الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وليلٍ كبحرٍ خُضْتُ أمواجَ جُنْحِه
…
على سابحٍ عن سَيْرِه قصَّر النَّسْرُ
أكَفْكِف أذْيالَ البوادِي تعسُّفاً
…
ولا يرْعَوِي إن راعَه الضربُ والزَّجْرُ
كان أبا الفضلِ البهاءَ محمَّداً
…
لنا حيث سِرْنا من صباحتِه فَجْرُ
وقوله من أخرى، مطلعها:
أأيَّتُهنَّ إذْ تبدو نَوارُ
…
صَدُوف أم كَنُود أم نَوارُ
بعيشِك هل سمعتَ فما سمعْنا
…
بآرامٍ وليس لها نِفارُ
برَزْنَ من الخدورِ مُحجَّباتٍ
…
ومحمودٌ من البدرِ السِّرارُ
طَلعْنَ عليك ثم خَنَسْنَ عُجْباً
…
كذلك تفعل الغُرُّ الجِوارُ
حَذارِ لواحظاً منهن دُعْجاً
…
فمقْتول الهوى منها جُبارُ
وبِي منهنَّ أُمْلُودٌ رَدَاحٌ
…
نأتْ عنِّي وقد شطَّ المَزارُ
لقد غدرت أُخَيَّ وغادرتْني
…
وحيداً لا أزور ولا أزارُ
وأنشد له السيد عبد الله الحجازي، يهجو قرية أوارين:
ولو أن لي في كلِّ وقتٍ وساعةٍ
…
بقريَة أوّارينَ ما أتمنَّاهُ
لقُلت خليليَّ ارْحلا بي عن التي
…
تُكثِّر أوْصابِي فلا بارك اللَهُ
مصطفى بن محمد بن نجم الدين الحلفاوي
خطيب وابن خطيب، وعبير مستفاد من مسك وطيب.
تناول المجد كابراً عن كابر، واستفاده ما بين أسرة ومنابر.
وهو من قوم رقوا عن الدرج، وأمن مادحهم من الاعتراض والحرج.
لأياديهم فتحت بالثناء أفواه الأعلام ولأقدامهم طأطأت رؤوس المنابر والأقلام.
لم تزل النجابة فيهم نسقاً على نسق، وإذا لاحت وجوههم أضاءت بالليل وما وسق.
وأنا إذا أمسكت عن ذكرهم لساناً رطيباً، فقد قام اشتهارهم عني في الآفاق خطيباً.
وقد نبغ منهم هذا الندب كما شاءت العلى، فجاء متحلياً من الفضائل الغر بأفخر الحلى.
وقد عرف فيه الرشد، من حين وضع في اللفافة وشد.
إلا أنه اخترمه الأجل وغصنه يانع، وليس له عند التوسع في الملآثر مانع.
وقد أنشدني بعض الأدباء له بيتين، جئت بهما في هذا المحل مثبتين.
وهما قوله:
قالوا سَلَا قلبُه عن حبِّهم وغدا
…
مُفرَّغَ الفكرِ منهم خاليَ البالِ
قلتُ اثبِتُوا أن لي قلباً أعيشُ به
…
ثم اثْبِتُوا أنه عن حبِّهم سالِي
وهذا معنى حسن، وقلت فيه من قطعة:
وظننتَ قلبي سالياً
…
أتركْتَ لي قلباً فيسْلُو
وقلت أيضاً:
قال تسَلَّى وقد جفانِي
…
ونام عن صَبْوتي وحُبِّي
صدقتَ بالقلبِ كنتُ أهوى
…
ما حِيلتي إذ أخذتَ قلبِي
والأصل فيه قول بشار:
عَذِيرِي من العُذَّالِ إذ يعْذِلونني
…
سَفَاهاً وما في العاذلين لبيبُ
يقولون لو عزَّيْتَ قلبَك لارْعَوَى
…
فقلتُ وهل للعاشقين قلوبُ
ومثله لابن الوضاح المرسي:
يقولون سلِّ القلبَ بعد فِراقِهمْ
…
فقلتُ وهل قلبٌ فيسْلو عن الحبِّ
وللعرجي ما هو منه ولا يبعد عنه:
وزعمتِ أن الدهر يُقْنِعني
…
صبْراً عليك وأين لي صبرُ
وللبهاء زهير:
جعل الرُّقادَ لي يُواصل مَوعِداً
…
من أين لي في حبِّه أن أرْقُدَا
وللبوريني:
يقولون في الصبحِ الدعاءُ مُؤثِّرٌ
…
فقلتُ نعم لو كان ليلِي له صبحُ
وللشهاب الخفاجي:
يقولون لي لم تُبْقِ للصلحِ مَوْضِعاً
…
وقد هجرُوا من غير ذَنْبٍ فمَن يُلْحَى
صدقْتُم وأنتُم للفؤادِ سلَبتُمُ
…
وماليَ قلبٌ غيره يطلُب الصُّلْحَا
محمد بن محمد البخشي
من أفراد العلم الكبار، الحسان الآثار والأخبار.
وكان من سمو القدر، واتساع الصدر، ونببل الهمة، ورعى الذمة.
في حدٍ ما وراءه مطمع، ولا يتقرط بمثل خبره مسمع.
إلى تقوى باطنه معمور، وقناعة موطنه ببركاته مغمور.
وإيثار بما ملك، ووقارٍ يتبعه أنى سلك.
توازن به السحب الهواطل إذا حبا، ولا ترضى أن تشبهه الجبال الروازن إذا احبتى.
صحبته بالروم فشاهدت ملكاً في صورة إنسان، مطبوعاً على الخير فما يشاب بشرٍ ولا يشان.
فما شرته محباً له محبة الصحابي للسنة، وفارقته فتلهفت عليه تلهف آدم على الجنة.
أنسى الأيام وأذكره، وأذك مكارمه فأشكره.
وهاجر آخر أمره إلى مكة، فكان بها سحاباً ماطراً، ونسيماُ إذا هب هب عاطراً.
فأقبل أكثر أهلها عليه، وسلموا زمام انقيادهم إليه.
ووردوا مشرع وفاقه، وانتظموا في سلك رفاقه.
ثم لم يلبث أن دعاه الكريم إلى داره، فتولاه عفوه بمنهله ومدراره.
وكان أملى علي من أشعاره قطعاً سهلة، ربما حفظتها لجودتها من أول وهلة.
فلم أعلقها في دفتر اعتماداً على الحفظ مني، ولم أدر أن الأيام وشواغلها تنفرها عني.
ثم وقفت له بمكة على قصيدة فتعلقت بها وجعلتها من المعلقات، وأنا من عهدها شغفٌ بترديدها حرصاً على تذكر تلك العلاقات.
والقصيدة هي هذه، قالها في مدح الشريف أحمد، وأخيه الشريف سعد ابني زيد، وهما بدار الخلافة:
خليليّ إيهٍ عن حديث صَبا نَجْدٍِ
…
وإن حركت داءً قديماً من الوَجْدِ
فآهاً على ذاك النَّسِيم تأسُّفاً
…
وآهٌ على آهٍ تروِّح أو تُجْدِي
عليلةُ أنْفاسٍ تُصِحُّ نفوسَنا
…
مُعطَّرةُ الأرْدانِ بالشِّيح والرَّنْدِ
وهيهاتَ نجدٌ والعُذَيْب ودونَه
…
مَهامهُ تغوى الكدر فيها عن الوِرْدِ
ومن كل شمَّاخِ الأهاضبِ خالَط السَّ
…
حابَ يرومُ الشمسَ بالصدِّ والرَّدِّ
وتسْرِي الصَّبا منه فتُمسِي وبيننا
…
من البَوْنِ ما لبين السَّماوةِ والسِّنْدِ
هذا في المبالغة وقول ابن عنين رفيقا عنان.
وقوله هو:
سامحتُ كُتْبَك في القطيعةِ عالِماً
…
أن الصحيفةَ لم تجدْ من حاملِ
وعذَرتُ طَيْفَك في الوصولِ لانه
…
يغْدو فيصبح دوننا بمَراحلِ
ولا أقول ما قال ابن بسام: لقد شنع وبشع أبو زيد في الكذب، حيث قال:
وشِمْتَ سيوفَك في جِلَّقٍ
…
فشامتْ خُراسانُ منها الحيَا
وبعد وبدع مهلهل، حيث قال:
ولولا الريحُ أسمَعَ من بُحْجرٍ
…
صليلُ البَيض تُقرَعُ بالذُّكورِ
لأن الصبا قد تتخلف لهبوب غيرها أيلاماً فبيت ابن عنين كذبه ولاضح، وللعذر فاضح.
والبيت الذي نحن فيه منشيه موصون بصدق المقال، ومنشده مستريحٌ من حمل الأثقال.
سقا اللهُ من نجدٍ هضاباً رياضُها
…
تنفَّس عن أزْكى من العَنْبَرِ الوَرْدِ
وحيَّى الحَيا حَيّاً نعِمْنا بظلِّه
…
بنَعْمان ما بين الشَّبِيية والرِّفدِ
نُغازِل غِزْلانا كوانِس في الحشَى
…
أوانسَ في ألْحاظها مَقْنِصُ الأُسْدِ
تُحاكِي الجَوارِي الكُنَّسَ الزُّهْرَ بَهْجةً
…
وتفضُلها في رفعةِ الشأن والسَّعدِ
حِجازيَّةُ الألْفاظِ عُذريَّة الهوى
…
عراقيَّة الألْحاظ ورديَّة الخدِّ
بعيدةُ مَهْوَى القُرْطِ معسولةُ اللَّمَى
…
مُرهَّفةُ الأجفانِ عَسَّالةُ القَدِّ
تَمِيسُ وقد أرْخَتْ ذوائبَ فَرْعِها
…
فتخْطُر بين الْبَانِ والعلَم الفَرْدِ
وتعْطُو بجِيدٍ عطَّل الْحَليُ حسنَه
…
كأن ظَبْيةٌ تعْطو إل رَيِّقِ المردِ
وكم ليلةٍ باتتْ يَداها حمائلِي
…
وباتتْ يدي من جِيدها مَطْرَح العِقدِ
ندير سُلافاً من حديث حَبابِها
…
على حين تَرْشافٍ ألَذَّ من الشُّهْدِ
ولمَّا تمطَّى الصبحُ يطلُب علْمنَا
…
تكنَّفَنا ليلٌ من الشَّعَرِ الجَعْدِ
عفِيفيْن عمَّا لا يليق تكرُّما
…
على كا بنا من شدةِ الشوقِ والوَجْدِ
وقد كاد يسعى الدهرُ في شَتِّ شَمْلِنا
…
ولكن توارَى شفْعُنا عنه بالفَرْدِ
فأصبحتُ أشكو بَيْنَها وفِراقَها
…
بشَطِّ النوى شكوَى الأسيرِ إلى القِدِّ