المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر بني القاسم الأئمة - نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة - جـ ١

[المحبي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الباب الأولفي ذكر محاسن شعراء دمشق

- ‌الشام ونواحيها لا زالت طيبة العرار والبشام

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بسم الله الرحمن الرحيمبقية الباب الأول

- ‌في محاسن شعراء دمشق ونواحيهافصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

- ‌السيد محمد بن السيد كمال الدين

- ‌أخوه السيد حسين

- ‌السيد عبد الرحمن

- ‌السيد عبد الكريم

- ‌السيد إبراهيم

- ‌شهاب الدين بن عبد الرحمن

- ‌أخوه إبراهيم

- ‌فضل الله بن شهاب الدين

- ‌ علي بن إبراهيم

- ‌ حفيده إسماعيل

- ‌ولده عبد الغني

- ‌أحمد بن ولي الدين

- ‌ولده عبد الوهاب

- ‌عمر بن محمد

- ‌حفيده محمد بن علي

- ‌حسين بن محمد

- ‌القاضي محب الدين

- ‌عبد اللطيف

- ‌ أخوه محب الله

- ‌محمد بن عبد اللطيف الشهير بالخلوتي

- ‌ السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله

- ‌فصل

- ‌محمد بن عمر الصوفي

- ‌على بن جار الله

- ‌حافظ الدين العجمي

- ‌مرعيّ بن يوسف الكرميّ

- ‌‌‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في الحثّ على المواعيد

- ‌فصل في شكوى حال غريب

- ‌فصل في مخاطبة محدّث

- ‌فصل في مخاطبة منطقيّ

- ‌فصل في مخاطبة نحويّ

- ‌خير الدين بن أحمد الحنفي

- ‌نجم الدين بن خير الدين

- ‌أحمد الخالدي الصفدي

- ‌حسن الدّرزيّ العيلبونيّ

- ‌محمد بن محي الدين المعروف بالحادي الصّيداويّ

- ‌حسين بن عبد الصمد الحارثيّ

- ‌ولده بهاء الدين

- ‌حسن بن زين الدين الشهيد

- ‌سبطه زين الدين بن محمد

- ‌السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني

- ‌ولده السيد جمال الدين

- ‌أخوه السيد علي

- ‌نجيب الدين بن محمد بن مكي

- ‌محمد بن حسن بن عليبن محمد، المعروف بالحر

- ‌محمد بن علي بن محمود الحشريّ

- ‌حسين بن شههاب الدينبن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

- ‌عبد اللطيف البهائي البعلي

- ‌حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي

- ‌عبد الجليل بن محمد الطرابلسي

- ‌رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي

- ‌فصل في وصف عمامة

- ‌المعروف بابن الأعوج

- ‌الباب الثاني في نوادر الأدباءبحلب الشهباء

- ‌مصطفى بن عثمان البابي

- ‌السيد موسى الرَّامحمدانيّ

- ‌أبو مفلح محمد بن فتح الله البيلوني

- ‌السيد محمد بن عمر العرضي

- ‌فتح الله بن النحاس

- ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

- ‌ولده السيد باكير

- ‌ السيد عبد القادر بن قضيب البان

- ‌ولده السيد محمد حجازي

- ‌السيد عبد الله بن محمد حجازي

- ‌ السيد يحيى الصادقي

- ‌السيد عطاء الله الصادقيّ

- ‌السيد محمد التقوى

- ‌السيد أسعد بن البتروني

- ‌السيد حسين النبهاني

- ‌القاضي ناصر الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن تاج الدين الكوراني

- ‌ولده أبو السعود

- ‌محمد بن أحمد الشيباني

- ‌حسين بن مهنا

- ‌محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن الشاه بندر

- ‌صالح بن قمر

- ‌صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم

- ‌مصطفى الزيباري

- ‌مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن محمد البخشي

- ‌إبراهيم بن أبي اليمن البتروني

- ‌أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا

- ‌محمد بن حسن الكواكبي

- ‌الباب الثالثفي نوابغ بلغاء الروم

- ‌الباب الرابعفي ظرائف ظرفاء العراق

- ‌والبحرين والعجم

- ‌شعراء البحرين

- ‌فصل جعلته للمعرباتقديماً وحديثاً

- ‌الباب الخامسفي لطائف لطفاء اليمن

- ‌ذكر بني القاسم الأئمة

- ‌ذكر آل الإمام شمس الدينبن شرف الدين بن شمس الدين

- ‌فائدة

الفصل: ‌ذكر بني القاسم الأئمة

قد مشَتْ نَحْوه على فَرْدِ ساقٍ

شجرٌ حَثَّها له اسْتدعاءُ

لو حَبَاها ساقيْن رَبُّ البَرايَا

لم تكنْ للفِراقِ قطُّ تشاءُ

وللسيد علي بن معصوم:

سقَى صَوْبُ الغَمامِ عَرِيشَ كَرمٍ

جَنَيْنا من جَناه العَذْبِ أُنْسَا

فأمْسَى عاصرُ العُنْقودِ منه

يُكسِّر أنْجُماً ويصوغُ شَمْسَا

وللسيد محمد بن حيدر:

إذا اصْطنعْتَ أمْراً فاحْفَظ له أبداً

شَرْطَ الصَّنِيعة واجْهَدْ في مَنافعِهِ

فالماءُ في صَوْنِه الأخشابَ عن غَرقٍ

رعَى لها حيث كانتْ من صَنائعِهِ

ولي:

إذا كان الهوى لي تُرْجُمانَا

يُعبِّرُ عن خَفِيَّاتِ الغرامِ

فأقْنَعُ بالإشارةِ من حبيبي

فما فيه مَحلٌّ للكلامِ

ولي:

قد هَوَّل الواعظُ في درسهِ

أمْرَ الورى في مَوْقفِ الحشْرِ

وهْو إذا حقَّقتَ ألْفَيْتَه

كنايةً عن مَضَضِ الهَجْرِ

‌الباب الخامس

في لطائف لطفاء اليمن

حلية الأرض ونقش فص الأماني، الواصلون في الروع خطومهم بكل رقيق الشفرتين يماني.

ما منهم إلا كتب المسند، وحدث عن العلياء وأسند.

وإذا طاول المدى جياد الشعر في الميدان، مسحوا منه بغرة أبلق ليس في حومة السبق من مدان.

وخصوصاً أئمتهم الذين اعتلى بهم بيتٌ للإسلام ومنار، وكاد يضيء بهم ولو لم تمسسه نار.

طالوا بسوقاً، وأحرزوا الحمد مطرداً منسوقاً.

وهم من منذ كان عليهم احتواؤه، تنوسيت بهم أقياله وأذواؤه.

‌ذكر بني القاسم الأئمة

دعاة هذا الإقليم ورعاته، الذين حفظوه بعون الله من نكباته وروعاته.

وهم الحسن، والحسين، ومحمد، وأحمد، وإسماعيل، الإخوة البدور، الذين أقروا العيون وشرحوا الصدور.

الراسخون علوماً، الباذخون حلوماً.

سَمَوْا للمَعالي وهمْ صِبْيةٌ

وسادُوا وجادُو وهم في المُهودْ

ونالُوا بجِدِّهمُ جَدَّهُمْ

فإن الجدودَ عُلاً للجُدودْ

تبحبحت أطرافهم في روضة الرسالة، وتهدلت أغصانهم على نبعة البسالة.

وقد سخر الله لهم الفصاحة حتى انقادت في أعنتهم، ووهبهم البراعة حتى عرفت في أجنتهم.

فأكبرهم: الحسن الحسن الروية والروا، الذي وسع جوده عامة الورى.

فاستعاروا في مدحه الزهر من لفظه والبرد من صنعائه، متخيرين المسك من ثنائه، وعرف القول من دعائه.

لئن حاز جُوداً لا تفارقُه يَدٌ

فقد حاز شُكراً لا يُفارقُه فَمُ

وهو الذي مهد البلاد، وأحكم أمر الطارف في مجدهم والتلاد.

بجدٍ لو تعرف إليه الجماد لنطق متكلما، أو تظلم إليه النهار من الليل لم يدع شيئاً مظلما.

وفضلٍ استعد له واعتد، ورأيٍ امتد به ساعده واشتد.

يهز للمدح عطفا، وينساب مع الماء رقةً ولطفا.

ومع هذا فهو في الحرب الليث الهصور، والشجاع الكرار فلا يحوم حوله التراخي والقصور.

إذا مضت في الأعداء بواتره، تقدمتها في الظفر بوادره.

أنهضه الله بطاعته، وزاد في قوته واستطاعته.

فاستخلص اليمن من قومٍ فتكوا فيه وعاثوا، وطغوا على أهله حتى استغاثوا من شرهم فلم يغاثوا.

وقبض على أناسٍ كانوا ممن توغل في حربه، ثم أطلقهم محتسباً بالعفو عنهم عند ربه.

وذلك بعد حروبٍ كاد يعلق بشرها ذمامه، ويرشق إليه منها حمامه.

حتى استقام له الأمر، وخمد ذلك الجمر.

وتم له من المراد ما اقتراحه، ومن الزناد ما اقتدحه.

فتمهدت له أخياف الهمم، وخضعت له عوالي القمم.

فقام الناس إلى مشايعته، والتفيؤ بظل متابعته.

فعاملهم أحسن معاملة، وأعطاهم محاملةً عوض مجاملة.

ولما بان هدوه، وبان حاسده وعدوه.

عمد إلى الجبل المسمى بضوران، فاختط به مدينةً أبدعها مساكناً وأوطانا، ودبجها رياضاً وغيطانا.

واتخذ بها مساجد يتقرب بها المتقرب، ورباطاتٍ يأوي إلى ساحتها المتغرب.

فوقعت في ذلك الموضع موقع العروس من منصتها، واقتطعت من الأفق السامي بمقدار حصتها.

وله غيرها مما يدل على رأيه الصائب، وقوة فكره التي يفل به جيش المصائب.

ص: 392

وكل ذلك يشهد له بأنه أخذ الأمر بزمامه، وناداه الصواب من خلفه كما ناداه من أمامه.

وبالجملة فهو حظ الزمن، والملك الذي تم به يمن اليمن.

وأما أخوه: الحسين فهو صنوه في الإخا، وعديله في الشدة والرخا.

كوكب رياسته الزهرا، التي جمل بها أولاده الزهرا، وأطلع في سماء سنائها، ورياض علائها، زهراً مضيئةً وزهرا.

شموس السعادة من وجهه مشرقة، وعيون طوارق الغي عنه مطرقة.

وكان له لفظٌ نشر به من الوشي الصنعائي حللاً وأبرادا، وخطٌّ أهدى للشمس من ضيائه إشراقاً ورادا.

وآثار أقلامه لوائح بوادي، لم يتنحنح بمثلها شادٍ بمفازةٍ أو حادٍ بوادي.

فمن شعره قوله في الغزل:

مولايَ جُدْ بوِصالِ صَبٍ مُدْنَفٍ

وتَلافِه قبل التَّلافِ بمَوْقفِ

وارحمْ فُدِيتَ قتيلَ سيفٍ مُرْهَفٍ

من مُقلَتيْكَ طعين قَدٍ مُرْهَفِ

فامْنُنْ بحقِّك يا حبيبُ بزَوْرةٍ

تُحْيي بها القلبَ القَرِيحَ فيشْتَفِي

أعَلمْتَ أن الصَّدَّ أتْلف مُهجتِي

والصدُّ للعشَّاقِ أعظمُ مُتْلِفِ

عجباً لِعطْفِك كيف رُنِّح وانْثَنى

مُتأوِّداً وعليَّ لم يتعطَّفِ

أنا عبدُك المَلْهوفُ فارْثَ لذِلَّتي

وارْفُق فَدَيْتُك بي لطُولِ تلَهُّفِي

عرَّفْتني بهوَاك ثم هجرْتنِي

يا ليْتني بهوَاك لم أتعرَّفِ

يا مُهجتِي ذُوبي ويا رُوحِي اذءهبي

من صَدِّه عنِّي ويا عينُ اذْرِفِي

هل من مُعينٍ لي على طُولِ البُكا

أو راحِمي أو ناصرِي أو مُنْصِفِي

وإليك عاذِلُ عن مَلامةِ مُغْرَمٍ

لا يَرْعَوِي عن ما يرومُ ولا يَفِي

حاشايَ أن أسْلُو وأنْسَى عهدَ مَن

أحبَبْتُه إنِّي أنا الخِلُّ الوَفِي

قُل ما تشاءُ فإنني يا عاذلِي

لا أنْتهِي لا أنْثنِي عن مُتْلِفي

أنا عبدُه لا أكْتفِي عن مالكِي

والعبْد عن مُلاّكِه لا يكْتفِي

يا قلبَه القاسِي أما تَرْثي لمن

قاسَى هَواك جَوىً وطولَ تأسُّفِ

اعْطِف على قلبٍ سلبْتَ فؤادَه

واسْتبْقِ منه بالنَّبيِّ الأشْرفِ

الإمام محمد بن القاسم الذي قام بالإمامة، وتتوج بتلك العمامة.

وألزمت له الناس هذا التنويه، ولم يحجم نفسه في هذا الأمر عما تنويه.

فأصبح وهو مجتمع الكلمة في اليمن كلها، القائم بأعباء الأمور دقها وجلها.

تكفلت بغنى الراجين منائحه، وأحصيت السيارة ولم تحص مدائحه.

وكان له قوة حدسٍ تكاد ترد النار إلى الزند، وحسن سياسةٍ تثني الناس عليها ثناء النسيم على الرند.

ولما دعاه الداعي الذي لا بد عن إجابته، ورماه قوس القضاء بالسهم الذي لا محيد عن إصابته.

تقسمت الكلمة المجتمعة بين أحمد وإسماعيل الأخوين، ومحمد ابن أخيهما الحسن المتقدم آنفاً فتفرق القوم فرقا، وسلكوا من التشعب طرقا.

وجرت بينهم حروبٌ للظهور قاصمة، ولعرى الحزم فاصمة.

حتى ضاقت اليمن بأهلها ذرعا، وخامرتها النوائب أصلاً وفرعا.

وإسماعيل محتسب في دفع تلك الغمة، متوكل على الله في تلافي أمر الأمة.

وهو عالمٌ أن القلوب معه، والكلمة عليه مجتمعة.

وأن الإمامة تسعى له باتفاق، وتتجاذبه أطرافها من بين تلك الرفاق.

حتى صار علمه يقينا، واستسلم له القوم قائلين: نحن من شيعتك ما بقينا.

علماً منهم أن ما هم فيه أمرٌ محظور، تقدم فيه بتسويل الأنفس حدٌّ محذور.

فأصبح في تلك الدائرة قطبا وهم فلك، وناداه الدهر إن لم تكن لهم الإمامة فلك.

فلقيت به الولاية حظاً، وأدارت كيف شاءت في الرفاهية لحظاً.

واطمأنت أدانيها وقاصيها، وابتهجت أسرتها ونواصيها.

وإسماعيل هذا هو الإمام المجلي، يقتدي به المصلي وغيره في ميدان السباق، وإذا جرى ذكره في البراعة استخدمها له القول بالموجب بنوعي المطابقة والطباق.

ولئن كان من بين أخوته الأقل الأصغر، فيفديه العالم الأكثر من أصغر العالم والأكبر.

ص: 393

فهو أصلٌ نالت به قبائله من الشرف الأرب، كما أن إسماعيل أصلٌ تفرعت منه قبائل العرب.

مد إلى جر المجرة باعا، واتخذ له فوق الأثير منازلاً ورباعا.

لم يدر على مثله لنادٍ نطاق، ولم ير الدهر نظيره ولو شمر عن ساقه ما أطاق.

تهابه النفوس إذا رمقته أبصارها، وتلجأ إليه الرياح إذا أرهقها إعصارها.

فلو دعا السهم في الهواء لرجع من ساعته، أو نادى الدهر الأي لما أمكنه التخلف من طاعته.

يسافر رأيه وهو دانٍ غير نازح، ويمضي تدبيره وهو ثاوٍ غير بارح.

وهو في العلم فردٌ لم يختلف فيه اثنان، وجامعية فنونٍ ذات أصول وأفنان.

وله شعر كقدره فوق أن يقال جليل، وكثير المدح في جنب معاليه قليل.

كما قال القائل:

كلامُ الإمامِ إمامُ الكلامِ

وفُوه يفُوه بحُرِّ النِّظامِ

مِزاجُ مَعانِيه في نَظْمها

مِزاجُ المُدامِ بماءِ الغَمامِ

فمن شعره قوله، من قصيدة أولها:

في المُهجةِ أضْحَى معهدُهُ

فلذَا في الغَيْبة تشهدُهُ

فتَّانُ الحسنِ مُمَّنعهُ

فِتْيان الصَّبْوةِ أعْبُدُهُ

معسولُ الثَّغر مُفلَّجُه

عَسَّال القَدِّ مُعربِدُهُ

وافَى من بعدِ تجَنُّبِه

ووفَى بالزَّورةِ موعدُهُ

وسرىَ كالبدرِ فسُرَّ بهِ

مسلوبُ كَرىً لا يرقُدُهُ

وكتب إلى القاضي محمد بن إبراهيم السحولي:

عجباً ما للأخِلَّهْ

أعرضُوا من غير عِلَّهْ

وتجافَوا عن كئيبٍ

هائمِ القلب مُوَلَّهْ

مستهامٍ عذَّبْتهُ

من غزالِ الرَّملِ مُقلَهْ

ذُو قَوامٍ مثلُ غصنِ الْ

بانِ قد حُدَّ برَمْلَهْ

ومُحَيّاً أوْرَث الأنْ

جُمَ والأقمارَ خَجْلَهْ

عَبْلةُ الساقِ رَداحٌ

دُونَها في الحُسنِ عَبْلَهْ

غادةٌ عادتُها للصَّ

بِّ أن تُكثِر مَطْلَهْ

جعلتْ هجْرَ المُعنَّى

في الهوى دِيناً ومِلَّهْ

حرَّمتْ من وصلِه ما

خالقُ الخلقِ أحَلَّهْ

وأحلَّتْ قتْلَه واللَّ

هُ قد حرَّم قتَلهْ

يا تُرَى في أيِّ يومٍ

يصل المحبوبُ حَبْلَهْ

وبه في طِيبِ عيشٍ

يجْمَع الرحمنُ شَمْلَهْ

وترى العاذلَ فيهِ

تاركاً في الحبِّ عَذْلَهْ

ويعودُ الصبُّ للمعْ

هُودِ من دون تَعِلَّهْ

فهمُ قومٌ سُراةٌ

أرْيَحِيُّونَ أجلَّهْ

ولهم في القلبِ وُدٌّ

لا يرُوم الغيرُ نَقْلَهْ

غيرَ أن الدهرَ أبْقَى

منهم يبْلَهُ عَقْلَهْ

صيَّر التشْهيرُ في وصْ

لهمُ المطلوبَ غَفْلَهْ

سَدَّ دُونَ الضَّاحِك السَّ

عدِ طريقاً منه سَهْلَهْ

فتناسَوْا عهدَ صَبٍ

ذاهلِ اللُّبِّ مُدَلَّهْ

وجَفَوْه فرسومُ الْ

وُدِّ منهمْ مُضْمَحِلّهْ

فمتى في الدهرِ نَلْقَى

شيْخَه بدرَ الأهِلَّهْ

عَلَّه يشكو إليه

سَطْوةَ الدهرِ وفِعْلَهْ

نَجْلُ إبراهيم عِزُّ الدِّ

ين محمودُ الجِبِلَّهْ

أعظمُ الأخْيارِ قِيلاً

أكرمُ الأحرارِ خُلَّهْ

أحسنُ الناسِ خِصالاً

قاربَ الأكياسُ مِثلَهْ

وهْو للطالبِ عِلْماً

علَمُ زاهٍ وقِبْلَهْ

يا جمالَ الدِّين مَن حا

زَ خصالَ الفضلِ جُمْلَهْ

هاك نظماً من مُحِبٍ

لا يرَى غيرَك أهْلَهْ

أوْجَدته فكرةٌ قد

كرَّرتْها أيُّ شُعْلهْ

يرْتجِي منك قبولاً

لِنظامٍ جاء قَبْلَهْ

مُسبِلاً من دُونِه سِتْ

راً عن العيْبِ وِكِلَّهْ

ص: 394

دُمْتَ في أرْغَدِ عيشٍ

راقياً أعْلَى مَحلَّهْ

فأجابه بقوله:

سامِحُوا المملوكَ لِلّهْ

واصْفَحُوا عن كلِّ زَلَّهْ

عَفْوُكم عنَّا دواءٌ

نافعٌ من كلِّ عِلَّهْ

والرِّضَا منكم زُلالٌ

ناقِعٌ من كل غُلَّهْ

ووَلاكم لي أمانٌ

ببَراهِينِ الأدلَّهْ

حبُّكم شَرْعِي ودِينِي

وهْو عندي خيرُ مِلَّهْ

وهْو لي خُلْق قديمٌ

وطِباعٌ وجِبِلَّهْ

ولقد مازَج رُوحِي

وسوادَ القلبِ حَلَّهْ

مَدَنِيُّ العيشِ إذا الْقلْ

بُ ثَناه ساه وصلَهْ

لا ولَا وَلَّهنِي الحبُّ

بمَن مثْلِيَ وَلَّهْ

قمرُ الحسنِ واللحُسْ

نِ بدورٌ وأهِلَّهْ

لو رآه البدرُ أعْلا

هُ مَحَلَاّ وأجَلَّهْ

ضرب الحسنُ عليه

قُبَّةً تزْهُو وكِلَّهْ

ورآه الحُسْنُ قد حا

زَ بديعَ الحسنِ كُلَّهْ

فوَحَى في الخدِّ خَوفَ الْ

عينِ حَصَّنْتُك باللهْ

يا لَقومِي في كثيرِ الْ

حُسْنِ حَظِّي ما أقلَّهْ

يا رسولِي قُل له باللَّ

هِ إن أحسنتَ قُلْ لَهْ

كَيْ يُقضى الصَّبُّ عُمْراً

فعَساهُ ولعَلَّهْ

إن يكنْ لا يرْتجِي الْوَب

لَ من الوصلِ فطَلَّهْ

وعلى الحسنِ زكاةٌ

ورَدتْ فيها أدِلَّهْ

وهْو مسكينٌ فمنْعُ الصَّ

رْفِ فيه مَن أحَلَّهْ

لستُ أشكو الجوْرَ إلَاّ

للأجلِّ ابنِ الأجِلَّهْ

مَن له كثْرةُ أوْصا

فِ العُلَى من غير عِلَّهْ

من رقَى في المجدِ والفَخْ

رِ إلى أعْلَى محلَّهْ

ونَضَا مُنْصُلَ عَزْمٍ

مُرْهَفَ الحدِّ وسَلَّهْ

وسعَى في طلبِ العَلْ

ياءِ من غير تَعِلَّهْ

وسمَا في نَيْلِه الْفضْ

لَ إلى أرْفَعِ قُلَّهْ

ما أحلَّ اللهُ شخصاً

في العُلَى حيث أحَلَّهْ

يا سليلَ العِزِّ يا مَن

رَدَّ عادِيه المُدلَّهْ

وصَل المملوكَ وَصْلٌ

منكمُ أعْلَى محِلهْ

وكساهُ بُرْدَ فخرٍ

زانَه بين الأخِلَّهْ

عِقْدُ نظمٍ خِلْتُه وَرْ

داً كساه الصبحُ طَلَّهْ

أو هو الدُّرُّ تهادا

هُ الغوانِي للأكِلَّهْ

وتَودُّ الغِيدُ لو أنَّ

لها منه أشِلَّهْ

بل هو الفضلُ أدام اللَّ

هُ للعالَم ظِلَّهْ

فيه إعْزازٌ لقَدْرِي

ولنظْمِي فيه ذِلَّهْ

فاقبلُوا منِّي جواباً

جاء في ضَعف وقِلَّهْ

طال تقصيراً ولكنْ

سامِحُوا المملوكَ لِلّهْ

قوله: لله بحذف الألف بعد اللام، لغة، على ما نقله الإسنوي حكاية عن ابن الصلاح عن الزجاجي، فلا لحن فيه، كما قال البيضاوي.

وفي التيسير أنه لغة جائزة في الوقف دون الوصل، والأفصح إثباتها وإن تملح به المولدون في أشعارهم كثيراً، كقوله:

أيها المستبيحُ قتْلِي خَفِ اللهْ

وانْهَ عينيك للدِّما مُتحِلَّهْ

ومن شعر الإمام قوله:

وشادنٍ أجْرَى دموعِي دَماً

سفْحاً على الخدَّيْن لا يَرْقَا

أخافُ مُسْوَدُّ عِذارِي به

يبْيَضُّ من حُلَّته الزَّرْقَا

وقوله:

يا شادِناً قد فاق في حُسْنِه

وعَزَّ عن شِبْهٍ وأمْثالِ

لأنتَ في قلبِي وفي ناظرِي

ألَذُّ من نَوْمةِ شَوَّالِ

ولده السيد علي

ص: 395

هو تورد في خد الدهر، وبشرٌ في وجه الزهر.

له عيون آثار أزهى من الخدود إذا اعتراها الخجل، ومحاسن أشعار تستوقف صاحب المهم وهو في غاية العجل.

وهناك اللطائف مأمونةً من النظائر والأشباه، لا يعارض في قيامها بجوامعها النظر والاشتباه.

إلى ألفاظٍ كأنها لآلىء في درج، أو كواكب في برج.

ومعانٍ كأنها راحٌ في زجاج، أو روح في جسم معتدل له المزاج.

فمن بدائعها التي تزرى بالعذارى تبرجت في الحلي والحلل، إذا لاحت من وراء سجفها تغبطها على الحسن أقمار الكلل.

قوله من قصيدة يمدح بها أخاه الحسن:

أكذا المُشتاقُ يُؤرِّقُهُ

تغريدُ الوُرْقِ ويُقلقُهُ

وإذا ما لاحَ على إضَمٍ

بَرْقٌ أشْجاه تألُّقُهُ

يُخْفِي الأشواقَ فيُظهرِها

دمعٌ في الخدِّ يُرقْرِقُهُ

آهٍ يا برقُ أما خَبَرٌ

عن أهلِ الغَوْرِ تُحقِّقُهُ

فيُزيلُ جوىً لأسيرِ هوىً

مُضْنىً قد طال تشوُّقُهُ

رِيمُ الهيجاءِ ورَبْرَبُها

خمريُّ الثَّغرِ مُعتَّقُهُ

ممشُوقُ القَدِّ له كَفَلٌ

يتشكَّى العِطْفَ مُمَنْطقُهُ

مُغْرىً بالعَذْلِ لعاشقهِ

وبدِرْعِ الصبرِ يمزِّقُهُ

يا ريمَ السَّفْحِ على مَ تُرَى

تُرْضِي الواشِي وتُصدِّقُهُ

رِفْقاً بالصبِّ فإنَّ له

قلباً بهوَاك تعلُّقُهُ

فعسى بالوصلِ تجودُ ولو

في الليلِ خيالُك يطرُقُهُ

أو ما تَرْثي لِشَجٍ قد زا

دَ بطولِ الهجرِ تحرُّقُهُ

وأراد الصدّ سيُخرجُه

من أسْرِ الحبِّ ويُطْلِقُهُ

فله نفسٌ تأْبَى كرَماً

يأْتيهِ النَّقْصُ ويلحقُهُ

ولِذاك سلَتْ بِتذكُّرِها

لأخٍ بالمجدِ تخلُّقُهُ

شرَفُ الإسلامِ وبَهْجتُهُ

وخِتامُ الجُودِ ومُغْدِقُهُ

وعِمادُ المُلكِ ومَفْخَرُه

وسَنامُ الدِّين ومَفْرِقُهُ

من دون عُلاه لرائدِه

بُرْدُ الجَوْزاء ومَشْرِقُهُ

حِلْمٌ كالطَّوْد لنائلِه

جُود كالبحرِ تدفُّقُهُ

اسمعْ مولايَ نظامَ أخٍ

قد زاد بمدْحِك رَوْنَقُهُ

وُدُّك قد صار يكلِّفُه

بِمقالِ الشعرِ ويُنْطِقُهُ

فاحفظْ وُدِّي لا تُصْغ لما

يُمْلِي الواشِي ويُنمِّقُهُ

وقوله، من قصيدة أولها:

جَدَّ بي الشوقُ إلى الظَّبْيِ اللَّعُوبِ

فتصابيْتُ به وقتَ المَشِيبِ

رَشَأٌ مُدْمِنٌ هجرِي لم يزلْ

قلبيَ المُشتاقُ منه في وُجوبِ

يا أخِلَاّيَ بهاتِيكَ الرُّبَى

وأُصَيْحابي بذَيَّاكَ الكَثيبِ

مُذ نأيْتُم قد جَفَا جَفْنِي الكرَى

وفؤادي والتَّسَلِّي في حروبِ

خاننِي صبرِي وأوْهَى جَلَدِي

حبُّ ذاتِ الدَّلِّ والثغرِ الشَّنِيبِ

آهِ كم أكتُم في القلب الجوَى

وإلى مَ الصبرُ عن لُقْيَا الحبيبِ

ترجُ لي يا عاذِلي كَتْمَ الهوَى

إنَّ كتْمانَ الهوى داءُ القلوبِ

فاطَّرِحْ لَوْمِي فإنِّي مُغرَمٌ

وأشِع ما شئتَ عنِّي يا رقيبي

أنا من قومٍ إذا ما غضِبُوا

أطعموا الأرْماحَ حَبَّاتِ القلوبِ

وهمُ في السّلْمِ كالماء صَفَا

لصديقٍ وحميمٍ وقريبِ

فهمُ فخْرِي وفيهم قُدوتي

وبهم نلْتُ من العَلْيا نصِيبي

وبفضلِ اللهِ ربِّي لم أزلْ

في مَراقِي العِزِّ والعيشِ الرَّطِيبِ

ليس لي إلَاّ المَعالِي أرَبٌ

فعلى كاهِلها صار رُكوبي

إن دعا داعٍ إلى غيرِ العُلَى

لا ترانِي لدُعاه من مُجيبِ

وله مضمناً بيت ابن لؤلؤ الذهبي:

ص: 396

صَبٌّ يكاد يذوبُ من حَرِّ الجوَى

لولا انْهمالُ جفونِه بالأدْمُعِ

وإذا تنفَّستِ الصَّبا ذكَر الصِّبَا

وليالِياً مرَّتْ بوادي الأجْرَعِ

آهٍ على ذاك الزمانِ وطِيبهِ

حيث الغَضا سكَنِي ومَن أهْوَى معِي

وليالياً مرَّتْ فيا لِلّهِ ما

أحْلَى وأملحَها فهل من مَرْجَعِ

أحمامةَ الوادِي بشرقِيِّ الغَضَا

إن كنتِ مُسعِدةَ الكئيبِ فرجِّعي

إنَّا تقاسمْنا الغَضا فغُصونُه

في راحَتيْكِ وجَمْرُه في أضْلُعِي

وله، من قصيدة مطلعها:

أيكتُم ما به الصَّبُّ المَشوقُ

وقد لاحتْ له وَهْناً بُروقُ

وهل يُخفِي الغرامَ أخو وُلوعٍ

يُؤرِّق جَفْنَه البرقُ الخَفُوقُ

ويسلُو عن أُهَيل الجِزْعِ صَبٌّ

جرَى من جَفْنِ عيْنَيه العَقِيقُ

إليكَ إليكَ عنِّي يا عَذُولِي

فلستُ من الصَّبابةِ أسْتفيقُ

فلي قلبٌ إلى بَاناتِ حُزْوَى

طَروبٌ لا يمَلُّ ولا يُفِيقُ

فإن سَمُومَها عندي نسيمٌ

رَحِيقٌ في رحيقٍ في رحيقِ

فلو ذُقْتَ الهوى وسلكْتَ فيه

لما ضَلَّتْ إليه بكَ الطَّرِيقُ

بعيْشِك هل ترى زمَني بِسَلْعٍ

يعود وذلك العيشُ الأنِيقُ

ويمْنحُني أُصَيْحابِي بوصْلٍ

ويرجع بعد فُرْقتِه الرَّفيقُ

فها قلْبي أسيرٌ في هواهمْ

وها دمعِي لبَيْنِهمُ طليقُ

وقد عارضه في هذه الأبيات جماعةٌ من أهل اليمن.

وكتب إلى والده هذه القصيدة، يحثه فيها على الجهاد، لما أحصر الركب اليماني، وصد عن مكة، في سنة ثلاث وثمانين وألف:

لَعَمرُك ليس يُدرَك بالتَّوانِي

ولا بالعجزِ غاياتُ الأمانِي

فما نيلُ المعالِي قَطُّ إلَاّ

بِبيضِ الهند والسُّمْرِ اللِّدانِ

وحَزْمٍ دونه الشُّمُّ الرَّواسِي

وعَزْمٍ لم يكنْ أبداً يُوانِي

ونفسٍ كلَّما جشَأت أرَتْه

قرى نَعْمان ميلاً من عُمانِ

تخُوض إلى المَعالي كلَّ هَوْلٍ

وليس لها عن العَلْياءِ ثَانِ

لها ثقةٌ بربِّ العرشِ حقّاً

به الأقْصَى تَراه وهْو دانِ

أميرَ المؤمنين وخيرَ مَلْكٍ

تبوَّأَ في العُلَى أعْلَى مكانِ

وتاجَ بَنِي النبيِّ ومُنْتَقاهم

وأكرمَ مُعْتلٍ ظهرَ الحصانِ

أترْضَى أن نرى في الدهرِ هُوناً

ويتْبُو رُكنه في ذَا الأوانِ

ويُمنَع وفدُ بيت اللهِ منه

ويُضحِي الخوفُ فينا كالأمانِ

ويملكُه العُلوجُ ويمْنعوه

ويُصْرَف عنه ذا الوفدُ اليمانِي

وأنتَ خليفةُ الرحمنِ فينا

وأنتَ حُسامُه في ذا الزمانِ

ونحن بنُو البَتُولِ ونَجْل طه

وفينا أُنْزِلتْ آيُ القُرانِ

ونحنُ به لَعَمْرُ اللهِ أوْلَى

ونحن الشائدون به المَبانِي

فلا تركبْ بنا ظهرَ الهُوَيْنا

ولا تجنَحْ إلى ظلِّ الأمانِ

وحولَك من بني المَنصورِ أُسْدٌ

علَوْا في المجدِ هامَ الزِّبْرقانِ

ومن أبْناء حَيْدرةٍ كُماةٌ

لهم في المَكْرُمات أجلُّ شَانِ

وإنَّ لَديْك من عَدْنانَ حقّاً

ومن قَحْطان فرسانُ الطِّعانِ

ليوثٌ إن دعوتهمُ أجابوا

بكلِّ سَميْدَعٍ رَحْبِ الجَنانِ

فشاوِرْهم ولاطِفْهُم وأحْسِنْ

إليهم بالعطاءِ وباللِّسانِ

ولا تجعلْ كتابَك للأعادِي

سوى السيفِ المُهنَّدِ والسِّنانِ

فأرْسِلْ نحوَ من نَاواكَ جيشاً

أوائلُه بأرضِ القَيْرُوَانِ

ص: 397

تسيرُ جِيادُه في كلِّ قُطْرٍ

إلى الأعداءِ مِرْ؛ اب العِنانِ

فتعلُو هامَ مَن نَاواكَ قَسْراً

وتُرْغِم بالمَواضِي كلَّ شَانِ

فإنَّ اللهَ ربَّك قد توالتْ

عوائدُه بعاداتٍ حِسانِ

وعَوَّدَك الجميلَ بكلِّ خيرٍ

وقد شاهدْتَ ذلك بالعِيانِ

السيد الحسين بن الحسن ابن القاسم من تحائف الزمان وحسناته، وكأنه غرة في جبينه أو خالٌ في وجناته.

ذو كمال في الأدب أحرزه، وإبريز أدبٍ على محك الانتقاء والانتقاد أبرزه.

وله شعر بلغني منه بيتان، هما في ديوان الإجادة مثبتان.

وهما قوله:

في أفْرَقِ الثَّغْرِ كم أُقاسِي

من عاذلٍ بالمَلامِ أفْرَقْ

يلُوم جهلاً على حبيبٍ

أذوبُ في حبِّه وأفْرَقْ

السيد الحسن بن الحسين بن القاسم هذا الحسن، منشىء القول الحسن، ومبدي الفصاحة واللسن.

قلبه قالب للمعاني قابل، وطل فضله عند الفضلاء وابل.

تروت الأفكار بمنهل أدبه وسكوبه، وانتعشت الخواطر بروح زقه المملى وكوبه.

له أشعار هي في بهجة الألفاظ ورونق المعاني، راحة المعنى وسلوة المعاني.

فمنها ما كتبه إلى القاضي الحسين المهلا، وأصحبه رسالةً من مؤلفاته:

هل في رُبوعٍ بجَرْعاءِ الحمى طَلَلُ

يحُلُّه مَن له في حَيِّه شُغُلُ

وهل لمَن لم ينَلْ في الدهرِ بُغْيَته

من آل ليلَى وصالٌ ليس ينْفصلُ

يا جِيرةً طاب بين الناسِ ذكرُهمُ

لأجْلِكم تعبتْ ما بيننا الرُّسُلُ

فعامِلونا بقَدْرِ الوُدِّ إنَّ لنا

بشأنِكم هِمَّةً دانتْ لها الأُوَلُ

وما انْتفاعُ أخِي الدنيا بعَزْمتِه

إذا تحوَّلتِ الأحوالُ والدُّوَلُ

فإن تقاعَد كان العجزُ غايتَه

وإن تقاعَس أضْحى غابةَ الأسَلِ

سيدنا الذي مقدمات قياسه بديهية الإنتاج، وموضوع محموله بحده الأوسط ظاهر الإندراج.

تمثيل استقرائه حجةٌ يقينية، وترتيب دلائله أشكالٌ اقترانية.

شرطياته الاتفاقية لزومية، وافتراض عكسه مسقط لعقم الجزئية.

وكيف لا، وقد أشرقت به مدارس العلم وشرفت، وعمرت أركانها بمشيد أفكاره وما اندرست.

فهو شرف الدين والشرف أجلى حدود الفلك، بل خلاصة اليقين واليقين أقوى أوصاف الملك.

فأنهار علومه لا ينضب ماؤها ولا يفيظ، الحسين بن الناصر بن عبد الحفيظ.

حفظه الله بالمعقبات من أمره، ولحظه بعين العناية في سره وجهره.

أهدي إليه من السلام أتمه، ومن الإكرام والإنعام أوفره وأعمه.

وإنه ورد إلي ما أنتجه طبعه السليم، وفكره المستقيم، من فوائد ذلك الشكل الكريم.

فحملني على وضع هذه الرسالة مجاراةً لسوابق الأفاضل، ومباراةً لسهام المناضل.

فإن جاءت مقبولةً فذلك ما كنت أبغي، وإن عادت مردودةً فمما أطرح وألغي.

السيد إسماعيل بن محمد بن الحسن بن القاسم غصن من تلك الجنة، وخال في تلك الوجنة.

إن عدت الأفاضل كان أولى من عقدت عليه الخناصر، وإن ذكرت الأماجد كان أحرى بأن تبتهج بفطرته العناصر.

وهو أديب غاية في طول الباع، لو صور نفسه لم يزدها على ما فيه من كرم الطباع.

وله شعر إذا تلاه المشغوف تفقد قلبه هل طار عن جسده، وإذا سمعه الحسود تمنى لو كان كل حسدٍ منضماً إلى حسده.

صفي القول فيه وروقه، ودعا به القلب إلى الغرام وشوقه.

فلو خوطبت به الصم لم تحتج أذنها إلى إذنٍ في استماعه، أو استنزل به العصم سارعت إلى التأنس بغرائب إلماعه.

وها أنا أتلو عليك منه ما يغازل العيون النعس، وتشتهي لو مازجت سلافة لطفه الشفاه اللعس.

فمنه قوله، من قصيدة:

أتَرَى السَّلْبَ للقلوب الشجِيَّهْ

لسَواجِي لحاظِها كالسَّجِيَّهْ

أم رمَى غيرَ عامدٍ أسْهُمَ الهُدْ

بِ ولم يَدْرِ أن قلبي الرَّمِيَّهْ

فعلت بِيَ اللِّحاظُ شرَّفها اللَّ

هُ تعالَى ما تفعلُ المَشْرَفِيَّهْ

عرَّفتْني أسْحارَ بابلَ هارو

تَ فكانتْ عندي هي البابليَّهْ

ص: 398

نصبتْ لي أشْرَاكَ هُدْبٍ فهلَاّ

شافعِي واحدٌ من الزَّيْدِيَّهْ

أنا شِيعيُّها وبالنَّصْبِ جَرَّتْ

نِي إلى أن وقعْتُ في المَالكيِّهْ

مَلكتنْي عيْناً وقلباً وحتى

ملَكَتْني قولاً وفعلاً ونِيَّهْ

ما نوَيْتُ الطُّموح للغيرِ إلَاّ

حجَبتنْي الحواجبُ النُّونيَّهْ

وبنار الأخْدُودِ ذاب فُؤادِي

من خُدودٍ نَدِيَّةٍ عَنْدَمِيَّهْ

أيُّ نارٍ لها اتِّقادٌ لماءٍ

غيرُ نارٍ على الخدُودِ النَّدِيَّهْ

يا لها فتْنة لها قدَّر اللَّ

هُ فعادتْ عُشَّاقُها قَدَرِيَّهْ

لا يرَوْن السُّلْوانَ ممَّا يُطيقو

نَ ولا يدْفعون هذِي البليَّهْ

حقَّق الجَبْرُ باعْتزالِهم اللَّوْ

مَ فراحُوا لفِعْلهم رافِضيَّهْ

فهمُ يَفْرَقُون من كلِّ شيءٍ

أبداً في صَباحِهم والعشيَّهْ

مثْلَما يفْرَق الشجاعُ إذا لا

قَى إمامَ العصابةِ الحسَنيَّهْ

الإمامُ القَوَّامُ للهِ بالحقِّ

بإجْماعِ العِتْرةِ النبويَّهْ

الأغَرُّ الأبرُّ عِزّ الهدى الها

دِي البرايَا إلى الصِّراط السَّويَّهْ

المُفِيدُ المُبيد شملَ الأعادِي

بالمواضِي وبالقَنا السَّمْهَرِيَّهْ

خيرُ مَن هزَّ صارماً يوم رَوْعٍ

وعَلَا صهوةَ الجِيادِ العَلِيَّهْ

والذي قاد شارداتِ المَعالِي

بالعَوالِي والهمَّةِ العلَويَّهْ

والذَّكيّ الذي يُحلُّ من الإشْكا

لِ ما يُفْحِم الفحولَ الذَّكيَّهْ

والجوادُ الذي يسُوق إلى العا

فِين سُحْباً من اللُّهَى عَسْجَدِيَّهْ

والمَلِيك الذي يُدبِّر أعْما

لَ نِظامِ الشريعةِ الأحمديَّهْ

لم يزلْ في الأمورِ يَمْضِي برَأْيٍ

هو أضْوَا من الشموسِ المُضِيَّهْ

أحلمُ الناسِ أعلمُ الناسِ أذْكا

همْ مَقاماً ومَحْتِداً وطَوِيَّهْ

أيها الأوحدُ الذي ما رأيْنا

لعُلاه مُماثِلاً في البريَّهْ

والذي مَن أطاع ذا العرشِ جازا

هُ فدانَتْ له الرِّقابُ العَصِيَّهْ

والذي طاب نَشْرُ ذِكْراه حتى

طاب منه أقْصَى الجهاتِ القَصِيَّهْ

هاكَها بنتَ ليلةٍ حَبَّرتْها

مع شُغْلٍ سَلِيقةٌ هاشميَّهْ

دُرُّها تخْجَل اليواقيتُ منه

ودَرارِي الكواكبِ العَلويَّهْ

فاقْبَلِ النَّزْرَ من خطابِيَ واعْذُرْ

عن خطابٍ جَليَّةً وخَفِيَّهْ

إنما يحسُن النِّظامُ ويزْكُو

حين تزْكُو العوارضُ النفسيَّهْ

غيرُ خافٍ على أبي الفضلِ أنّ الضَّ

يْمَ تأْبَى منه النفوسُ الأبيَّهْ

وابْقَ ما مالتِ الغصونُ على الرَّوْ

ضِ وغنَّت بأيْكِها قُمْرِيَّهْ

وله القصيدة التي رثى بها والده، وأخاه يحيى، ومطلعها:

هل أقال الموتُ ذا حَذرَهْ

ساعةً عند انْتهاءِ عُمُرِهْ

أو تَراخَى عن كَحِيلٍ رنَا

فاق كلَّ الغِيدِ في حَوَرِهْ

أو رثى يوماً لمُرضِعةٍ

طِفْلَها ما دَبَّ في حُجَرِهْ

أو تراهُ هائباً ملِكاً

صائلاً قد عزَّ في نَفَرِهْ

أو تناسَى من له نظَرٌ

تصدرُ الأشياءُ عن نظرِهْ

أو تحامَى رُوحَ سيدنا

مصطفَى الرحمنِ في بَشَرِهْ

وأبى السِّبْطيْن حَيْدرةٍ

وكبارِ الآلِ من عِتَرِهْ

ص: 399