الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل دَهَى مَن كان منتظِراً
…
قُرْبَه أو غيرَ منتظِرِهْ
وسقاه كأسَ سَطْوتِه
…
مُدْهَقاً من كَفِّ مُقْتدرِهْ
ما ترَى عزَّ الأنامِ ثوَى
…
حفرةً إذْ آبَ من سفرِهْ
لم يقُمْ في قصرِه زمناً
…
غيرَ وقتٍ زاد في قِصَرِهْ
بعد ما قد كان عزَّتُه
…
تُرشِد السَّاري إلى وَطَرِهْ
وندَى كَفَّيْه مُنْهمِراً
…
مُذْهِلاً للرَّوض عن مَطَرِهْ
كان طَوْداً لا يُحرِّكُه
…
أيُّ خَطْب جَدَّ في خَطَرِهْ
كان بحراً طال ما الْتقط الطَّا
…
لبُ المُحْتاجُ من دُرَرِهْ
شاد رُكْنَ الدِّين ملتمساً
…
لرِضَى الرحمنِ عن صِغَرِهْ
وحوَى الدنيا ودَيْدَنُه
…
طَلَبُ الأُخرى إلى كِبَرِهْ
فسقَى الرحمنُ تُربتَه
…
صَيِّباً ينْهَلُّ في سَحَرِهْ
وعمادَ الدِّين أزْعَجه
…
بعدَه يغْدُو على أثَرِهْ
لم ينَلْ في العمرِ بُغيتَه
…
لا ولا أفْضَى إلى وَطَرِهْ
لم يذُقْ في دهرِه أبداً
…
صَفْوَ عيْشٍ صِينَ عن كَدَرِهْ
ما أراه الدهرُ مَطْلبَه
…
ليْتَه أخْلاه من غِيَرِهْ
رحم الرحمنُ مَصرعَه
…
ووَقاه الحَرَّ من سَقَرِهْ
كيف أنْسَى شمسَ مَفْخرِنا
…
أو أرى السُّلْوانَ عن قَمَرِهْ
فهُما قد أضْرمَا لَهَباً
…
في فؤادِي طار من شَرَرِهْ
وأسالا مَدْمَعاً بَخِلتْ
…
أعْيُني دهراً بمُنهَمِرِهْ
غيرَ أن الصبرَ شِيمةُ مَن
…
صَوَّب الرحمنُ في قدرِهْ
لينالَ الأجرَ منه إذا
…
ذاق طعمَ الصَّابِ من صَبِرِهْ
نسألُ الرحمَن خاتمةً
…
برضَى الرحمنِ في صَدَرِهْ
ذكر آل الإمام شمس الدين
بن شرف الدين بن شمس الدين
أصحاب كوكبان هؤلاء القوم شرفهم لا يدانيه شرف، ولا يتصور في المغالاة بوصفه سرف.
كواكب مجدٍ مأمونةٌ من الطمس، فهم شمس الشرف وشرف الشمس.
وبيتهم في الرياسة نطقت بفضله السور، وأرخت أيامه الكتب والسير.
تألفت أجزاؤه من أوتاد البسالة وأسبابهان وتخلفت لعلوه السبع السيارة فما ظنك بالسبع المعلقات وأربابها.
لا يدخله الزحاف إلا إلى الأعداء في معارك الحرب، ولا يعترضه التقطيع إلا في عروض المناوين له بالطعن والضرب.
ما خرج منه إلا سيدٌ جمٌّ الشيم، فضائله يقل عندها قطرات الديم.
أعيذهم من صروف دهرهم، فإنه في الكرام متهم.
وقد أوسعت لذكر أشعارهم مجالا، فخير الشعر أشرفه رجالا.
فمنهم: السيد عبد الله بن الإمام شرف الدين بن الإمام شمس الدين المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى من سادات هذه الأسرة، المعقودة فضائله أكاليل على الأسرة.
عرف الكرم في خلقته، حين لفته قابلته في خرقته.
فهو باحة نوالٍ، مباحة للسؤال، وراحة جود في كدها راحة المنجود.
مع فضلٍ ارتدى بضافي برده، وأدبٍ ارتوى بصافي ورده.
وقد وافيتك من شعره بما ينشرح به الصدر، ويعرفك أنه كصاحبه عالي القدر.
فمنه قوله:
ناصيةُ الخيرِ في يد الأدبِ
…
وسِرُّه في قرائح العربِ
فاعكُفْ على النحوِ والبلاغةِ والآ
…
دابِ تظْفَرْ بأرْفعِ الرُّتبِ
وتعرفِ القَصْدَ في الكتابِ وفي السُّ
…
ةِ من وَحْيِ خيْرِ كلِّ نَبِي
بقَدْرِ عقْلِ الفتى تأدُّبُه
…
وصورةُ العقلِ صورةُ الأدبِ
وقوله:
صَحا القلبُ عن سَلْمَى وما كاد أن يصحُو
…
وبَان له في عَذْلِ عاذِله النُّصْحُ
ولا غَرْوَ في أن يَسْتبين رشادَه
…
وقد بَان في دَيْجورِ عارِضه الصُّبْحُ
شموسُ نهارٍ قد تجلَّتْ لناظرِي
…
وأضْحَتْ لليلِ الغَيِّ في خَلَدِي تمْحُو
إذا كان رأسُ المالِ من عمرِيَ انْقضَى
…
ضَياعاً فأَنَّى بعده يحصُل الرِّبْحُ
شبابٌ تقضَّى في شبابٍ وغِرَّةٍ
…
وشيْخوخةٌ جاءتْ على إثْرِه تنْحُو
ومن مقاطيعه قوله:
سقتْني رُضابَ الَّغْرِ من دُرِّ مَبْسَمٍ
…
برِقَّتِه واللهِ قد ملكَتْ رِقِّي
ونحنُ بروضٍ قد جرى الماء تحتَه
…
فساقيةٌ تجْرِي وجاريةٌ تَسْقِي
ولده عز الإسلام محمد بن عبد الله بن شرف الدين هو في كرم العنصر، واحد الأزمنة والأعصر.
إذا رام مسعاةً أدركها قبل ارتداد طرف، وإن سام منقبةً ملكها بغير إنضاء ضامر وحرف.
فماء الفصاحة لا يجري في غير ناديه، وينابيعه لا تتدفق إلا من أياديه.
كم حبر الطروس ففضحت أزهار الرياض، وجلت على الأبصار فلم تر أحسن من ذلك السواد والبياض.
دُرَرٌ تناثَرُ من بديعِ كلامِه
…
مُسْتغرِقٌ جُمَلَ المديحِ بوَصْفِهِ
لا تعجبُوا من نَثْرِ أقلامٍ له
…
دُرَراً وقد غاصتْ بلُجَّةِ كَفِّهِ
وقد أثبت من ىثاره ما امتزج بالبراعة امتزاجا، وصار كلٌّ منهما لصاحبه غذاءً ومزاجا.
فمن ذلك ما كتبه إلى والده: مطالعة المملوك طليعة باله، ولسان حاله، وترجمان بلباله.
وحديث سره، وبيان خبيئة صدره.
ومظهر غليل برحائه، ومصدر دخيل دائه.
عبرة أجرتها عين جنانه، في عبارة لسانه، وزفرة صعدتها لوعة أشجانه، في إشارة بنانه.
مهجةٌ أهدتها في أثناء سلامه، لهبة أوامه، وحشاشةٌ أسالتها نار غرامه، في لسان أقلامه،
هي نفسٌ أودَعْتها نفَس الشَّوْ
…
قِ وقلبِي تجْرِي به الأقْلامُ
وهْي دمعٌ يفيضُ من لوعةِ البَيْ
…
نِ ومن أدْمُعِ المَشُوقِ كلامُ
بل هي رجع صدىً أو وسواس الشوق والنزوع، ومجرى الزفرات المرددة من وهج الضلوع.
برهان ما أكن من الداء الدفين، وعنوان ما أجن من كلف الفؤاد الحزين،
وهْي مرآةُ صفاتِي إنَّما
…
أتَراءَى لك في مِرْآتِهَا
وإذا ما شاهدتْها مُقْلةٌ
…
شاهدتْ نَفساً على عِلَاّتِهَا
مرآة نفسٍ رقت وجداً وكآبة، ولم تدع منها صبابة الفراق غير صبابة.
فلو أنها عرض لكان جوىً في فؤاد مهجور، أو لوعةً في ترائب مصدور.
ولو كان قلباً لثوى في جوانح عاشق، أو دمعاً لما جرى إلا من محاجر وامق.
ولو أنه جرم لكان ياقوتة راح، أو جوهر لما كان إلا من جواهر الأرواح،
رقَّ قلبِي ومَدْمِعي
…
من جَوَى البَيْن والنَّوَى
واسْتوَى قلبيَ المشو
…
قُ وشِلْوِي من الجَوى
أنا صَبٌّ على الصَّبا
…
بةِ قلبي قد انْطَوى
ساهرُ العيْن مُقْلتِي
…
تُوهِن الصَّبْرَ والقُوَى
لم يُشْقِني لِوَا الْعَقِي
…
قِ ولا جِيرةُ اللِّوَى
لا ولا غَرَّني الصَّبا
…
بالحديثِ الذي رَوَى
ما شجانِي هوَى الغزا
…
لِ ولا البدرُ لي هوَى
ليس بي ذابِلُ القَوا
…
مِ إذا مال واسْتوَى
لستُ أنْوِي هوَى المِلا
…
حِ وللمرءِ ما نوَى
إنما دائِيَ الذي
…
قد تمادَى فلا دَوَا
وغليلِي الذي إذا
…
بَلَّه الماءُ ما ارْتَوى
من فِراقي لكعْبةِ الْ
…
عِلْمِ والحِلْم لا سِوَى
أرْوَعٌ يبْهر الورَى
…
حسَن السَّمْتِ والرُّوا
ألمَعِيٌّ به يقو
…
مُ من الأمرِ ما الْتوَى
سيدٌ راح والفَخا
…
رُ على رأسِه لِوَا
بدرُ علمٍ يلُوح في
…
أُفْقِ حِلْم فلا هَوَى
قلبُه طَوْدُ حكمةٍ
…
لا كمن قلبُه هَوَى
ذاك شمس الفضل المستوي على عرش الكمال، وقمر الفخر السابح في بحر السؤدد والفعال.
مركز السماحة والحماسة، وقدوة الملوك الساسة.
فتىً من طِينةِ المجدِ
…
وما السؤددُ بالعَدِّ
جواهرُ مجدِه انْتظمتْ
…
نظامَ جواهرِ العِقْدِ
كريمٌ عَزْفُ رَيَّاه
…
يفوح بنفْحةِ النَّدِّ
مَساعِيه مُشنَّفةٌ
…
يواقيتٌ من المجدِ
فمن حَيَّى بعِشْرتِه
…
غدا بالكوكب السَّعْدِ
ذكره أطيب من نفس الحبيب، وروحه أخف من تغيب الرقيب.
ومفاكهته أشهى من رشف الثغر الشنيب، وأخلاقه أوسع من الفناء الرحيب.
رحيبُ فِناء الصدرِ ليس بِضَيِّقٍ
…
ولا حرَجٌ لكنْ يُعيد كما يُبْدِي
ففيه مَجالٌ للتَّواضُع والعُلَى
…
وفيه نصيبٌ للفُكاهة والجِدِّ
نور العترة وفخرها، وملاك الأمة وسرها، وسيد الأسرة بأسرها ابن بجدتها، وأبو عذرتها.
الطب اللب، السري الندب، الواضع الهناء مواضع النقب.
الندس المهذب، الحول القلب.
عذيقها المرجب، وحجرها المأوب.
جنة الدهر، ودرة تقصاره الفخر.
الرحلة، العلامة، الشهير.
مصباح زيت النبوة، وسيد أرباب الفتوة.
فحسبه صميم، ونسبه كريم.
وآباؤه أهلة المحامد، وأقمار المشاهد، وشجا فؤاد الحاسد.
فهم المجلون في حلبة العليا، والفائزون بالفذ والتوأم من أزلام الدين والدنيا، والمحلقون في فضاء العز غاية القصوى.
قومٌ غَذَتْهم لِبانُ العزِّ والكرمِ
…
مَشُوبةً بسُهادِ الحُكْم والحِكَمِ
بِيضٌ بَهالِيلُ يُسْتسْقَى الغَمامُ بهمْ
…
في المَحْلِ إن ضَنَّ يوماً هاطلُ الدِّيَمِ
تبَوَّءُوا بيتَ مجدٍ مَن يلُوذ به
…
فإنَّه من صُروفِ الدهر في حَرَمِ
لا يدفعُ الخَطْبُ يوماً بحرَ ساحتهِ
…
ولا يمُرُّ لدَيْه غير مُبْتسِمِ
ولا يُدِير إليه عينَ حادثةٍ
…
ولا يمُدُّ عليه كفَّ مُهْتضِمِ
أُسْدٌ إذا لمَعتْ في جُنْحِ مُعترَكٍ
…
سيوفُها أمْطَرتْها من عَبِيط دمِ
مُدَرَّعون دِلَاصاً من شجاعتهمْ
…
مُقَلَّدون بأسْيافٍ من الهِمَمِ
قد أُلْبِسوا في دُرُوعِ الفخرِ أرْديةً
…
تُجيرُها كرمُ الأخلاقِ والشِّيَمِ
كادتْ تخِرُّ نُجومُ الأُفْق ساجدةً
…
لهم وقد طلَعوا من مشرقِ الكَرَمِ
يفُوح عَرْفُ المَعالي إن ذكرتَهمُ
…
ويعْبَق الأُفْقُ مِسْكاً من حديث فَمِ
أولئك أرومة سيد الأسرة، وجرثومة سرة السرة، من علماء العترة.
غرة أبناء البطين، وناظورة أهل بيت الأمين، محيي الدين، المفضل عبد الله بن أمير المؤمنين، شرف الدين، بن شمس الدين، بن أمير المؤمنين المهدي لدين الله، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
سلسلةٌ من ذهبِ
…
مَنُوطةٌ بالشُّهبِ
ونِسْبةٌ تردَّدتْ
…
بين وَصِيٍ ونَبِي
سبحانَ مَن قدَّسها
…
عن سيِّئاتِ النسَبِ
لا برح نسبه تميمةً في أجياد الحسب، ولا انفك حسبه عقداً في لبات المكارم والأدب.
وأدبه حليةً لعاطل الأدب، وجمالاً لشرف الأسماء والنسب.
ولا برحت أردية العلياء محبرةً بمساعيه، وريطة الفضل معلمةً بأياديه، وركاب الفضائل والفواضل معكوفةً بناديه.
ولا فتىء عاكفاً تحت سرادق الكرم، واقفاً في رواقٍ من حسن الشمائل والشيم تخفق عليه أعلام العلم، وتنشر أمامه ألوية الحلم.
ما طلع نجمٌ في برجه، ونجم طالعٌ في مرجه.
دام في روضةِ النعيمِ تُغنِّي
…
هـ على أيْكةِ الهنا أفْراحُ
لا خَلا من هلالِه فلَكُ المجْ
…
دِ ولا غاب نجمهُ الوضَّاحُ
فلجِيدِ العَلْياء منه عقودٌ
…
ولِعطْف الفخار منه وِشاحُ
فلا أصابته عين الكمال، ولا سلب الدهر بفقده ثوب الجمال.
ولا برح كعبةً للجود، وعصمةً للمنجود، ونوراً يلوح في أبناء الوجود.
أما بعد؛ فإنها لما فاحت نسمات الأشواق، ودارت على كئوسها دور الرفاق.
قدمت كتابي إلى الحضرة، ينهي إلى مولاي أن شوقي إلى مرآه البهي، ومحياه السني، شوق الغريب إلى الوطن، والنازح إلى السكن.
والمهجور إلى العتاق، والممنوع عن الكاس الدهاق.
والصديان إلى الماء القراح، والحيران إلى تبلج الصباح.
ويحدثه أني من بينه فقيد الجلد، عميد الخلد، جديد الكمد، بالي الصبر والجد.
يهزني إليه الأصيل، ويبكيني مباسم البرق الكليل، ويشجوني نوح الحمام على الهديل.
وأني لاأزال من فراقه متلفعا بأبراد الضنى، متعلقاً بأذيال المنى، لا يجمعني والسلوان فنا، ولا يفرق بيني وبين الأسف إلا القرب واللقا.
ما بِدْعةٌ إن جَرَّ حَيْنِي
…
جَزَعِي وأجْرى المقُلتَيْنِ
أمسيْتُ في الليلِ البَهِي
…
م أعُضُّ أطْرافَ اليديْنِ
طال النَّوَى والليلُ طا
…
لَ وبِتُّ أرْعَى الفَرْقَدينِ
ولقد شجانِي ما شجَا
…
قلبي هَدِيلُ حمامتيْنِ
يتناوَحان فيُفْرحا
…
ن جوانِحي بالنَّغْمتيْنِ
ما ناحَتا إلَاّ ومِلْ
…
تُ تمايلُ الرُّمْحِ الرُّدَيْنِي
أبكَى بُكاؤُهما العيو
…
نَ وما أسالَا عَيْنَ بَيْنِي
جَمدت عيونُهما فقُلْ
…
تُ إليكُما عَبَراتِ عَيْنِي
وسمحْتُ بالدمعِ الغزي
…
رِ وبُحْتُ بالسرِّ المصونِ
لم يُبْكنِي سَفْحُ العُذَيْ
…
بِ ولا رُسومُ الرَّقْمَتَيْنِ
لكنْ فِراقُ مُهذَّب الْ
…
أخلاقِ هَيْنِ الطبعِ لَيْنِ
لِفراق عبد الله هِمْ
…
تُ تشوُّقاً وهَمتْ عُيونِي
ولعمري لولا علمي أن رأفة سيدي بولده، وعطفه على بضعة جسده، وفلذة كبده، قد فضل كل برٍ مألوف، وأربى على عطف كل أبٍ عطوف.
لأرخيت عنان القلم في ميادين الشكوى، ونشرت دفين الألم الذي عليه قد أطوى.
لكني زممت جناحه، وكسرت جناحه، وحظرت عليه مسرحه ومراحه.
فرقاً أن تألم نفس سيدي ومولاي، وإشفاقاً أن يلتاح قلبه من حراي.
وأمرته أن يرد فناء سيدي مسروراً فرحا، وأن يسحب ذيله في ساحته مرحا.
وينشر طلاقةً وبشرا، ويفتر بمبسم خريدة عذرا.
ملتثماً للأرض بين يديه، قاضياً بعض ما يجب من الثناء عليه.
إذ ليس بممكن أداء الثناء بوجهه، ولا بلوغ غايته وكنهه.
هيهات، هيهات، ذلك أعز من بيض الأنوق، وأبعد من العيوق، والأبلق العقوق.
غير أن الحياء من عظمة تلك العقوة، والجلال لأبهة تلك الربوة.
قد كسرت من نشاطه، لما ضربه بسياطه.
فلم يقدم إلا مدهوشا فشلا، منوصا ناصيته خجلا.
فها هو قد قدم ذلك الندى، وهو أحيى من هدى.
ها قد أتى يسحبُ أذْيالَ الخجلْ
يبسُط كفّاً للرجاء والأمَلْ
يسأل خيرَ الناس طُرّاً عن كَمَلْ
إسْبالَ أذْيالِ التَّغاضِي والكِلَلْ
عمَّا حَوَتْ من خطأٍ ومن خَطَلْ
فليصرف سيدي عن ذنبه صفحا، ويضرب عن تبعاته عفواً وصفحا.
فقد جاء متلفعاً بالمعاذير، معترفاً بالقصور لا بالتقصير.
وسيدي أكرم شنشنة، وأولى من ستر سيئة ونشر حسنه.
فلعل سيدي أن تغمض عيناه على قذى التغاضي، ويلاحظ بعين محبٍ راضي.
فإن الرضى عيونه عن العيوب حسيرة، كما أن عيون السخط بالعيوب بصيرة.
والكريم من أقال عثرات الكرام، واللئيم على هفوات المقترفين تمام.
والإنسان إلى شاكلته يجمح، وكل إناء بالذي فيه ينضح.
ما كريمٌ من لا يُقِيل عِثاراً
…
لكريمٍ ويستُر العَوْراءَ
إنما الحُرُّ من يجُرُّ على الزَّلا
…
تِ ذيلاً منه ويُغضِي حَياءَ
وأنا أسال الله أن يجمع الشمل عن كثب، ويبلغنا أقصى الأمنية وقصارى الأرب.
وأن يهدى إلى حضرة سيدي سلاماً لذيذ الورود، رقيق البرود، ألطف من ورد الخدود، وأحسن من رمان النهود.
وأعذب من ماء البارق، وأرق من فؤاد العاشق.
وأوضا من نور غيضة، وأبهى من بيضةٍ في روضة.
وأبهج من خريدةٍ مشنفة، في حبرات مفوفة.
وأنضر من الدهم المنوفة، والنمارق المزخرفة.
وأحلى من رشف الثغور، وأسنى من الدرر في نحور الحور.
سلامٌ لو تصور لكان مسكاً نافحاً، ونوراً لائحاً.
ولو كان نوراً لكان إيماناً في قلوب الصالحين، ويقينا في سرائر القوم المفلحين.
سلامٌ له لَذَّةُ الوارداتِ
…
يرِدْنَ على المؤمِن المُحسِنِ
فلَو لاح كان سَناً يسْتسكِنُّ
…
القلوبَ ويعلُو على الأعْيُنِ
ولو كان نُوراً لكان اليقي
…
نَ في سِرِّ كلِّ فتىً مُوقِنِ
سلامٌ يفوح من مقعد صدقٍ قدسي، ويلوح من فوقه عرش كرسي.
تهبط به السكينة، بأسراره المصونة.
وتنزل به الملائكة والروح، إلى تلك الربوات والسوح.
وتعتني بتلك النفس التي سمت على النفوس، بتقديرٍ من الملك القدوس.
ويحيي بها عن الحي القيوم، بختام الرحيق المختوم.
ورحمة الله سبحانه، تشفع روحه وريحانه.
وليعلم سيدي أني قد أعفيت فواصلها، وعريت فقرها عن تفصيلها.
بشعر ليس من قريحتي، وبنات فكرتي.
وذلك أستر لثنائها، وأخفى لذمائها.
فعساني لو أودعتها نتائج قرائح البلغا، وأفكار الفصحا.
وسوائح روياتهم، وشوارد بدائهم.
لأكون كمن نصب مناراً على عيبها، وأقام دليلاً على بهرجها وزيفها.
أو كمن قلد شوهاء بعقود الدر المصون، ووشحها بأوشحة الإبريز المفصل باللؤلؤ المكونو.
وألبسها أرجوانيات الإبريسم، وحبرات الوشي المعلم.
وأكون كمن نظم حصاةً إلى شذرة، وأضاف فحمةً إلى درة.
ومن المعلوم أن الطبع للتطبع يقهر، وأن فضل الضد عند ضده يظهر.
وخسر من بدل دينار غيره بفلسه، والإنسان له بصيرةٌ على نفسه.
أوضحت ذلك لمولاي كي ينسب عند افتقادها إلى سواي بهرجها وزيفها، أو يعزو إلى غيري خطلها وحيفها.
فالسفيه جد السفيه، من يرمي بريئاً بعيبٍ هو فيه.
والأمل طامح، أن يحملها سيدي على كاهل التسامح، ويقلها على خطوات التغاضي، ويمشي بها في جادة التجاوز، ويسلك بها سبيل التصفح عما تضمنته من العيوب.
فسيدي قدوة أرباب العفو، وإمام أهل التجاوز، وقبلة ذوي السماح ودليل ألي الفضل للفضل.
بعد السلام. وهو في كنف رعاية الله، وفناء حياطته، وظلال حفظه.
فأجابه والده بكتاب، صدره بهذه الأبيات:
رجوعُ شبابٍ أو وُرودُ كتابِ
…
أزالَا خُطوباً للنَّوى بخطابِي
وأبْدَلَ ذهني قُوَّةً وأعادَ لي
…
وقد كنتُ شيخاً عُنْفُوانَ شبابِي
صدورٌ بها شَرْحُ الصدورِ وجدْتُها
…
طَلاسِم قد جاءتْ بكلِّ عُجابِ
تعلَّقْتَها عند الكروبِ تَمِيمةً
…
لتفْريجِ همٍ أو لنَيْلِ طِلابِ
وما ذاك نَفْثُ السحرِ إذْ هو باطلٌ
…
وهذِي أتتْ مَلأَى بكلِّ صوابِ
فأنَّى تُرى لي في الإجابةِ مَسْلَكاً
…
يُناسِبها إن رُمْتُ رَدَّ جوابِ
فبَسْطاً لعُذْري أيها الولدُ الذي
…
بخفْضِ جَنابِي عنه رَفْع جَنابِي
روضة بلاغة أنيقة، وحديقة فصاحةٍ غديقة.
رشفت سماء المعالي أرض ألفاظها فزكا نباتها، وهبتها لواقح البيان، فنتجت في أحسن الصور أبناءها وبناتها.
وتبختر فيها بديع زخرف أنواره، فاهتزت وربت بزاهي زواهر مكنونات أسراره فأوراقها من أوراق الجنة، وأزهارها ضاحكةٌ مفترةٌ مفتتنة.
تفتر عن كل ثغرٍ بديع، وكل فصولها دائمة الفواكه دانية القطوف فكل فصلٍ منها ربيع.
يتبارى فرسان نفائس المعاني على مضمرات مراكيب مراكبها من يكون المجلى والسابق، ويتنافس منظومها والمنثور في السبق إلى ما بين العذيب وبارق، فكلها مجلٍ هناك لا مصلٍ ولا لاحق.
فقرٌ تبالغت في البلاغة إلى أن غدت الفرائد في أساليبها خوارق، موشحة بسموط نظم لها من نفسها معبد ومخارق.
فرائض لم ترض همة منشئها بين أبكارها إلا ما هو مبتكرها، وأبت قريحة التزيين بعوادي العوادي فما حلا لذوقه مكررها.
فبرزت للجنان جنان، حورها عينٌ لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان.
فلا ينفك المتنعم بها في كل آن، هو في شان، حتى ينتهي منها إلى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على الأذهان.
ولم لا تكون كذلك؟ ومنشئها ذو اليد البيضاء في معجزات البلاغة، الذي آنس من جانب الطور نارا، والضارب بقلمه بحرها فانفلق فلم يقبل الدر إلا كبارا.
فلذلك رجع وهو من نفثة سحرها الكريم الكليم، فأصبح وعصا حجته تلقف ما صنع كل سحار عليم.
حتى ألقى سحرتها سجداً مؤمنين برب حديثها القديم، قد رأوا من آياته عجباً من أسرار كهفه والرقيم.
لا بل هو قاموس البلاغة خاتمهم الأحمد المحمد، كيف لا يكون كذلك؟ وهو من العترة الطاهرة المحمدية ابن عبد الله محمد.
فعليه من السلام، أسنى سلام السلام.
ومن الإكرام، إكرام ذي الجلال والإكرام.
ومن التحيات أحيى تحيات الحي القيوم، ومن الرحمة رحمة الرحمن الرحيم المدخرة لذلك اليوم المعلوم.
ومن البركات أنمى بركات وأدومها وأزكاها، وأطيب الطيبات وأذكاها.
وبعد: فإنم الولد الفذ البذ، المتخلق من أطيب الخلال بما طاب وعذب ولذ.
نور مصابيح زجاجات القلوب، وروح الأرواح، وهز معاطف الأعطاف، ورنح أغصان الأشباح، وسر سرائر أسرار نفيس الأنفس بروح ريحان الارتياح.
وشرح صدور الصدور، بنفائس عرائس حور تلك المعاني المقصورات من الأعجاز في القصور.
اليت اقتعدت مقاعد الصدق من سطور تلك الصدور، التي كل مواضع مفرداتها ومركباتها من المنظوم والمنثور.
بملاك مغانيها العزيزة، في مقاعد أعجاز العزيزة كلها صدور.
فهي سماوات فضل دارت أفلاك فخرها بدراري أنوار فصل الخطاب، وأردان منيع رفيع قيمها بمصباح السليقة العربية التي اختارها الله لأفضل نبيٍ وأجل كتاب.
فلا برحت قريحته السمحة السليمة عذيب بارق نضاح ينابيع الأدب، ولا انفكت بحلته حسن رداء لواحق آداب من تأدب.
ذلك أنها أخذت بجميع مجامع أحاسن أجناس القول وفصوله، ولم تدع نوعاً من إحسان الإحسان إلا وأحاطت بذاتيه وعرضيه مقطوعه وموصوله.
ولا غادرت بهيج زخرف بديعٍ، إلا وسحبت فواضل حبر حسنه في ميادين إيجاز الإعجاز وتطويله.
محيطةً بفنون الافتنان فلذلك انتظمت في أساليب الحسن، كل فنٍ مفعمة بلطيف الإدماج المشيد بلطيف طريقه إلى استيعاب كل معنىً حسن.
لم تترك طريقاً من البلاغة إلا طرقته، ولا معنىً ذا أسلوبٍ من البلاغة إلا خرقته.
فلم تدع لمتكلم في قوس المعاني منزعا، ولا أبقت لمنطيقٍ من مواقع الإحسان موقعا.
فبماذا يجيء من حاول الجواب للقول الجامع، وقد أخذ من جميع طرق المحاسن بالمجامع.
إلا عسى بالإعادة تملى ما حوته من اللفظ والمعنى، والقنوع بهنات السرقات ومن ذا بالسرقات استغنى.
ولو شاء موشيها لترك للإجابة طريقة، ووسع بمخاطبته في الإشفاء لمطارحته طريقه.
فكم أردت ذلك فتبين بعد المناسبة بين بيانه وبياني، وكنت كلما حاولت ذلك يضيق صدري ولا ينطلق لساني.
فلم أر في شرح البلاغة مجيزا، إلا أن أقابل بجديد فكري من ذهن منشئها ذهباً إبريزا.
لكن لزوم الإجابة، أوجبها مع الإصابة وغير الإصابة.
فلو استوى الابتداء والجواب في حسن المخاطبة، وأن لا يتفاوتا في كمال المناسبة.
سمي رجع صدىً جوابا ولا عدت حركات الجواب وغمزات العيون بين الأحباب خطابا.
لكن ذلك عجزٌ ملأ حوض سري سروراً حتى قال قطني، فلم أقرع على ما فاتني من الإحسان سني.
إذا كان فخراً ممن يقول أنت شجري، وأقول له أنت ثمري.
فغير بديع أن تفضل الثمرة الشجرة.
فليجعل الولد أكثر منه بره أن يعذر في الإساءة أباه، فضلاً عن الإحسان فإنه أباه.
ولكنه أعاد الفرح به شباب السرور، وشب نار الحياة في القلب فشبت في شبح الروح والحبور.
فلا برحت عزتك في العلوم النون، ولسانك في البيان القلم، وصدرك اللوح وما يسطرون.
والله سبحانه أسأل أن يجعلك ممن هو على خلق عظيم، وأجرٍ غير ممنون.
وألا يقطع عنا وعنك المرغبات بمعقبات رعايته، إنه حميدٌ مجيد، صبور رشيد.
وسلامٌ على المرسلين، وعلينا وعليك وعلى من لديك.
وقد سر أباك ما حققت في كتابك الأخير، مما أنعم الله به عليك وعلى الوالد العلامة لقمان بن أحمد، من ختم ذلك الكتاب النبيل، الكاشف لخرائد نكت القرآن وبيان بيان التنزيل، والتلذذ بعرائس بدائع دقيقه والجليل.
فليهنكم تلك النعم الكاملة، ونسأله أن يديم لكم ما خولكم من تلك الفواضل الفاضلة.
والسلام.
ومن شعر صاحب الترجمة، قوله في قصيدة، مستهلها:
يا راقدَ الليلِ لم يشعُر بمَن سهِرا
…
أسْهَرْتَ عينِي فعيْني لا تذُوق كَرَى
تنامُ عنِّي وأجْفاني مُؤرَّقةٌ
…
عَبْراءُ ما مَرَّها نومٌ ولا عَبَرَا
سلبْتَ عقلي وأوْدعْتَ الهوى كبدِي
…
يا مُنيتِي وملكتَ السمعَ والبصرَا
فأنْثني واضعاً كفّاً على كبدٍ
…
حَرَّى وكفّاً يكفُّ الدمعَ حين جَرَى
يُدنِي ليَ الوهمُ غُصْناً منك أعشقُه
…
حتى أكادُ أُناجِيه إذا خَطرَا
وأرفع الكَفَّ أشكُو ما أُكابِدُه
…
أقولُ أنت بحالِي يا عليمُ ترَى
أدعو إذا جَنَّنِي ليلٌ ولي مُقَلٌ
…
تفِيضُ دمعاً وقلبٌ ذابَ واسْتعَرَا
لا وَاخَذ الله مَ، أهْوَى بجَفْوتِه
…
ولا مَلَا مثلَ قلبي قلبَه شَرَرَا
ولا ثَناهُ الهوى وَجْداً ولا اكْتحلتْ
…
عَيْناه مثلَ عُيوني في الدُّجَى سهَرَا
رَقَّ النَّسيمُ لتَبْرِيح الصَّبابة لي
…
لمَّا انْثنَى ذيلُه من أَدْمُعِي خَضِرَا
والبرقُ شَقَّ جُيوبَ السُّحْب عن كبدِي
…
والرعدُ حَنَّ وأبكَى دمعِيَ المطَرَا
يا صاحبي إن لي سِرّاً أُكاتمُه
…
أخْفيْتُه من نسيم الرِّيح حين سَرَى
إن كنتَ تضمنُ لي ألاّ تبُوحَ به
…
سمعتَ مِن سِبِّي المَكْنونِ ما اسْتَتَرا
شُوَيْدِنُ الحِلَّة الفَيْحاءِ أرْشَقني
…
من لَحْظهِ بسهامٍ رَاشَها وبَرَا
رَمانِيَ الرَّمْيةَ الأُولَى فقلتُ بلا
…
عَمْدٍ رَمانِي فأصْماني وما شعَرَا
وحين فَوَّق لي سَهْمَيْه ثانيةً
…
بكيْتُ نفسِيَ واستْبكيتُ مَن حضَرَا
هذا من قول مهيار:
رمَى الرَّمْيَة الأُولَآ فقلتُ مُجرِّبٌ
…
وكرَّرها أخرى فأحسستُ بالشَّرِّ
بكيتُ نفسي لعِلْمي أن مُقْلتَه
…
لا بُدَّ تقتُلني ظُلْماً وسوف تَرَى
مُمَّنع الوصلِ لا يُرْجَى توَاصُلُه
…
لو زَاره الصَّبُّ في طيْفٍ لما صَدَرَا
لا تَستطيع صَبا نَجْدٍ إذا خطَرتْ
…
تُهدِي إلى الصَّبِّ من أكْنافِه خَبَرا
رَبيبُ مُلْكٍ كأنَّ اللهَ صوَّره
…
ملَكاً وخيَّره بين الورى الصُّوَرَا
مُهَفْهَف القَدِّ لا يُطفِي لَظَى كبدِي
…
إلَاّ ارْتشافي لَماه الباردَ العطِرَا
أغَنُّ يكسِر جَفْنيْه على حَوَرٍ
…
يُذيبُ نفسِي ونفسي تعشقُ الحَورَا
بدرٌ على غُصن بانٍ في مَحبَّتهِ
…
أكاد أعشق غُصْنَ الْبانِ والقَمَرَا
أُقبِّل الدُّرَّ من عِشْقِي لِمَبْسمِه
…
لمَّا رأيتُ ثَنايَا ثَغْرِه دُرَرَا
وأدَّنِي الْبانةَ الغَنَّا إلى كبدِي
…
لمَّا حكتْ قَدَّه المَيَّالَ إذْ خطَرَا
عليه كلُّ هلالٍ ينْحنِي أسفاً
…
وكلُّ بدرٍ حَياً من وجهِه اسْتَتَرا
والنَّرجِسُ الغَضُّ غَضَّ الطَّرْف حين رَنَاواحْمَرَّ وردُ الرُّبَى من خَدِّه خَفَرَا
ذكرْتُه حين فاحَتْ لي مُعَنْبَرة
…
رِيحُ الصَّبا وسرَى لي سِرُّها سَحَرَا
يا أيُّها القمرُ السَّارِي إذا خطَرتْ
…
إليك عَيْناه واستحْلَى بك السَّمَرَا
أبلِغْه يا بدرُ قُل مُضناك أوْدَعنِي
…
أُهدِي إليك سلاماً طَيِّباً عطِرَا
يُمْسِي سَمِيرِي ويبكي من صَبابتِه
…
شوقاً إليك ويَرْعَى الأنْجُمَ الزُّهرَا
عسى أخوك إذا أخْبرتَه خَبَرِي
…
يَرْثِي لحالِي فحالي شَجْوُ مَن نَظَرَا
وقوله:
يا طلعةَ البدرِ في دَيْجورِ أغْلاسِ
…
ويا هلالاً على غُصْنٍ من الآسِ
يا من كتمتُ الهوى صَوْناً له فإذا
…
فَاهُوا بذكْرِ اسْمِه غالطتُ جُلَاّسِي
يا مَن إذا ضُرِبت في حُبِّه عُنُقِي
…
ما مالَ إلَاّ إليه مُسرِعاً رَاسِي
يا مُنْية القلبِ ما عنِّي أتاك فقد
…
أوْحَشْتنِي يا حبيبي بعد إيناسِ
فقد أتاني حديثٌ منك أدَّبَنِي
…
وزاد واللهِ في وَهْمِي ووَسْواسِي
أذاب نفسِيَ ممَّا جاء منك فلو
…
لا أدمُعِي أحرقتْني نارُ أنْفاسي
وحين عاينْتُ صبْرِي عنك مُمتنعِاً
…
وبِتُّ أضربُ أخماساً بأسْداسِ
كتبتُ والدمعُ يمحُو ما تخُطُّ يدي
…
حتى بكتْ ليَ أقْلَامِي وقِرْطاسِي
فاعطِفْ على مُسْتهامٍ عاشقٍ دَنِفٍ
…
بين الرجاءِ لطَيْفٍ منك والْياسِ
ماذا الصدودُ الذي ما كنتُ آلَفُهُ
…
متَى يلين لما بي قلبُك القاسِي
لو أنَّ لي ساعةً أشكُو إليك بها
…
حالي وقد نام حُسَّادِي وحُرَّاسِي
مالي أُمَلِّك نفسِي مَن يُعذِّبها
…
بالصَّدِّ عنِّي ومالي أذكُرُ النَّاسِي
يا ناسُ هل لي مُجيرٌ من هوَى رَشأٍ
…
مُهَفْهفٍ كقَضِيب الْبانِ مَيَّاسِ
أذاب قلبي وسَلَّ النومَ عن مُقَلِي
…
بفاتنٍ فاترِ الأجْفانِ نَعَّاسِ
مَن لي بزَوْرَتِه جُنْحَ الظلامِ وقد
…
غاب الرَّقيبُ ونامَتْ أعيُنُ الناسِ
أُمسِي أُعانِقُه ضَمّاً إلى كبدِي
…
ما في العِناق وما في الضَّمِّ من باسِ
وأنْثني عند رَشْفِي خمْرَ مَبْسَمِه
…
سُكْراً وأسكَر من مارِيقةِ الكاسِ
عسى الذي قد قضَى بالحُبِّ يجمعنا
…
يا طَلْعة البدرِ في دَيْجورِ أغْلاسِ
وقوله:
أفْدِي التي بِتُّ أبُلُّ الجوَى
…
من رِيقها باللَّثْمِ والمَصِّ
قالوا لها لمَّا رأَوْا خَدَّها
…
وفيه أثرُ العَضِّ والقَرْصِ
ماذا بخَدَّيْك فقالتْ لهم
…
نِمْتُ ولم أشعُر على خِرْصِي
يا حُسْنَ خَدَّيْها وعَضِّي على
…
ناعمِ كَفٍ تَرِفٍ رَخْصِ
كفَصِّ ياقوتٍ على دُرَّةٍ
…
آهِ على الدُّرَّةِ والفَصِّ
وكتب إلى ولد عمه عز الدين محمد بن شمس الدين بن شرف الدين، يعاتبه لكلامٍ بلغه عنه:
أعاتُبه وهْو الملِيكُ المكرَّمُ
…
وقبل افْتتاحي للِعتاب أُسلِّمُ
سلامٌ على أخلاقِك الغُرِّ كلَّما
…
تألَّق عُلْويُّ السَّنَا المُتبسِّمُ
سلامٌ كزَهْر الروضِ صافحه الصَّبا
…
وراح برَيَّا نَشْرِه يتنسَّمُ
كماءِ الصِّبا يجْرِي بخدِّ خَرِيدةٍ
…
فيزْهو بها وردُ الخدودِ المُنعَّمُ
سلامٌ كأنفاسِ الحبيب اعتَنَقْتُه
…
ففاح به ثَغْرٌ شَهِيٌّ ومَبْسَمُ
على حَضْرة المَلْك الأَعزِّ الذي له
…
على صَهواتِ النجْمِ خِيمٌ مُخيِّمُ
له شرَفٌ يهوَى الدَّرَارِي لَوَ انَّها
…
له شرَفٌ والشَّأْوُ أعلَى وأعظمُ
وبيتُ عُلاً فيه زُرارةُ ما احْتَبَى
…
ولا نَهْشَلٌ فيه سَمُوحٌ مُعجّمُ
ولكنه بُنْيان مجدٍ يشِيدُه
…
إمامٌ مُحِقٌّ أو مَلِيكٌ مُعظَّمُ
قواعدُ مجدٍ للفَخار قديمةٌ
…
تأخَّر عن أدْنَى مَداها المُقدَّمُ
ليحْيَى أميرِ المؤمنين أساسُها
…
وفيها لشمسِ الدين مَثْوىً ومَلْزَمُ
وقَفَّاهما في رَفْع بيتِ عُلاهما
…
فتىً وصْفُه في المَعْلوات له سَمُ
مَلِيكٌ له تعْنُو الملوكُ مَهابةً
…
فيَقْضِي عليهم ما يشاءُ ويحكمُ
منها:
صَبا قلبُه بالمجدِ والمجدُ دُمْيَةٌ
…
وما مهرُها إلَاّ بمُعْتَرَكٍ دمُ
ومَن عَشِق العَلْياء شاق فُؤادَه
…
حسامٌ وخَطِّيٌّ وطِرْفٌ يُحَمْحِمُ
منها:
أمولايَ يا خيرَ الأنامِ نداءُ مَن
…
مَودَّته ما عاش لا تتصرَّمُ
نداءُ أخٍ ما زال يَسْدِي لسانُه
…
عليك ثناءً كالعبيدِ ويُلْحِمُ
ثناءٌ يُعِير الروضَ وهْو مُفَوَّفٌ
…
ويَخْجِل منه الدُّرُّ وهْو مُنظَّمُ
ويفْتَرُّ عن زهرِ الفَرادِيس زهرُها
…
وباكَرها دمعٌ من المُزْنِ مُنْجَمُ
كأجْنحةِ الطاوُوسِ حُسْناً وبَهْجةً
…
يدُلُّ له روضُ الربيعِ المُنَمْنَمُ
ثناءُ فتىً شاقْته منك شَمائلٌ
…
حلَتْ فيه شُهْداً ثملَتْ فهي عَنْدَمُ
وطابتْ ففاحتْ عَنْبَراً وتنفَّسَتْ
…
عَبِيراً فكادتْ في الوجوهِ تنَسَّمُ
فما بالُها في وجهِ وُدِّيَ قَطَّبتْ
…
وكاد مُحَيَّا بِشْرِها يتجهَّمُ
وفيما أتاني عنك قلبِي بسيْفِه
…
كَلِيمٌ وبعضُ القولِ كالسْيفِ يكلِمُ
تبِيتُ له في القلبِ منِّي قوارِصٌ
…
تُؤرِّقني والناسُ حَوْليَ نُوَّمُ
يهيمُ ببَحْرِ الفكرِ منذ سمعتُه
…
فؤادي إذا السُّمَّار نامُوا وهَوَّمُوا
أقول أخي قد أصبح اليومَ واجِداً
…
ووَجْد أخي يُشْجِي فؤادي ويُؤلمُ
وكيف يظُنُّ السوءَ فيّ لنَيْربٍ
…
نَماها إليه شيخُ سَوْءٍ مُذَمَّمُ
وماذا الذي إن كان حقّاً كلامُه
…
سيحْوِيه كفِّي ساءَ ما يتوهَّمُ
فتبَّتْ يَداه كيف يعْزُو إليَّ في
…
مَقامِك أمْراً ليس لي فيه مُلْزِمُ
وبعضُ مُعاداةِ المُعادِين غِبْطةٌ
…
بلَى عِلَّةٌ يُنْحَى عليها فتُحسَمُ
كآدمَ إذْ عاداه إبليسُ عامداً
…
وليس له ذَحْلٌ عليه ولا دَمُ
سعَى بيَ واشٍ لا سعتْ قدمٌ به
…
فزَخْرَف أقوالاً وقال وقُلْتُمُ
أمَا قسَماً بالمُستجِنِّ بطَيْبةٍ
…
وحِلْفيَ عن حِنْثٍ أُبِرُّ وأُكْرِمُ
لئن كان قد بُلِّغْتَ عنِّي جنايةً
…
لَمُبْلغُك الواشِي أغَشُّ وأظلمُ
فرِفْقاً ورَعْياً للإخاء فإنني
…
أخوك الذي يَلْوِ عليك ويَرأَمُ
يصُون ويرْعَى سالفاتِ عوارفٍ
…
ويُنْبِىءُ عن مَكنُونها ويُتَرْجِمُ
فيا ملِكاً قد جاءني عنك أنّه
…
تَمُرُّ بسمْعِي وهْو صابٌ وعَلْقَمُ
يقول فلان أنتُم تعلمونَه
…
وهل علمِوا إلَاّ الذي أنت تعلمُ
وهل ذَمَّنِي إلا الحسودُ فإنه
…
لَيعْلَم ما يُشْجيه عنِّي ويُرْغِمُ
ولو جاز إطْرائِي لنفسي سمعتَه
…
ولكنَّ مدَح النفسِ للنفس يرحُمُ
عليك فسَلْ عن شِيمتِي غيرَ حاسدٍ
…
يبُثُّ جميلَ الذِّكرِ لا يتلَوَّمُ
يقُل هو لا جَعْدٌ على الوَفْرِ كفُّه
…
إذا نالَه من بَذْلِه يتبرَّمُ
ولا ضَرِعٌ إن فاقَةٌ فوَّقتْ له
…
سهاماً وللنُّعْمَى ولِلْبُوسِ أسْهُمُ
ولا هو إن نال الغِنَى قصَر الغنى
…
على نفسِه بل وَفْرُه مُتقسِّمُ
ولا هو مَن إن راح عُطْلاً من الثَّرَى
…
يرُحْ وهْو عُطْلٌ من حُلَى الفضلِ مُعْدِمُ
يكُفُّ جِماحَ القولِ لا عن فَهاهةٍ
…
وإن قال لا عِيٌّ ولا هو مُفْحَمُ
ويَأْتلِقُ النادِي بسِحْر بَيانِه
…
كأنَّ سَناه في دُجَى الحظِّ أنْجُمُ
وتهْوى الغَوانِي أن مَنْظومَ فكرِه
…
ومَنْثورَه في حَلْيِهِنَّ يُنظَّمُ
طغَى قلمي فاصفَحْ فإنك هِجْتَهُ
…
بمَأْلُكَةٍ فيها عليَّ تحكّمُ
تجنَّيْتَ لي ذنْباً لتعذِر جانياً
…
كذِي العُرِّ إذ يَكْوي صَحِيحاً ويسلَمُ
فلا غَرْوَ أن فار الإناءُ بمائِه
…
ومِن تحته نارُ الغَضا تتضرَّمُ
وإنَّ كَمالِي مُنْتَمٍ ونقِيصَتِي
…
إليك وإن أثْلَم فإنَّك تثلَمُ
فعِرْضُ أخِي عِرْضِي وعرضِيَ عِرْضُه
…
ولي لحمُه لحمٌ ولي دمُه دَمُ
أمولايَ يا من خُلْقُه الروضُ ناضِراً
…
برَوْح له يرْتاح من يتوسَّمُ
أُعِيذُ كمالاً حُزْتَ خَصْلَ رِهانِه
…
فجاوزْتَ شَأْواً دونه النجمُ يُحْجِمُ
وحِلْماً تزول الرَّاسياتُ وركنُه
…
شديدُ المَباني لا كمَن يتحلَّمُ
وقلباً ذَكِيّاً مُشْرَباً ألْمَعيَّةً
…
إياسٌ لديها أغْلُف القلب أفْدَمُ
أعيذك أن يُصْغِي إلى قولِ كاشِحٍ
…
يُحبِّرُ زُوراً وَشْيَه ويُسهِّمُ
يُوافيك في بُرْدِ التَّمَلُّقِ كاذباً
…
وتحسَب غُفْلاً بُرْدَه وهْو أرْقَمُ
وكيف وأنت الفحلُ جاز مِحالُه
…
عليك لَعَمْرِي أنت أذْكى وأحْلَمُ
وهل في قَضايا العقلِ مولايَ أنه
…
لديْك يُصدَّى صارمِي ويُكَهَّمُ
أخي إن كَففْتَ الخيرَ فالشَّرَّ كُفَّه
…
كَفافاً فكُن إن الكَفافَ لَمغْنَمُ
فرفقاً بنفْسٍ من مقالِك أوْشكَتْ
…
تذُوب وكادت حسرةً تتصَرَّمُ
أقول إذا جاشَتْ عليه وأرْزمَتْ
…
وعادتُها من جَفْوةِ الخِلِّ تُرْزِمُ
هنيئاً مَريئاً غيرَ داءٍ مُخامرٍ
…
لمَولاي منِّي ما يحِلُّ ويحرُمُ
أمولايَ من يُرْضِيك كُلُّ خِلالهِ
…
وأيُّ فتىً في الناسِ قِدْحٌ مُقَوَّمُ
كفَى المرء نُبْلاً أن تُعَدَّ ذنوبُه
…
فتُحصَى ومَن ذا من أذَى الناسِ يسلمُ
وإنِّي على ما كان مُثْنٍ وشاكرٌ
…
مدَى الدهر لا أشكو ولا أتظَّلمُ
ولستُ بناسٍ ذِكْرَ أخلاقِك التي
…
بها أنا مهما عِشتُ مُغْرىً ومُغْرَمُ
فلا تحسَبَنِّي صادِفاً للثناءِ إنْ
…
ثَناك من الواشِين ظَنٌّ مُرَجَّمُ
وحقِّك إنِّي ما حيِيتُ لَوامِقٌ
…
شمائَلك الحُسنَى مُحِبٌّ مُتيَّمُ
وهل يقْلَع الإنسانُ مُقْلَة نفْسِه
…
وإن يأْت من عَوْرائها لا يهُوِّمُ
وليس انْتزاحي عن جَنابِك جاحِداً
…
عوارفَ يدْرِي حقَّها اللحمُ والدمُ
ولكنَّ إخواناً أبَوْا لي فِراقَهمْ
…
فطاوعْتُهم والقلبُ بالشوقِ مُفْعَمُ
ولا صارفاً وُدِّي لغيرك صادِفاً
…
به عنك يأْبَى لي الوفا والتكرُّمُ
فؤادَك أبْغِي أن يكون مَكانتِي
…
به حيث لا يرضَى وُشاةٌ ولُوَّمُ
إذا صَحَّ لي من قلبِك الوُدُّ وحدَه
…
ظفِرتُ فلا آسَى ولا أتندَّمُ
وما لي إلى ماءٍ سوى النِّيلِ حاجةٌ
…
ولو أنه أستغْفرُ اللهَ زَمْزَمُ
ومما يحسن من شعره، قوله:
نفسِي الفداءُ لشادِنٍ
…
مُرِّ الجفَأ حلوِ المَراشِفْ
قاسِي الفؤادِ أعار أغْ
…
صانَ النَّقا لِينَ المَعاطِفْ
لهِبتْ بنارِ صُدودِه
…
كبدِي ودمعُ العينِ ذارِفْ
ومُمَنَّعٍ كالغُصنِ دُو
…
ن لِقائِه خوضُ المَتالِفْ
مِن وَصْلِه وصُدودِه
…
أنا دائماً راجٍ وخائفْ
فعَلتْ بنا ألْحاظُه
…
ما تفعلُ الأسَلُ الرَّواعِفْ
مُتجاهِلٌ عمَّا يُقا
…
سِي فيه قلبي وهْو عارفْ
وقوله:
نَسَماتُ النسيم من نَعْمانِ
…
وابْتسام الوَميضِ باللمَعانِ
سَعَّرا نارَ مُهْجتي وأثارَا
…
شَجْوَ قلبي وهَيَّجا أشْجانِي
ذَكَّراني بعَصْرِ وصلٍ تقضَّى
…
آهِ لَهْفِي لفَوْتِ ما ذكَّرانِي
هاشَبابي مضَى وما نلْتُ وصلاً
…
أين منِّي شبابُ عمرٍ ثانِي
يا خليليَّ خلِّيانِي فمابي
…
من غرامٍ أذاب قلبِي كَفانِي
ما تُحلَاّ باللَّوْمِ عِقْدَ عهودِي
…
فاعذِراني باللهِ أو فاعْذِلاني
فبسمعِي من ذلك اللومِ وَقْرٌ
…
قد أجبْتُ الغرامَ لمَّا دعانِي
قسَماً بالحَطِيم والحِجْر والبَيْ
…
تِ العظيمِ المُقبَّلِ الأرْكانِ
وبمَن حَلَّ عِقْدَ عهدي ومن قد
…
حَلَّ منِّي هواه كلَّ مكانِ
وبِعَصْر الشبابِ عُذْر التَّصابِي
…
وعفافِي إذا وصلتُ الغوانِي
وبِعصْيانيَ المَلامَ مُطِيعاً
…
لغَرامِي وهذه أيْمانِي
إنني قد حملتُ من مُثْقلاتِ الصَّ
…
دِّ ما لا يُطِيقُه الثَّقَلانِ
يا مُرِيدَ السُّوِّ لي كُفَّ عنِّي
…
فعَنِ الحبِّ ليس يُثْنَى عِنانِي
أنا حِلْفُ الهوى رضيعُ الصَّبابا
…
تِ حِلْفُ الغرامِ والأشْجانِ
بين قلبي وسَلْوتِي مثلُ ما بَيْ
…
نَ حِسانِ الوُجوهِ والإحْسانِ
فاسْتَرِحْ عاذِلي ودَعْنِي أُعانِي
…
من تبارِيحِ لَوْعتِي ما أُعانِي
لا تلُمْنِي ومثلَ نفْسِك عامِلْ
…
نِي فإن الإنسانَ كالإنْسانِ
أنت بدْرِي وإن تجاهلْت ما يفْ
…
علُ وَجْدٌ بِذِي هَوىً وَلْهانِ
لستَ لا والغرامِ تجهل شأْناً
…
لِمُحبٍ وإن تجاهلتَ شانِي
أنت إمَّا مُغالِطٌ لِي وإلَاّ
…
فغَيورٌ أو حاسِدٌ أو شَانِي
وجيه الدين عبد القادر بن الناصر بن عبد الرب ابن علي بن شمس الدين بن شرف الدين بن شمس الدين بن أحمد بن يحيى.
الوجيه نضر الله وجهه، وجعل وجهته للفلاح خير وجهة.
من بين معادن الموجودات النضار أو العسجد، ومن بين جواهر الذوات درة التقاصير أو الزبرجد.
فهو كنز النائل المستماح، ومطلب الكرم والسماح.
له لب الفخار الأشب، وبحبوحة النسب والنشب.
سامي السماك بعزمٍ للحساد مبيد وماحق، وسبق إلى غايات الفضل ولا بدع فليس للوجيه لاحق.
وقد وقفت له على شعرٍ تلألأ غرة المجد في محياه، وتروق السقاة الأقمار كؤوسها من حمياه.
فمنه قوله:
قد طار قلبي إلى مَن لا أُسمِّيه
…
وإن تناسَى الوفا فاللهُ يحْمِيهِ
مُهَفْهَفٌ مادَ من تِيهٍ ومن جَذَلٍ
…
فكاد قَدُّ قضِيب الْبانِ يَحْكِيهِ
بدرٌ تكادُ بدورُ التِّمِّ تُشبِهُه
…
والظَّبْيُ حاكاه لكنْ ما يُساوِيهِ
ذُو مُقلةٍ يعرف السحرَ الحلالِ بها
…
قلبي بها يتقلَّى في تَلَظِّيهِ
كم أكتمُ الحبَّ في قلبي وأُضْمِرُه
…
لكن مدامعُ عيْني ليس تُخْفيهِ
أبِيتُ أرْعَى نُجومَ الليلِ مُنْزعِجاً
…
ألْتاعُ شوقاً وفي قلبي الذي فيهِ
لي نارُ وَجْدٍ واشواقٍ أُكابدُها
…
للهِ قلبيَ فيه كم يُقاسِيهِ
البرقُ يُذْهِلُه والرِّيحُ يُدهِشه
…
والشوقُ ينْشُره والوجدُ يَطْوِيهِ
ولده الحسين سيد هذه الأسرة بأسرها، والواقف على نكتة المسألة وسرها.
أحد من تحدى بما أبدى، وأسكت كل منطيقٍ لما أدى.
تصدر بالعلم وجلالة القدر، حتى شهد له الصدر بأنه الصدر.
وكانت بلادهم مخضرة الأكناف من أندائه، فشمل بره كافة أصدقائه وأعدائه.
فأصبح والهمم إليه نازعة، ولطاعته متنازعة.
والقلوبُ بولائه صبة، وإلى ثنائه منصبة.
افترت أيامه ضاحكات المباسم، واستوت فلك أمانيه على مراسم المواسم.
حتى قام الإمام محمد بن أحمد بن الحسن قومته التي أرهبت ليوث الآجام، وهي بعد أجنةٌ لم تخرج من الأرحام.
فما عقد أمانا، ولا وفى ضمانا.
ولا أشهد على نفسه ثقة، ولا غلط يوماً بفرط متعة.
ولبس لبس الأشرار، وخلع حلية الأحرار.
ضربا بالسيوف البواتك، وطعنا بالرماح الفواتك.
حتى لقيت اليمن منه العبر، ووقفت من خروجه على جلية الخبر.
فبعض كبرائها ترك الوطن وجلاه، والبعض الآخر أسلمته إلى القيود رجلاه.
فكان الحسين ممن استبدل اليمن بالحرم الآمن، وأقام به وهو كالدرة في وسط الصدف كامن.
فتلت الألسن سور أوصافه، واجتلت الأسماع صور اتسامه بالفضل واتصافه.
وقد رأيته بمكة في يومٍ خرج به متنزها، وجوه يطلع صندلا، وممشاه يفوح مندلا.
فرأيت ملكاً في صورة ملك، وبدراً طلع من فلك.
عنوانه يدل على طرسه، ونور معاليه مبين طهارة غرسه.
وطلبت به الاجتماع مع واسط له من أخصائه مادح، فاعتذر له بما اعتذر به عز الدولة ابن صمادح.
وذلك ما حكى ابن اللبانة الشاعر، قال: ذكرته لأحدٍ ممن صحبته من الأدباء، ووصفته بما فيه من الصفات العلية، فتشوق إلى الاجتماع به، ورغب إلي في أن أستأذنه في ذلك.
فلما أعلمت عز الدولة، قال: يا أبا بكر، أتعلم أنا اليوم في خمول وضيقٍ، لا يتسع لنا معهما، ولا يجمل بنا الاجتماع مع أحدٍ، لا سيما مع ذي أدب ونباهة، يلقانا بعين الرحمة، ويزورنا بمنة الفضل في زيارتنا، ونكابد من ألفاظ توجعه، وألحاظ تفجعه. يجدد لنا هماً قد بلي، ويحيي لنا كمداً قد فني، وما لنا قدرةٌ أن نجود عليه بما يرضى به عن همتنا، فدعنا كأننا في قبر نتدرع لسهام الدهر، بدرع الصبر.
وهو كما تحققته في العلم أجل من انعقدت عليه عشرة أبناء الدهر، وأشهر من البدر في ليلة الرابع عشر من الشهر.
وله في الأدب فرائد شنف بها آذان الزمان، وأطلعها أشف من قلائد العقيان، وعقود الجمان.
وجميع ما أثبت له قد جردته من كتاب الطوق الذي جمعه يوسف بن علي الهادي من شعر بعض العصريين باليمن.
قال فيه: لما بلغه تأليفي لهذا الطوق، وتكليف نفسي بمزاحمتها لأهل هذه الصناعة فوق الطوق.
رغب الاطلاع عليه، وسأل مني ذلك فسيرت ما كان قد تحصل مني إليه.
وسألت منه نظم شيء في الحمائم، ونقل ما أمكن من نظمه ونثره اللذين لم يكتم شهادتهما ومن يكتمها فإنه آثم.
فعاد الرسول مصحوباً بقطعة منها هذا نظير، في وصول الطوق الذي لا يدخل تحت الطوق له نظير،
يُوسُفِيُّ الجمالِ كم هام صَبٌّ
…
في معانِي جمالهِ اليُوسُفِي
ولما كمل له النظر فيما أرسلت إليه من هذا التأليف، أعاده إلي ومعه كراس فيها من معجز نظمه البديع الترصيف.
افتتحها بأبياتٍ، مدح بها ما أودعته في هذا التأليف من الأبيات البينات.
ولعمري: إن الإنصاف، من خلال الأشراف.
والإنكار، من خلال الأشرار.
والإنكار، من خلال الأشرار.
وقبلها من قوله، ما لفظه: هذه الأبيات في تقريظه طوق الصادح، الذي لا يدخل حصر أوصافه تحت طوق المادح:
لَعَمْرُك ما الروضُ المُوَشَّع بالزَّهْرِ
…
ولا طلعةُ البدرِ الذي حُفَّ بالزُّهْرِ
ولا الحُور قَلَّدْنَ النُّحورَ قلائداً
…
تُضِيءُ من الدُّرِّ المفصِّل بالشَّذْرِ
ولا ابنُ ذُكا يا ذا الذَّكاء ولا ولا
…
بأبْهَج من هذا الكتابِ بلا نُكْرِ
لقد أطربتْ ألفاظُه كلَّ سامعٍ
…
فيا مَن رأَى طَوْقاً له نَغْمةُ القُمْرِي
مَعانِيه أضْحتْ في المَهارِق تُجْتلَى
…
كما يُجْتلي وَجهُ المَليحة في الخُمْرِ
ولا عيبَ في ألْفاظِه غير أنَّها
…
غَدَتْ لأُلِي الألْباب تنفُث بالسِّحْرِ
على كُتب التّاريخ يفضُل يا فتَى
…
كما فضَلتْ شمسُ النهارِ على البَدْرِ
فما يُجْتلى وجهُ الخرِيدة بعدهُ
…
وذَلَّ به قَدْرُ اليتيمة في الدهرِ
ورَيْحانة المولَى وإن فاح عَرْفُها
…
ففي طَيِّ ذا من رِيح يوسُفَ والنَّشْرِ
فمن علَّم الوَرْقا بأنَّ محَلَّها
…
به قد غدَا يعلُو على هَامةِ النَّسْرِ
فقُل للذي جاءتْ بَنانُ بيَانِه
…
بزُخْرُفِ لفظٍ قد سَبا كلَّ ذي حِجْرِ
لئن ورَدَت نهرَ البَيان عصابةٌ
…
فأنت الذي قد خُضْتَ من ذاك في بَحْرِ
وإن هَبطتْ مصرَ البلاغةِ عُصبةٌ
…
فيوسفُ قد أضْحَى العزِيرَ على مصرِ
قال: هذا هو النظم الذي لو رامت البدور أن تحاكيه لظهر عليها أثر التكلف، أو دعيت الأقلام إلى رقمه لسعت إليه على رأسها وما جنحت إلى التخلف.
أو همت الراح أن تشابهه في تجديد اللذات لقلنا لها هذا مما لا يدركه العتيق، أو التمس أحدٌ شقيقاً للرياض لقالت له وأبيك ما لي غير هذا النظم من شقيق.
أو تغلغل فكر ابن بحرٍ في طرفٍ من محاسنه غرقت فيه أواخره، أو تجلى طرسه للأفق غارت من شموس معانيه زواهره.
فلله در ناظمه من فصيحٍ لم يزل الحلي السطور لا الصدور صائغا، ومن بليغٍ يكون الكلام دونه أجاجاً فإذا انتهى إليه تلقى طيبه فصار فراتاً سائغا.
ومما جمعه من ثمر نظمه في تلك الأوراق، وأطلق براعته لرقممه فغدا مشكوراً على الإطلاق.
قوله في ورقا، رقت من الدوح ورقا، ورقت لها القلوب لما رقت نفسها خوفاً من الجنون وما أكيس من رقى نفسه ورقى:
ما للمَشُوق مُجِيبٌ في دُجَى الغَسَقِ
…
سوى الصَّدَى وهَدِيلِ الوُرْق في الوَرَقِ
يا قومُ لو كان للورَرْقا شُجونُ شَجٍ
…
ما صَفّقتْ من سرورٍ طَلْعةَ الفَلَقِ
ولو لها فقَدتْ إلْفاً لما خضَبتْ
…
كَفّاً ولا جعلتْ طَوْقاً على العُنُقِ
ولم تُحرِّكْ لنا عُوداً وتنشِد من
…
ألْحانِ إسحاقَ أصْواتاً على نَسَقِ
وهي التي دمعها ما زال مُحتبَساً
…
والصَّبُّ من صَبِّ دمعِ العين في غَرَقِ
وحَسْبُها أنها باتتْ مُعانِقةً
…
غُصْناً وبتُّ لغُصني غيرَ مُعتنِقِ
أبِيتُ ليلِي أُراعِي النجمَ مُكتئِباً
…
لفَرْطِ ما بِيَ من وَجْد ومن أرَقِ
ما أعجبَ الحبَّ يشْتاقُ العَمِيدُ إلى
…
رِئْم الصَّريمِ وقد أرْداه بالحَدَقِ
يا وردَ ذا الخدِّ دعْ إنكارَ قَتْلِ فتىً
…
ما قَطُّ أبْقتْ له يُمنْاك من رَمَقِ
في خَدِّك الشَّفقُ الْقاني بدَا وعلى
…
قَتْلِ الحُسَينِ دليلٌ حُمرةُ الشَّفَقِ
هذا الشعر أرق من مدام الطل في كؤوس الزهر، وأفتن ولا أقول أفتر من جفون الحور المكسورة على الحور.
ولطيفة الشفق من مبتكراته، وبدائع مخترعاته.
والقول بأن الشفق الأحمر لم يظهر إلا من بعد قتل الحسين بن علي وردت فيه أخبار.
قال العلامة ابن حجر الهيتمي، في الصواعق المحرقة، في باب خلافة الحسين ما لفظه: أخرج الثعلبي، أن السماء بكت وبكاؤها حمرتها.
وقال غيره: احمرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة تردد بعد قتله.
وأن ابن سيرين، قال: أخبرنا بأن الحمرة مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين.
وذكر ابن سعد أن هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله.
قال ابن الجوزي: وحكمته أن غضبنا يؤثر حمرة الوجه، والجو تنزه عن الجسمية، فأظهر تاثير غضبه على قتل الحسين حمرة الشفق، إظهاراً لعظيم الجناية.
انتهى كلام ابن حجر.
قلت: للمقال مجال في هذه الأخبار، فقد قيل قيد الشارع صلى الله عليه وسلم انقضاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق الأحمر، وجعلها حكماً من الأحكام ولا يكون ذلك إلا مع ظهوره في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ فإن من البعيد أن يتعبدنا الله بحكم معدوم سيوجد.
والحديث الوارد في تقييد انقضاء وقت المغرب بغيبوبة الشفق الأحمر مشهورٌ عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولفظه: " الشفق الحمرة، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة ".
أخرجه ابن عساكر، في غرائب مالك.
وقال الدارقطني في السنن: قرأت في أصل أحمد بن عمرو بن جابر، قال: حدثنا علي بن عبد الصمد، حدثنا هارون بن سفيان، حدثنا عتيق بن يعقوب، حدثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، باللفظ المذكور أولاً.
ورواه ابن عساكر أيضاً من حديث أبي حذافة، عن مالك، وقال: حديث عتيقٍ أمثل إسناداً.
وقد ذكر الحاكم في المدخل حديث أبي حذافة، وجعله مثالاً لما ذكره المخرجون من الموقوفات.
وقال ابن خزيمة في صحيحه: حدثنا عمار بن خالد، حدثنا محمد بن يزيد، هو الواسطي، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمر، ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:" وقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق ".. الحديث.
قال ابن خزيمة: وإن صحت هذه اللفظة أغنت عن جميع الروايات، لكن تفرد بها محمد بن يزيد، وإنما قال اصحاب شعبة فيه: نور الشفق مكان حمرة الشفق.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: قلت، محمد بن يزيد صدوق. انتهى.
والتوفيق بين القولين صعبٌ جداً، وبالله التوفيق.
ومما يتعلق بالشفق قول الشهاب:
مُذْ نَحَرْتُ الأيامَ خُبْراً وكانت
…
لي مَطايا قد أثْقلَتْها الأمانِي
سلَختْ مُديةُ الهلال شُهوراً
…
شفَقُ الأُفْقِ من دمِ السَّلْخِ قَانِي
ومن شعر الحسين هذه القصيدة:
لفؤادي في الهوى كَدٌّ وكَدْحُ
…
ولطَرْفي بالدِّما سَحٌّ وسَفْحُ
يا أخا التحْذيرِ أغْرَيْتَ وكم
…
مُغْرم أغْراه من قد راح يَلْحُو
قُل لِسَالٍ أسْنَد الوَجْد إلى
…
نفسِه مَهلاً ففي الإسْنادِ قَدْحُ
إن كسا الوَجْهُ حسيْناً ثوبَه
…
فأحاديثُ الكِسا فيه تَصِحُّ
عاذِلي كُن عاذِري في حُبِّ مَن
…
فَرْقُه مَعْ فَرْعه صُبْحٌُ وجُنْحُ
ظالمٌ مَأْواه في قلبي وما
…
لذوِي الظُّلمِ من النِّيران بَرْحُ
شَحَّ بالوصلِ وللرِّيم حكَى
…
أَخُّ من شخصٍ كريمٍ فيه شُحُّ
قَدُّه لا طَعْنَ في أوصافهِ
…
عجباً لا طعن فيه وهْو رُمْحُ
كلَّما ماسَ تغنَّى حَلْيُه
…
فإذا للوُرْقِ فوق الغُصْنِ صَدْحُ
أنْكرَتْ عيْناه قْتلِي وعلى
…
وَجْنتيْه من دمِي نَضْحٌ ونَصْحُ
بدمِي قد شهدتْ وَجْنتُه
…
ولطَرْفي وَيْحَه في تلك جَرْحُ
ليت شِعْري هل لقلبي سَلْوةٌ
…
عنه كلاّ ما لِهذَا البابِ فَتْحُ
لا يطِيبُ العيشُ إلَاّ للذي
…
لم يكُن في طَرْفِه ما عاش طَمْحُ
فعَذابي أصلُه من نَظْرةٍ
…
رُبَّ جِدٍ جَرُّه للمرءِ مَزْحُ
تالله ما هذا الإ روضٌ يسند لنا وجهه الطلق عن بشر بن بسام، وتتغنى حمائمه فيجر النسيم ذيله طرباً ويرقص الزهر والأكمام.
وقوله: إن كسا إلخ، فيه إشارة إلى خبر مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات غداة، وعليه مرطٌ مرجل من شعر أسود، فجاء الحسين فأدخله، ثم الحسن فأدخله، ثم فاطمة فأدخلها، ثم عليٌّ فأدخله، ثم قال:" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ".
وفي رواية: " اللهم هؤلاء أهل بيتي ".
وفي رواية أخرى أن أم سلمة أرادت أن تدخل معهم، فقال صلى الله عليه وسلم بعد منعة لها:" أنت على خيرٍ ".
وفي رواية أنها قالت: يا رسول الله، وأنا! قال:" وأنت من أهل البيت العام ".
بدليل الرواية الأخرى: وأنا؟.
قال: " وأنت من أهلي ".
وكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لواثلة، لما قال: يا رسول الله، وأنا؟ فقال:" وأنت من أهلي ".
وفي حديث حسن، أنه صلى الله عليه وسلم اشتمل على العبا وبنيه، ثم قال:" يا رب، هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي، وخاصتي، فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي ".
وقوله: " ظالم مأواه في قلبي ".. البيت.
هو كقول ابن نباتة:
شديدُ الظلمِ مسكنُه بقلبِي
…
كذاك الظلمُ يُوقِع في السَّعيرِ
إلا أن بيت صاحب الترجمة أكمل معنىً، وأروق لفظاً، وأصح مبنىً.
وقوله: شح بالوصل.. البيت، هو كقول الصفي الحلي:
مُبَخَّل يُشْبه رِيمَ الفَلَا
…
وأطْولُ شَوْقِي من بخيلٍ كريمْ
وقوله: أنكرت عيناه قتلي..، والبيت الذي بعده، هما كقول القائل:
أنكرتْ مُقلتُه سَفْكَ دمي
…
وعلَا وجْنته فاعْترفَتْ
وقول الآخر:
خدَّاك بقتْلي قد شهِدا
…
فعلى مَ جُفونُك تجْحدُهُ
ولكن فاتهما لطيفة النضح والنصح، وتورية الجرح التي لا أعدل ممن يشهد بحسنها من العدالة إلا العدول إلى القدح.
وأما قوله:
فعَذابي أصلُه من نَظْرةٍ
فلا يخفى ما في وجه فصاحته من النضرة، التي تصبو إليها أبصار البصائر من أول نظرة.
وإرسال المثل فيه هو الجمال البديع، والسحر المبين لأهل البديع.
فسبحان المانح.
ومن قلائد أشعاره، وخرائد أفكاره.
قوله في الغزل:
خفِّفْ على ذي لَوْعةٍ وشُجونِ
…
واحْفَظْ فؤادَك من عُيونِ العِينِ
فلَكَمْ فؤاد وَاجِب من سَهْمِها الْ
…
مسمومِ أو من سيْفها المَسنونِ
واترُكْ مَلامةَ مُغْرَمٍ في حبِّ مَن
…
أغنتْ مَ؛ اسنُه عن التَّحْسينِ
رَشَأٌ أغَنُّ غَضِيضُ طَرْفٍ لم يزَلْ
…
يأتِي بسحْرٍ مِن رَناه مُبِينِ
ستَر الضحى من شعرِه بدُجىً كما
…
كشفَ الدُّجى منه بصُبح جَبِينِ
وتراه مُنتصِبَ القَوامِ ولم يزَلْ
…
عن ضَمَّه ينْهَى بكسْر جُفونِ
وإذا مشَى مَرَّ النسيمُ بعِطْفِه
…
فيكاد يلْويِه لفَرْطِ اللِّينِ
نابتْ عن الصَّهْبَا سُلافةُ رِيقهِ
…
وخدودُه أغْنَتْ عن النَّسْرِين
ما مال كالنَّشْوان تِيهاً عِطْفُه
…
إلاّ وفيه ابنةُ الزَّرَجُونِ
وترى الذي أرْداه صارمُ لَحْظِه
…
يحيا برَشْفِ رُضابِه في الحِينِ
فلِحاظُه فيها المَماتُ ورِيقُهُ
…
ماءُ الحياةِ لمُغرَمٍ مَفْتونِ
يا شادناً شاد الغرامُ كِناسَه
…
في مُهْجتِي لا في رُبَا يَبْرينِ
لك في فؤادِي مَرْبَعٌ وحُشاشتِي
…
لك مَرْتَعٌ والوِرْدُ ماءُ عُيونِي
يا مَن له الخَدُّ الأسِيلُ ومَن له الطَّ
…
رفُ الكحِيلُ وحاجِبٌ كالنُّونِ
ما زلتَ مُغْرىً بالخِلافِ لشافِعي
…
يا مالكِي وتقول لا تُرْدِينِي
وَيْلاه مِن لا في الجواب وكَرْبِها
…
يا كربَ لا أرَضِيتِ قتلَ حسينِ
لمَّا تحمَّلتُ الغرام وقام في
…
جَفْنِي السَّقامُ وسال ماءُ جفونِي
يا مَن يدومُ على البِعادِ أما ترى
…
قد حَلَّ بي من ذاك ما يُضْنِينِي
زفراتُ مُشتاقٍ ولوعةُ عاشقٍ
…
وحنينُ مُدَّكِرٍ ودمعُ حزينِ
ورضيتُ قتْلي في هواك ولم أقُلْ
…
أكَذا يُجازَى وُدُّ كلِّ قَرِينِ
قوله:
وَيلاْه مِن لا في الجواب وكَرْبها
هو كقول الفيومي، في مليح اسمه حسين:
جعلتَ جَفْني واصلاً والكرَى
…
رَاء فجُد بالوصل فالوصلُ زَيْنْ
ولا تُجِبْني عن سُؤالِي بِلَا
…
فالقلبُ يخْشَى كَرْبَلَا يا حُسَيْنْ
لكن قول الحسين هو عند نقاد الأدب الدر الثمين، فإنه أبدع وأطرب، وأغرى على حب محاسنه وأغرب.
ومن ظره بعين الإنصاف، رآه أسنى من البدر عند الإنصاف.
ومن نظمه قوله مضمناً في شخص يلقب بأخي الحوائج:
سُلْوان قلبي في هوَى من لقَّبوا
…
بأخِي الحوائج ما إليه سبيلُ
عجباً له ما مَلَّه ذُو مُقْلةٍ
…
وأخو الحوائج وجهُه مَمْلولُ
وقوله مضمناً مع زيادة التورية:
ورِيمٍ غَرِيرٍ بالجميل مُولَّعٌ
…
تناءيتُ عنه وهو يدْنُو ويقرُبُ
فقبَّلْتُه في الخَدِّ سبْعين قُبْلةً
…
وكلُّ امرىءٍ يُولِي الجميلَ مُحبَّبُ
استعمال التحبيب بمعنى التقبيل عرف شائع لأهل اليمن، وبه حسنت التورية.
وكتب إلى القاضي عماد الدين يحيى بن الحسين الحيمي ملغزاً:
قُل لعماد الهدى الجليلِ ومَن
…
كاد لفَرْط الذكاءِ يلْتهِبُ
ما سابحٌ في البلاد ذُو قَلَقٍ
…
ما إن له في وقوفه أرَبُ
يُتابع الخِضْر في شريعتِه
…
فاعْجَبْ له إنَّ أمرَه عجَبُ
إذا ألْتقتْه السَّفِينُ يخْرِقُها
…
وهو لعُمْر الغلام ينْتَهِبُ
لكنه في الجدارِ خالفَه
…
يُزَلْزِل الجُدْرَ وهو مُنْتَصِبُ
ما زال ما سَار في تقلبُّبِه
…
وهْو على ذاك ليس ينْقلِبُ
فأجابه القاضي أبو الفضل محمد بن الحسن:
يا شَرَف المَكرُمات نظمُك قد
…
وافَى إلينا وكلُّه نُخَبُ
مُنْسَبِكَ النظمِ في فواصِلِه
…
كأنما الشُّهُد فيه مُنْسكِبُ
مثلُ عقُود الْجُمانِ في نَسَقٍ
…
تعجزُ عن صَوْغ مثلهِ العرَبُ
جاء على غِرَّةٍ فأذْعَرنِي
…
كالسيلِ لكنَّ ضَرْبَه ضَرَبُ
فهو الذي أخْرَب الجِدارَ كما
…
إذا الْتقتْه السَّفِينُ تضْطرِبُ
وهو الذي سار في البلادِ فلا
…
يُنْتَجُ في موضعٍ له نُجُبُ
وهو لعُمْرِ الغلامِ مُنْتهِبٌ
…
أيضاً وللكهلِ ظَلَّ ينْتهِبُ
وشِرْعةُ الخِضْرِ إذ يمُرُّ بها
…
طريقُه إنَّ أمْرَه عَجَبُ
وهْو مَدَى الدهرِ في تقلُّبِه
…
وليس قلبٌ له إذا قلَبُوا
ذكرت بهذا اللغز لغزاً لنصير الدين الحمامي كتبه إلى السراج الوراق وهو:
لتُرشِدني شيئاً به تُرْشَد المُنَى
…
له قلبُ صَبِّ كم فؤاد به صَبُّ
إذا ركِب الهَيْجاء يُخْشَى ويُتَّقَى
…
فلم يثْنِه طَعْنٌ ولم يثْنِه ضَرْبُ
فقلتُ يهُدُّ الصَّخْرَ عند لقائهِ
…
ومن أعْجَبِ الأشياءِ ليس له قَلْبُ
ومن إنشاءاته التي إذا شدا بها اليراع وزهر طرسها أزرت بكل حديقةٍ غنا، أو عرفنا بها السحر المبين علمنا أنه لم يستتر وجه الصواب عنا.
ما كتبه جواباً عن كتاب أنشأته إليه من عمى أوحد الكبرا، وأجمل الوزرا.
ذي النظم الفائق، والإنشاء الرائق.
عبد الرحمن بن الهادي، لا برح روض مجدٍ يقيد عين الرائي وعين جود يكرع منها الصادي.
وهو: سماء بلاغة زهرت نجوم بروجها، وروضة فصاحةٍ نجمت زهور مروجها.
وردت إلي بأنفاسها اليوسفية، ونسماتها الندية الندية.
من مقام من اشتد بوزارته أزر الإمارة، وظهرت على محبته وصدق مودته الأمارة.
ذلك الماجد المكرم، والسابق في حلبتي الأدب والنسك حتى أنسى بالكميت وابن أدهم.
بهجة النادي وحدقة حديقة الوادي، وجيه الدين عبد الرحمن بن الهادي.
لا زال مرتشفاً من النعم زلالها الصافي، متفيئاً ظلالها الظليل الضافي.
ما ناحت الحمام على الهديل، وأطربت بهديرها والهديل.
وبعد؛ فإنه ورد منه ذلك الكتاب، الذي أزال خطوب النوى بلطف ذلك الخطاب.
فأقسم بالليل من سواد نقسه، وبالفجر من بياض طرسه.
لقد تعطرت به الأرجاء وتمسكت، بالأكف التي تلمست به وتمسكت.
ولقد شنف الأذان بما أودع من الجواهر والدرر، وفعل ذلك اللفظ اليوسفي في البصائر فعل القميص اليوسفي في البصر.
فلله در منشىء ذلك الدر النظيم، ولولا ذلة اليتم لقلت اليتيم.
ولعمري إن من أجل فوائد هذا السفر المفيدة، تطويقي بنفيس تلك الدرر الفريدة.
وأسأل فالق الحب والنوى، أن يهبني أسباب الإياب ويقطع أسباب النوى.
وقد قابلت بحصى هذا الجواب درر ذلك الابتدا، ولو لزم استواء لفظ البادي والمراجع لما سمي جواباً رجع الصدى.
فعلى صاحب ذلك الكتاب وكاتبه، أزكى سلام الله وأطايبه.
ودعاؤهم مستمد في آخر شهر الصيام، سيما بالتوفيق وحسن الختام.
ومن غاياته التي لا تدرك، وآياته التي لا تشرك.
ما كتب به جواباً عن قصيدة، كتبها إليه أوحد السادة، وسلسيل أكرم قادة.
ضياء الإسلام والدين زيد بن محمد بن الحسن، وأرسلها على يد السيد عماد الدين يحيى بن أحمد العباسي.
فأصحبها السيد المذكور أبياتاً منه تتضمن تصديرها إليه، فأجاب عليها بهذه الكلمات، وما بعدها من النظم الذي تنعقد خناصر المحبرين عليه: وهو: أبهى تحفٍ تحف بكل معنىً بديع، وأبهج كلمٍ يعجز عن تحرير مثلها الحريري والبديع.
وردت إلينا من مقام من أضحت العلوم بأسرها في أسره؛ فهو ابن عباس عصره، وابن بسام دهره، يحيى الذي يحيا الفؤاد بذكره.
أتحفه الله بسلام تتعطر الأرجاء بنشره، ويليق بعالي مقامه الرفيع وقدره.
وبعد؛ فإنها وردت تلك المطالعة، التي طلعت بدورها بالأنوار الساطعة.
متضمنة تصدير تلك الحدائق التي تروق الناظر، ويذوي لدى نورها النجم الزاهر، ويخفى عند نورها النجم الزاهر.
من نظام فرع الدوحة القاسمية، وطراز العصابة الهاشمية.
فلعمري لقد نسج ببنان البيان برداً لم ينسج على منواله، وأثار برقه ذلك الغزل جوىً في حوائج كم من واله.
فلما وصلت تلك الكلمة السنية، قابلها المحب بالإعظام والإجلال، ووضعها على العين والرأس، وقال:
أهلاً بها فهْيَ أنفاسٌ ذَكِيَّاتُ
…
نَدِّيَّةٌ ما لها نِدٌّ نَدِيَّاتُ
هبَّت لنا من جهاتِ الشرقِ عاطرةً
…
وإنها نسَماتٌ عَنْبَريَّاتُ
جاءتْ تُذكِّر أيامَ العَقِيقِ فَصُبَّ
…
تْ من الطّرْف في الخَدِّ الصُّباباتُ
سقَتْ عهودَ لياليِه العِهادُ ففِي
…
تلك الليالِي التي مَرَّتْ حلاواتُ
أَعُدُّها من ليالي القَدْرِ حين غَدَا
…
في جُنْحِها لنُزول الرُّوح عاداتُ
مَن إن تثنَّى تغنَّى حَلْيُه فإذا
…
لِلْوُرْقِ فوق قضِيبِ الْبانِ نَغْماتُ
وقَدُّه ليس فيه مَطْعَنٌ أبداً
…
فاعْجَبْ وقد شابهتْه السَّمْهرِيَّاتُ
واعْجَبْ لألْحاظِه ما في الجمالِ يرَى
…
حَدّاً لها قَطُّ وهْي المَشْرَفِيَّاتُ
لجُملة الحُسْنِ أضحَى جامعاً فلذا
…
إذا تبدَّى غدَا للناسِ سَجْداتُ
عليك يا جامعَ الحُسْنِ الدموعُ غَدَتْ
…
وَقْفاً فها هي جَوارٍ مُسْمِرَّاتُ
يا مَن سَجَا طَرْفُه السَّاجِي ومَبْسَمُه الْ
…
عاجِي صَبَا مَن له بالعشقِ سَكْراتُ
وخيَّلتْ لكَلِيم القلبِ مُقْلتُه
…
بالسحرِ أن حِبالَ الشَّعْر حَيَّاتُ
وحُسْنُه أصْمتَ العُذَّالَ فيه وقد
…
كانتْ تَنازَع فهْي الآنَ أمْواتُ
الخمرُ بالنَّصِّ حلَّتْ في الجِنانِ فلِمْ
…
يا جَنَّتي حُرِّمتْ من فِيك رَشْفاتُ
يا ظالماً سُوحُه قلبِي ولا عجَبٌ
…
فالظالمون لهم في النارِ سَاحاتُ
قد أنْكرتْ مُقْلتاك اليومَ سَفْك دمِي
…
فأكْذَبتْها بخَدَّيْك الأماراتُ
في خَدِّك الشفَق الْقانِي وفيه على
…
قتْل الحُسَينِ كما قالوا عَلاماتُ
فهْو القتيلُ بلا ذَنْبٍ له ولِذا
…
أضْحتْ تجَلَّى له في الأرض جَنَّاتُ
من نَظْمِ من قد حَباهُ من بلاغتهِ
…
بجَنَّة وجَنَى تلك الجناياتُ
فأصبح الطيِّبُ مُذْ فاحتْ نَسائمُها
…
في سُوحِنا وغَوالِيه رَخِيصاتُ
ذاك الذي فيه أوْصافُ الكمالِ غدَتْ
…
حقيقةً وهْي في قومٍ مَجازاتُ
نَدْبٌ بصَارِمه المَسْنونِ قد وجبَتْ
…
قلوبُ أعدائهِ وهْي المُباحاتُ
سُلالةُ الملِك الهادي الذي عُقِدتْ
…
له على الخلقِ في الأعْناق بَيْعاتُ
مُرْدِي السيوف فما تشكُو الصَّدَى أبداً
…
وكيف تشكُو الصَّدَى وهْي الصَّقِيلاتُ
كم من رُءُوسٍ أبانَتْها صَوارِمهُ
…
من العِدَى وهي آياتٌ مُبِيناتُ
ما عمرُو ما مثلُ زيدٍ في الزمانِ له
…
على سيادةِ من مَرُّوا زِياداتُ
أبياتُه قد أتتْنا لا قصورَ بها
…
كالزَّهْر لا بل هي الزُّهْر المُنِيراتُ
وافتْ على يدِ من يحْيَا الفُؤاد به
…
يحيى بنِ أحمد خَصَّتْه التحيَّاتُ
مَن جاد بالدُّرِّ منظوماً ولا عَجَبٌ
…
فالبحرُ حقّاً له بالدُّرِّ نَفثاتُ
لو لم يكنْ آيةً في المَكْرُمات لمَا
…
تلَتْه في طُرُقِ المعروف ساداتُ
يا كوكَبْي فلكَ العَلْيا ومن سطَعتْ
…
في كَوْكَبانَ بما قالا إناراتُ
بدُرِّ نَظْمِكما للهِ دَرُّكما
…
طَوَّقْتُماني ولي فيه مَقالاتُ
لِذاك سَجَّعتُ في الأوراقِ مَدْحَكُما
…
وللمُطَوَّق في الأوراقِ سَجْعاتُ
دامتْ لنا منكما يا مالِكَيَّ على
…
مَرِّ الزمانِ مَودَّاتٌ مُؤدَّاةُ
ما هبَّتِ الرِّيحُ والأرواحُ تُنْشِدها
…
أهلاً بها فهْي أنفاسٌ ذَكيَّاتُ
قوله: جاءت تذكر أيام العقيق.
البيت فيه الاستخدام بالضمير، وهو استخدام حسن.
وقوله: من إن تثنى
…
البيت.
هو كقول ابن نباتة:
يتثنَّى وحَلْيُه يتغَنَّى
…
هل رأيتَ الحَمامَ في الأغْصانِ
وقوله: عليك يا جامع الحسن.
هو كقول الأول:
أجريْتُ واقِفَ مَدْمعِي من بعدِه
…
وجعلتُه وقْفاً عليه جارِيَا
وقوله: يا من سبى طرفه الساجي.
فيه مراعاة النظير، وفيه التسجيح أيضاً.
وقوله:
كانت تنَازَع فهْي الآن أمْواتُ
قد نازعني كأس هذه النكتة، وأنا السابق إليها بقولي:
كم لي على حُسْنِه المطلوبِ من عُذَّلٍ
…
قد نازَعوا وبغَيْظٍ منهمُ ماتُوا
وقوله: الخمر بالنص
…
البيت.
فيه الاعتراض بجنتي، وهو من محاسن هذه القصيدة؛ لما اشتمل عليه من المعنى المبتكر البديع البعيد.
وقوله:
حقيقة وهْي في قومٍ مَجازاتُ
ذكرت به قول القائل في مدح أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه:
أنت للعلمِ في الحقيقةِ بابٌ
…
يا إمامُ وما سِواك مَجازُ
وقوله: لو لم يكن هو آيةٌ من آياته، وفيه إثبات صفة غير ممكنة للموصوف، وهو كقول ابن نباتة:
ولو لم تكنْ في الجودِ للناسِ آيةً
…
لمَا كان مُنْهَلُّ الغَمام تَلاكَا
وهذا النوع من البديع بديع، منه قول الخطيب الدمشقي:
لو لم تكُنْ نِيَّةُ الجَوْزاء خِدْمتَه
…
لمَا رأيتَ عليها عقدَ مُنْتطِقِ
وقول التهامي:
لو لم يكُنْ أُقْحُواناً ثَغْرُ مَبْسَمِها
…
ما كان يزْدادُ طِيباً ساعةَ السَّحَرِ
وقوله أيضاً:
لو لم تكُنْ رِيقَتُه خَمْرةً
…
لما تثَنَّى غُصْنُه وهْو صاحِ
وقول أبي إسحاق الغرناطي:
ولو لم يكُن رِيقُه سُكَّراً
…
لمَا دار من حَوْلِه الشَّارِبُ
ومن محاسن الحسين، قوله مضمناً ومورياً، لما استشهد أوحد الأمراء صفي الدين أحمد بن محمد بن الحسين، وكان لكثرة صمته تلقبه العامة بحجر:
ودِدْتُ مَصرعَ مولانا الصَّفِيِّ ولا
…
رجوعَ في سِلْكِ قومٍ بعد أن كسرُوا
وصرتُ أُنْشِد من كَرْبٍ ومن أسَفٍ
…
ما أطْيَبَ العيشَ لو أن الفتَى حَجَرُ
السيد عيسى بن لطف الله بن المطهر بن الإمام شرف الدين هو من سادات هذه القبيلة، ونبغاء هذه الطائفة النبيلة.
متعادل الشرفين، محبوك الجد من الطرفين.
وله كلماتٌ من نفحة عيسى فيها نفخة، ومحاضرات في صفوة المدامة منها رشحة.
وكان في كل العلوم مشاراً إليه، إلا أنه أكثر من علم النجوم فغلب عليه.
فمن شعره هذه القصيدة، كتبها إلى الإمام القاسم، يتنصل مما ينسبه الناس إليه، وكان توجيهها من كوكبان إلى شهارة.
وهي قوله:
ما شاقَنِي سَجْعُ الحَمامهْ
…
سَحَراً ولا بَرْقُ الغَمامَهْ
كلَاّ ولا أذْكَى الجوَى
…
ذِكْرُ العُذَيْب وذكرُ رَامَهْ
ودموعُ عيني ما جرَتْ
…
شَوفاً إلى لُقْيا أُمامَهْ
هيْهات قلبي لا يمِي
…
لُ إلى مليحٍ هَزَُّّ قامَهْ
ما شاقَنِي إلَاّ الذي
…
نفْسِي عليه مُستَهامَهْ
بَرٌّ كريمٌ ماجدٌ
…
حازَ الجَلالةَ والشَّهامَهْ
وحوَى الفَخارَ جميعَه
…
حتى غدا في الدهرِ شامَهْ
لبِس الفضائلَ حُلَّةً
…
فبدَتْ لها منه وَسامَهْ
فردٌ تفرَّد بالعُلَى
…
ولديْه للعَلْيا عَلامهْ
أعْنِي أميرَ المؤمنِي
…
نَ مُغِيثَ أرْبابِ الظُّلامَهْ
القاسمَ المنصورَ مَن
…
زان الخلافةَ والإمامَهْ
رُكن النُّبُوَّةِ شاده
…
والبيْت ترفعُه الدِّعامَهْ
عَرِّجْ بِمَرْبَعهِ الكري
…
مِ ترَى به وَجْهَ الكرامَهْ
وترَى جوَاداً دونَه
…
في الجودِ طَلْحةُ وابنُ مامَهْ
أعداؤُه شهِدتْ به
…
بالفضلِ طُرّاً والزَّعامَهْ
والفضلُ ما شهِدتْ به ال
…
أعداءُ لا أهلُ الذِّمامَهْ
أحْيا الجهادَ فكم له
…
يوم حكَى يومَ اليمامَهْ
واسْألْ بذاك سُيوفَه
…
كم أذْهَبتْ في الجوِّ هَامَهْ
فَطِنٌ يكون بِسَلْمِه
…
بَدْراً وفي الهَيْجا في الجوِّ أُسامَهْ
مولايَ يا قَمَر الهُدَى ال
…
مذكورَ في قتِ الإمامَهْ
يا مَن أرَى حُبِّي له
…
أسْنَى الذَّخائرِ في القيامَهْ
وجَّهْتُ نحوَك سيِّدي
…
عِقْداً أجَزْتُ به نِظامَهْ
عِقْداً من النَّظْمِ الذي
…
سَلبتْ خَرائدُه قُدامَهْ
يُهدِي إليك تحيَّتي
…
ويُزيل عن سِرِّي لِثامَهْ
أيضاً ويُوضِح حُجَّتِي
…
والحقُّ مَسْلكُه أمَامَهْ
لا تأخُذَنِّي سيِّدي
…
بمَقالةٍ حازَتْ ذِمامَهْ
وبقَوْلِ واشٍ قد حشَا
…
لضعيفِ فِكْرته أَثامَهْ
قد قال إنِّي قائلٌ
…
بنُجومِ سعدٍ أو شَآمَهْ
ونفَيْتُ صَنْعةَ ربِّنا
…
ووثِقْتُ عمْداً بالنَّجامَهْ
لا والذي جعلَ النُّجو
…
مَ بلَيْلها تجلُو ظَلامَهْ
ما قلتُ إلَاّ أنَّها
…
للناسِ والأنْوا عَلامَهْ
ولمن أتَى مُسْتغفِراً
…
للهِ رَجْوَى في السَّلامَهْ
مولايَ واسْأَلْ لائِمِي
…
فلقد تهوَّر في المَلامَهْ
ما صيَّر القمرَ التما
…
مَ مُحقَّراً يحكِي القُلامَهْ
ولِمَ الخسوفُ يُصِيبُه
…
في الضَّعف إن وَافَى تمامَهْ
والشمسُ والأفْلاكُ تُو
…
ضِح لي بهيْئَتها كلامَهْ
فبها عرَفتُ بأنها
…
خَلْقُ الذي يُحْيي رِمامَهْ
وعليك صلَّى خالقِي
…
وحبَا رُبوعَك بالكَرامَهْ
واسلَمْ ودُم في نعمةٍ
…
يا خيرَ من رفَع العِمامَهْ
ومن شعره ما قاله لما مر ببعض آثاتر جده المطهر:
قلتُ لمَّا رأيتُ مُرْتبع المُلْ
…
كِ بسُوحِ المُطهَّر المَلْك مُخْلَى
أبداً تسْترِدُّ ما تهَبُ الدُّنْ
…
يا فيا ليت جُودَها كان بُخْلا
وأورد له ابن حميد الدين في كتابه ترويح المشوق هذه الأبيات:
ظَبْيٌ على ظَبْيٍ سَطَا
…
منه المُعَنَّى خلَّطَا
يا هاجرِي كُن واصلِي
…
فواصلٌ نَجْلُ عَطَا
بَغَيْتَ بالصَّدِّ ولا
…
أقُولُ أبْغَى الخُلَطَا
لمَّا رأتْك مُقْلتِي
…
قلتُ هلالٌ هَبطَا
أردتُ منه وَصْلَهُ
…
ورُمْتُ أمَراً فُرُطَا
ورامَ صَبْرِي عاذِلي
…
فقُلتُ رُمْتَ الشَّطَطَا
قلبي عليه ذائبٌ
…
ومنه ما قَد قَنِطَا
إذا سلَوْتُ عِشْقَه
…
فسَلْوتي عينُ الخَطَا
أقْسمتُ ما أترُكُه
…
ولو بشَيْبٍ وُخِطَا
ولو إلى الموتِ دعا
…
حثَثْتُ في السيرِ الخُطَا
وربُّنا سبحانَه
…
يغفرُ في الحبِّ الخَطَا
ولده السيد جعفر أديبٌ شمائله مفترة عن النسيم، وأخلاقه منتسجة من الروض الوسيم.
يكاد للطفه يطير مع الهوا، لولا تجاذبه علائق الأهوا.
وله شعرٌ يطرب المستمع، ويستشف صدق برقه الملتمع.
فمنه قوله:
في القلبِ من لَحَظاتِ الحبِّ أشْجانُ
…
وفي الفؤادِ من الهجْرانِ نِيرانُ
وكيف أفْتُر عن ذِكْر الحبيب وفي
…
قلبي جوىً وسحابُ الجفْنِ هَتَّانُ
وللفؤاد اشْتياقٌ في هوَى قمرٍ
…
تُشْجِيه من نَغمات الطيرِ ألحانُ
وكم تعلَّقتُ بالإعْراضِ عنه وكم
…
بكيتُ حتى بكَى لي في الحِمَى الْبانُ
وشَفَّني فيه وَجْدٌ لا أُطِيق له
…
وكيف أصبرُ عنه وهْو فَتَّانُ
حسِبتُ أنّ الكَرَى في العشقِ يُسْعِدني
…
فصَحَّ لي فيه أن القَوْمَ خُوَّانُ
قد كنتُ أملِك قَلبي قبل عِشْقتِه
…
والآن قد رحلَتْ بالعقْلِ أظْعانُ
يا مُحرِقاً لفؤادٍ أنت ساكنُه
…
رِفْقاً فقد فتكَتْ بي منك أعْيانُ
وكلُّ من لامَني في الحبِّ قلتُ له
…
يكْفيك أنَّ عذابي فيه سُلْوانُ
أحمد بن الحسين بن أحمد بن حميد الدين ابن المطهر بن الإمام يحيى شرف الدين ذو عارضةٍ لا تعارض، وسليقة لا تقارض.
ونظم كالسحر إلا أنه حلال، ونثر كالماء إلا أنه زلال.
جاء في ذلك بالمعجز، في الطويل منه والموجز.
فيوجز لكنه لا يخل، ويطنب لكنه لا يمل، وكيف يمل، وتوفيق من أقاد العقول عليه يمل.
وهو باليمن سرٌّ للنباهة، وفرد في جودة البداهة.
وله الكتاب الذي سماه ترويح المشوق، ذكر فيه من نخب الأشعار ما هو ألذ من نظر العاشق في وجه المعشوق.
جردت من أشعاره التي أثبتها فيه ما يهز المعاطف اهتزاز النشوان، وكأنما هو سقط الندى على الأقحوان.
فمن ذلك قوله في وزان قصيدة يحيى بن مطروح، التي أولها:
بأبِي وبِي طَيْفٌ طَرَقْ
…
عَذْبُ اللَّمَى والمُعتنَقْ
إيَّاك من سُودِ الحَدَقْ
…
فهْي التي تكْسُو القَلَقْ
لا يخْدعنَّك حُسْنُها
…
فالأمْنُ يتْبعُه الغَرَقْ
واحذَرْ مُلاطفةَ الغَوا
…
نِي بالتذلُّل والمَلَقْ
يا أيَّها المولى الذي
…
أنا مِن مَوالِيه أرَقّ
يا باخِلاً حتى بطَيْ
…
فِ خيالهِ جُنْحَ الغَسَقْ
للهِ وصلُك ما ألَذَّ
…
وطعمُ هجرِك ما أشَقّ
يا غُصنَ دُرٍ مائدٍ
…
قد ضَنَّ عنَّا بالورَقْ
جَمع المَلاحةَ والطَّرا
…
وةَ والحلاوةَ في نَسَقْ
كيف الخلاصُ لمُغرَمٍ
…
لولا المَدامعُ لاحْترَقْ
لولاك ما دار الغَيُو
…
رُ ولا تشبَّثَ بالعُلَقْ
يا أيها البرقُ الذي
…
لخُفوقِه قلبي خَفَقْ
ارفُقْ سفَحْتَ مَدامعِي
…
اخْشَ عليَّ من الغَرَقْ
أتظُنُّ أنك ثَغْرُه
…
هيهات عنك الفَهْمُ دَقّ
ما أنتَ جوهرُه النَّفِي
…
سُ إذا تبسَّم أو نَطَقْ
أقسمتُ من خَدَّيْك يا
…
شمسَ المَلاحةِ بالشَّفَقْ
ومن الجَبِين بِنَيِّر الْ
…
قمرِ المُنيرِ إذا اتَّسَقْ
ومن الغَدائرِ منك باللَّ
…
يْلِ البَهِيمِ وما وَسَقْ
لم أنْسَ لَيْلاتِ العُذَيْ
…
بِ وطِيبَ ذَيَّاك الأرَقْ
قصُرتْ ولكن طُوِّلَتْ
…
أسَفاً بعاقبةِ الحُرَقْ
يا عيْشَنا الماضي اللَّذي
…
ذَ وأنت بالذِّكْرَى أحَقّ
علِّي أراك عُلالةً
…
ومن العُلالةِ ما صَدَقْ
وقوله:
يا رشأً أشْمَت بي العَواذِلَا
…
مالك جانبْتَ الوفاءَ عادِلَا
ما زلْتَ تُولِيني صُدوداً دائماً
…
قد نصبَتْ لي هُدْبُك الحَبائلَا
أوْقَعْتنِي فيها فلَمَّا وقعْ
…
تُ نفسِي ما حصَّلْتُ منك طائلَا
كلَّفنِي هوَاك كلَّ كُلْفةٍ
…
أكْسَبني صُدودُك البَلابِلَا
يا غاضِباً يا هاجِراً يا سائِغاً
…
يا قابِساً يا رامِحاً يا نابِلا
يا جائراً في نَهْيِه وأمْرِه
…
يا قاسِياً يا فاتكاً يا قاتلَا
قد كنتُ خِلْواً قبل حَمْلي للهوى
…
حتى رأيتُ أعْيُناً قواتِلَا
سَواحِراً يخْتِلْن أرْبابَ الهوَى
…
والسحرُ أمْضَى ما يكون خاتِلَا
يا زمنَ الأثْلِ ومَن لي لو تَعِي
…
نِدايَ أو تُرْجع عيْشِي قابِلَا
يا حَلْيَ لَذَّاتِيَ من بعدِك قد
…
شاهدْتُ أجْيادَ المَهَا عَواطِلَا
هل تذكُرَنَّ ما تفضَّلْتَ به
…
يا زمَناً قلَّدني الفَضائِلَا
أمْكننِي من بَدْرِ إنْسٍ آنِسٍ
…
كانتْ له منازِلي منازلَا
تقْنَص آرامُ الظبِّا بعيْنِه
…
فكم سَبا مَشادِناً مَطافِلَا
تُطرِبه إذا مشَى حُلَّتُه
…
أستغفرُ اللهَ خَلا الخَلاخِلَا
يا بِأبِي بدرٌ على غُصْنِ نَقاً
…
يُقِلُّه خَصْر كصَبْرِي ناحِلَا
يحمِل من أرْدافِه مثلَ الذي
…
حَملْتُ كيْ أغْدُو له مُماثِلَا
كم لذَّةٍ قضَّيْتُها بحبِّه
…
في روضةٍ تكْتنِف الخمائلَا
والنهرُ قد جُنَّ لفَرْطِ عُجْبِه
…
فصارتِ الرِّيحُ له سَلاسِلَا
والنَّرجِسُ الغَضُّ يقول طَرْفُه
…
لِيَهْنِك المُغازلُ المَغازِلَا
أُمْلِي عليه من كتابِ صَبْوتِي
…
رسائلاً تُحقِّر الرسائلَا
لو أُنْشِدتْ رَضْوَى لرَقَّ صَلْدُه
…
أو أُنْشِدتْ يَذْبُلَ عاد ذَابِلَا
فيا بَنِي الدنيا ويا أهلَ الهوى
…
هذا هو العيشُ لنا تَطاولَا
لا وقفةُ الحائرِ في طُلولِه
…
تسألُ مَغْناها حبيباً راحِلَا
وإنَّني أرجُو الذي مَرَّ لنا
…
يُعِيده ربُّ السماءِ عاجِلَا
حتى تعودَ منه أبْياتُ الحِمَى
…
أوانِساً تجمعنا أواهِلَا
وقوله:
للهِ أيامُ الغَزَلْ
…
ما بين مُعْترَكِ المُقَلْ
أيامَ أرْكُض في مَيا
…
دِين المَسرَّة والجَذَلْ
والأحْوَرُ التَّيَّاه من
…
حطَمتْ لَواحِظُه الأسَلْ
بدرٌ بدا في الأَوْجِ مِن
…
فَلَكِ الأزِرَّةِ واسْتَهَلّ
مُتفرِّدٌ بالحُسْنِ قد
…
حاز المَلاحةَ عن كَمَلْ
ما فَوَّق السهمَ الذي
…
في طَرْفِه إلَاّ قتَلْ
يا خَصْرَه عجبَاً عليْ
…
ك لِما حَملْتَ من الثِّقَلْ
أيَقِلُّ منك الجَذْبُ يا
…
وَاهِي القُوَى خَصْبَ الكَفَلْ
يا أيُّها الرَّشأُ الذي
…
أنا في مَحبَّته مَثَلْ
نقَل الأراكُ بأن ثَغْ
…
رَك ضَامنٌ لِشفا العِلَلْ
يا حُسْنَ ما رفَع الأرا
…
كُ عن الثغورِ وما نقَلْ
خَبَرٌ نَماه إلى صِحا
…
ح الجَوْهَرِيِّ فلا يُعَلّ
مَن مُنْصِفي من جائرٍ
…
شابَ الوَسامةَ بالبَخَلْ
أفْدِيه من مُتلَوِّنٍ
…
لا يستقِرُّ على عَملْ
ياليْته صَدَّ الصُّدو
…
دَ وليته مَلَّ المَلَلْ
مُتحجِّبٌ بالرَّغْمِ من
…
مَفْتونِه خَلْفَ الكِلَلْ
وهو الذي في الرُّوح منِّي
…
منذ حينٍ قد نزَلْ
مافيه من عيْبٍ سوَى
…
أن جار فيَّ وما عَدَلْ
أو أنَّه نادَى فؤا
…
دي بالصَّبابةِ وارْتَحَلْ
والدمعُ ألْزمُه يَصُو
…
بُ على المَنازِل وانْهَمَلْ
ناديتُ يوماً طَرْفَه
…
اللهض في أمرٍ العَجِلْ
فأجابني بجفُونِه
…
السيفُ قد سَبق العَذَلْ
وَاهاً له من مُدْرِكٍ
…
فعَل الجِنايةَ واسْتدَلّ
يا أثْلَ عِيسِ المُنْحنَى
…
حَيَّتْك سُحْبُك بالبَلَلْ
لم أنْسَ طِيبَك لا نَسِي
…
تُ وطِيب أوْقاتي الأُوَلْ
قد كنتَ جامِعَ لَذَّتِي
…
بك كم حصُلْتُ على أمضلْ
هل تعْطِفَنَّ برَجْعةٍ
…
لي لستُ أرْضَى بالبَدَلْ
أشكُو عليك من المُهَفْ
…
هفِ سالبِ الظَّبْيِ الكَحَلْ
يا مَا جرَى من بَعْدِ بُعْدِ
…
كَ في العَمِيد وما حصَلْ
فعَل العَزِيزُ بعبْدِه
…
فِعْلاً يرِقُّ له الجبَلْ
ما زلْتُ من أفْعالِه
…
بين التَّدَلُّه والوَجَلْ
قضَّيْتُ دهرِي في هَوا
…
هـ مُوَلَّهاً بعسَى وعَلّ
فاسْمَعْ لِما قال العَمِي
…
دُ ولا تمَلَّ لِما أُملّ
قد كنتُ كيتَ وذَيْتَ يا
…
دهرِي القديمَ فلا تسَلْ
فلقد قنِعْتُ إليك من
…
شَكْوايَ منه بالْجُمَلْ
واللهُ لي نِعْمَ الوَكي
…
لُ فقد عجزْتُ عن الحِيَلْ
وقوله:
سقَى الأثْلَ كلُّ سَحابٍ مُطِلَّهْ
…
عليه ولا برِحتْ مُستهِلْه
رعَى اللهُ أيامَه السَّالفاتِ
…
وحَيَّى مَحلَّتَه من محلَّهْ
ولَيْلاتِ أفْراحِنا المُشْرِفا
…
ت بأغْصانِ بَاناتِنا والأهِلَّهْ
وكلّ فتاةٍ كأنَّ الهوى
…
يُريد بها فتْنةَ الخَلْقِ جُمْلَهْ
إذا عاقلٌ سامَها نَظْرةً
…
على غِرَّةٍ أخذَتْ منه عَقْلَهْ
وبي من كتمْتُ اسمَها غَيْرةً
…
ومَن حُبُّها لفؤادي جِبِلَّهْ
أُحاكِي في حُبِّها عَنْتَراً
…
وتحْكِي وأستغفرُ الله عَبْلَهْ
أُغالِط مِن أجلها عاذِلي
…
وأشْتاق في باطنِ الأمر عَذْلَهْ
وأكْنِي عن ثَغْرِها بالبُروقِ
…
وبالرِّيم عن مُقْلتيْها تَعِلَّهْ
رَبيبَةُ مُلْكٍ إذا ما انْثنتْ
…
لإيقاعِ أقْراطِها والأثَّلهْ
تحيِّر قَدّ قضِيب النَّقَا
…
وتُظهِر في صَفْحةِ البدرِ خَجْلهْ
وكم جاهلٍ قال لي قد سلَوْتَ
…
هَواها فقُلتُ له حاشَ لِلّهْ
يُؤنِّب والعُذْر من وَجهِها
…
يُحرِّر لي نَيِّراتِ الأهِلَّهْ
فيا لِيَ من عاذلٍ مُكثِرٍ
…
ويا لِيَ من عَقْلِه ما أقَلَّهْ
ومنزلها خَلَدِي والشِّغا
…
فُ تحمَّلها حَلَّة ثم حَلَّهْ
وإنَّ نَسِيبي لها وحدَها
…
إذا نسَب الناسُ عُلْويَ ورَمْلَهْ
وكتب إلى محمد بن إبراهيم بن يحيى الشرفي، من كوكبان، هذه الأبيات اعتمد فيها الجناس التام:
أخْبارُ أيَّامِنا العَوالِي
…
صِحاحُها نُجُلُ العَوالِي
أيَّام سَلْعٍ وأين سَلْعٌ
…
مَرَّتْ على أنها حَوالِي
دهرٌ حَبانِي بكلِّ سُؤْلٍ
…
وكان طَوْعِي وما حَوَى لِي
وساحرُ الطَّرْفِ ضَنَّ عنِّي
…
بالطَّيْف في عالَم الخَيالِ
بنَى على الشَّكِّ في المعاني
…
واستقْبل الجامعَ الخَيالِي
هذا الجامع من محسنات علم المعاني، ومن مفتاح السكاكي في بحثه لطائف.
قال: ذكر أن السيد العلامة صلاح الدين بن عبد الله المعروف بالحاضري، مضى إلى جامع صنعاء، فلقي بعض الطلبة خارجاً من الجامع، فسأله عن دخوله الجامع؟ فقال: للإعادة في التلخيص، فبدهه بعبارة القزويني: ولصاحب علم المعاني فضل احتياجٍ إلى معرفة الجامع.
فليعجب من هذا الاتفاق، والبلاغة التي سلمت له بالوفاق.
ما قَطُّ يلْوِي على شُجونِي
…
من بين َحْبي ولا خَيالِي
أظهَر هجري بغير جُرْمٍ
…
ولستُ أدري بما جَنَى لِي
أرْخَص سِعر الدموعِ عجباً
…
وهْي على غيرِه غَوالِي
وضاع شِعْرُ العُبَيد لمَّا
…
ضَاع شذَاه على الغَوالِي
ضاع الشيء: فات، وضاع الطيب: ظهر.
والشذا: الذكا.
والغوالي: جمع غالية، نوع من الطيب.
قال العسكري في الأوائل: أول من سمى الغالية غاليةً معاوية، شمها من عبد الله بن جعفر، فسأله عنها، فوصفها، فقال: إنها غالية.
ويقال إن شمها من مالك بن مالك.
وأنكر الجاحظ هذا، وقال: نحن نجد في أشعار العرب ذكر الغالية، وأنشد:
أطْيَبُ الطِّيب طيب أم بان
…
فَأرُ مِسْكٍ بعنْبرٍ مَسْحوقُ
خلَطْته بزَنْبَقٍ وببَانٍ
…
فهْو أحْوَى على اليديْن شرِيقُ
ونسبهما إلى عدي بن زيد.
ومعجونات العطر كلها عربية، مثل الغالية، والشاهرية، والخلوق، واللخلخة، والقطر، وهو العود المطرى، والذريرة. انتهى.
وقد نقل أن الغالية وقع ذكرها في الحديث.
وعن عائشة: كنت أغلل لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أرَجَف عني الوُشاةُ أنِّي
…
في ثغْر سُلطانِه جَلالِي
هيْهات أرْضَى بمِثلِ هذا
…
أعاذَني اللهُ ذو الجلالِ
قال: الشيء بالشي يذكر، ذكرت بالبيت الأول قول السيد العلامة الحسن بن أحمد الجلال، في الخال:
ونازلٍ أظْلَم منه أسْوَد
…
في مَنْزِل لم يكُ مُستَوْطِنَهْ
مُذْ لاح للنَّاظر سُلطانُه
…
عاد الجلالِيُّ إلى السَّلْطنَهْ
قلتُ له مَرَّةً لماذا
…
عاقْبتني جُرْأةً ولَالِي
وأنْت أعْتقْتني قديماً
…
فقال أقْرَرْتَ والولَا لِي
إن كان في الناسِ من مُجيرٍ
…
للصبِّ في دولةِ الجمالِ
وقعتُ حالِي وما أُلاقِي
…
فوراً إلى مَسْمَع الحجالِ
عنَيْت قاضِي الأنام طُرّاً
…
مَن امْتطَى غارِبَ الكمالِ
تأخَّر السابقون عنه
…
وبيَّن النَّقْصَ في الكمالِ
هذا الكمال، عنى به محمد بن علي، المعروف بالزملكاني الدمشقي، وقد عقد ابن نباتة له ترجمة في سجع المطوق وأنشد:
ما كان أحْوَجَ ذا الكمالَ إلى
…
عَيْبٍ يُوقِّيه من العيْنِ
إليك أرسلتُها تَهادَى
…
كاملةَ الشَّكلِ والخَيالِ
تنشُر طَيِّب الثناءِ نَشْراً
…
عليك يا صادقَ الخيالِ
فاقْبَلْ من المدحِ نَزْرَ قولٍ
…
واستُرْ إذا ما رأيتَ قالِي
أنت من الناسِ خيرُ خِلٍ
…
غيرُ مَمْلولٍ وغيرُ قالِي
فيا لَها فُرْجة أزالتْ
…
عنِّي هُمومي وطاب بَالِي
فاستعبدِ الدهرَ في سرورٍ
…
والْبَسْه حتى يعودَ بَالِي
فأجابه عنها بقوله:
طالِعُ سَعْدٍ قضَى وفالِي
…
أنَّ حبيباً حقّاً وفَى لِي
وبُلْبُل الأيْك راح يشْدُو
…
براحتِي وانْشِرَاحِ حالِي
رافع صوتٍ بخفْضِ عيشٍ
…
جدِيدُهُ صِينَ عن وَبالِ
ذكَّرني إذ شدَا وغنَّى
…
ما مَرَّ لي من حَمِيد حالِي
ليالياً كُنَّ كالَّلآلِي
…
سالفُ عيْشي بهِنَّ حالِي
كم خوَّلتنْي ونوَّلتْني
…
تلك الليالِي من النَّوالِ
فليت أنِّي اتَّخذْتُ عهداً
…
لا فوَّت البَيْن والنَّوى لِي
ولا قضَتْ بافْتراقِ شَمْلِي
…
وشَمْلِ مَيْمونةِ الشِّمالِ
كم طَوَّقتْ جِيدَها الليالِي
…
زَنْدُ يمينِي مع الشِّمالِ
وكم سقتْنِي بما سقْتني
…
من مُسْكِرٍ طاهرٍ حَلالِ
لو بعده ذُقْتُ أيَّ حُلْوٍ
…
أستغفرُ اللهَ ما حَلا لِي
ذكرت بالبيت الأول قول ابن نباتة في خطبة سجع المطوق: وهذه أوراقٌ تثمر الشكر، وفواصل طاهرة إلا أنها تنتج السكر.
للهِ عَيْشٌ خَلا وكُلٌّ
…
كما قضَى ذُو البَقاءِ خَالِي
ليت الذي عمَّه جَمالٌ
…
وخَصَّه حُسنُه بخَالِ
رَقَّ لِرقٍ عزيز قومٍ
…
أرْخَصَه الحبُّ وهْو غالِي
ما رَقَّ لي مرَّةً صديقٌ
…
ممَّا أُقاسِي ولا أوَى لِي
ولم أجِدْ مثلَ واحدٍ في
…
أواخِر الناسِ والأوَالِي
طَوَّق جِيدي بعِقْدِ نَظْمٍ
…
سُهْداً على الحالتيْن حَالِي
يا واحداً في العُلَى فريداً
…
وسابقاً ما تلاه تالِي
وخيرُ مَن صام في نهارٍ
…
وقائمٍ في الدجى وتَالِي
إن مُسَمَّاك في اكتسابٍ
…
لأحْمَدِ الحمدِ غير آلِ
عليك أزْكَى السلامِ تتْرَآ
…
بعد نَبي وبعدَ آلِ
وكتب ابن حميد الدين إليه أيضاً، من محروس شبام، ونور الربيع يضحك عن حب الغمام
قدِم الربيعُ وخيرُ مَقْدَمْ
…
والغيثُ أنْجَم ثم أنْجَمْ
يقال: أنجم المطر وأدجن، وأرث، وألث، فإذا قيل أقلع، قيل أنجم.
وفي الكلم النوابغ: المرء يقدم ثم يحجم، والنوء ينجم ثم ينجم.
وتقدَّم الأنْوَا فلو
…
صَلَّى الوَلِي ورآه سلَّمْ
والجوُّ ينشُر مِطْرَفاً
…
لك فاخِتِيَّ اللونِ مُعْلَمْ
والسُّحْبُ مَدَّ رُواقَ دِي
…
باجٍ بساحتِنا وخَيَّمْ
والروضُ نَمَّقَه الغَما
…
مُ بحُسْنِ صَنْعته ونَمَّمْ
فبَدا يرُوق الناظرِي
…
نَ كأنه بُرْدٌ مُسَهَّمْ
برد مسهم: فيه خطوط مستوية، ومن ثم سمى الإرصاد البديعي تسهيماً، أخذاً منه.
وحقيقته أن يجعل قبل العجز من الفقرة والبيت ما يدل عليه، إذا عرف الروي.
ومنه في التنزيل قوله تعالى: " وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ".
والوردُ أبْدَى صفحةً
…
من خدِّه فاشْتمَّ والْتمّ
هذا هو العَيْشُ الذي
…
يُصْبِي الحليمَ إذا تحلَّمْ
قد كادت الدنيا تقُو
…
لُ لساكِنيها لو تكلَّمْ
هُبُّوا إلى فَيْءِ المُقلَّ
…
صِ ظِلُّه فالفَىءُ مَغْنَمْ
الغنيمة في هذا البيت نادرةٌ غريبة، وبعيدة الملك، وإن رآها الغبي قريبة.
للهِ أنفاسُ الصَّبا
…
ولطيفُ ما أهْدَتْه مِن ثَمّ
يا طِيبَ رَيَّاها وإن
…
أُغْرِي الشَّجِيُّ بها وأُغْرِمْ
حَملت كلاماً سِرُّه الْ
…
مكنونُ أن الشوقَ يُكْتَمْ
ناديْتُها حتَّى م أحْ
…
تملُ الهوَى العُذْرِي إلى كَمْ
فتعثَّرتْ بذُيولها
…
طَرَباً وقالتْ لا تظَلَّمْ
لا رَأْىَ إلا الصبرُ وهْ
…
ومع الرِّضا أسْلَى وأسْلَمْ
فأجبْتُها سَمعاً لما
…
حتَم الحبيبُ على المتيَّمْ
فبِرُوحِيَ الأحْوَى وفي
…
نَظْمِ الجِ، اس أقول أحْوَمْ
الجناس بين أحوى وأحوم لاحق.
وحقيقته أن يتباعد الحرفان في المخرج، وهو نقيض المضارع.
ومن أمثلته في التنزيل: " ويلٌ لكل همزةٍ لمزةٍ ".
بَدْرِيُّ وَجْهٍ كَمَّل الْ
…
بارِي مَحاسِنَه وتمَّمْ
ونَجِيُّ أسْرارِي وإنْ
…
أكُ من لَواحظهِ مُكلَّمْ
ذَهَبيُّ خَدٍ منه أثْ
…
رَى صَبُّه والغيرُ أعْدَمْ
ذُو مُقْلةٍ نَجْلاءَ أسْ
…
حر مُقْلةٍ من فوق مَبْسَمْ
لطيفة قال بعض قريش لرجل من بني عذرة، إذا علقتم المرأة تموتون، وهل هذا إلا خور!! فقال: لو رايتم الحواجب الزج، تحتها النواظر الدعج، تحتها المباسم الفلج؛ لاتخذتموها اللات والعزى.
أنزلْتُه في المُنْحنَى
…
من أضلُعِي واللهُ يعلَمْ
رسلُ الخَيالِ إليه تَتْ
…
رَى خِفْيةً والناسُ نُوَّمْ
أن ليس أنْسَخُ وُدَّه
…
بالهجْرِ منه فهْو مُحْكَمْ
فاعجبْ لها من قِصَّةٍ
…
يا أيها الحَبْرُ المكرَّمْ
يا خيرَ تالٍ للأُلَى
…
سَلفُوا وإن كان المُقدَّمْ