المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السيد عبد الرحمن - نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة - جـ ١

[المحبي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الباب الأولفي ذكر محاسن شعراء دمشق

- ‌الشام ونواحيها لا زالت طيبة العرار والبشام

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بسم الله الرحمن الرحيمبقية الباب الأول

- ‌في محاسن شعراء دمشق ونواحيهافصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

- ‌السيد محمد بن السيد كمال الدين

- ‌أخوه السيد حسين

- ‌السيد عبد الرحمن

- ‌السيد عبد الكريم

- ‌السيد إبراهيم

- ‌شهاب الدين بن عبد الرحمن

- ‌أخوه إبراهيم

- ‌فضل الله بن شهاب الدين

- ‌ علي بن إبراهيم

- ‌ حفيده إسماعيل

- ‌ولده عبد الغني

- ‌أحمد بن ولي الدين

- ‌ولده عبد الوهاب

- ‌عمر بن محمد

- ‌حفيده محمد بن علي

- ‌حسين بن محمد

- ‌القاضي محب الدين

- ‌عبد اللطيف

- ‌ أخوه محب الله

- ‌محمد بن عبد اللطيف الشهير بالخلوتي

- ‌ السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله

- ‌فصل

- ‌محمد بن عمر الصوفي

- ‌على بن جار الله

- ‌حافظ الدين العجمي

- ‌مرعيّ بن يوسف الكرميّ

- ‌‌‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في الحثّ على المواعيد

- ‌فصل في شكوى حال غريب

- ‌فصل في مخاطبة محدّث

- ‌فصل في مخاطبة منطقيّ

- ‌فصل في مخاطبة نحويّ

- ‌خير الدين بن أحمد الحنفي

- ‌نجم الدين بن خير الدين

- ‌أحمد الخالدي الصفدي

- ‌حسن الدّرزيّ العيلبونيّ

- ‌محمد بن محي الدين المعروف بالحادي الصّيداويّ

- ‌حسين بن عبد الصمد الحارثيّ

- ‌ولده بهاء الدين

- ‌حسن بن زين الدين الشهيد

- ‌سبطه زين الدين بن محمد

- ‌السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني

- ‌ولده السيد جمال الدين

- ‌أخوه السيد علي

- ‌نجيب الدين بن محمد بن مكي

- ‌محمد بن حسن بن عليبن محمد، المعروف بالحر

- ‌محمد بن علي بن محمود الحشريّ

- ‌حسين بن شههاب الدينبن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

- ‌عبد اللطيف البهائي البعلي

- ‌حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي

- ‌عبد الجليل بن محمد الطرابلسي

- ‌رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي

- ‌فصل في وصف عمامة

- ‌المعروف بابن الأعوج

- ‌الباب الثاني في نوادر الأدباءبحلب الشهباء

- ‌مصطفى بن عثمان البابي

- ‌السيد موسى الرَّامحمدانيّ

- ‌أبو مفلح محمد بن فتح الله البيلوني

- ‌السيد محمد بن عمر العرضي

- ‌فتح الله بن النحاس

- ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

- ‌ولده السيد باكير

- ‌ السيد عبد القادر بن قضيب البان

- ‌ولده السيد محمد حجازي

- ‌السيد عبد الله بن محمد حجازي

- ‌ السيد يحيى الصادقي

- ‌السيد عطاء الله الصادقيّ

- ‌السيد محمد التقوى

- ‌السيد أسعد بن البتروني

- ‌السيد حسين النبهاني

- ‌القاضي ناصر الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن تاج الدين الكوراني

- ‌ولده أبو السعود

- ‌محمد بن أحمد الشيباني

- ‌حسين بن مهنا

- ‌محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن الشاه بندر

- ‌صالح بن قمر

- ‌صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم

- ‌مصطفى الزيباري

- ‌مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن محمد البخشي

- ‌إبراهيم بن أبي اليمن البتروني

- ‌أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا

- ‌محمد بن حسن الكواكبي

- ‌الباب الثالثفي نوابغ بلغاء الروم

- ‌الباب الرابعفي ظرائف ظرفاء العراق

- ‌والبحرين والعجم

- ‌شعراء البحرين

- ‌فصل جعلته للمعرباتقديماً وحديثاً

- ‌الباب الخامسفي لطائف لطفاء اليمن

- ‌ذكر بني القاسم الأئمة

- ‌ذكر آل الإمام شمس الدينبن شرف الدين بن شمس الدين

- ‌فائدة

الفصل: ‌السيد عبد الرحمن

غيَر أني أعلِّلُ النفسَ عنها

بالأماني الكِذابَ وَهْماً ووَهْنَاَ

أتمنَّى تلك الليالي المُنِيرا

تِ وجهدُ المُحبِّ أنْ يتمنَّى

وله يخاطب مليحا مرض:

يا من تَعالاه السَّقا

مُ لقد حكيْتَ بذاك جَفْنَكْ

إذ صار يا بدَر السَّما

ءِ مُضاعِفاً ذا الضعفُ حُسْنَكْ

لم ينتقِصْ بالسُّقْمِ حُسْ

نُكَ سيِّدي والّلهِ إنَّكْ

يشير إلى قول ابن سناء الملك في مليح شفه السقام:

أشْبَهْتَ جسمِي نحولاً

فهل تعشَّقْتَ حسنَكْ

وكان حَفْنُك مُضنيً

فصرتَ كلك جَفْنَكْ

وزادَك السُّقْمُ حسناً

واللهِ إنَّك إنَّكْ

وللسيد محمد ثلاثة أبناء، كثلاثة هقعة الجوزاء، وإن أربوا عليها في السنا والسناء:

‌السيد عبد الرحمن

هو في السن يكبرهم، وفي الأخذ بأطراف الشعر يكثرهم.

ومكانه منهم الأخطر الأنفس، وصبح الفضل عن ابتهاجه يتنفس وذاته شغلٌ للحب الواجد، وشأن القلوب في محبته القلب الواحد.

قطف الكلام لما نور، ورتب محاسن البديع في درر كلماته وطور.

وقد فجعت به بنو الآداب في ميعة شبابه، وفقدت منه سيداً ألم بخالصة الأدب ولبابه.

فلا عذر للدمع إن لم يساجل عليه المزن، ولا للنفس إن لم تعاشر في مصابه الحزن.

وأرجو الله سبحانه، أن يمنحه روحه وروحانه.

وكنت صحبته أياماً، نبهت فيها حظوظاً نياما.

فما زلت أتروح نسيم لطفه وأنتشقه، واوقول فيه ما يقول المفتون فيمن يعشقه.

وكان أتحفني من أشعاره بطرق تروى تنقل، وبمثلها يجلى القلب من صداه ويصقل.

وها أنا ذا أورد منها ما نلتزمه، ونترك عنك درر البحور، فإن بها زينة الصدور، وتلك بها زينة النحور.

وكل ما أذكر له إما تشبيه زهراً وزهر، أو وصف روض يطل على نهر.

وهو ممن أغرى بهذين النوعين، فأتى منهما بجمل متكاثرة، ونظم فيها بدعاً أضحت لها عقود الترائب متناثرة.

وذلك إما لميلٍ غريزي في فطرته، أو لأن دمشق متروح فكرته.

وحسبك من طبعٍ لو كان للسحب صيرت الزمان فصل الربيع، وفكرةٍ لو كانت للنجوم السيارة جرين سعداً أكبر في التربيع.

ويكفيك من متروح تنفتح العين منه على بهجةٍ ونضارة، ومسرحٍ ينجلي القلب منه بجدة وغضارة.

فمن ذلك مقامته الربيعية، كتبها للأمير حمزة الدفتري، بدمشق، وقد احتوت على معظم تشبيهات الزهور.

وهي:

إلى روضةِ الآداب رَيْحانة النَّدِّ

تَحايا حِفاظٍ حرَّكتْها يدُ الوُدِّ

فجأتْ كأنفاسِ الرَّياح تسحَّبتْ

على رَشَحاتِ الطَّلِّ من وَجْنة الوردِ

هذا، وقد عن للخاطر يا سيدي أن يزف إليك بوادره، ويجلي عليك نوادره.

إذ لا بد للنفوس أن تمرح، وللنوادر أن تستباح وتستملح.

وقد أشعرت أني دفعت إلى المناجاة الفكر الفاتر، عند قلة المحادثة والمناظر.

فخطابني في ابتكار النخب، وأغراني بافتراع أبكار الأدب.

وقال: ما تقول في دعابة تقلص ذيل الوقار، وتزرى بأكؤس العقار.

فقلت: إيه، يا نبيه، ثم لزمت الإصاخة لتلقيه.

فسلك بي طريقاً من الواهمة، كأنما أعده لهذه المنادمة.

فأفضى إلى روض مندي، كأنما تجلل بالنعيم وتردى.

وقدر فرشت ملاءة النور، على ميادنيه، وحرشت أيدي النسيم بين رياحينه.

يخترقه نهرٌ كأنما يسيل من درة، أو ترقرق من عبرة.

وعليه درةٌ من الفواقع منظوم، وبسماطيه وشيءٌ من الأزاهر مرقوم.

فمن نرجس نعته الفتور، ووردٍ كأنما انتزع من أوجه الحور.

وأقاحٍ كأنه ثغر الحبيب بلا مر، وقصور من العسجد السبيك مشرفة الذرى.

وياسمين كأنه أثل الأبكار، أو صلبان من الفضة صغار.

وبنفسج كأنه العوارض الطريرة، أو رصة القرط في سالفه مهمومةٍ غريرة.

وشقيقٍ كأنه أقداح العقيق، قد رسب بقرارتها مسكٌ فتيق.

وآذريون كأنهن مداهن عسجد، على سواعد زبرجد.

قد ضمخت أوساطها بغالية، وسماوتها من ذاك خالية.

وسوسان كبياض السوالف، أو جياد الوصائف.

وترنجان كأنها وشمٌ على زنود، أو بساط سندسٍ ممدود.

ومردقوش كأنما مفروقة آذان خرد، ومجموعة صرحٌ من الزمرد ممرد.

وريحان يعده النديم ليوم الفراغ، ويحكيه الحبيب بسلاسل الأصداغ.

ص: 163

وقرنفل كأنما توقد بالجمر، وانعقد من الخمر.

على مكاحل خضرٍ معشوقة، وساوعد صفرٍ ممشوقة.

وسنبلٍ لازوردي الأديم، عنبري الشميم.

تخاله بأكف الولائد، كأنه شنوف علقت إلى مراود.

وبادورد، تسمى برائحة العنبر والورد.

كأنه هالة البدر في القياس، أوشمسة تفككت من الألماس.

والطير جذلان مبتهج، بين فاردٍ ومزدوج.

قد صدح ومرح، وغنى بكل مقترح.

فمن عندليب قد أخذ من الغرام بنصيب، وحرك نوازع المحب للحبيب.

كأنما رقش بحوة اللعس، أو قدٌ طوق من أديم الغلس.

ومن شحرور، قد أعلن بالسرور، وترنم خلف الستور.

ثم برز لمناغاة كل أوراق صدوح، كأنه راهب في مسوح.

وقد صيغت من الأبنوس قوائمه، وصبغت بعصارة المرجان ملاثمه.

ومن مطوق قد حن إلى إلفه وتشوق، وترسل بالأغاريد وتتوق.

ومن قمريٍ راح يقهقه بترجيعه، ويحكى إبريق المدام عند سفك نجيعه.

ومن ساجعةٍ، ذات غصة متراجعة.

معشوقة التفويف، معلمة الرمل والخفيف.

يندى بمرتحل الرذاذ عاتقها، وفي أحشائها زفرةٌ من الشوق لا تفارقها.

ومن ساق حر، كأنما اكتحل بنار الجوانح، وبزر على منصة المناوح لكل مطارح.

جَوارٍ على قُضْبِ الأراكِ تناوَحتْ

وما هي إلا للقلوبِ جوارحُ

وإذا بولدان كأنهن شوارد آرام، أو بدور تمام، يتطلعن من فروج الغمام.

من كل ذي طرف منهوك النظر، بادي الفتور والحور.

بمحياً وسيمٍ يندى بمائة، قد أطلع فيه النعيم آية روائه.

وجيدٍ معشوق الغيد، على قوامٍ رهيف التثني والميد.

كأنه الغصن يمرح في برده، والصبح ينساخ نوره من طوقه وعقده.

قد رفعوا سجوف التكلف، وهصورا بأغصان التألف.

وعلى يد كل واحد كأس مدام، وإبريقٌ منزوع الفدام.

وهما يتعاقران السلاف على روض وغدير، وسماع بمٍ وزير.

حتى مرج الدوح بهم واضطرب، وجرت الأكواب على الخبب.

فبينا أنا متعجب من هذه الآثار العبقرية، ومتأمل في هذه المحاسن الربيعية.

وإذا بالفكر قد رفع الحجاب منشداً، وإلى وجه الطرب مرشداً.

فقال:

إليك نزعَةُ آدابٍ يرِفُّ بها

طيرُ الفصاحِة إيناساً وتطْريبَاً

لا تعجَلِ اللَّوْمَ فيها واسْتشِفَّ لها

معنىً يرِفُّ وينْدَى بَيْننا طِيبَاً

وربَّما أفصحتْ من بعد عُجْمتِها

وعاد تَرْجيعُها مَدْحاً وتشبِيباَ

فعادَ سَمْعُك مِئناسَ القريضِ بها

فليس يأْلُوك إبْداعاً وتهْذيباَ

فحيث ما جُلْتَ تلْقَى روضةً أُنُفاً

منا ومسكاً على الأرْجاءِ مَنْهوبَا

ومُتْرَفاً لم يزل بالدَّلِّ مُنْتطِقاً

بالطَّرْفِ مُتَّشِحاً بالحسن مَعْصوبَا

ومن حبيث لا روضةٌ عند العَيانِ ترى

فيها ولا مُسْمِعا يشْدُو ولا كُوباَ

وإنما هو تَمْويهٌ على نَسَقٍ

تخالُه شارباً للذهنِ مشروبا

الشِّعر ضربٌ من التَّصوير قد سلَكتْ

فيه القرائحُ تدْريجاً وترْتيباَ

فالروضُ روضُ السَّجايا طاب منْبَتُها

والزهرُ زَهْرُ الثَّنا نُهْديه مَرغوباَ

والكأسُ كأسُ الوداد المحْضِ مُرتَشَفاً

والحسنُ حسنُ الوفَا تلقاه محبوباَ

والطيرُ طيرُ بيانٍ ظلَّ مُغْترداً

طُوبَى لمن بات يقْرِى سمعَه طوبَى

والسجعُ طِيبُ حديثٍ ظلَّ جوهرُه

بين الأخلَّاء منْثوراً وموْهوباَ

وتلك أوصافُ مَن طابتْ مَكاسِرُه

ومن غدا جوهراً للفضلِ منْخوباَ

أعْنِي به حمزةَ الرَّاقي إلى شَرَفٍ

يرى به كوكب الجوْزاءِ مَجْنوبا

من راح مُنْتدِباً للفضل يجمعُه

والعُرْفُ يصنَعه بدءا وتسَبيباَ

والمَكْرُمات غدَتْ في طبعِه خلُقاً

ونِحْلَةُ الودِّ دَأْباً منه مَدْؤُوباَ

إليك يا مَوْئل الآدابِ غانيةً

تُهْدِى ثناءً كأنفاس الرُّبَى طِيبَا

رَفِّهْ بعَيْشِك سمعَ الوُدِّ منك بها

وأولها بجميلِ القولِ ترحيباَ

ص: 164

وقوله في تشبيه الياسمين: أو صلبان إلخ، من قول ابن قرناص:

انْظُر إلى خَيْمةٍ وقد نُصِبَتْ

خضراءَ عند الصَّباح مُبيضَّهْ

كأنها قُبَّةٌ لِراهبةٍ

وقد كستْها صُلْبانُ من فِضَّهْ

ومن التشابيه في البنفسج قوله:

بَنَفْسَجٌ بذَكِىِّ المسك مخْصوصُ

كخَدِّ أغْيَد بالتخْميشِ مقروصُ

وقال آخر: بنفسج كآثار العض، في البدن الغض.

وقوله: وشقيق، كأنه أقداح العقيق إلخ، هذا نقل فيه تشبيه الآذريونة من بيت قيل فيها، وهو:

وحَوْل آذَرْيُونةٍ فوق أُذْنِه

ككأِس عقيقٍ في قرارتِه مِسْكُ

وضمير حول يرجع إلى المحبوب.

والآذريون: نور أصفر، معرب آذركون، أي لون النار، والعرب كانت تجعله خلف أذنها تيمناً.

وأصله أن أردشير ابن بابك، كان يوماً بقصره، فرآه فأعجبه، ونزل لأخذه فسقط قصره، فتيمن به.

وهو نور خريفي، يمد ويقصر.

قاله الشهاب، في شفاء الغليل.

وقال غيره: وهو ورد مدور له أوراق حمر، في وسطه سواد، له نتوء وارتفاع، فيشبه بكأس عقيق كالأول، وقد يكون أصفر، وعليه قوله الآخر: وآذريون كأنهن مداهن عسجد، على سواعد زبرجد، إلخ.

وهذا حلٌ لأبيات لابن المعتز:

سَقْياً لروضاتٍ لنا

من كلِّ نَوْرٍ حالِيَهْ

عيونُ آذَرْيُونِها

للشَّمس فيها كالِيَهْ

مداهِنٌ من ذهبٍ

فيها بقَايا غالِيَهْ

والمداهن جمع مدهن.

قال الجوهري: المدهن، بالضم لا غير: قارورة الدهن، وهو أحد ما جاء على مفعل، مما يستعمل من الأدوات، والجمع المداهن.

ومعنى كلاءة عيون الآذريون للشمس، أنها تستقبلها وتدور معها حيث دارت.

وقوله: سنبل لازوردي الأديم، قد استعمل هذا التشبيه في مقطوع له مشهور، يقول فيه:

أصبْح السُّنْبُلُ الجَنِىُّ لديْنا

فوق سُوقٍ فيها النَّدَى يتردَّدْ

كشُنوفٍ لُطْفنَ من لازَوَرْدٍ

عُلِّقتْ في مَراوِدٍ من زَبَرْجَدْ

وله في السنبل أيضاً:

وسُنْبُلٍ وافَى على سُوقِه

غِبَّ الحَيَا في زُرْقةٍ لا تُحَدّ

مَكْفوفِة الحافاتِ زَهْراتُه

مَذْرُوبة الأوراق في كلِّ يَدْ

كأنما تَعْقِيف أطرافها

مَحاجِنٌ صيِغتْ من الَّلازَوَرْدْ

وله أيضاً فيه:

يا حُسنَه من سُنْبُلٍ ناصعٍ

يْبدو لنا في قائمٍ أخْضرِ

كأنَّه من حَوْلِ زَهْراتِهِ

زَرَافِنٌ صُفَّتْ من العَنْبَرِ

ومن تشابيهه النادرة، قوله في الورد:

وأقْبل الوردُ من بُرْعُومه خَجِلاً

يُبْدِي لنا فوق رَيَّا نَشْره العَبِقِ

دراهماً من يواقيتٍ على قُضُبٍ

تراكمتْ تحت دِينارٍ عل طَبَقِ

وقد أحاطتْ لِرقْصِ الدَّسْتبَنْد بها

من الزَّبَرْجَد حِيتانٌ من الوَرِقِ

البُرعُوم، والبُرْعُم، والبُرعُمة والبُرعُومة، بضمهن: زهرة الشجرة قبل أن تنفتح.

ورقص الدستبند: معروف للعجم، يأخذ بعضهم بيد بعض، يقال له الفنزج، بفتح الفاء.

ولقد أتى بأبدع ما يستعذب ويستغرب.

ومنزعه في هذا ما في كتاب ازدهار الأزهار للشقاشقي، حيث أنشد فيه:

وقد فتح الوردُ جُنْبُذاً بَهِجاً

يكاد منه الدينارُ ينْسبِكُ

عقِيقُ أوراقِها على ذهبٍ

يحْمله من زَبَرْجَدٍ سَمَكُ

قال: لم أسمع في زر الورد الأخضر، الحاوي للزهر الأحمر، أبدع من هذا التشبيه، بل لم أسمع فيه شيئاً البتة غيره، وهو من بدائع التشبيهات، ورائع التوجيهات، التي يطرب عليها الأديب، ويهتز لها العاقل الأريب.

وقد أغار عليه الأمير طاهر، فقال:

انْظُر إلى الورد الجَنِيِّ

كأنه الخَدُّ المُورَّدْ

من حوِله وَرَقٌ كحي

تانٍ خُلِقْنَ من الزَّبَرْجَدْ

وما يستبدع ويستظرف، قوله في تشبيه المضعف:

ونَرْجِسُ الروضِ قد حَيَّ بمُضْعفِه

في أصفرٍ فاقعٍ مع أبْيَض يَقَقِ

كأنه وهْو في قُضْبٍ مُنعَّمةٍ

يُلْقى النسيمُ عليها نفسَ مُعتِنقِ

ص: 165

أمْشاطُ دُرٍّ من الإبْريزِ في جُمَمٍ

جَعْدٍ فما بين مجموع ومُفْترِقِ

الجم: جمع جمة، وهي من الإنسان مجتمع شعر ناصيته.

وقوله في تشبيه الياسمين:

وأطْلع الياسَمينُ الغَضُّ حين بَدا

دُرَّاً يفُوح بنَشْرٍ منه مُنْفَتِقِ

كرَوْبَجاتٍ صغارٍ سال في لُمَعٍ

من أُفْقِها ذائبُ الياقوتِ في الشَّفَقِ

وقوله في الزهر المعروف بالعنبر بوى، ومعناه رائحة العنبر:

وذِي قامةٍ في الزَّهْر تْندَى غَضارةً

بَدَا فَاخِتىَّ اللونِ من عَنْبَرِ الشِّحْرِ

له جمٌ زُغْبٌ تفكَّك حولها

من الزَّهْر إفْرِيزٌ كأجربة العِطْرِ

تكوَّن لطفاً فوق زِرِّ زَبَرْجَدٍ

تكتَّب بالألْماسِ سَطْراً على سطرِ

وقوله في الأبيض منه:

وذي هالة في الزهر أبْيَضَ ناصعٍ

تكوَّن للنَّاشِي من العنْبَرِ الوردِ

يرُوقُك هُدَّابٌ به راح أشْيَباً

تدنَّر في زِرٍّ كبارزِة الهنْدِ

أحاطتْ به للزهرِ في زِيِّ دارهِ

ظُروفٌ من الكافورِ مبْتُوتة الزَّنْدِ

وقوله في الزهر المعروف بحلقة المحبوب:

وزهرٍ كأمْثال الشُّنوفِ لَطافةً

تَد؟ َاخَلَ من أجزائِه البعضُ في البعضُ

لقد أحْكَمت إبْرامها المُزْنُ خِلْقةً

لدَيْنَا وأعطْته أماناً من النقضِ

ونلقت عنه، قال: أنشدني العلامة نسيج وحده المرحوم أبو العباس أحمد المقري المغربي، في كتابه أزهار الرياض في أخبار عياض في جملة ما أورده من شعر ابن زمرك الأندلسي، في كتاب ذكر أنه من تآليف بعض سلاطين تلمسان بني الأحمر، وهو حفيد ابن الأحمر المخلوع، سلطان الأندلس، الذي كتب إليه ابن زمرك المذكور، بعد ابن الخطيب.

قال: وهو سفر ضخم، سماه بالبقية والمدرك من شعر ابن زمرك ليس فيه إلا نظمه فقط.

فقال: ومن وصفه في زهر القرنفل الصعب الاجتنا بجبل الفتح، وقد وقع له مولانا الغنى بالله بذلك، فارتجل قطعاً.

منها:

أتَوْني بنُوَّارٍ يرُوق نَضارةً

كخَدِّ الذي أهْوَى وطِيبِ تنفُّسِهْ

وجاَءوا به من شاهِقٍ مُتمنِّعٍ

تمَنُّعَ ذاك الظَّبْيِ في ظل مَكْنِسهْ

رعى اللهُ منه عاشقاً مُتقنِّعاً

بزَهْرٍ حكى في الحُسْن خدِّ مُؤَنِّسِهْ

وإن هبَّ خفَّاقُ النَّسيم بنفْحةٍ

حكى عَرْفَه طِيباً قَضى بتأنُّسِهْ

قال: وكنت من إعمال الفكر في عدة تماثيل، أصف فيها ما تكون من هذا الزهر على حالة تحشر لها النفس بتحريك نازع الاقتدار، ويصرف عنها الخاطر إكباراً لأن أكون فاتح هذا الباب من غير وطئةٍ ثابتةٍ في اسمه ومنتهاه، حتى رأيت في ذكر معزاه ما ترى، فقلت فيه عدة مقاطيع.

منها:

وجَنِيٍّ من القَرَنْفُل يُبْدِي

لك عَرْفاً من نَشْرِه بابْتسامِ

فوق سُوقٍ كأنها من أبارِ

يقِ الحُميَّا مَساكِبٌ المُدامِ

وسَّدَتْ فوقها السُّقاةُ خدوداً

دامياتٍ منها مكان الفِدامِ

ومنها:

قم بنا يا نديمُ فالطيرُ غرَّدْ

لمُدامٍ كؤُوسُه تتوقدْ

فلديْنا قَرَنْفُلٌ قد نَماهُ

جبلُ الفتْحِ نشْره قد تصعَّدْ

بين سُوقٍ عُوجٍ الرِّقاب لِطافٍ

شَعرات من لِينها تتجعَّدْ

ومنها:

أهْدَى لنا الروضُ من قَرَنْفُلِهِ

عبيرَ مسْكٍ لديْه مَفْتوتِ

كأنما سُوقُه وما حمَلتْ

من حسنِ زَهْرٍ بالطِّيب منْعوتِ

صَوالجُ من زَبَرْجَدٍ خرَطتْ

لها الغوادِي كُراتِ ياقوتِ

ومنها:

أرى زهْرَ القَرَنْفُل قد جَلتْهُ

قُدودٌ تَرْجَحِنُّ به قيامُ

أخاَل لَوَ اُنَّها أعْناقُ طيْرٍ

نهضْن به لقلتُ هي النَّعامُ

توقَّد زَهْرُه جَمْراً لديْنا

وتلك لها من الجْمرِ الْتِقامُ

ومنها في الأبيض منه من أبيات:

ص: 166

ما ترى ناصِعَ القَرَنْفُل وافَى

بتَحايَا الشَّميمِ بين الزُّهورِ

قُضُبٌ من زَبَرْجَدٍ حاملاتٌ

قِطعاً فُكِّكتْ من الكافورِ

هذا ما وجدته منقولاً عنه.

ورأيت في أشعار بعض المتأخرين ممن تقدم تشبيه هذا الزهر.

فممن استعمله ممن أدركته أبو مفلح البيلوني الحلبي، في مقصورة له، حيث قال:

قَرَنْفُل الرَّوضِ شِفاهٌ ضمَّها

لُعْساً لكي يلثَم ناشقاً دنَا

واستعمله قبله الكمال محمد بن أبي اللطف المقدسي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين وألف في قوله:

حكى القَرَنْفُل مُحْمَرّاً على قُضُبٍ

خُضْرٍ لها صار بالتَّفْضِيل منْعوتَا

كفّاً على مِعْصَمٍ نَقْشٌ به خَضْرٌ

غَدا له كافر العُذَّال مَبْهوتَا

أبْدَتْه خَوْدٌ وقد ضَمَّت أنامِلَها

كأساً تُشعّر لُطْفاً صِيغَ ياقوتَا

والذي حاز في تشبيهه قصب السبق، فيما أعلم، الشهاب بن خلوف الأندلسي، أحد المشاهير المجيدين، حيث قال، من قصيدة:

وللْقرَنْفُل راحاتٌ مُخضَّبةٌ

على مَعاصِرَ خُضْرٍ فتْنِة الرَّائي

كأنْجُمٍ من عقيقٍ في ذُرَا فلكٍ

من الزُّجاج أرَتْ أشْطان لَأْلَاءِ

وكان السيد المترجم ما أنشأ هذه المقاطيع التي تقدمت اشتهر أمرها، فحذا حذوه في بابها جماعةٌ، من أدباء الشام، ونظموا فيه تشابيه متنوعة.

فمنهم الأمير منجك، حيث قال:

قَرْنْفُلُنا العطريُّ لوناً كأنه

رُءُوسُ العذارَى ضُمِّختْ بعبيرِ

مداهنُ ياقوت بأعلى زَبَرْجَدٍ

لقد أُحكمتْ صُنْعاً بأمْرِ قديرِ

ومنهم شيخنا المهمنداري المفتى، حيث قال:

قَرَنْفُلٌ في الرياضِ هيْئتُه

تَحْكي وقد مَدَّ للسحابِ يَدَا

فَوَّارة من زبَرْجَدٍ فتَقتْ

ففار منها العقيقُ وانْجَمدَا

وقال أيضاً:

هذا الْقَرَنْفُل قد بدَا

في لونِه الْقانِي تَجَمَّدْ

فكأن مَرْآهُ الأنِي

قَ لدَى الرياضِ إذا تَنَهَّدْ

قِطَعُ العقيقِ تناثرتْ

فتخطَّفتْه يدُ الزَّبَرْجَدْ

ومنهم شيخنا عبد الغني النابلسي، في قوله:

كأن قَرْنْفُلاً في الروضِ يَسْبى

شذَا رَيَّاه مُنتشِقَ الأنُوفِ

سواعِدُ من زَبَرْجَدَ قائماتٌ

بلا بدَنٍ مُخضَّبُة الكفوفِ

وقوله:

قم ياندِيمي لداعِي الَّلهْوِ مْنشرِحاً

فقد ترنَّمتِ الورْقاءُ في الورقِ

وانظُرْ إلى حسنِ باقاتِ القَرَنْفُل ما

بْين الرُّبَى نفَحتْ كالمَنْدَلِ العَبِقِ

أطْفَى النسيمُ لهِيباً من مشاعِلها

في ظُلَّةِ الروضِ حتى جمرُهنَّ بَقِى

وقوله:

بين الحدائقِ أعْطافُ القَرَنفْلُ في

زهْرٍ بريحِ الصَّبا الزَّاكِي وتمْثيلِ

مثلُ العرائسِ في خُضْرِ الملابسِ قد

لاثَتْ على وجْهِها حُمْرَ المناديلِ

وقوله في الأبيض منه:

هيَّا بنا فالطيرُ صاحَ مُغرِّداً

ما إن يُقاس لدى الورَى بمُغَرِّدِ

والروضُ مَدَّ من القَرَنْفُل للنَّدَى

كاساتِ دُرٍّ في زُنوِدِ زَبَرْجَدِ

وقوله في الأبيض المشرب بحمرة:

وزهرِ قَرَنْفَلٍ في الروض يحْكي

قصورَ دمٍ على صفحات ماءِ

رأى وجَناتِ من أهْوَى فأغْضَى

فبان بوجْهِه أثَرُ الحياءِ

وقد تطفلت أنا على عادتي، فقلت:

وافى القَرَنْفُلُ مُعجباً

فينا بمنْظرِه الأنِيقْ

يُبْدِي زُنُودَ زَبَرْجَدٍ

حملَت تُروساً من عَقِيقْ

هذا ما وصلني من التشبيهات التي نظمت فيه، وإن ظفرت بشيء ألحقته.

عوداً على بدء.

ومن روضياته قوله:

قادني للرُّبَى مَرُوح العِنانِ

نَفْحُ رَوْحِ النسيمِ في الرَّيْحانِ

واهْتزازُ الأوْراقِ في القُضُبِ الهِي

يفِ أرتنْي في ساحةِ البستانِ

ص: 167

طُرَرَ الغِيدِ قد رقصْنَ بها عنْ

د اجْتلاء الطّلا على العِيدانِ

وقوله:

كأنما شجَرات الدَّوْحِ في خُلَعٍ

تنْدَى فيبلغ أقْصَى الحسن مَبْلُغها

أرْواح دُرٍّ تبِيتُ المُزْن في بشرٍ

من الزُّمُرُّد بالأنْواءِ تُفْرِغُها

ماجَتْ بمُدْرَجة الأنفْاس واطَّرَدتْ

كأنما حولهَا أيدٍ تُدَغْدِغهَا

وقوله:

والنهر يصْدَا بهاتيك الظِّلال كما

يصْدَامن الغِمْدِ حدٌ الصارمِ الذَّكَرِ

والزهرُ يفْرِش في شطَّيه ما رقمَتْ

فيها السحائبُ من رَيطٍ ومن حِبَرِ

رَبِيعةُ الوَشْىِ لا ينْفكُّ زِبْرِجُها

يجْلو لنا من حُلاها أحْسنَ الصُّورِ

الزبرج بالكسر: الزينة من وشى أو جوهر، أو نحو ذلك.

ويقال: الزبرج: الذهب، والزبرج: السحاب الرقيق فيه حمرة.

وله:

بادِرْ بعيْشك فالنعيمُ مُخَيِّمٌ

ومُلاءةُ البستانِ في تفْويفِ

والطيرُ مْغتِردٌ عليه يشُوقُه

جِيدٌ بأعْناق الغصون الهِيفِ

تُصْغى له أُذْنُ الطَّروبِ فيْنثنى

والشوقُ مِلْءُ فؤادِيَ المْشغوفِ

وله:

ومجلسٍ حفَّتِ الغصونُ بنا

فيه ووجهُ الرياضِ مُبْتهِجُ

كأن أوراقَها يرِفُّ بها

فوق النَّدامَى نسيُمها الأرِجُ

خُضْرٌ من الأُرْزِ لا تزال بها

مناكبُ الرَّاقصات تَخْتلِجُ

وله في روض ألقت الأشجار ظلالها عليه، فالشمس من فروجها عيونٌ ناظرةٌ إليه:

وبطنٍ من الوادي حَلَلْنا مَسِيلَهُ

خلالَ غصونٍ عاكفاتٍ على الشَّرْبِ

تُنَقِّط منه الشمسُ في مِسْكَة الثَّرى

مَدَبَّ عِذارِ الظلِّ في وَجْنةِ التُّرْبِ

بخيِلانِ كافورِ الشُّعاع كأنما

أبتْ غير جلْدِ النَّمر يُفرَش بالسُّحْبِ

رأيت بخطه عقيب هذا: قلت: وما كنت أحسبني زوحمت في هذا المعنى، ولا سبقت لهذا المغنى، حتى وقع إلى حال مطالعتي لتتمة اليتيمة من قول السيد أبي البركات العلوى، في الأشجار والقمر، ما صورته:

ألا صرِّفْ لنا خمراً

فنفسُ الصَّبِّ مَدْهوشَهْ

على أدْواحِ رَيْحانٍ

بماءِ الطَّلِّ مَرْشوشَهْ

كأن الأرضَ من حُسْنٍ

بجِلْدِ النمرِ مفْروشَهْ

فعجبت من مواردتي إياه في اشتراك الخواطر، مع اقتران المناسبة بين الشمس المنيرة والقمر الزاهر.

ثم وقع إلىّ ومن أناشيد صاحب الذخيرة للتهامى أيضاً ماصورته في تشبيه الثريا:

وللثُّريا ركُودٌ فوق أرْحُلِنا

كأنها قطعةٌ من فَرْوة النمرِ

قلت: وقد نزع في هذا المعنى البديع قول عبد المحسن الصورى، من أناشيد الثعالبي، وهو:

فاسْقنِيها مَلْأى فقد فضح الَّلْي

لَ هلالٌ كأنه فِتْر زَنْدِ

والثُّرَيَّا خَفَّاقةٌ بجناحِ الْ

غَرْبِ تهْوى كأنها رأسُ فَهْدِ

وتشبيه وقوع الشعاع قد أكثر فيه الشعراء القول.

فمنه قول المعوج الشاعر:

كأن شعاعَ الشَّمْسِ في كُلِّ غُدْوة

على ورَقِ الأشجار أوَّل طالعِ

دَنانيرُ في كَفّ الأشَلِّ يضمُّها

لقبْضٍ تهَوَّتْ في فُروجِ الأصابعِ

وهو مأخوذ من قول المتنبي:

وألْقَى الشرقُ منها في ثِيابِي

دنانير تفِرُّ من البَنانِ

وأخذه القاضي الفاضل، فقال:

والشمسُ من بين الأرائِك قد حكتْ

سيفاً صَقِيلاً في يَدٍ رَعْشاءِ

وللنامي:

سماء غصونٍ تحجُب الشمسَ أن تُرَى

على الأرضِ إلَّا مثلَ نَثْرِ الدراهمِ

ومما يضاهي هذا قول الصلاح الصفدي في القمر:

كأنما الأغْصانُ في دَوحِها

يلُوح لي منها سنا البدرِ

تِرْسٌ من التِّبْرِ غدا لامعاً

يقِيسُه أسْوَدُ بالشِّبْرِ

وقوله:

وكأنَّما الأغصانُ يثْنِيها الصَّبا

والبدرُ في خَلَلٍ يلُوح ويُحْجَبُ

ص: 168

حسناءُ قد عامَتْ وأرْخَتْ شعرَها

في لُجَّةٍ والمَوْجُ فيها يلْعَبُ

وقوله:

كأنما الأغْصانُ لمَّا انْثنَتْ

أمام بَدْرِ التّمِّ في غَيْهبِهْ

بنتُ مَليكٍ خلْف شُبَّاكِها

تفَرَّجتْ منه على مَوْكِبهْ

وللسيد في الغزل:

ولما تفاوضْنا الحديثَ عشِيَّةً

ومالتْ بعِطْفيْه المُدامةُ فاسْتغْفَى

وضعتُ له كفِّي فوسَّد نَغْنُغاً

تناهتْ به مائِيَّةُ الحُسْنِ فاستكْفَى

وكنتُ أُراعيه بلحْظِى تسَرُّقاً

فمَّلكْتُ طَرْفِي منه من بعْدِ ما أغفَى

وله:

قد لوى جِيدَه حَياءً وحيَّى

بكؤُوسِ المُدامِ كأْساَ فكأْساَ

ففَضضْتُ اليدين عن يانع الزه

رِ لمعنىّ أجِدْ لي فيه أُنْسَا

نُغْنُغٌ في نَصاعةِ الزهرِ مَرْآ

هُ لعيني وكالحريرِة مَسَّا

وله:

قُمْ وسَقِّ المُدامَ كُوباً فكُوبَا

فخطيبُ الرِّياضِ أضْحَى طَرُوبَا

والنَّواويرُ في الأكِمَّةِ تُجْليِ

حَبَباً من لُجيْنِها مقْلوبَا

غيرَ أن الرياحَ قد مزَّقتْ عنْ

د اعْتِناقِ الغصونِ منها الجيُوبَا

وله:

توسَّمْتُه لما تكامل حسنُه

وقد رقْرقتْ فيه الشَّبِيبةُ ماءَها

فخلْتُ بأن الحَوْلَ حان رَبيعُه

وأن الرِّياضَ الحَزْنَ أبْدتْ رُواءَها

فنفَّسْتُ عن طير الجوى بتأَوُّهي

وأرْسلتُ عيني بالدموعِ وراءَهاَ

وله:

نبَّهْتُه سَحَراً والكأسُ فوق يدي

والعودُ مصْطخِبُ الأوتار يُجْليِه

فرفَّع الجيدَ عن كفِّي وقد فتَرتْ

أطْرافُه وأنا أُدْنِيه من فيهِ

كما ترفَّع غصنُ الْيان مُنْتصِباً

حالاً فحالاً إذا ما رُحْتَ تْثنِيهِ

وله:

وأهْيفَ مغْنوجِ اللَّواحظِ مُتْرفٍ

رَهِيفِ التَّثَنِّي ناهَز العشْرَ في السِّنِّ

دَعاني إلى باكُورةِ الحسْنِ صَغرُه

ولم أرَ شيْئاً مثلَ باكورِة الحُسْنِ

وله في راقص:

وأهْيفَ مهْضومِ الحشَا كاد رقْصُه

يُحكِّم فينا السِّحْرَ من كلِّ جانبِ

يسيلُ به نَقْلُ الخُطَا فترُدُّه

رَجاجةُ أعْكانٍ له ومَسارِبِ

ومما أنشدنيه من لفظه لنفسه هذه الأبيات، أحسن فيها المراجعة كل الإحسان:

وجليسٍ مَنَّيْتُه طَرَف الأُنْ

سِ وذكَّرتُه قديمَ العهودِ

قلتُ كيف النَّديمُ قال يُحَيَّى

ويُفدَّي بأنْفُسٍ وجُدودِ

قلتُ كيف المُدامُ قال مع الرَّيْ

حانِ حيَّ بنَرْجِسٍ وورودِ

قلت والنَّقْل قال تقْبِيل خَدٍّ

من حبيبٍ ورشْفُ ثَغْرٍ بَرُودِ

قلتُ والطِّيب قال طَشٌّ من الما

وَرْدِ يُزْجِي سحابَ نَدٍّ وعُودِ

قلت كيف القِيانُ قال إلَيْهنَّ

انْقيادُ الأوتارِ عند النَّشِيدِ

قلت كيف الغِناءُ قال تظرَّفْ

ت ولم يْعدُ فيه بيتَ القصيدِ

أشْتهِى في الغناءِ بَحَّةَ حَلْقٍ

ناعمِ الصوتِ مُتْعَبٍ مَكْدودِ

كأنِينِ المُحبِّ أنْحلَه البَيْ

نُ فضَاهَى به أنينَ العُودِ

ومن تشابيهه النجومية، قوله من قصيدة، مستهلها:

لعَيْنيْكَ في الأحشاءِ ما نفَث السحرُ

وللحبِّ في الألبابِ ما فعَل الخمرُ

منها:

كأن المُنَى ماءٌ كأنِّىَ ناهلٌ

كأن الفَيافي البِيدَ ما بيْنَنا جِسْرُ

كأن الثَّرى أُفْقٌ كأن مَطِيَّتي

هلالٌ كأن السَّيْرَ غايُته الحشْرُ

كأن نَجاشِيَّ الظلاِم مُتيَّمٌ

كأنِّى مُلْقًي في ضمائرِه سِرُّ

منها:

ولم يبْقَ لي إلا تَعِلَّة مُعْدِمٍ

يجاذِبُها من كلِّ ناحيةٍ ذِكْرُ

ص: 169

ليالٍ بَراها القصْرُ حتى كأنما

تكنَّفَها من كلِّ ناحيةٍ فجرُ

كأن دُجاها في أدِيمِ نهارِها

عَصِيم مُدادٍ كاد يجْحدُه السِّفْرُ

كأن به الجوازءَ عِقْدُ لآلىءٍ

تطوَّقَه من صَدْرِ زنْجيَّةٍ نَحْرُ

كأن الثريَّا في اختلافِ نُجومِها

بوادرُ آمالٍ يُحاولُها الحرُّ

كأن السُّها معْنًى دقيقٌ فيخْتِفي

ويبْدو جِهاراً إن تراجَعه الفكْرُ

توارد في هذا التشبيه من البابي الحلبي، في قوله:

كأن السُّهَا معنًى يجولُ بفكْرةٍ

فآوِنةً يخْفَي وآونةً يبْدُو

ابن هانىء:

كأن سُهاها عاشقٌ بين عُوَّدٍ

فآونةً يَبْدو وآونةً يخْفَى

ابن خفاجة:

كأن السُّها إنسانُ عينٍ غَريقةٍ

من الدمعِ يبْدو كلما ذرَفَتْ ذَرْفَا

حازم:

كأن السُّها قد دَقَّ من فَرْطِ شوقِه

إليْها كما قد دقَّق الكاتبُ النَّقْطَا

ابن جاندار:

كأن السُّها ذوُ صَبْوةٍ غالَه النَّوى

فأنْحَله والبَيْنُ للصَّبِّ يُنْحِلُ

وله:

كأنَ بني نَعْشٍ سَفِينٌ تخالفَتْ

عواصفُها وَهْناً فشتَّتها البحرُ

كأن سُهَيْلاً حين صَوَّب آفِلاً

فُؤادُ مُحِبٍّ راح يُرْجِفه الهجرُ

ابن هانىء:

كأن سُهَيْلاً في مَطالع أُفْقِه

مُفارِقُ إلْفٍ لم يجدْ بعده إلْفَا

ابن خفاجة:

كأن سُهَيْلاً فارسٌ عايَنَ الوغَي

ففَرَّ ولم يشْهَد طِراداً ولا زَحْفا

حازم:

كأن سُهَيْلاً إذْ تناءتْ وأنْجدَتْ

غدا يائساً منها فأتْهَم وانْحَطَّا

وله:

كأن به الشِّعْرَي الغُمَيْصَاَء خَلفَه

شقيقته الخَنْساء يقدُمها صَخْرُ

كأن امْتدادَ الأُفْقِ فوق نُجومه

قَساطِلُ حَرْبٍ زَغْفُ فرسانِها نَضْرُ

كأن عمودَ الصبحِ تحت هلاِله

لتزْكيةٍ من تحت مِنْطقِه خَصْرُ

وله معميات في غايات الإتقان.

فمنها قوله، في اسم محمد:

رُبَّ ظبيٍ مُقَرْطَقٍ قد تبدَّى

خلْتُ بدراً من فوقِه قد تلالَا

لاح في الثَغْرِ جوهرٌ من ثنايَا

هُ فأبْدى في الخَدِّ خالاً بِلالَا

وقوله في هانىء:

حين بان الخَلِيطُ وازْدادَ وجْدِي

قلتُ والدمعُ في الخدود يَسيلُ

يا رسوِلي إليه رُوحِيَ خُذْها

مُنْجداً إثْرَهُ بها يا رسولُ

وقوله في سليمان:

لقد سقاني الحبيبُ كأساً

لم أرْوِ منها ورُمْتُ أخرَى

فقال خُذْ ما بَقِي بكأْسي

سُؤْرا وأحسِنْ بذاك سُؤْرَا

فعندما جاد لي بما في

أواخِر الكأْسِ مُتُّ سُكْرَا

وقوله في رمضان:

في يَدِ الارْتهانِ عَيْني تملَّتْ

بعد عَشْرٍ بطَيْفِ من قد تولَّتْ

مُذ أغارتْ وأنْجَدتْ بفؤادِي

من رهينٍ لحيثما هي حلَّتْ

وقوله في صالح:

لم أَنْسَه وَسْنانَ يأسِر طرفُه

عَرَضاً إذا ترك القلوبَ أسارىَ

صاد القلوبَ بطَرْفِه وقَوامِه

من بعد ما قد حلَّ فيه ودارَا

وقوله في عبد اللطيف:

يالَساقٍ ناشِرٍ لْلأدبِ

دار مَعْ طَيِّ بِساطِ الأرَبِ

لابسٍ من نَشْرِ ما دار به

ثوبَ عَرْفٍ هزَّني للطَّرَبِ

وقوله في علي:

غَيْم رفيعٌ لم يكَدْ

يبْدو لشمسِ الأُفْقِ حاجِبْ

فغَدا يُقِلُّ الشمسَ لِي

نُ قَوامِه من غير حاجِبْ

وقوله في سليم:

ورْقاءُ قلبيَ قد أضحتْ مُرفْرِفةً

على قَوامِك يا مَن طرفُه عَجَمِي

وإنها هبَطتْ منه على غُصُنٍ

فغُضَّ طَرْفَك وارْسلْه إلى القدَمِ

وهذا في غاية المنعة، فلهذا تعرضت إلى حله، فأقول:

ص: 170