الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجْرِى الأمورُ بوَفْق ما يخْتارُه
…
ويُطِيعه العاصِي بكلِّ مَرامِ
فكأنما الأقْدارُ طَوْعُ يمينِه
…
بعد المُهيْمن في قَضا الأحكامِ
قُطْبٌ تدور عليه دولةُ أحمدٍ
…
ملَك الدُّنَا بالحَلِّ والإبْرامِ
هابَتْه أنفاسُ النفوسِ بأسْرِها
…
في الناس بعد العالِم العَلَّامِ
ولِبأْسِ شِدّته الأسودُ تشرَّدتْ
…
وتستَّرتْ في الغابِ والآجامِ
منها:
يلْقَاك بالبِشرِ الذي مِن نَشْرِه
…
ريحُ المنى يسْرِى بطِيب مَشامِ
بخَلائِقٍ تكْسو الرياضَ خلائقاً
…
فتضِيعُ رَيَّا مَنْدَلٍ وخُزامِ
ويُرِيك من رِضْوان عَدْلٍ جَنَّةً
…
فيها لحَرْبِ البَغْيِ أيُّ ضِرامٍ
منها:
يا أيها الطَّوْدُ العظيمُ وصاحبَ الطَّ
…
وْلِ الجسيمِ وجَوْشَنَ الإسلامِ
أُلْبِسْتَ من حُلَل الصَّدارة خِلْعةً
…
قنِع الأُلَى منها بطْيفِ مَنامِ
ما دار في فَلك المُديرِ مَدارهُ
…
إلا لْخبلِكِ وَدَّ دَوْرَ حِزامِ
ما أوْ كبَتْ زُهْر الدجَى بكوَاكبٍ
…
إلا لنَصْرِك في ألَدِّ خصامِ
إلى أن قال في آخرها:
كتبتْ مدائحُك الليالِي أسطُراً
…
تبْقَى بقِيتَ على مدى الأيَّامِ
وله:
قد جدَّد الشوق الجديدَ خيالُكمْ
…
بجوارِحي وضمائرِي وسَرائرِي
فإذا نظرتُ إلى الوجودِ رأيُتكمْ
…
في كلِّ موجودٍ عَيانَ الخاطرِ
وله:
قد قَّسم الحبُّ جسمي في محبَّتكمْ
…
حتى تجَزَّى بحيث الجسمُ ينْقسمُ
وما تصوَّرتُ مَوْجوداً ومنعدِماً
…
إلا خيالكمُ الموجودُ والعدمُ
ما إن نَثرتُ دموعَ القطْرِ من حُرَقٍ
…
إلا تحقَّقْتُكم في القَطْرِ ما زعمُوا
السيد أسعد بن البتروني
ريحانة جاذبتها أيدي الصبا، فلم تزل غضة المهز من عهد الصبا وحضرة عليها للجنان صور، تشف عن كحل في عيون الغيد وحور.
صافي الطبع كالزجاج في نقائه، منتظم العشرة كالسلك إذا انتقى جوهره وجيد في انتقائه.
وهو في الأدب جامع نوادر وشوارد، يزينها بجمال المشترى وظرف عطارد.
تعودت غصب العقول نكاته البديعة، كأن لها عند كل قلبٍ من قلوب الرجال وديعة.
وكنت وأنا بالروم نعمت بدنوه، ونسمت على نسمات مودته وحنوه.
في عهد أشهى للجفن من لذة هجوعه، وألذ من بشارة الشيخ بعوده لصباه ورجوعه.
وهو من أنه جاوز العشرة التي تسميها العرب دقاقة الرقاب، كثير التلفت لجمع شمل اللهو والارتقاب.
إلى أن اعترضه آخر أمره مرض، دام إلى أن انطوى عمره، وانقرض.
وأحسب أن الله أراد به تكفير سيئاته، وتمحيصه من فرطاتٍ سلبت كثيراً من حسناته.
وقد أوردت من شعره ما أحدقت به المحاسن إحداقا، ونبه لزهرات الروض أعيناً وأحداقا.
فمنه قوله، من قصيدة كتبها إلى السيد موسى الرامحمداني:
قد حلَّ أمرٌ عَجَبُ
…
شَيْبٌ بفَوْدِي يلعبُ
نجومُه لا تغرُبُ
…
فأينَ أين المهربُ
أرجو بقاءً معه
…
ما أنا إلَّا أشْعَبُ
هذ الشبابُ قد مضى
…
وبان منِّى الأطْيَبُ
هل عيشةٌ تصْفو لمن
…
قد غاب عنه المُطرِبُ
دهرٌ أرانا عجَباً
…
وكلُّ يومٍ رجبُ
أندُبُ أياماُ مضتْ
…
فيها صَفا لى المشربُ
في حلَبٍ بسادةٍ
…
قد خدَمتْهم رُتَبُ
من كلِّ سمحٍ ماجدٍ
…
تخجَل منه السُّحبُ
أفْناهُم الموتُ الذي
…
لكلِّ بِكْرٍ يخطُبُ
وما بها مِن بعدهمْ
…
مَن للمعالي يُنسَبُ
سوى جَهولٍ سِفْلةٍ
…
عن كلِّ فَضْلٍ يُحجَبُ
وهْو إذا أمَّلْتَه
…
كلبٌ عَقُور كَلِبُ
أستغفرُ الله بها
…
أستاذُنا المهذَّبُ
مُوسى الذي لفضْلِه
…
مُدَّ رُواقٌ مُذْهَبُ
حَلَّال كلِّ مُشكِلٍ
…
وحاتمٌ إذ يهَبُ
وإن جرَى في حكمٍ
…
تخالُ فينا يخطبُ
وقد حَوى مَعالياً
…
تنْحطُّ عنها الشُّهبُ
مِن سادةٍ أحْسابُهمْ
…
تنْطِق عنها الكتُبُ
مولايَ أشكُو غربةً
…
طالتْ وعزَّ المطلبُ
وتحت أذْيالِ الدجى
…
حامِلةٌ لا تُنْجِبُ
إلَّا بأولاد الزِّنى
…
هذا لَعَمْري العجبُ
إليْكَها خَرِيدةً
…
مَنالُها يُستصعَبُ
جآذرُ الرومِ لها
…
تسجدُ أو تنَسَّبُ
وَاسْلمْ وَدُم في رفعةٍ
…
للسَّعد فيها كوكبُ
ما حرَّكتْ مُتيمَّاً
…
وَرْقاءُ حين تندُبُ
فراجعه يقوله:
ما الكونُ إلا عجَبُ
…
فمنه لا يُستعجَبُ
أعمارُنا تُنتهَبُ
…
يوماُ فيوماُ تذهبُ
ونحن نلهُو أبداً
…
في غَفْلةٍ ونلعبُ
أوَّاهُ من يومٍ يجِي
…
ءُ شمسُه لا تغرُبُ
صائلةٌ فيه المَنَى
…
يا صولةً لا تغلَبُ
تخْطو على أرْواحِنا
…
فأين أين المهربُ
تَبّاً لدُنْيانا التي
…
لم يصْفُ فيها المشربُ
كم سيِّدٍ غرَّتْ به
…
وَاراه لحدٌ أحْدبُ
للدُّودِ فيه مَرْتَعٌ
…
وللهَوامِّ ملعبُ
والويلُ يومَ العَرْضِ إن
…
لم ينْجُ منه المُذنبُ
ومن لَظَى نارٍ بها
…
أجسادُنا تْلتهبُ
لا عملٌ يُرْجَى ولا
…
غوثٌ إليه ينسَبُ
إلا الكريمُ ربُّنا
…
ومن به نحْتسبُ
ثم الشفيعُ مَن إلى
…
جَنابِه ننتسبُ
محمدٌ خيرُ الورَى
…
مقصِدُنا والمطلبُ
الحكْمُ لله فَلّا
…
يكون ما لا يكتُبُ
والخيرُ فيما اخْتارَه
…
حَتمْاً علينا يجبُ
نَسْأَلُه يَبْقَى لنا
…
سيدُنا المهذَّبُ
أسعدُ من ساد الورَى
…
به وسادَ العربُ
جوهرةُ العِقْد الذي
…
جوهرُه المنتخَبُ
نجلُ الأُلَى تجَّملتْ
…
بهم قديماً حلَبُ
حِلْماً وعِلماًُ وتُقًى
…
وحسبٌ ونسَبُ
يخجل من أخْلاقِه
…
زَهرٌ سقتْه السُّحبُ
ومن جميلِ صُنْعِه
…
له المعالي تخطُبُ
طَلْقُ المُحيَّا فكلُّه
…
مُبجَّل مُحجَّبُ
ولُطْفُ أنْفاس الصَّبا
…
إلى عُلاه يُنسَبُ
ومن إلى المجدِ يُجا
…
رِيه فلا يُصوِّبُ
زِيد بَناناً كفُّه
…
إذْ ضاق عمَّا يهَبُ
فسَيْبُ صَوْبِ جُودِه
…
يخجل منه الصَّيِّبُ
لم يحْلُ خِلٌّ غيرُه
…
مُودَّدٌ محبَّبُ
قلت: لم أر من وصف الإصبع الزائدة هذا الوصف البديع، وبعضهم جعلها علامة الحرص، حيث قال:
انظُر إليه لشدَّةِ الحرصِ
…
زِيد بَناناً فزاد في النَّقْصِ
ومن هنا تعلم سر قولهم:
كم من زيادةٍ فيها نُقْصان فائدهْ
…
كاليد تنُقصها الإصبعُ الزَّائدهْ
وكان الأستاذ أبو بكر الطبري، يقول: الزيادة تؤدي إلى النقصان، والمثل فيها جارٍ على كل لسان.
ولذلك قيل: صبوة العفيف، وسطوة الحليم، وضربة الجبان، وجواب السكيت، ونادرة المجنون، وشجاعة الخصي، وظرف الأعرابي.
ومن شعر السيد أسعد، قوله في الشيب:
أبَعْد الأربعين خِضابُ شَيْبٍ
…
أرُوم به مُواصلةَ الغوانِي
وأرجو أن أكونَ به فَتِيّاً
…
فهذا من أكاذيب الأمانِي
فَوا أسفِي على زمنٍ تقضَّى
…
سَماعِي فيه قَهْقهةُ القَنانِي