخُّرِه عَصْرُ

أبو جعفر المحدث:

لَقِيَ الناسُ قبْلَنا غُرَّةَ الدهْ

رِ ولم نَلْقَ منه إلا الذُّنابَا

المعري:

تمتَّع أبكارُ الزمان بأيْدِه

وجِئْنا بوَهْنٍ بعد ما خَرِفَ الدهرُ

فليت الفتى كالبدرِجُدِّد عمرُه

يعود هلالاً كلما فَنِيَ الشهرُ

كأنما الدهرُ ماءٌ كان واردَه

أهلُ العصور وما أبْقَوْا سوى العَكِرِ

وذكر الحافظ الحجاري في المسهب، أنه سأل عمه أبا محمد عبد الله ابن إبراهيم؛ عن أفضل من لقي من الأجواد في عهد ملوك الأندلس.

فقال: يا ابن أخي، لم يقدر أن يقضي لي طروقهم في شباب أمرهم، وعنفوان رغبتهم في المكارم، ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم، وساءت بتغيير الأحوال ظنونهم، وملوا الشكر، وضجوا من المروءة، وشغلتهم المحن والفتن فلم يبق فيهم فضلٌ للإفضال، وكانوا كما قال أبو الطيب:

أتَى الزمانَ...... إلخ.

وإن يكن أتاه على الهرم، فإنا أتيناه وهو في سياق الموت، ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز كان يحمل نفسه ما لا يحمله الزمان، ويبتسم في موضع القطوب، فيظهر الرضا في حال الغضب، ويجتهد ألا ينصرف عنه أحدٌ غير راضٍ، فإن لم يستطع الفعل عوض عنه القول.

قلت له: فالمعتمد بن عباد كيف رأيته؟ فقال: قصدته وهو مع أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، في غزوته للنصارى المشهورة، فرفعت له قصيدةً، منها:

يا ليت شعرِي ماذا يرْتضِيه لِمَن

ناداه يا مَوْئِلي في جَحْفَلِ النادِي

فلما انتهيت إلى هذا البيت، قال: أما ما أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه، ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان.

وأمر خادماً له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن، فإني انصرفت به إلى المرية، وكان بها سكناه، والتجارة بها؛ لكونها ميناء لمراكب التجار، من مسلم وكافر، فاتجرت فيها، فكان إبقاء ماء وجهي على يديه.

عيسى بن حسن بن شجاع النجفي روح في قالب إنسان مصور، اقتطف القول من غصنه عندما تنور.

مرآة ذهنه انطبعت فيها صور المحاسن، وماء رؤيته جرى في حدائق الأدب وهو غير آسن.

تتمتع بحسن منظره النظار، وأراه ما تحلى بهذا الشعار، إلا لكثرة ما حلى عليه من الأنظار.

وله صمادة فكر، لا تولد غير معنىً بكر.

قرائحُ بِكْرٍ ولَّدت بنتَ فِكْرةٍ

يطيشُ لها رأيٌ ويذكُو بها فكرُ

ولو لم تكنْ أنفاسُه عِيسَويَّةً

لما قلَّدته من قريحتِه بِكْرُ

قال ابن معصوم في ترجمته: رحل إلى الهند، ومدح الوالد، وحصل بينهما مراسلات طويلة، ولما حصل من أمله على مراده، وقضى أربه من انتجاع مراده، ثنى عنانه للقصد إلى أوطانه وبلاده، فركب البحر قاصداً وطنه عن يقين، فحال بينهما الموج فكان من المغرقين.

ومن شعره قوله يمدح النظام والد ابن معصوم المذكور:

ص: 376