الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودُنْياهمُ طلْعةُ المجْتَلِي
…
ودهرُهمُ واضحُ المُبْتَسمْ
ومن حقِّهم شكرُ آلائهمْ
…
ومن حقِّ شانيهمُ أن يُذَمّ
شهاب الدين بن عبد الرحمن
" والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها "، " والليل إذا يغشاها ".
لهو جواد استبق فحاز السق، وانطلق فأبعد الطلق.
وشهاب تألق، وشهمٌ قنص وما حلق.
تبلغ حتى لم يبق مطمعا، ولاح فأرى الشمس والبدر معا.
وهو في عيشٍ موافق وزمن معين، وروضة منىً طلة وماءٍ معين.
والجود لا يعطى إلا ببنانه، والدهر لا يسطو إلا بجنانه.
إلا أنه تصرفت به في آخره الأعمال، فقبض على فترة من الآمال.
وله المآثر الغر، يزينها خطٌ أغلى قيمةً من الدر.
فإذا دجا ليل قلمه، وطلعت فيه شهب كلمه.
لم يقعد له بها شيطان مقعدا، إلا وجد له شهاباً رصدا.
فأسرارها مصونة عن كل خاطف، مطوية بأيدي الصون عن كل قاطف.
وقد وقفت من آثاره على قطع، كأنما الحسن منها مقتطع.
فأثبت منها ما هو سلوة المتعني، وشهدة المتمعني.
ونزهة المتلفظ، وكفاية المتحفظ.
فمنها قوله في الغزل:
برُوحيَ فتَّانٌ بلحْظيه قاتلٌ
…
يُرِينا المنايا الحمرَ بالأعْين النُّجْلِ
يميل بقَدٍّ أخْجل الغصنَ والقَنا
…
يَجِدُّ على قتل المحبّين بالهَزْلِ
عجبتُ لهذا الحبِّ تُرْضي فعالُه
…
وإن هو بعد العزِّ بدّل بالذلِّ
وقوله في دير مران:
أيادَيْر مُرَّانَ سقاكَ غمامُ
…
تروح وتَغْدُو غِبَّهُنَّ سلامُ
وحيَّاك من دَيْرٍ وحيَّى معاهداً
…
بمَغْناك ما ناح الزمانَ حَمامُ
وقفتُ على رَسْمٍ به راح دارساً
…
وقد فاح من عَرْف الرياض خُزامُ
فقلتُ ولي في رَسِيسُ صَبابةٍ
…
وفي القلب منِّي لوعةٌ وغرامُ
كأن لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا
…
أنِيسٌ ولم تُهْرَقْ هناك مُدامُ
والبيت مضمن، وأصله:
كأن لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصَّفا
…
أنِيسٌ ولم يسمُرْ بمكَّة سامرُ
بلى نحن كنا أهْلَها فأبادَنا
…
صُروفُ الليالي والجدودُ العواثِرُ
ودير مران معروف بدمشق، بالقرب من الربوة.
وقد تداولت ذكره النبغا، وحسبك من وصفه ما حكاه الثعالبي عن الببغا.
وهو دير قديم، مترنح ساقٍ ونديم.
دير أطل فوق وادٍ نضر، يرضع طفل نوره ثُدِيَّ المطر.
إلا أن الدهر عفى صورة رسمه، ومحا محاسن هيئةٍ كانت روحاً لجسمه.
وكانت به مقاصير كأنها مقاصير جَنة، فأصبحت الآن وهي ملاعب جِنة.
فقد عميت أخبار قطانه، ودثرت آثار أوطانه.
من وهى بنائه، وسكن الحوادث بفنائه.
وقفتْ عليه السُّحْبُ وَقْفةَ راحمٍ
…
فبَكتْ له بعيونِها وقلوبِها
وهو أحد الديارات المذكورة في الشعر القديم.
قال فيه الخليع:
يا دَيْرَ مُرَّانَ لا عُرِّيتُ من سكَنٍ
…
قد هجْتَ لي شَجَناً يا ديرَ مُرَّانَا
سَقْياً ورَعْيا لمُرَانٍ وساكنِه
…
يا حبَّذا قاطنٌ بالديْر مَن كانَا
حُثّض المُدامَ فإنَّ الكأسَ مُتْرعةً
…
مما يهِيجُ دواعِي الشوقِ أحْيانا
وحيت أنساق الكلام إلى الديارات، فلنذكر مشاهيرها على طريق الاختصار؛ فإن لها تعلقاً بما نحن فيه.
فمنها: دير القائم الأقصى، على شاطئ الفرات، بطريق الرقة.
يقول فيه هاشم بن محمد الخزاعي:
بدَيْر القائم الآقْصَى
…
غزالٌ شادِنٌ أحْوَى
بَرَى حبِّي له جسمي
…
ولا يدْرِي بما ألْقَى
وأُخفي حبَّه جُهْدِي
…
ولا والّلهِ لا يخْفَى
ومنها: دير زكا؛ موضعان.
قال أبو الفرج: دير زكا بالرها.
وقال الخالدي والشابشتي: دير زكا من ناحية البليخ.
قال الرشيد:
غزال مَرابُعه بالبليخِ
…
إلى ديْر زَكَّا فجسرِ الخَربْ
ومنها: دير عبدون، وهو بظاهر المطيرة، ببغداد.
يقول فيه ابن المعتز:
سقى المَطِيرةَ ذاتَ الظلِّ والشجرِ
…
ودَيْر عَبْدون هطَّالٌ من المطرِ
وقال ياقوت، في المشترك: دير عبدون موضعان: أحدهما بسر من رأى، إلى جانب المطيرة، من نواحي بغداد، سمي بعبدون أخي صاعد بن مخلد، وزير المعتمد على الله، كان كثير التردد إليه والمقام به.
ودير عبدون قرب جزيرة ابن عمر، يليهما دجلة، وقد خرب، وكان من منتزهات الجزيرة.
والمطيرة، كسفينة: قرية بنواحي سر من رأى، والصواب المطرية، لأنه بناها مطر بن فزارة الخارجي.
ومنها: دير مارت مريم، وهو دير قديم من ديارات، الشام الأولية.
يقول فيه ابن هرمز:
نعمَ المحلُّ لمن يسْعَى للَذَّتهِ
…
دَيرٌ لمريمَ فوق الظهرِ معمورُ
ظِلّ ظليلٌ وماء غيرُ ذِي أسَنٍ
…
وقاصراتٌ كأمْثال الدُّمَى حُورُ
وزاد في " المشترك " ثانياً بنواحي الحيرة، من بناء آل المنذر بين الخورنق والسدير.
وثالثاً، قال الشابشتي: دير أتريب بمصر، يقال له دير مارت مريم.
ومنها: دير مرجرجس، كان بالمزرفة بينه وبين بغداد أربعة فراسخ، وكان من منتزهات بغداد.
وآخر بين بلد وجزيرة ابن عمر، على ثلاثة فراسخ من بلد، على جبل يظهر للرائي من فراسخ عدة.
ومنها: دير العذارى، وهو بسر من رأى.
يقول فيه جحظة البرمكي:
ألا هل إلى دَيْر العَذَارَى ونظْرةٍ
…
إلى مَن به قبل المماتِ سبيلُ
وقا ياقوت: دير العذارى ثلاثة مواضع؛ أحدها بين أرض الموصل وبين باجرما من أعمال الرقة، وهو دير قديم، كان به نساء مترهبات، وبذلك سمي.
ودير العذاراى بقرب سر من رأى.
ودير العذارى، موضع بظاهر حلب، فيه أكثر بساتينها.
ومنها: دير سمعان؛ أربعة مواضع.
وسمعان هو شمعون الصفا، من الحواريين، وله ديرة كثيرة.
والذي اشتهر هذه.
أحدها في غوطة دمشق، وفيه دفن عمر بن عبد العزيز في الصحيح من الأخبار، ولا يعرف الآن.
ودير سمعان، من نواحي أنطاكية، دير كبير كالمدينة.
ودير سمعان، قرب المعرة، يقال: فيه قبر عمر بن عبد العزيز. والأول أصح.
ودير سمعان، من نواحي حلب، بين جبل بني عليم والجبل الأعلى.
ومنها: دير هند؛ موضعان، وهما بالحيرة، يقال لأحدهما دير هند الكبرى. والآخر دير هند الصغرى.
فأما هند الكبرى فهي بنت الحارث بن عمرو، آكل المرار، وهي أم عمرو بن هند، بنته بظاهر الحيرة، وترهبت به.
وأما هند الصغرى فهي بنت النعمان بن المنذر، المعروفة بالحرقة، صاحبة القصتين مع خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة.
ومن شعر المترجم، ما كتبه لبعض أحبابه، في صدر رسالة:
سلامٌ على من في الفؤادِ وِدادُه
…
وإن غاب عن طَرْفي فما غاب عن قلبي
وإنِّي وإن غبتمْ وبِنْتُم عن الحمَى
…
فحبِّي لكم يزداد في البعد والقربِ
وكتب إلى والدي، في صدر رسالة أرسلها إليه، وهو بالروم، تتضمن عتاباً، وكان عزل عن الفتيا:
أمولايَ فضلَ الّلهِ دام لك الفضلُ
…
ودمتَ به تزْهو وأنت له أهلُ
يبعِّد مني القلب ما عجَّ لَغْوُه
…
بجِلِّق حتى مَجَّهُ العقْلُ والنَّقْلُ
فلا تغْضَبنْ إن الشِّهابَ لَواثِقٌ
…
برُكْن عمادٍ شَادَهُ المجدُ والفضلُ
وأنت لأدْرَى بي وداداً وخُلَّةً
…
وأنْ لَيْس يلْوِي القلبَ عن حُبِّكمْ عَذْلُ
فقلْبِيَ قلبِي مثلُ ما قد عهِدْتَه
…
وقلبُك فيما أدَّعِي شاهدٌ عَدْلُ
فكتب والدي، رحمه الله تعالى، إليه: ورد علي كتاب، ذلك الجناب.
لا زالت شهب الآفاق هدايةً لأصفيائه، ورجوماً لشياطين أعدائه.
فاستدعى شكري وحمدي، واستفرغ في الثناء على مرسله عهدي، واستخلص في الصفا ما عندي.
فكأنما استمليت معانيه مما عندي، واشتملت على حقائق دقائق قصدي.
فرتع ناظري منه في روضٍ أريض، وحظيت من الانتعاش بوروده بما يحظى به المريض، لو لقي بيمينه منشور العمر الطويل العريض، بعد ما حال الجريض، دون القريض.
وإني وإن بلغت غاية الاجتهاد، في أداء بعض ما يوجب الخلوص والاتحاد، من نشر طيب الثناء في كل ناد، ورفع لواء الولا على رؤوس الأشهاد.
وربما انعكس ذلك إلى المسامع، لكن على كل خير مانع.
فقد تجري الرياح، بما لا تشتهي الملاح.
فإن تكُ قد عُزلْتَ فلا عجيبٌ
…
ضياءُ الشمس يمْحوهُ الظلامُ
ويعز علي أن أنظر إلى ذلك الصدر، وقد جلس فيه غير ذلك البدر.
وإني لأستحي لعيني أن أفتحها على الصغير، وقد جلس مجلس الكبير.
فإني لذلك ضيق ساحة الصدر، قريب غور الصبر.
كثير المباراة، قليل المداراة.
فما أسرع الأيام على الكريم فيما يضره، وعلى اللئيم فيما يسره.
فترفع كل وغد خسيس، وتخفض كل حرٍ نفيس.
وكالبحر يسفل فيه الجواهر اللطيفة، وتطفو فوقه الجيفة.
وكالميزان يدفع من الكفة ما يميل إلى الخفة ويخفض ما يفي بالرجحان، ويبعد من النقصان.
لولا الحظُوظُ التي في عقلِها بَلَهٌ
…
لما علَا الشمسَ بَهْرامٌ ولا زُحَلُ
ولا بدع، فهي علامة، على قيام القيامة.
وهذا الخروج، مقدمة يأجوج ومأجوج.
يا ضَيْعةَ الأعمارِ في طلبِ العلى
…
بالعلمِ والنَّسب الذي بالشِّينِ
ولا غرو، فهي للدهر شيمةٌ مألوفة، وسجية في الكرام معروفة.
على أن المنصب بصاحبه، والمركب براكبه.
فالصغير منه بالكبير كبير، والكبير منه بالصغير صغير.
أنت الكبيرُ الذي لا العزْلُ ينْقُصُه
…
قدراً ولا المنصب العالي يُشرِّفُهُ
ووقفت له على تحريرة كتبها على بيت المتنبي:
وكذا الكريمُ إذا أقام ببلدةٍ
…
سال النُّضارُ بها وقام الماءُ
قال فيها: المفهوم من كلام الواحدي، أنه اختار كون قوله " وقام الماء " معطوفاً على الجزاء، أعني " سال "؛ فيكون داخلا تحت الشرط؛ ليتم التشبيه في خرق العادة في كلا الأمرين، ويظهر وجه الاتصال في البيتين كما قرره.
ولا شك أن المعطوف على الجزاء جزاء، فيحتاج حينئذ إلى بيان وجه لزوم الجزاء للشرط وتسببه عنه.
والذي يظهر في وجهه، أن معنى " قام الماء " أن الماء جمد تحيراً وخجلا واستعظاما؛ لما رأى عظيم سخائه، وشاهد عميم جوده وعطائه.
وقد صرح بتفسير ذلك في البيت الذي بعده حتى صار جلياً، بحيث يصلح أن يكون استئنافياً بيانياً، أعني قوله:
جَمد القطار ولو رأتْه كما رأى
…
بُهِتتْ فلم تتَبَجَّسِ الأنْواءُ
إذ الضمير في قوله: " كما رأى " يعود إلى القطار.
والمراد بالقطار، هو الماء المذكور في البيت الذي قبله، كما لا يخفى، وإلا لم تظهر المناسبة والاتصال.
هذا ما خطر بالبال.
وأما ما استفدناه من تجويز كون الواو للحال، فذلك الوجه الوجيه، تنحسم به مادة الإشكال، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
ومن عجيب الاتفاق أنه وقع ما هو قريب من هذا الاستشهاد في تفسير بيت عويص، عرض من هذه القصيدة على سبيل الاستطراد، وهو قوله:
لا تكثُر الأموات كثرة قِلَّة
…
إلا إذا شقِيتْ بك الأحياءُ
محصل ما حكاه الواحدي، من كلام ابن جني، في تفسير البيت، أنه على حذف مضاف، تقديره " شقيت بفقدك ".
والمعنى، أنه لا تصير الأموات أكثر من الأحياء إلا إذا مت.
واستبعد الواحدي أن أحداً يخاطب ممدوحه بمثل هذا.
ومحصل ما ذكره الواحدي، في معنى البيت، أنه أراد بالأموات القتلى، وتقدير المضاف المحذوف شقيت بفضلك وقتلك إياهم.
والمعنى، إذا غضبت على الأحياء، زادت الأموات بمن ينقصهم قتلك من الأحياء.
وفي كل من الوجهين تعسف لا يخفى، ولكن يشهد لقول ابن جني حكاية أبي عمر السلمي، قال: عدت أبا علي الأوراجي ممدوح المتنبي، في علته التي مات فيها بمصر، فأنشدني قوله فيه:" لا تكثر الأموات " إلخ، ثم لم يزل يكرره ويبكي حتى مات.
وروى السلمي في حكايته: " فجعت " مكان " شقيت ".
ويشهد لقول الواحدي، البيت الذي بعده، فإنه مناسب للمعنى الذي ذكره.
ثم يساعد الأول، معاني الأبيات التي قبله، من وصف عموم كرمه وإحسانه للناس، فناسب أنهم يشقون بفقده، ويكادون يموتون من بعده. فليتأمل.
وقال الواحدي، في تفسير قوله:" كثرة قلة "، أي: كثرة في الأموات تحصل عن قلة الأحياء.
ولا يخفى ما في هذا المعنى من كثرة السماجة، وقلة الجدوى، وتحصيل الحاصل، من غير دليل يدل على أن كثرة الأموات مضافة إلى قلة غيرهم.