المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فتح الله بن النحاس - نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة - جـ ١

[المحبي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌الباب الأولفي ذكر محاسن شعراء دمشق

- ‌الشام ونواحيها لا زالت طيبة العرار والبشام

- ‌فصل

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌‌‌دَوْر

- ‌‌‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌دَوْر

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌بسم الله الرحمن الرحيمبقية الباب الأول

- ‌في محاسن شعراء دمشق ونواحيهافصل ذكرت فيه مشاهير البيوت

- ‌السيد محمد بن السيد كمال الدين

- ‌أخوه السيد حسين

- ‌السيد عبد الرحمن

- ‌السيد عبد الكريم

- ‌السيد إبراهيم

- ‌شهاب الدين بن عبد الرحمن

- ‌أخوه إبراهيم

- ‌فضل الله بن شهاب الدين

- ‌ علي بن إبراهيم

- ‌ حفيده إسماعيل

- ‌ولده عبد الغني

- ‌أحمد بن ولي الدين

- ‌ولده عبد الوهاب

- ‌عمر بن محمد

- ‌حفيده محمد بن علي

- ‌حسين بن محمد

- ‌القاضي محب الدين

- ‌عبد اللطيف

- ‌ أخوه محب الله

- ‌محمد بن عبد اللطيف الشهير بالخلوتي

- ‌ السيد أبو الأمداد فضل الله بن محب الله

- ‌فصل

- ‌محمد بن عمر الصوفي

- ‌على بن جار الله

- ‌حافظ الدين العجمي

- ‌مرعيّ بن يوسف الكرميّ

- ‌‌‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في معاتبةٍ

- ‌فصل في الحثّ على المواعيد

- ‌فصل في شكوى حال غريب

- ‌فصل في مخاطبة محدّث

- ‌فصل في مخاطبة منطقيّ

- ‌فصل في مخاطبة نحويّ

- ‌خير الدين بن أحمد الحنفي

- ‌نجم الدين بن خير الدين

- ‌أحمد الخالدي الصفدي

- ‌حسن الدّرزيّ العيلبونيّ

- ‌محمد بن محي الدين المعروف بالحادي الصّيداويّ

- ‌حسين بن عبد الصمد الحارثيّ

- ‌ولده بهاء الدين

- ‌حسن بن زين الدين الشهيد

- ‌سبطه زين الدين بن محمد

- ‌السيد نور الدين بن أبي الحسن الحسيني

- ‌ولده السيد جمال الدين

- ‌أخوه السيد علي

- ‌نجيب الدين بن محمد بن مكي

- ‌محمد بن حسن بن عليبن محمد، المعروف بالحر

- ‌محمد بن علي بن محمود الحشريّ

- ‌حسين بن شههاب الدينبن حسين بن محمد بن يحيى ابن جاندار البقاعي الكركي

- ‌عبد اللطيف البهائي البعلي

- ‌حسن بن درويش الكاتب الطرابلسي

- ‌عبد الجليل بن محمد الطرابلسي

- ‌رجب بن حجازي المعروف بالحريري الحمصي

- ‌فصل في وصف عمامة

- ‌المعروف بابن الأعوج

- ‌الباب الثاني في نوادر الأدباءبحلب الشهباء

- ‌مصطفى بن عثمان البابي

- ‌السيد موسى الرَّامحمدانيّ

- ‌أبو مفلح محمد بن فتح الله البيلوني

- ‌السيد محمد بن عمر العرضي

- ‌فتح الله بن النحاس

- ‌السيد أحمد بن محمد المعروف بابن النقيب

- ‌ولده السيد باكير

- ‌ السيد عبد القادر بن قضيب البان

- ‌ولده السيد محمد حجازي

- ‌السيد عبد الله بن محمد حجازي

- ‌ السيد يحيى الصادقي

- ‌السيد عطاء الله الصادقيّ

- ‌السيد محمد التقوى

- ‌السيد أسعد بن البتروني

- ‌السيد حسين النبهاني

- ‌القاضي ناصر الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن تاج الدين الكوراني

- ‌ولده أبو السعود

- ‌محمد بن أحمد الشيباني

- ‌حسين بن مهنا

- ‌محمد بن عبد الرحمن

- ‌محمد بن الشاه بندر

- ‌صالح بن قمر

- ‌صالح بن نصر الله المعروف بابن سلوم

- ‌مصطفى الزيباري

- ‌مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي

- ‌محمد بن محمد البخشي

- ‌إبراهيم بن أبي اليمن البتروني

- ‌أحمد بن محمد المعروف بابن المنلا

- ‌محمد بن حسن الكواكبي

- ‌الباب الثالثفي نوابغ بلغاء الروم

- ‌الباب الرابعفي ظرائف ظرفاء العراق

- ‌والبحرين والعجم

- ‌شعراء البحرين

- ‌فصل جعلته للمعرباتقديماً وحديثاً

- ‌الباب الخامسفي لطائف لطفاء اليمن

- ‌ذكر بني القاسم الأئمة

- ‌ذكر آل الإمام شمس الدينبن شرف الدين بن شمس الدين

- ‌فائدة

الفصل: ‌فتح الله بن النحاس

إن يسرْ سار جملةً كانْحطاطٍ

من عُلُوٍّ يجوز رُكْنا فركنَا

كاملُ القَدِّ لم يُسايرْه قِرْنٌ

في مَقامٍ إلَّا وقد طال قِرْناً

وإذا رام منطقَ القوْ

لِ بثَغْرٍ فيُوزن اللفظَ وَزْنَا

دائمُ الفكرِ مظهرٌ لسرورٍ

في مُحيَّاه وهْو يكتمُ حُزْنَا

فعليه الصلاةُ كلَّ مساءٍ

وصباحٍ ما صيِغَ في القول مَعنَى

وله في شريف، يدعى بالحسن:

في دَعَةِ الله إن ظعْنت وخلَّفْ

تُ شريفاً يا ليته ظَعَنَا

فرَّق بيني وبينه زمنٌ

لَا يْنتُه وهْو لم يزل خشِنَا

لا أبصرتْ مُقلتي محاسنُه

إن كنتُ أبصرتُ بعده حَسَنَا

وله مضمنا بيت الفرزدق، وقد نسخه عن معناه الأول، وجعله في الدخان:

وظبي غريرٍ بات عصْراً مؤانسِي

وليس سِواه من جليسٍ ونُدْمانِ

فقد أصبح الغلْيونُ قائد جوهرٍ

بِثغْرٍ له يحكى عقودَ جُمانِ

يقودُ ليَ الرِّيقَ البُرادَ الذي به

غدتْ تنْطفِي لَوْعاتُ قلبي ونيِرانِي

وأُضْرِمه حيناً بنار حُشاشتي

فللهِ من ضِدَّيْن يعْتلجانِ

وبتُّ أفدِّي الزَّادَ بينى يوبينه

على ضوء نارٍ بيْننا ودُخانِ

ومن بدائعه قوله:

وَبْلاه من جيدٍ كماءِ الحياهْ

حَفَّ به زِيقٌُ كشَطِّ الفُراهْ

كأنما أطْواقُه حولَه

فَوَّارةٌ تُمطرُ ماءَ الحياهْ

وقوله في القهوة، مضمنا بيت المتنبي في مدح كافور:

برُوحِي غزالٌ راح يُتْرِع قهوةً

براحتِه البيْضاءِ تحكْي الغواليَا

فقرَّتْ به عينٌ تُطالع وجْهَه

وثَغْرُ ثَناياه نُظِمْنَ لَآليَا

فأحْبِبْ بها سوداءَ مِسْكيَّةَ الشَّذَا

ولولا سوادُ المِسْك ما كان غاليَا

لقد نظَمْت شَمْلَ المُحبِّ بِحبِهِّ

وأنْسَتْ بياضَ الماء مَن كان صَادِيَا

فجاءتْ بنا إنْسانَ عين زمانِه

وخلَّتْ بياضاً خلفها ومآقِيَا

وقوله:

قيل لي كم ولِمْ تُرى تَتمادَى

في الهوى والطريقُ وَعْرٌ قَصِيُّ

قلتُ ظنِّي بالله ظنٌّ جميلٌ

وبخْير الأنام جَدِّى علىُّ

إن لله رحمةً تسَعُ الخَلْ

قَ جميعا فمَن هو العُرْضِيُّ

‌فتح الله بن النحاس

أنا لا أجد عبارة تفي في حقه بالمدح، فأرسلت اليراع وما يأتي به على الفتح.

وناهيك بشاعر لم يطن مثل شعره في أذن الزمان، وساحرٍ إذا أشربت كلماته العقول استغنت عن الكؤوس والندمان.

سهام أفكاره تفك الزَّرد، وكنانة آرائه تجمع ما شت وشرد.

فهو للمعاني الباهرة مخترع، وآت منها بأشياء لم يكن بابها قرع.

وباب الفتح لم يغلق، وكم في خزائن الغيب من أشياء لم تخلق.

فسارت بأشعاره الصبا والقبول، وصادفت من الناس مواقع القبول.

كأنها نفس الرَّيحان المبتل، يمزجه بأنفاس النَّور نسيم الروض المعتل.

أسْرَى وأسْيَرُ في الآفاق من قَمرٍ

ومن نسيمٍ ومن طيْفٍ ومن مَثَلِ

وقد اثبت من متخيات قصائده، وأدبه الذي علقت القلوب في مصائده.

ما لم يتغن بمثل خبره الحادي والملاح، ولم تزه بأحسن من وصفه قدود الحسان وخدود الملاح.

قال البديعي في وصفه، وذكر ابتداء أمره وإيراد لمع من نثره وشعره: نشأ في الشهباء ووجه نسخة البدر في إشراقه، يناجي العاذل عن عذر عشاقه.

وهناك ما شئت من منظر عجيب، ومنطق أريب.

كأن الجمال ملكه رقه، ولم ير غيره من استحقه.

وهو مع تفرده بالحسن، ولوع بالتجني وسوء الظن.

بصير بأسباب العتب، يبيت على سلم ويغدو على حرب.

كم متيمٍ في حبه رعى النجم فرقاً من الهجر، لو رعاه زهادةً لأدرك ليلة القدر.

بخيل بنزر الكلام، يضن حتى برد السلام، لا يطمع الدنف بمرضاته ولو في المنام.

وأبناء الغرام يومئذ يفدونه، ويرون كل حسن دونه.

ومُذ بدا العارضُ في خدِّه

بُدِّلت الحمرةُ بالاصْفرارْ

ص: 289

كأنما العارِضُ لمَّا بدا

قد صار للحسن جناحاً فطارْ

ونسخت آية جماله، وكسفت آية هلاله، وحال ذلك البها عن حاله.

وصار ضياء محاسنه ظلاماً، وعقيان ملاحته رغاما.

لو فكَّر العاشقُ في مُنتهى

حسنِ الذي يسْبيه لم يسْبِهِ

ولما بطل سحر هاروت أحداقه، وفكت الأفئدة من وثاقه.

عطف على محبيه يستمد ودادهم، ويستقى عهادهم.

وكان شأنه مع الجميع، شأن الفضل بن الربيع.

فاندرج في مقولة الكيف، وعلم أن المحاسن سحابة الصيف.

وأصبح عبير وحده، وصده من ريع بصده.

وجعل زي الزُّهاد شعاره، واتخذ من الشعر صداره.

حداداً على وفاة حسنه البهيج، وفوات جماله الأريج.

وما زال يرثى أيام أنسه، وينعى ما يتعاطاه من الكيف على نفسسه.

حتى ضاق نطاق حضيرته، ومل الإقامة بين عشيرته.

فأعطى عنانه ليد البعاد، وامتطى غارب الإتهام والإنجاد.

كأنَّ به ضِغنا على كلِّ جانبٍ

من الأرض أو شوقاً إلى كلِّ جانبِ

إلى أن بلغه الله غاية المأمول، ووفقه بأن استوطن مدينة الرسول.

وأقام بجوار الشفيع، إلى أن غيبه بقاع البقيع.

وفي كثرة أسفاره يقول:

أنا التاركُ الأوطانَ والنازحُ الذي

تتبَّع ركبَ العشقِ في زِيِّ قائفِ

وما زلتُ أطوِى نَفْنَفاً بعد نَفْنَفٍ

كأنِّيَ مخلوقٌ لِطَيِّ النَّفانفِ

فلا تعذِلوني إن رأيتم كتابتي

بكلِّ مكان حلَّه كلُّ طائفِ

لعل الذي بايَنْتُ عيشِى لبَيْنِه

وأفْنيْتُ فيه تالِدِي ثم طارِفِي

تكلِّفه الأيامُ أرضاً حَلْلتُها

ألا إنما الأيامُ طَوْقُ التكالُفِ

فيُملي عليه الدهرُ ما قد كتبتُه

فيعطِف نحوي غصن تلك المعاطِف

ومن بدائعه قصيدة ينعى بها نفسه على أكل الأفيون، ويتأسف على ماضي حسنه:

مَن يُدخِل الأفيونَ بيت لَهاتِه

فْلُيْلق بين يديْه نْقدَ حياتِهِ

وإذا سمعتم بامرئٍ شرِب الرَّدَى

عَزُّوه بعد حياته بمماتِهِ

لو يا بُثَيْنُ رأيتِ صَبِّك قبل ما ال

أفيون أنحْلَه وحلَّ بذاتِهِ

في مثل عمرِ البدر يرْتَع في ريا

ضِ الزَّهْوِ مثل الظَّبْيِ في لَفَتاتِهِ

من فوق خدِّ الدهر يسحب ذيلَ ثو

بِ مُناه أنَّى شاء وهْو مُواتِهِ

وتراه إن عبَث النسيم بقَدِّه

يْنقدُّ شَرْوَى الغُصْنِ في حركاتِهِ

وإذا مشى تِيهاً على عُشَّاقه

تتقطَّر الآجالُ من خَطَراتِهِ

يرْنُو فيفعلُ ما يشاء كأنما

ملَكُ المَنَّية صال مِن لَحَظاتِهِ

لرأيتِ شخصَ الحسنِ في مِرآتِهِ

ودفعْتِ بدرَ التِّمِّ عن عَتَباتِهِ

وقوله، من أخرى:

يا هذه إن أنتِ لم تدرِ الهوى

تجْحديه ففي الهوى اسْتحْكامُ

وأبيكِ كنتُ أحَدَّ منك نواظراً

وبكل قلبٍ من جَفايَ كِلامُ

والسحرُ إلَّا في لساني منطقٌ

والحسنُ إلا في يدَيَّ خِتامُ

لَدْنَ القَوامِ مَصُونةً أعطافُه

عن أن تَمُدَّ يداً له الأوْهامُ

مُتمنِّعا لا الوعد يُدْنِى وَصْلَه

يوماً ولا لخيالِه إلْمامُ

حتى خلقْتِ السقمَ فيه بنظْرةِ

ولقد يُلاقِى ظُلْمَه الظَّلَّامُ

وتنوَّعتْ أدْواؤه فبطرْفهِ

شكلُ الرقيبِ وفي الصِّماخِ مَلامُ

ودخل دمشق فاتخذ الأمير منجك نديم مجلسه، ومطمح أماني ترنحه وتأنسه.

فتوافق الليل والسمر، واجتمع الشمس والقمر.

على السعد في هذا القرأن، والتنافس من أماجد الأقران.

فجالس الفتح به القعقاع، ولم يقل: الفضل للمتقدم. كما قال ابن الرقاع.

وله فيه قصائد منها داليته التي أولها:

نثر الربيعُ ذخائرَ النُّ

وَّارِ من جَيْب الغوادِي

وكسا الرُّبى حَللا فَو

اضلُها تُجرُّ على الوِهادِ

ص: 290

وكأن أنْفاس الجِنا

نِ تنفَّستْ عنها البوادِي

والزَّيْزَفُون يُفتُّ غا

ليةً مُضمَّخةً بجادِى

يُلقِى بها للروض في

وَرَق كأجنحة الجرادِ

هاج النفوسَ ولم يفُتْ

هـ غُير تهْييجِ الجمادِ

والورد مخْضوبُ البَنا

نِ مُضرَّج الوَجنات نادِى

نُصِبتْ له سُرُر الزَّبَرْ

جَدِ والخيامُ بكل وادِي

حرسْته شوكةُ حسنِه

من أن تُمَدَّ له الأيادِي

والعَنْدليبُ أمامه

بفصِيح نَغْمته يُنادِي

مَن رام يعبَث بالخدو

د فدونَها خَرْطُ القتادِ

وحَذارِ مخضوبَ البَنا

ن إذا تمكَّن من فؤادِ

فامْسَحْ بأذْيال الصَّبا

عن مُقْلتيْك صدَى الرقادِ

هل هذه بُكَر الرُّبَى

أم هذه غُرَر الرشادِ

وانهضْ لكسْب جديد عُمْ

رٍ من بُكور مُستفادِ

واقَنعْ بظِّلك أو بظلِّ

الدَّوْحِ عن ظل العبادِ

ماراج من طلب المعي

شةَ بين إخوان الكسادِ

لا يُعجبنَّك لِينُ من

أبصرْتَه سهلَ القيادِ

وأبيك مالانتْ لغي

رِ الطعنِ ألْسنةُ الصِّعادِ

لا تشتهي وجَعَ الفوا

دِ مضى زمان الاتّحادِ

نفسِي الفِداءُ لمَنْجَك الْ

مُسْتعِزِّ بالانْفرادِ

لا يُجْتنَني إلا بمجْ

لس فضلِه ثَمَرُ الودادِ

مُتكثِّر بغنى الشَّما

ئل لا بعاجلةِ النَّفادِ

شِيَمُ الجواد هي الغنى

لاماحَوتْه يدُ الجوادِ

الدهر مْغلولُ اليديْ

ن وذاك مَبْسوط الأيادِي

وله في أحمد بن شاهين، البائية التي أخذت من البلاغة أوفر الأنصباء والقسم، وأقسمت البراعة بقوافيها على أن مبدعها محكُّ الأدب ولا غرو فالباء من حروف القسم.

ومستهلها:

ألَذُّ الهوى ما طال فيه التجنُّبُ

وأحْلاه ما فيه الأحِبَّاء تَعْتَبُ

يقول في مديحها:

يُمزِّق شَمْلَ المشكلاتِ لوقْتها

إذا شِيَم مِن فِيه الحسامُ المُذَرَّبُ

توقَّد حتى ليس يْخبو ذكاؤُه

وكاد وحاشَا فكرُه يتلهَّبُ

وبيت ختامها:

ولا بَرِح الحسَّادُ صَرْعَى وكلُّهم

على مثلهم ما في قلبِه يتقلَّبُ

واتفق له مع الأدباء مجالس تؤثر، وعليها الأرواح تلقى وتنثر.

فمن ذلك مجلس في روض أورقت أشجاره، وتنَّفست عن المسك أسحاره.

غبَّ سحاب أقلع بعد هتونه، ودار دولابه يسقيه بجفونه.

توسدهم أنهاره معاصم فضية، وتنيمهم أفياؤه تحت ذوائب مرخية.

فقال:

وروضٍ أنيقٍ ضمَّنا منه مجلسٌ

على نَوْره جَفنُ الدَّواليبِ ساكبُ

خَلا حسنه عن كل وَغْدٍ يَشِينه

وما صَدَّنا لما أتْيناه حاجبُ

طَلعنا بدوراً في سَماه وبيننا

جُمانُ حديثٍ هُنَّ فيه كواكبُ

وبِتْنا وأوراقُ الغصون غطاؤنا

على فُرُشِ الأنهار والطيرُ نادِبُ

فنعم مكاناً مابه قطُّ قاطِنٌ

وبْيتاً ولكن ماله الدهرَ صاحبُ

وهنا أذكر منتخبات من شعره، مرتبة على حروف المعجم.

فمنها قوله يخاطب العمادي، مفتى الشام، وقد رمدت عيناه:

فِدىً لعيِنك دون الناس عينائي

وكلُّ عضو فِداه كلُّ أعْضائِي

نوَدُّ لو كان مُوْدُوعا بأنفِسنا

ما تْشتكيه بعْينٍ منك رَمْداءِ

نَظَّارةٌ لكتابِ الله قد مُلئتْ

خوفَ الوشاةِ بإشْفاق وإغْضاءِ

وأنتَ لا عن حجابٍ كنت ناظرَنا

فارْفَع حجابَك وانظُر للأحبَّاءِ

وقوله من قصيدة، مستهلها:

عطَف الغصنُ الرطيبُ

وتَلافانا الحبيبُ

أيُّ عضوٍ تسْرح الأبْ

صارُ منه وتؤُوبُ

ص: 291

فاتَّقِ اللهَ وغُضَّ الطَّ

رفَ عنه لا يذوبُ

أبو تمام:

قد غَضَضْنا دونك الأبْ

صارَ خوفاً أن تذُوبَا

وله:

ما لمسْناه ولكن

كاد من لَحْظٍ يذوبُ

أيها العشَّاقُ مَحْ

زونُ الهوى منِّي طَرُوبُ

كلَّ وقتٍ ليس تْن

شَقُّ قلوبٌ وجُيوبُ

إنما يمْزَج بي في

لُجَّة العشق لَعوبُ

وإذا بدَّ سُرورٌ

وإذا نَدَّ نحيِبُ

والذي يهجر في الحبِّ

للاحِيه نسيبُ

ما على مَن سَرَّه الْ

وصلُ إذا غِيظ الرَّقيبُ

رَنَّةُ القوسِ لِرا

مِيها وللغير النُّدوبُ

منها:

وإذا أمكنتِ الفُرْ

صةُ أجْني وأتوبُ

في الهوى صَحَّ اجْتهادِي

فأنا المُخْطِى المُصيبُ

من مديحها:

ضاحكُ الوجه وهل في

طلعةِ القُطْب قُطوبُ

جنَّةُ الشمس لها فِي

هِ شروقٌ وغروبُ

أيُّ قلبٍ حلَّ مني

كلُّ أعْضايَ قلوبُ

ومن مختاره:

وجهُك صبح المُنى ولى زمنٌ

آمُل إقْبالَه وأرْتقبُ

تُلْقِى المعاني إلىَّ زَهْرتَها

فأجْتنيها والغيرُ يحْتطبُ

وكم بيوتٍ ملأْتُها حِكَماً

وهُنَّ إن شئتَ خُرَّدٌ عُرُبُ

أسُوغ من جَرْعة الزُّلال على ال

قلبِ وفي قلبِ حاسدي لَهبُ

منها:

دارُ اغْترابي التي عنِيت بها

مصرُ ودارِي وحبَّذا حلَبُ

دارٌ تُمِيتُ الهمومَ نفْحتُها

وتغْتذى من عبيرِها الكُثُبُ

لاقُرْبُها للكرام مَضْيعةٌ

ولا حِماها للضَّيمِ مُنْقلَبُ

علىّ أن لا تنامَ لَوْعتُها

بين ضلوعِي همومُها شُعَبُ

منها:

لا أقْبلُ الضَّيْم كيف أقْبله

والمجدُ يأْباه فيَّ والحسَبُ

والشمسُ صَوْنا لضوءِ طَلْعتها

خوفَ لَحاقِ الظلام تحْتجِبُ

يُظَن صَدْعِى لقَرْع نائِبةٍ

وإنَّما من أحبّه النُّوَبُ

كأنني من زُجاجةِ جسَدٌ

أحِبَّتي في انْكسارِه السببُ

وله في هذه القصيدة، وهي من بدائعه:

طَمِّنْ فؤادَك أيُّ حُرٍّ

لم يُرَع بالخَطْب قلبُهْ

ودِع المَلام فداءُ مَن

عالجْتَ بالتَّطمين طِبُّهْ

لا تُكثِرَنْ هلَّا فعْل

تَ عليه فالفعَّال ربُّهْ

المرءُ يصعُب جَهدُه

ويلين بالمقْدور صَعْبُهْ

لا تتَّهمْني فالمُؤا

خَذُ في الزمان النَّذْلِ نَدْبُهْ

وأبيكَ من زمنِ التَّرعْ

رُعِ لم يزلْ دأْبي ودأْبُهْ

ومن العجيبِ لدَى اللِّئا

مِ عَطاؤُه ولدىَّ سَلْبُهْ

يا دهرُ مثلي لا يُقَلْ

قَلُ عن سَنام المجدِ جَنْبُهْ

أنا لا أُبالي إن رمي

ت وسبَّ عرضِي من أسبُّهْ

السيفُ يُرمَى بالفُلو

لِ إذا فشَا في الصَّلْد ضَرْبُهْ

والعينُ يُديمها الذُّبا

بُ ويُعجِز الآسادَ ذَبُّهْ

والتِّبرُ يعلوه التُّرا

بُ ولا يضرُّ التِّبر تُرْبُهْ

وأبيك ما نُكِب اللبي

بُ وفضلُه باقٍ ولُبُّهْ

هم يعرفون بأن نجْ

مِي تحرِق الطاغين شُهْبُهْ

والصبرَ يُرْقيني إذا

وثَب الزمان وعضَّ كلبُهْ

إن مَجَّنى قومٌ فإن

الموتَ ليس يسُوغ شُرْبُهْ

أو قيل قد مَلُّوه فالْسَّ

مُّ الزّعافُ يُمَلُّ قُرْبُه

أما المَلال فإنني

عُوِّدتُه ممن أُحُّبهْ

ص: 292

وإذا تكلَّف في الودا

دِ أخو الودادِ فكيف غربُهْ

فاطْوِالبساط فالانْبِسا

طُ قد انْطوى في الناس سِرْبُهْ

والشِّعر أخْلَف نَؤْوُه

وتقشَّعتْ في الجوِّ سُحْبُهْ

ما زال تلفحُه سُمو

مُ البُخْل حتى جَفَّ عُشْبُهْ

كم ترْتجِي صَنَماً سوا

ءٌ فيه مِدْحتُه وثَلْبُهْ

مُستْنكَر الأكْتاف جَعْ

دُ الكفِّ جَعْدُ الوجهِ صُلْبُهْ

أأُخَىَّ من يَكُ شاعراً

فالخالقُ الرزاقُ حَسْبُهْ

والراسُ راسُ المالِ إن

يسلَمْ فليس يِقلُّ كسْبُهْ

وكفى فَتى العِرفانِ خِلَاّ

ناً فضائلُه وكُتْبُهْ

فعلى مَ ترغبُ في سَرا

بٍ من شُخوص الْآلِ سِرْبُهْ

يتقلَّبون مع الزما

نِ كأن حِزْب هواك حزْبُهْ

يشْقَى النجيبُ بهم ويُسْ

لمُه إلى الأعداء صَحْبُهْ

وإذا جنَى فكأن سُ

لطانَ الذنوبِ الدُّهْمِ ذَنْبُهْ

فوجوههم طَلَلٌ به

يومَ الَّلحَى قد طال نَدْبُهْ

وأكفُّهم قَفْرٌ أُمِي

تَ الخِصْبُ فيه وعاش جَدْبُهْ

ذهب اللذين يعيش مثْ

لي بينهم ويموتُ كَرْبُهْ

وبَقى الذي تُضْنِى العُيو

نَ حُلاه والأسماعَ كذْبُهْ

من كلِّ محْلولِ الوِكا

ءِ مُثقَّف البِيضان ثُقْبُهْ

من كلِّ مَفِريِّ الأدي

مِ بِصَعْدِة السِّرْوالِ عْقُبهْ

يمشي ويمسح من مَعا

طِفه وكعبُ الشُّوم كَعْبُهْ

طُول بلا طَوْلٍ وأش

هَى ما يُرَى للعين صَلْبُهْ

أأُخَيَّ مثلي ليس تُهْد

دَى عن مَثار النَّقْع شُهْبُهْ

لا بُدَّ من شَرَرٍ يُعمُّ

الجوَّ والأعدا مَصَبَّهْ

فارقُب خُفوقي إن سكنْ

تُ فعاصفِي يُرْجَى مَهَبُّهْ

لا تنظُر الحسَّادُ حا

لي إنما المنْظورُ غِبُّهْ

أوَ مادَرْوا أن الحسَا

مَ يُفَلُّ ثم يُحَدُّ غَرْبُهْ

والبدرُ يُشرِق في المَطا

لعِ بعدما أخْفاه غَرْبُهْ

والروضُ يذبُل ثم يُكْ

سَى النَّوْرَ والأوراقَ قُضْبُهْ

والداءُ إن يوماً يشِفَّ

فبالتَّداوِي يَشْفِ رَبُّهْ

والدهرُ إن يُوْمَن بغَفْ

لٍ لذَّةً يفْجأْهُ خَطْبُهْ

لا يخدَعَنَّك سِلْمُه

فوراء سِلمِ الدهرِ حَرْبُهْ

قلت: لله دره على ما أبدع من المعاني الغرائب، والألفاظ المزرية بدرر النحور والترائب.

ويعرف قدر الشاعر الفائق، بتنوع جولانه في الميدان المتضايق.

وله يصف بركة ماء:

انظُر البركةَ التي تتراءَى

لِمُحيَّا الرياضِ كالمِرآةِ

تَرَ خدّاً مثلَ اللُّجَيْن تحلَّى

بِعذارٍ من انْعكاسِ النَّباتِ

وهذه قطعة من حائيته التي سارت بها الركبان، وطارت شهرتها بخوافي النسور وقوادم العقبان:

بات ساجِي الطَّرْفِ والشوقُ يُلِحُّ

والدجى إن يمْضِ جُنْحٌ يأْتِ جُنْحُ

وكأن الشرقَ بابٌ للدُّجى

ماله خوفَ هجُوم الصبحِ فَتْحُ

يقْدَح النجمُ بعيني شرراً

ولزنْد الشوقِ في الأحْشاءِ قَدْحُ

لا تسَلْ عن حال جَفْني والكرى

لم يكنْ بيني وبين الدَّمْعِ صُلْحُ

منها:

كلُّ عَيْش ينْقضي مالم يكنْ

مَعْ ملِيحٍ ما لذاك العيشِ مِلْحُ

من مديحها في خصماه:

وإذا قيل ابنُ فَرُّوخٍ أتى

سقطُوا لو أنَّ ذاك القولَ مَزْحُ

ص: 293

بطَلٌ لو شاء تمْزيقَ الدجى

لأتاه من عمودِ الصبح رُمْحُ

كم سطورٍ بالقَنا يكتُبها

وسطورٍ بلسانِ السيف يَمْحُو

كلُّ ما قد قيل في تَرْجِيحِه

في النَّدَى أو في الوغَى فهْو الأصَحُّ

منها:

آهِ من جَوْر النَّوى لا سُقِيَتْ

تُعْطِب الحُرَّ وما للحرِّ جُنْحُ

غُرْبةُ الأوطان أوْدتْ كبدي

واعْتراني ألَمٌ منها وبَرْحُ

حَسَّنوا القولَ وقالوا غُربةٌ

إنما الغُربةُ للأحْرار ذَبْحُ

فانتقِذْني واتخذني بُلْبُلا

صَدْحُه بين يدَيْ عَلْياك مَدْحُ

بِقَوافٍ كَسَقِيط الطَّلِّ أو

أنَّها من وَجَنات الغِيد رَشْحُ

ومما علق من مترنماته، وأغلق عليه باب مسلماته.

قوله:

قد نفدَتْ ذخائرُ الفؤادِ

فكم أُرَبِّي الدمعَ للسُّهادِ

فُؤادُ من يُحبُّ مثلُ دمعِه

ودمعُه مَظِنَّةُ النَّفادِ

إذا هدَى الليلُ فطفلُ مُقْلتي

يبِيتُ بالنَّزيف غيرَ هادِ

ومن بكى من النوى فقد رأَى

بعيْنه تقطُّع الأكْبادِ

تمايَلوا على الجِمال مَيْلةً

فعلَّمُوها مِشْيةَ التَّهادِي

وما سمعتُ بالغصون قبلَهم

مشتْ بها أكْثِبةُ البوادِى

فإن تجْد يَدِي على ترائِبي

فلا تقُلْ لغَيْبة الفؤادِ

وإنما رفعتُها لأنها

كانت لهم حمائلَ الأجْيادِ

حُمْرُ الخدود إن تغِبْ فشكلُها

بناظريَّ داخلَ السوادِ

لأجْل ذا الدمعُ جَرى بِشوْقها

فنظَّم الياقوت في نِجادِ

لا وأبى ومَن يقُل وأبى

فقد تَلَا أليَّةَ الأمْجادِ

ما عثَر الغَمْضُ بذيل ناظِري

ولا انْثنتْ لطَيْفهم وِسادِي

وهَبْ رَشاشَ مقلتي حبائلاً

فأين منها زَلَق الرُّقادِ

آهٍ آهَ إن تكنْ مِلْءَ فمي

فإنها مَضْمضةُ الصَّوادِي

قد نفَض السمعُ كلامَ غيرهم

كما نفضْتُ الصبر من مَزادِي

أعاذِلي وللهوى غَوايةٌ

بِعْتُ بها كما ترى رَشادِي

ولِعتْ بي وشُعْلتي كمِينةٌ

بقادحٍ يعبثُ في زِنادِي

دعِ الهوى يعبَثْ بي وإن تَشَا

فعُدَّني من عذَباتِ وادِ

ما لحق الَّلومُ غبارَ عاشقٍ

حَدا به من المَشِيب حادِي

أما ترى الأقاحَ حول لِمَّتِي

حكى ابْتسامَ البرقِ في البوادي

بشَّرني طلُوعه بأنَّ لي

صبحَ وِصالٍ لدُجى بِعادِي

ولم أقلْ مَناصِلٌ تجرَّدتْ

وأُرْكِزت بجانبِ الأغْمادِ

كأن شِيبَ الشَعَرات ألْسُنٌ

على ضَياع رَوْنقِي تُنادِي

لبْستُ ما أضاعني فأُسْوتي

كأُسْوِة الجمرِة في الرَّمادِ

ومن رباعياته قوله:

لا تُبْدِ لمن تحبُّه ما أُبْدِي

واصبرْ فعلَّ الصبرَ يوماً يُجدِي

إظْهار مَحَّبتي لمن أعشَقُه

صارتْ سبباً لطُول عُمرِ الصَّدِّ

ومن بدائعه قوله:

تذكرتُ إذ مَرَّتْ بنا الغِيدُ بُكْرةً

تلهُّبَ خالٍ في لَظَى خَدِّ أغْيَدِ

وردَّدْتُ طَرْفي ساعةً فرأيتُه

فؤادي الذي قد ضاع في الحبِّ من يَدِي

وقوله، مضمنا في الدخان:

عكفتُ على شُرْبِ الدُّخان وفي الحشَا

لهيبُ الجوَى فازْداد جَمْراً على جمرِ

فقلتُ أُداوِي نار قلبي بمْثلها

كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ

وقوله:

زُرْ واُجْلِ لَمْسمعي كؤوسَ اللَّفْظِ

واجعلْ كبدي غْمِداً لسيفِ اللَّحْظِ

ص: 294

بل جُرْ واهجُر ولا تخَفْ مَظْلمِتي

ما أورَدني البلاءَ إلا حَظِّي

وقوله مضمنا:

لا يدَّعِى قَمرٌ لوجهِك نِسْبةً

فأخاف أن يسْوَدَّ وجهُ المُدَّعِى

فالشمسُ لو علمتْ بأنك دونها

هبَطتْ إليك من المَحَلِّ الأرْفَعِ

قلت: هذا تضمين يليق أن يكتب بالتبر، فضلا عن الحبر.

ومن رباعياته قوله:

مولايَ بِقيتَ قد بَراني الأسفُ

من ينُصِفني منك وهل أنْتصِفُ

مَن أسْعده الحظُّ فإني دَنِفٌ

أشْقاه ولا شقِيتَ حَظٌّ دَنِفُ

وقوله:

مَن أرَّقني قد اسْتلَذَّ الأرَقا

ويْلاي ومَن أعشقُه قد عشِقَا

من ينُقذني منه ومنَ يُنْقذُه

أفْنى حُرَقاً فيه ويفْنى حُرَقَا

وقوله:

يار بِّ لا أقصِد بالشِّعر سواكْ

والقصدُ يَردُّني إلى باب غِناكْ

يا مَن جعلتُ تُرابَه ناصِيتي

قد صّوَّح نَبْتُها أغِثْني بنَداكْ

وقوله:

القلبُ لديْك وهْو عندي الغالِي

لا تتركْه مَطِيَّةَ الإذلالِ

تَا للهِ لقد عجبتُ من أحْواالي

يفنَى زمنِي بضيْعة الآمالِ

وقوله:

أصبحتُ ولَثْمُ أَخْمَصيْهِ أمليِ

مع أنَّ له فماً شفاءَ العِلَلِ

لكنْ قدمٌ سعتْ به من تَلَفِي

أعددْتُ لها جَوائزاً من قُبَلِي

وقوله:

أحسنُ ما يُهْدِيه أمْثالُنا

من طَيْبةٍ من عند خيرِ الأنامْ

بعضُ تُمَيْراتٍ إذا أمْكنتْ

إهداؤُها ثم الدُّعا والسلامْ

ومن محاسنه قوله، ومن قصيدة أولها:

طرقَتْ طَروق الطيفِ وَهْنَا

مَيّالَةُ الأعْطاف حَسْنَا

مصْقولُة الخَدِّين مثل السيْ

ف ألْحاظاً ومَتْنَا

أرْختْ وشاحاً فوق دِعْ

صٍ فوق غصنٍ قد تَثنَّى

ومشتْ فشيَّعها عَبِي

رُ الروضِ منْ هَنَّا وهَنّا

في حُلَّةٍ من جِنْس ما

يكسُو الربيعُ الغصنَ دَكْنَا

الدَّلُّ ينبُتُ من مسا

حِبِ ذيْلها والحسنُ يُجْنَى

تَمْشي فُرادَى ثم تمْ

شِي خلْفَها الأرْدافُ مَثْنَى

حَوْراء إن سمَحتْ بكشِْف قِناعها ملَأتْك حُسْنَا

وإذا اشْتهتْ رجعت عليْ

كَ فعاد ذاك الحسنُ حُزْنَا

لو خاطبتْ وَثَناً لَحَنَّ

مع الجمودِ لها وأنَّا

طارحْتُها شكوَى النَّوى

ولثمتُها أعْلى وأدْنَى

وعجبْت من وَلَهِي بها

ولِهْتُ بها وَلهَ المُعنَّى

تركتْ يداً وفماً وجِي

داً وابْتدتْ ذيلاً ورُدْنَا

وأقمت أنْصِب نحوها

طَرْفاً ونحوْ البابِ أُذْنَا

أخْشَى يُحِسَّ بنا النَّسي

مُ فيُخبر الروضَ الأغَنَّا

وبُولِّد الوَسْواس لي

جَرْسُ الحُلِىِّ إذا أرَنَّا

فتقول مسكينُ المتَّي

بالنسيمِ يسِىءُ ظَنَّا

طبْ يا فتى نفساً فقد

نامَتْ عيونُ الحىِّ عنَّا

جرس الحلى: صوته، ويقال فيه وسواس قال الشاعر:

كم بين وَسْواسِ الحُلِىّ

وبين وَسْواس الهمومِ

والوسوسة: مالا يفهم من الأصوات.

وهذا أسلوب متداول، ومنزعه خفق الحلى ورهجه، وذلك يخرج على قوالب من جنة الحلى ونمها وغير ذلك.

وقد يغير في الأطراف الفعمة، فيقال: إنها تغص الحلى، وتخرس وساوسها، وتحير الحلى.

وأحسن ما سمع فيه قول أبي كامل تميم بن المفرج:

وأطْرافاً يَحارُ الحَلْىُ فيها

فليس يكاد يضطرِبُ اضْطرابَا

قال صاحب الدمية: قوله يحار الحلى فيها، لم أسمع به إلا في شعره، وقد أتى ببدع المستعار وبكره.

وقد أنهيت الكلام على شعره، وهنا أذكر جانبا من نثره.

فمنه قوله يعاتب:

غرستُ لكم في المدح ما اخْضَرَّ عودُه

وألقتْ إليه الزُّهْرُ عِقْداً من الزَهْرِ

ص: 295